جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج8 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


مجمع البيان ج : 8 ص : 733
الحسن و الأعرج نعجة و لي نعجة بكسر النون و قراءة أبي حيوة و عزني بتخفيف الزاي و قراءة عمر بن الخطاب فتناه بتشديد التاء و النون و قراءة قتادة و أبي عمرو و في بعض الروايات الشاذة فتناه بتخفيف النون .

الحجة

أما قراءة و لا تشطط من شط يشط و يشط إذا بعد قال عنترة :
شطت مزار العاشقين فأصبحت
عسرا علي طلابك ابنة مخرم قال ابن جني معناه بعدت عن مزار العاشقين و لما بالغ في ذكر استضراره بها خاطبها بذلك لأنه أبلغ فعدل عن لفظ الغيبة إلى لفظ الخطاب فقال طلابك فأما النعجة فهي لغة في النعجة و مثله لقوة و لقوة و قوم شجعة و شجعة أي شجعان و أما عزني بالتخفيف فيمكن أن يكون أصله عزني غير أنه خفف بحذف الزاي الثانية أو الأولى كما قالوا في مسست و ظللت مست و ظلت و أما قوله فتناه فإنما هو فعلناه للمبالغة و أما فتناه بتخفيف النون فإن المراد بالتثنية هنا الملكان اللذان اختصما إليه أي اختبراه .

اللغة

الخصم هو المدعي على غيره حقا من الحقوق و المنازع له فيه و يعبر به عن الواحد و الاثنين و الجماعة بلفظ واحد لأن أصله المصدر فيقال رجل خصم و رجلان خصم و رجال خصم يقال خاصمته فخصمته أخصمه خصماء و التسور الإتيان من جهة السور يقال تسور فلان الدار إذا أتاها من جهة سورها .
و المحراب مجلس الأشراف الذي يحارب دونه لشرف صاحبه و منه سمي المعملي محرابا و موضع القبلة محرابا و أشط الرجل في حكمه إذا جار فهو مشط و شط عليه في السوم يشط شططا قال :
ألا يا لقومي قد أشطت عواذلي
و يزعمن أن أودي بحقي باطلي .

الإعراب

« إذ دخلوا » بدل من قوله « إذ تسوروا » و قيل أن التسور في زمان غير زمان الدخول .
« خصمان » خبر مبتدإ محذوف أي نحن خصمان .
« و قليل ما هم » هم مبتدأ و قليل خبره و ما زائدة و يجوز أن يكون ما بمعنى الذي و هم مبتدأ و الخبر محذوف أي و قليل الذين هم كذلك .

مجمع البيان ج : 8 ص : 734

المعنى

لما ذكر سبحانه أنه آتى داود الحكمة و فصل الخطاب عقبه بذكر من تخاصم إليه فقال « و هل أتاك » يا محمد « نبأ الخصم » أي هل بلغك خبرهم و المراد بالاستفهام هنا الترغيب في الاستماع و التنبيه على موضع إخلاله ببعض ما كان ينبغي أن يفعله « إذ تسوروا المحراب » أي حين صعدوا إليه المحراب و أتوه من أعلى سورة و هو مصلاه و إنما جمعهم لأنه أراد المدعي و المدعى عليه و من معهما و قد تعلق به من قال إن أقل الجمع اثنان و أجيب عن ذلك بأنه أراد الفريقين « إذ دخلوا على داود ففزع منهم » لدخولهم عليه في غير الوقت الذي يحضر فيه الخصوم من غير الباب الذي كان يدخل الخصوم منه و لأنهم دخلوا عليه بغير إذنه « قالوا لا تخف خصمان » أي فقالوا لداود نحن خصمان « بغى بعضنا على بعض » فجئناك لتقضي بيننا و ذلك قوله « فاحكم بيننا بالحق و لا تشطط » أي و لا تجر علينا في حكمك و لا تجاوز الحق فيه بالميل لأحدنا على صاحبه « و اهدنا إلى سواء الصراط » أي دلنا و أرشدنا إلى وسط الطريق الذي هو طريق الحق ثم حكى سبحانه ما قاله أحد الخصمين لصاحبه بقوله « إن هذا أخي له تسع و تسعون نعجة و لي نعجة واحدة » قال الخليل النعجة هي الأنثى من الضأن و البقر الوحشية و الشاة الجبلية و العرب تكني عن النساء بالنعاج و الظباء و الشاة قال الأعشى :
فرميت غفلة عينه عن شاته
فأصبت حبة قلبها و طحالها قال عنترة :
يا شاة ما قنص لمن حلت له
حرمت علي و ليتها لم تحرم « فقال أكفلنيها » أي ضمها إلي و اجعلني كافلها الذي يلزم نفسه القيام بها و حياطتها و المعنى أعطنيها و قيل معناه انزل لي عنها حتى تصير في نصيبي عن ابن عباس و ابن مسعود و مجاهد « و عزني في الخطاب » أي غلبني في مخاطبة الكلام و قيل معناه إنه إذا تكلم كان أبين مني و إن بطش كان أشد مني و إن دعا كان أكثر مني عن الضحاك « قال » داود « لقد ظلمك بسؤال نعجتك » معناه إن كان الأمر على ما تدعيه لقد ظلمك بسؤاله إياك
مجمع البيان ج : 8 ص : 735
بضم نعجتك « إلى نعاجه » فأضاف المصدر إلى المفعول به « و إن كثيرا من الخلطاء » أي الشركاء المخالطين جمع الخليط « ليبغي بعضهم على بعض » ثم استثنى من جملة الخلطاء الذين يبغي بعضهم على بعض الذين آمنوا فقال « إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات » أي فإنهم لا يظلم بعضهم بعضا « و قليل ما هم » أي و قليل هم و ما مزيدة « و ظن داود أنما فتناه » أي و علم داود أنا اختبرناه و ابتليناه و قيل إنا شددنا عليه في التعبد عن علي بن عيسى و قيل أراد الظن المعروف الذي هو خلاف اليقين « فاستغفر ربه » أي سأل الله سبحانه المغفرة و الستر عليه « و خر راكعا » أي صلى الله تعالى « و أناب » إليه و قيل سقط ساجدا لله تعالى و رجع إليه و قد يعبر عن السجود بالركوع قال الشاعر :
فخر على وجهه راكعا
و تاب إلى الله من كل ذنب قال الحسن إنما قال و خر راكعا لأنه لا يصير ساجدا حتى يركع و قال مجاهد مكث أربعين يوما ساجدا لا يرفع رأسه إلا لصلاة مكتوبة يقيمها أو لحاجة لا بد منها « فغفرنا له ذلك و إن له عندنا لزلفى » أي قربى و كرامة « و حسن م آب » في الجنة و اختلف في استغفار داود (عليه السلام) من أي شيء كان فقيل أنه حصل منه على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى و الخضوع له و التذلل بالعبادة و السجود كما حكى سبحانه عن إبراهيم (عليه السلام) بقوله و الذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين و أما قوله « فغفرنا له ذلك » فالمعنى أنا قبلناه منه و أثبناه عليه فأخرجه على لفظ الجزاء مثل قوله يخادعون الله و هو خادعهم و قوله الله يستهزىء بهم فلما كان المقصود من الاستغفار و التوبة القبول قيل في جوابه غفرنا و هذا قول من ينزه الأنبياء عن جميع الذنوب من الإمامية و غيرهم و من جوز على الأنبياء الصغائر قال إن استغفاره كان لذنب صغير وقع منه ثم أنهم اختلفوا في ذلك على وجوه ( أحدها ) أن أوريا بن حيان خطب امرأة و كان أهلها أرادوا أن يزوجوها منه فبلغ داود جمالها فخطبها أيضا فزوجوها منه فقدموه على أوريا فعوتب داود على الحرص على الدنيا عن الجبائي ( و ثانيها ) أنه أخرج أوريا إلى بعض ثغوره فقتل فلم يجزع عليه جزعه على أمثاله من جنده إذ مالت نفسه إلى نكاح امرأته فعوتب على ذلك بنزول الملكين ( و ثالثها ) أنه كان في شريعته أن الرجل إذا مات و خلف امرأة فأولياؤه أحق بها إلا أن يرغبوا عن التزويج بها فحينئذ يجوز لغيرهم أن يتزوج بها فلما قتل أوريا خطب داود (عليه السلام) امرأته و منعت هيبة داود و جلالته أولياءه أن يخطبوها فعوتب على ذلك ( و رابعها ) أن داود كان متشاغلا بالعبادة فأتاه رجل و امرأة متحاكمين إليه فنظر إلى المرأة ليعرفها بعينها و ذلك نظر مباح فمالت نفسه إليها ميل الطباع
مجمع البيان ج : 8 ص : 736
ففصل بينهما و عاد إلى عبادة ربه فشغله الفكر في أمرها عن بعض نوافله فعوتب ( و خامسها ) أنه عوتب على عجلته في الحكم قبل التثبت و كان يجب عليه حين سمع الدعوى من أحد الخصمين أن يسأل الآخر عما عنده فيها و لا يحكم عليه قبل ذلك و إنما أنساه التثبت في الحكم فزعة من دخولهما عليه في غير وقت العادة و أما ما ذكر في القصة أن داود كان كثير الصلاة فقال يا رب فضلت علي إبراهيم فاتخذته خليلا و فضلت علي موسى فكلمته تكليما فقال يا داود أنا ابتليناهم بما لم نبتلك بمثله فإن شئت ابتليتك فقال نعم يا رب فابتلني فبينا هو في محرابه ذات يوم إذ وقعت حمامة فأراد أن يأخذها فطارت إلى كوة المحراب فذهب ليأخذها فاطلع من الكوة فإذا امرأة أوريا بن حيان تغتسل فهويها و هم بتزويجها فبعث بأوريا إلى بعض سراياه و أمر بتقديمه أمام التابوت الذي فيه السكينة ففعل ذلك و قتل فلما انقضت عدتها تزوجها و بنى بها فولد له منها سليمان فبينا هو ذات يوم في محرابه يقرأ إذ دخل عليه رجلان ففزع منهما فقالا « لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض » إلى قوله « و قليل ما هم » فنظر أحد الرجلين إلى صاحبه ثم ضحك فتنبه داود على أنهما ملكان بعثهما الله إليه في صورة خصمين ليبكتاه على خطيئته فتاب و بكى حتى نبت الزرع من كثرة دموعه فمما لا شبهة في فساده فإن ذلك مما يقدح في العدالة فكيف يجوز أن يكون أنبياء الله الذين هم أمناؤه على وحيه و سفراؤه بينه و بين خلقه بصفة من لا تقبل شهادته و على حالة تنفر عن الاستماع إليه و القبول منه جل أنبياء الله عن ذلك و قد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال لا أوتى برجل يزعم أن داود تزوج امرأة أوريا إلا جلدته حدين حدا للنبوة و حدا للإسلام و قال أبو مسلم لا يمتنع أن يكون الداخلان على داود كانا خصمين من البشر و أن يكون ذكر النعاج محمولا على الحقيقة دون الكناية و إنما خاف منهما لدخولهما من غير إذن و على غير مجرى العادة و إنما عوتب على أنه حكم بالظلم على المدعى عليه قبل أن يسأله .
يَدَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَك خَلِيفَةً فى الأَرْضِ فَاحْكُم بَينَ النَّاسِ بِالحَْقِّ وَ لا تَتَّبِع الْهَوَى فَيُضِلَّك عَن سبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شدِيدُ بِمَا نَسوا يَوْمَ الحِْسابِ(26) وَ مَا خَلَقْنَا السمَاءَ وَ الأَرْض وَ مَا بَيْنهُمَا بَطِلاً ذَلِك ظنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ(27) أَمْ نجْعَلُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ كالْمُفْسِدِينَ فى الأَرْضِ أَمْ نجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كالْفُجَّارِ(28) كِتَبٌ أَنزَلْنَهُ إِلَيْك مُبَرَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا ءَايَتِهِ وَ لِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الأَلْبَبِ(29)

مجمع البيان ج : 8 ص : 737

القراءة

قرأ أبو جعفر و الأعمش و البرجمي لتدبروا بالتاء و تخفيف الدال و الباقون بالياء و تشديد الدال .


الحجة


لتدبروا أصله لتتدبروا فحذفت التاء الثانية التي هي فاء الفعل و قوله « ليدبروا » أصله ليتدبروا فأدغم التاء في الدال .

اللغة

الخليفة هو المدبر للأمور من قبل غيره بدلا من تدبيره و فلان خليفة الله في أرضه معناه أنه جعل إليه تدبير عباده بأمره .


المعنى

ثم ذكر سبحانه إتمام نعمته على داود (عليه السلام) بقوله « يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض » أي صيرناك خليفة تدبر أمور العباد من قبلنا بأمرنا و قيل معناه جعلناك خلف من مضى من الأنبياء في الدعاء إلى توحيد الله تعالى و عدله و بيان شرائعه عن أبي مسلم « فاحكم بين الناس بالحق » أي أفصل أمورهم بالحق و ضع كل شيء موضعه « و لا تتبع الهوى » أي ما يميل طبعك إليه و يدعو هواك إليه إذا كان مخالفا للحق « فيضلك عن سبيل الله » معناه إنك إذا اتبعت الهوى عدل الهوى بك عن سبيل الحق الذي هو سبيل الله « إن الذين يضلون عن سبيل الله » أي يعدلون عن العمل بما أمرهم الله « لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب » أي لهم عذاب شديد يوم الحساب بتركهم طاعات الله في الدنيا عن عكرمة و السدي و يكون على هذا يتعلق يوم الحساب بعذاب شديد و قيل معناه لهم عذاب شديد بإعراضهم عن ذكر يوم القيامة فيكون يوم متعلقا بنسوا « و ما خلقنا السماء و الأرض و ما بينهما باطلا » لا غرض فيه حكمي بل خلقناهما لغرض حكمي و هو ما في
مجمع البيان ج : 8 ص : 738
ذلك من إظهار الحكمة و تعريض أنواع الحيوان للمنافع الجليلة و تعريض العقلاء منهم للثواب العظيم و هذا ينافي قول أهل الجبر أن كل باطل و ضلال فهو من فعل الله « ذلك ظن الذين كفروا » بالله و جحدوا حكمته « فويل للذين كفروا من النار » ظاهر المعنى ثم قال سبحانه على وجه التوبيخ للكفار على وجه الاستفهام « أم نجعل الذين آمنوا » معناه بل أ نجعل الذين صدقوا الله و رسله « و عملوا الصالحات » و الطاعات « كالمفسدين في الأرض » العاملين بالمعاصي « أم نجعل المتقين كالفجار » أي بل أ نجعل المتقين الذين اتقوا المعاصي لله خوفا من عقابه كالفجار الذين عملوا بالمعاصي و تركوا الطاعات أي أن هذا لا يكون أبدا ثم خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « كتاب أنزلناه إليك مبارك » أي هذا القرآن كتاب منزل إليك مبارك أي كثير نفعه و خيره فإن في التدين به يستبين الناس ما أنعم الله عليهم « ليدبروا آياته » أي ليتفكر الناس و يتعظوا بمواعظه « و ليتذكر أولو الألباب » أي أولو العقول فهم المخاطبون به .
وَ وَهَبْنَا لِدَاوُدَ سلَيْمَنَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ(30) إِذْ عُرِض عَلَيْهِ بِالْعَشىِّ الصفِنَت الجِْيَادُ(31) فَقَالَ إِنى أَحْبَبْت حُب الخَْيرِ عَن ذِكْرِ رَبى حَتى تَوَارَت بِالحِْجَابِ(32) رُدُّوهَا عَلىَّ فَطفِقَ مَسحَا بِالسوقِ وَ الأَعْنَاقِ(33) وَ لَقَدْ فَتَنَّا سلَيْمَنَ وَ أَلْقَيْنَا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسداً ثمَّ أَنَاب(34) قَالَ رَب اغْفِرْ لى وَ هَب لى مُلْكاً لا يَنبَغِى لأَحَد مِّن بَعْدِى إِنَّك أَنت الْوَهَّاب(35) فَسخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تجْرِى بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْث أَصاب(36) وَ الشيَطِينَ كلَّ بَنَّاء وَ غَوَّاص(37) وَ ءَاخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فى الأَصفَادِ(38) هَذَا عَطاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِك بِغَيرِ حِساب(39) وَ إِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَ حُسنَ مَئَاب(40)

مجمع البيان ج : 8 ص : 739

اللغة

الصافنات جمع الصافنة من الخيل و هي التي تقوم على ثلاث قوائم و ترفع إحدى يديها حتى تكون على طرف الحافر يقال صفنت الخيل تصفن صفونا إذا وقفت كذلك قال الشاعر :
ألف الصفون فلا يزال كأنه
مما يقوم على الثلاث كسيرا و الجياد جمع جواد و الياء هاهنا منقلبة عن واو و الأصل جواد و هي السراع من الخيل كأنها تجود بالركض و قيل هو جمع جود فيكون مثل سوط و سياط و الكرسي السرير و أصله من التكرس و هو الاجتماع و منه الكراسة لاجتماعها و الرخاء الريح اللينة و هي من رخاوة المرور و سهولته و الأصفاد جمع صفد و هو الغل و منه يقال للعطاء صفد لأنه يرتبط بشكره كما قيل :
و من وجد الإحسان قيدا تقيدا .

الإعراب

« حب الخير » نصب على أنه مفعول به و التقدير اخترت حب الخير و عن في قوله « عن ذكر ربي » بمعنى على و على هذا فيكون أحببت بمعنى استحببت مثل ما في قوله الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة أي يؤثرونها و قال أبو علي أحببت بمعنى قعدت و لزمت من قولهم أحب البعير إذا برك و قوله « حب الخير » مفعول له أي لزمت الأرض لحب الخير معرضا عن ذكر ربي فعن في موضع نصب على الحال و ذكر مصدر مضاف إلى المفعول و يجوز أن يكون مضافا إلى الفاعل أي عما ذكرني ربي حيث أمرني في التوراة بإقامة الصلاة « توارت بالحجاب » أي توارت الشمس و لم يجر لها ذكر لأنه شيء قد عرف كقوله سبحانه إنا أنزلناه يعني القرآن و لم يجر له ذكر و قوله كل من عليها فان يعني الأرض قال الزجاج في الآية دليل يدل على الشمس و هو قوله « إذا عرض عليه » فهو في معنى عرض عليه بعد زوال الشمس حتى توارت الشمس بالحجاب قال و ليس يجوز الإضمار إلا أن يجري ذكر أو دليل بمنزلة الذكر و قوله « مسحا » مصدر فعل محذوف و هو خبر طفق التقدير فطفق يمسح مسحا و قوله « رخاء » منصوب على الحال و العامل فيه تجري فهو حال من حال لأن تجري في محل نصب بكونه حالا و « كل بناء » بدل من الشياطين بدل البعض من الكل و قوله « بغير حساب » في موضع نصب على الحال تقديره غير محاسب .

المعنى

ثم عطف سبحانه على قصة داود (عليه السلام) حديث سليمان فقال « و وهبنا

مجمع البيان ج : 8 ص : 740
لداود سليمان » أي وهبناه له ولدا « نعم العبد » أي نعم العبد سليمان « إنه أواب » أي رجاع إلى الله تعالى في أمور دينه ابتغاء مرضاته « إذ عرض عليه » يجوز أن يتعلق إذ بنعم العبد أي نعم العبد هو حين عرض عليه و يجوز أن يتعلق باذكر يا محمد المحذوف لدلالة الكلام عليه « بالعشي » أي في آخر النهار بعد زوال الشمس « الصافنات » الخيل الواقفة على ثلاث قوائم الواضعة طرف السنبك الرابع على الأرض « الجياد » السريعة المشي الواسعة الخطو قال مقاتل أنه ورث من أبيه ألف فرس و كان أبوه قد أصاب ذلك من العمالقة و قال الكلبي غزا سليمان دمشق و نصيبين فأصاب ألف فرس و قال الحسن كانت خيلا خرجت من البحر لها أجنحة و كان سليمان قد صلى الصلاة الأولى و قعد على كرسيه و الخيل تعرض عليه حتى غابت الشمس « فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي » و المراد بالخير الخيل هنا فإن العرب تسمي الخيل الخير عن قتادة و السدي فالمعنى آثرت حب الخيل من ذكر ربي أي على ذكر ربي قال الفراء كل من أحب شيئا فقد آثره و في قراءة ابن مسعود حب الخيل و سمي النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) زيد الخيل زيد الخير و قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) الخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم القيامة و قيل معناه حب المال عن سعيد بن جبير و الخيل مال و الخير بمعنى المال كثير في التنزيل و قيل إن هذه الخيل كانت شغلته عن صلاة العصر حتى فأت وقتها عن علي (عليه السلام) و قتادة و السدي و في روايات أصحابنا أنه فاته أول الوقت و قال الجبائي لم يفته الفرض و إنما فاته نفل كان يفعله آخر النهار لاشتغاله بالخيل و قيل إن ذكر ربي كناية عن كتاب الله التوراة فالمعنى إني أحببت الخيل عن كتاب الله و كما أن ارتباط الخيل ممدوح في كتابنا كذلك كان في كتابهم عن أبي مسلم « حتى توارت بالحجاب » أي غربت الشمس عن ابن مسعود و جماعة من المفسرين و جاز و إن لم يجر للشمس ذكر كما قال لبيد :
حتى إذا ألقت يدا في كافر
و أجن عورات الثغور ظلامها و قيل الضمير للخيل يعني حتى توارت الخيل بالحجاب بمعنى أنها شغلت فكره إلى تلك الحال و هي غيبوبتها عن بصره و ذلك بأنه أمر بإجراء الخيل فأجريت حتى غابت عن بصره عن أبي مسلم و علي بن عيسى « ردوها علي » أي قال لأصحابه ردوا الخيل علي عن
مجمع البيان ج : 8 ص : 741
أكثر المفسرين و قيل معناه أنه سأل الله تعالى أن يرد الشمس عليه فردها عليه حتى صلى العصر فالهاء في ردوها كناية عن الشمس عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) « فطفق مسحا بالسوق و الأعناق » قيل فيه وجوه ( أحدها ) أن المسح هاهنا القطع و المعنى أنه أقبل يضرب سوقها و أعناقها لأنها كانت سبب فوت صلاته عن الحسن و مقاتل و قال أبو عبيدة تقول العرب مسح علاوته أي ضرب عنقه و قيل إنه إنما فعل ذلك لأنها كانت أعز ماله فتقرب إلى الله تعالى بأن ذبحها ليتصدق بلحومها و يشهد بصحته قوله لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ( و ثانيها ) أن معناه فجعل يمسح أعراف خيله و عراقيبها بيده حبا لها عن ابن عباس و الزهري و ابن كيسان قال ابن عباس سألت عليا (عليه السلام) عن هذه الآية فقال ما بلغك فيها يا ابن عباس قلت سمعت كعبا يقول اشتغل سليمان بعرض الأفراس حتى فأتته الصلاة فقال ردوها علي يعني الأفراس كانت أربعة عشر فأمر بضرب سوقها و أعناقها بالسيف فقتلها فسلبه الله ملكه أربعة عشر يوما لأنه ظلم الخيل بقتلها فقال علي (عليه السلام) كذب كعب لكن اشتغل سليمان بعرض الأفراس ذات يوم لأنه أراد جهاد العدو حتى توارت الشمس بالحجاب فقال بأمر الله تعالى للملائكة الموكلين بالشمس ردوها علي فردت فصلى العصر في وقتها و إن أنبياء الله لا يظلمون و لا يأمرون بالظلم لأنهم معصومون مطهرون ( و ثالثها ) أنه مسح أعناقها و سوقها و جعلها مسبلة في سبيل الله تعالى و قيل لتغلب إن قطربا يقول مسحها و بارك عليها فأنكر ذلك و قال القول ما قال الفراء إنه ضرب أعناقها و سوقها ثم قال سبحانه « و لقد فتنا سليمان » أي اختبرناه و ابتليناه و شددنا المحنة عليه « و ألقينا على كرسيه جسدا » أي و طرحنا عليه جسدا و الجسد الذي لا روح فيه ثم أناب سليمان و اختلف العلماء في زلته و فتنته و الجسد الذي ألقي على كرسيه على أقوال منها أن سليمان قال يوما في مجلسه لأطوفن الليلة على سبعين امرأة تلد كل امرأة منهن غلاما يضرب بالسيف في سبيل الله و لم يقل إن شاء الله فطاف عليهن فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق ولد رواه أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال ثم قال فو الذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا الجسد الذي ألقي على كرسيه كان هذا ثم أناب إلى الله تعالى و فزع إلى الصلاة و الدعاء على وجه الانقطاع إليه سبحانه و هذا لا يقتضي أنه وقع منه معصية صغيرة و لا كبيرة لأنه و إن لم يستثن ذلك لفظا فلا بد من أن يكون قد استثناه ضميرا و اعتقادا إذ لو كان قاطعا للقول بذلك لكان مطلقا لما لا يأمن من أن يكون كذبا إلا أنه لما لم يذكر لفظة الاستثناء عوتب على ذلك من حيث ترك ما هو مندوب إليه و منها ما روي أن الجن و الشياطين لما ولد لسليمان ابن قال بعضهم لبعض إن عاش له ولد لنلقين منه ما لقينا من أبيه من البلاء فأشفق منهم عليه
مجمع البيان ج : 8 ص : 742
فاسترضعه في المزن و هو السحاب فلم يشعر إلا و قد وضع على كرسيه ميتا تنبيها على أن الحذر لا ينفع عن القدر فإنما عوتب على خوفه من الشياطين عن الشعبي و هو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) و منها أنه ولد له ولد ميت جسد بلا روح فألقي على سريره عن الجبائي و منها أن الجسد المذكور هو جسد سليمان لمرض امتحنه الله تعالى به و تقدير الكلام و ألقينا منه على كرسيه جسدا لشدة المرض فيكون جسدا منصوبا على الحال و العرب تقول في الإنسان إذا كان ضعيفا هو جسد بلا روح و لحم على وضم « ثم أناب » أي رجع إلى حال الصحة عن أبي مسلم و استشهد على ذلك بقوله تعالى و منهم من يستمع إليك إلى قوله يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين و لو أتى بالكلام على شرحه لقال يقول الذين كفروا منهم أي من المجادلين كما قال سبحانه محمد رسول الله إلى قوله وعد الله الذين آمنوا و عملوا الصالحات منهم مغفرة و مثله قول الأعشى :
و كان السموط علقها السلك
بعطفي جيداء أم غزال .
و لو أتى بالشرح لقال علقها السلك منها و قال كعب بن زهير :
زالوا فما زال أنكاس و لا كشف
عند اللقاء و لا ميل معازيل و لو أتى بالشرح لقال فما زال منهم أنكاس و أما ما ذكر عن ابن عباس أنه ألقي شيطان اسمه صخر على كرسيه و كان ماردا عظيما لا يقوى عليه جميع الشياطين و كان نبي الله سليمان لا يدخل الكنيف بخاتمه فجاء صخر في صورة سليمان حتى أخذ الخاتم من امرأة من نسائه و أقام أربعين يوما في ملكه و سليمان هارب و عن مجاهد أن شيطانا اسمه آصف قال له سليمان كيف تفتنون الناس قال أرني خاتمك أخبرك بذلك فلما أعطاه إياه نبذه في البحر فذهب ملكه و قعد الشيطان على كرسيه و منعه الله تعالى نساء سليمان فلم يقربهن و كان سليمان يستطعم فلا يطعم حتى أعطته امرأة يوما حوتا فشق بطنه فوجد خاتمه فيه فرد الله عليه ملكه و عن السدي أن اسم ذلك الشيطان حيقيق و ما ذكر أن السبب في ذلك أن الله سبحانه
مجمع البيان ج : 8 ص : 743
أمره بأن لا يتزوج في غير بني إسرائيل فتزوج من غيرهم و قيل بل السبب فيه أنه وطىء امرأة في حال الحيض فسال منه الدم فوضع خاتمه و دخل الحمام فجاء إبليس الشيطان و أخذه و قيل تزوج امرأة مشركة و لم يستطع أن يكرهها على الإسلام فعبدت الصنم في داره أربعين يوما فابتلاه الله بحديث الشيطان و الخاتم أربعين يوما و قيل احتجب ثلاثة أيام و لم ينظر في أمر الناس فابتلي بذلك فإن جميع ذلك مما لا يعول عليه لأن النبوة لا تكون في خاتم و لا يجوز أن يسلبها الله النبي و لا أن يمكن الشيطان من التمثل بصورة النبي و القعود على سريره و الحكم بين عباده و بالله التوفيق ثم حكى سبحانه دعاء سليمان حين أناب إلى الله تعالى بقوله « قال رب اغفر لي و هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب » يسأل عن هذا فيقال إن هذا القول من سليمان يقتضي الضن و المنافسة لأنه لم يرض بأن يسأل الملك حتى أضاف إلى ذلك أن يمنع غيره منه و أجيب عنه بأجوبة ( أحدها ) أن الأنبياء لا يسألون إلا ما يؤذن لهم في مسألته و جائز أن يكون الله تعالى أعلم سليمان أنه إن سأل ملكا لا يكون لغيره كان أصلح له في الدين و أعلمه أنه لا صلح لغيره في ذلك و لو أن أحدنا صرح في دعائه بهذا الشرط حتى يقول اللهم اجعلني أكثر أهل زماني مالا إذا علمت أن ذلك أصلح لي لكان ذلك منه حسنا جائزا و لا ينسب في ذلك إلى شح و ضن و اختاره الجبائي ( و ثانيها ) أنه يجوز أن يكون التمس من الله تعالى آية لنبوته يبين بها من غيره و أراد لا ينبغي لأحد غيري ممن أنا مبعوث إليه و لم يرد من بعده إلى يوم القيامة من النبيين كما يقال إنا لا أطيع أحدا بعدك أي لا أطيع أحدا سواك ( و ثالثها ) ما قاله المرتضى قدس الله روحه إنه يجوز أن يكون إنما سأل ملك الآخرة و ثواب الجنة و يكون معنى قوله « لا ينبغي لأحد من بعدي » لا يستحقه بعد وصولي إليه أحد من حيث لا يصلح أن يعمل ما يستحق به ذلك لانقطاع التكليف ( و رابعها ) أنه التمس معجزة تختص به كما أن موسى يختص بالعصا و اليد البيضاء و اختص صالح بالناقة و محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالمعراج و القرآن و يدل عليه ما روي مرفوعا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه صلى صلاة فقال إن الشيطان عرض لي ليفسد علي الصلاة فأمكنني الله منه فدفعته و لقد هممت أن أوثقه إلى سارية حتى تصبحوا و تنظروا إليه أجمعين فذكرت قول سليمان « رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي » فرده الله خاسئا أورده البخاري و مسلم في الصحيحين ثم بين سبحانه أنه أجاب دعاه بقوله « فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء » أي لينة سهلة عن ابن زيد و قيل طيبة سريعة عن قتادة و قيل مطيعة تجري إلى حيث يشاء عن ابن عباس « حيث أصاب » أي حيث أراد سليمان من النواحي عن أكثر المفسرين و حقيقته حيث قصد و المعنى أنه ينطاع له كيف أراد قال الحسن كان يغدو من إيليا و يقيل بقزوين و يبيت بكابل سؤال
مجمع البيان ج : 8 ص : 744
كيف وصف سبحانه الريح بالعاصف في قوله و لسليمان الريح عاصفة و وصفها هنا بخلافه جوابه يجوز أن يكون الله سبحانه جعلها عاصفة تارة و رخاء أخرى بحسب ما أراد سليمان (عليه السلام) « و الشياطين » أي و سخرنا له الشياطين أيضا « كل بناء » في البر يبني له ما أراد من الأبنية الرفيعة « و غواص » في البحر على اللآلىء و الجواهر فيستخرج له ما يشاء منها « و آخرين مقرنين في الأصفاد » أي و سخرنا له آخرين من الشياطين مشدودين في الأغلال و السلاسل من الحديد و كان يجمع بين اثنين و ثلاثة منهم في سلسلة لا يمتنعون عليه إذا أراد ذلك بهم عند تمردهم و قيل إنه إنما كان يفعل ذلك بكفارهم فإذا آمنوا أطلقهم « هذا عطاؤنا » أي هذا الذي تقدم ذكره من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعدك عطاؤنا « فامنن أو أمسك » أي فأعط من الناس من شئت و امنع من شئت و المن الإحسان إلى من لا يستثيبه « بغير حساب » أي لا تحاسب يوم القيامة على ما تعطي و تمنع فيكون أهنأ لك عن قتادة و الضحاك و سعيد بن جبير و قيل معناه بغير جزاء أي أعطيناكه تفضلا لا مجازاة عن الزجاج و قيل إن المعنى فأنعم على من شئت من الشياطين بإطلاقه أو أمسك من شئت منهم في وثاقه و صرفة في عمله من غير حرج عليك فيما تفعله « و إن له عندنا لزلفى و حسن م آب » معناه و إن لسليمان عندنا لقربى و حسن مرجع في الآخرة و هذا من أعظم النعم إذ هي النعمة الباقية الدائمة .
وَ اذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوب إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنى مَسنىَ الشيْطنُ بِنُصب وَ عَذَاب(41) ارْكُض بِرِجْلِك هَذَا مُغْتَسلُ بَارِدٌ وَ شرَابٌ(42) وَ وَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَ ذِكْرَى لأُولى الأَلْبَبِ(43) وَ خُذْ بِيَدِك ضِغْثاً فَاضرِب بِّهِ وَ لا تحْنَث إِنَّا وَجَدْنَهُ صابِراً نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ(44)

القراءة

قرأ أبو جعفر بنصب بضمتين و قرأ يعقوب بنصب بفتحتين و الباقون بضم النون و سكون الصاد .

مجمع البيان ج : 8 ص : 745

الحجة

قال الزجاج النصب و النصب لغتان كالرشد و الرشد و البخل و البخل تقول نصبت نصبا و نصبا قال أبو عبيدة النصب البلاء و الشر و أنشد لبشر بن أبي حازم :
تعناك نصب من أميمة منصب و من قرأ بنصب بضمتين فإنه أتبع الصاد ما قبله فهي أربع لغات .



اللغة

الركض الدفع بالرجل على جهة الإسراع و منه ركض الفرس لإسراعه إذا دفعه برجله قال سيبويه يقال ركضت الدابة و ركضتها فهو مثل جبر العظم و جبرته و الضغث ملء الكف من الشجرة و الحشيش و الشماريخ و ما أشبه ذلك .

المعنى

ثم ذكر سبحانه قصة أيوب (عليه السلام) فقال « و اذكر » يا محمد « عبدنا أيوب » شرفه الله سبحانه بأنه أضافه إلى نفسه و اقتد به في الصبر على الشدائد و كان في زمان يعقوب ابن إسحاق و تزوج ليا بنت يعقوب « إذ نادى ربه » أي حين دعا ربه رافعا صوته يقول يا رب لأن النداء هو الدعاء بطريقة يا فلان و متى قال اللهم افعل بي كذا و كذا كان داعيا و لا يكون مناديا « أني مسني الشيطان بنصب و عذاب » أي بتعب و مكروه و مشقة و قيل بوسوسة فيقول له طال مرضك و لا يرحمك ربك عن مقاتل و قيل بأن يذكره ما كان فيه من نعم الله تعالى من الأهل و الولد و المال و كيف زال ذلك كله و حصل فيما هو فيه من البلية طمعا أن يزله بذلك و يجد طريقا إلى تضجره و تبرمه فوجده صابرا مسلما لأمر الله و قيل إنه اشتد مرضه حتى تجنبه الناس فوسوس الشيطان إلى الناس أن يستقذروه و يخرجوه من بينهم و لا يتركوا امرأته التي تخدمه أن تدخل عليهم فكان أيوب يتأذى بذلك و يتألم منه و لم يشك الألم الذي كان من أمر الله تعالى قال قتادة دام ذلك سبع سنين و روي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال أهل التحقيق أنه لا يجوز أن يكون بصفة يستقذره الناس عليها لأن في ذلك تنفيرا فأما المرض و الفقر و ذهاب الأهل فيجوز أن يمتحنه الله بذلك فأجاب الله دعاءه و قال له « اركض برجلك » أي ادفع برجلك الأرض « هذا مغتسل بارد و شراب » و في الكلام حذف أي فركض رجله فنبعت بركضته عين ماء و قيل نبعت عينان فاغتسل من أحدهما فبرأ و شرب من الآخر فروي عن قتادة و المغتسل الموضع الذي يغتسل منه و قيل هو اسم للماء الذي يغتسل به عن ابن قتيبة « و وهبنا له أهله و مثلهم معهم » هذا مفسر في سورة الأنبياء و روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن الله تعالى أحيا له أهله الذين كانوا ماتوا قبل البلية و أحيا له أهله الذين ماتوا و هو في البلية « رحمة منا » أي فعلنا ذلك به لرحمتنا إياه فيكون منصوبا بأنه مفعول له و يجوز أن يكون منصوبا على المصدر لما كانت الموهبة بمعنى الرحمة « و ذكرى لأولي الألباب » أي ليتذكر و يعتبر به ذوو الألباب أي العقول و يعرفوا حسن عاقبة الصبر فيصبروا كما صبر قالوا أنه أطعم
مجمع البيان ج : 8 ص : 746
جميع أهل قريته سبعة أيام و أمرهم بأن يحمدوا الله و يشكروه « و خذ بيدك ضغثا » و هو ملء الكف من الشماريخ و ما أشبه ذلك أي و قلنا له ذلك و ذلك أنه حلف على امرأته لأمر أنكره من قولها لئن عوفي ليضربنها مائة جلدة فقيل له خذ ضغثا بعدد ما حلفت به « فاضرب به » أي و اضربها به دفعة واحدة فإنك إذا فعلت ذلك برت يمينك « و لا تحنث » في يمينك نهاه عن الحنث و روي عن ابن عباس أنه قال كان السبب في ذلك أن إبليس لقيها في صورة طبيب فدعته لمداواة أيوب (عليه السلام) فقال أداويه على أنه إذا برىء قال أنت شفيتني لا أريد جزاء سواء قالت نعم فأشارت إلى أيوب بذلك فحلف ليضربنها و قيل إنها كانت ذهبت في حاجة فأبطأت في الرجوع فضاق صدر المريض فحلف ثم أخبر سبحانه عن حال أيوب و عظم منزلته فقال « إنا وجدناه صابرا » على البلاء الذي ابتليناه به « نعم العبد إنه أواب » أي رجاع إلى الله منقطع إليه و روى العياشي بإسناده أن عباد المكي قال قال لي سفيان الثوري إني أرى لك من أبي عبد الله (عليه السلام) منزلة فاسأله عن رجل زنى و هو مريض فإن أقيم عليه الحد خافوا أن يموت ما تقول فيه فسألته فقال لي هذه المسألة من تلقاء نفسك أو أمرك بها إنسان فقلت إن سفيان الثوري أمرني أن أسألك عنها فقال إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أتي برجل أحبن قد استسقى بطنه و بدت عروق فخذيه و قد زنى بامرأة مريضة فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فأتي بعرجون فيه مائة شمراخ فضربه به ضربة و ضربها به ضربة و خلى سبيلهما و ذلك قوله « و خذ بيدك ضغثا فاضرب به و لا تحنث » .

مجمع البيان ج : 8 ص : 747
وَ اذْكُرْ عِبَدَنَا إِبْرَهِيمَ وَ إِسحَقَ وَ يَعْقُوب أُولى الأَيْدِى وَ الأَبْصرِ(45) إِنَّا أَخْلَصنَهُمْ بخَالِصة ذِكرَى الدَّارِ(46) وَ إِنهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصطفَينَ الأَخْيَارِ(47) وَ اذْكُرْ إِسمَعِيلَ وَ الْيَسعَ وَ ذَا الْكِفْلِ وَ كلُّ مِّنَ الأَخْيَارِ(48) هَذَا ذِكْرٌ وَ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسنَ مَئَاب(49) جَنَّتِ عَدْن مُّفَتَّحَةً لهَُّمُ الأَبْوَب(50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَكِهَة كثِيرَة وَ شرَاب(51) * وَ عِندَهُمْ قَصِرَت الطرْفِ أَتْرَابٌ(52) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الحِْسابِ(53) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَاد(54)

القراءة

قرأ ابن كثير وحده و اذكر عبدنا إبراهيم و الباقون « عبادنا » و قرأ أهل المدينة و هشام بخالصة ذكرى الدار غير منون على الإضافة و الباقون بالتنوين و خلافهم في « و اليسع » مذكور في سورة الأنعام و قرأ ابن كثير و أبو عمرو ما يوعدون بالياء و ابن كثير وحده يقرأ في سورة ق بالياء أيضا و الباقون بالتاء في الموضعين و في الشواذ قراءة الحسن و الثقفي أولي الأيد بغير ياء .

الحجة

قال أبو علي من قرأ عبدنا فإنه اختصه بالإضافة على وجه التكرمة له و الاختصاص بالمنزلة الشريفة كما قيل في مكة بيت الله و من قرأ « عبادنا » أجرى هذا الوصف على غيره من الأنبياء أيضا و جعل ما بعده بدلا من العباد و الأول جعل إبراهيم بدلا و ما بعده معطوفا على المفعول به المذكور و قوله « بخالصة ذكرى الدار » يحتمل أمرين ( أحدهما ) أن يكون ذكرى بدلا من الخالصة تقديره إنا أخلصناهم بالذكرى الدار و يجوز أن يقدر في قوله « ذكرى » التنوين فيكون الدار في موضع نصب تقديره بأن يذكروا الدار بالتأهب للآخرة ( و الثاني ) أن لا يقدر البدل و لكن يكون الخالصة مصدرا فيكون مثل قوله من دعاء الخير و يكون المعنى بخالصة تذكر الدار و يقوي هذا الوجه ما روي من قراءة الأعمش بخالصتهم ذكرى الدار و هذا يقوي النصب فكأنه قال بأن أخلصوا تذكير الدار فإذا نونت خالصة احتمل أمرين ( أحدهما ) أن يكون المعنى بأن خلصت لهم ذكرى الدار فيكون ذكرى في موضع رفع بأنه فاعل ( و الآخر ) أن يقدر المصدر الذي هو خالصة من الإخلاص فحذفت الزيادة فيكون المعنى بإخلاص ذكرى فيكون ذكرى في موضع نصب و الدار يجوز أن يعني بها الدنيا و يجوز أن يعني بها الآخرة و الذي يدل على أنه يجوز أن يراد بها الدنيا قوله تعالى في الحكاية عن إبراهيم و اجعل لي لسان صدق في الآخرين و قوله و جعلنا لهم لسان صدق فاللسان هو القول الحسن و الثناء عليه لا الجارحة كما في قول الشاعر
ندمت على لسان فأت مني
فليت بأنه في جوف عكم و كذلك قول الآخر
مجمع البيان ج : 8 ص : 748

إني أتاني لسان لا أسر به
من علو لا كذب فيه و لا سخر و قوله تعالى « و تركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم و سلام على نوح في العالمين » و المعنى أبقينا عليهم الثناء الجميل في الدنيا فالدار في هذا التقدير ظرف و القياس أن يتعدى الفعل و المصدر إليه بالحرف و لكنه على ذهبت الشام عند سيبويه
و كما عسل الطريق الثعلب ( و أما ) جواز كون الدار الآخرة في قوله « أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار » فيكون ذلك بإخلاصهم ذكرى الدار و يكون ذكرهم لها وجل قلوبهم منها و من حسابها كما قال و هم من الساعة مشفقون فالدار على هذا مفعول بها و ليست كالوجه المتقدم و أما من أضاف فقال بخالصة ذكرى الدار فإن الخالصة تكون على ضروب تكون للذكر و غير الذكر فإذا أضيفت إلى ذكرى اختصت الخالصة بهذه الإضافة فتكون هذه الإضافة إلى المفعول به كأنه بإخلاصهم ذكرى الدار أي بأن أخلصوا ذكرها و الخوف منها لله و يكون على إضافة المصدر الذي هو الخالصة إلى الفاعل تقديره بأن خلصت لهم ذكرى الدار و الدار على هذا يحتمل الوجهين اللذين تقدما من كونها للآخرة و الدنيا فأما قوله و قالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا فيجوز في خالصة وجهان ( أحدهما ) أن يكون مصدرا كالعاقبة ( و الآخر ) أن يكون وصفا و كلا الوجهين يحتمل الآية فيجوز أن يكون ما في بطون هذه الأنعام ذات خلوص و يجوز أن يكون الصفة و أنث على المعنى لأنه كثرة و المراد به الأجنة و المضامين فيكون التأنيث على هذا و من قرأ الليسع جعله اسما على صورة الصفات كالحارث و العباس أ لا ترى أن فيعلا مثل ضيغم و حيدر كثير في الصفات و وجه قراءة من قرأ « و اليسع » أن الألف و اللام قد يدخلان الكلمة على وجه الزيادة كما حكى أبو الحسن الخمسة عشر درهما قال
و لقد جنيتك أكمؤا و عساقلا
و لقد نهيتك عن بنات الأوبر و بنات الأوبر ضرب من الكمأة معرفة فأدخل في المعرفة الألف و اللام على وجه
مجمع البيان ج : 8 ص : 749
الزيادة فكذلك التي تكون في اليسع و من قرأ « هذا ما توعدون » بالتاء فعلى معنى قل للمتقين هذا ما توعدون و الياء على معنى « و إن للمتقين لحسن م آب » هذا ما يوعدون و الياء أعم لأنه يصلح أن يدخل فيه الغيب من الأنبياء و أما في سورة ق فنحو هذا و أزلفت الجنة للمتقين هذا ما توعدون أيها المتقون على الرجوع من الغيبة إلى الخطاب أو على قل لهم هذا ما توعدون و الياء على إخبار النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بما وعدوا كأنه هذا ما يوعدون أيها النبي و من قرأ أولي الأيد بغير ياء فإنه يحتمل أن يكون أراد الأيدي فحذف الياء تخفيفا كقوله يوم يدع الداع و نحو ذلك و يحتمل أن يكون أراد بالأيد القوة في طاعة الله و يدل عليه أنه مقرون بالأبصار أي البصر بما يحظى عند الله و على هذا فالأيدي هنا إنما هي جمع اليد التي هي القوة لا التي هي الجارحة و لا النعمة لكنه كقولك له يد في الطاعة .

الإعراب

قال الزجاج جنات بدل من حسن م آب « مفتحة لهم الأبواب » أي مفتحة لهم الأبواب منها و قال بعضهم مفتحة لهم أبوابها و المعنى واحد إلا أن على تقدير العربية الأبواب منها أجود أن يجعل الألف و اللام بدلا من الهاء و الألف لأن معنى الألف و اللام ليس من معنى الهاء و الألف في شيء لأن الهاء و الألف اسم و الألف و اللام دخلتا للتعريف و لا يبدل حرف جاء بمعنى من اسم و لا ينوب عنه قال أبو علي مفتحة صفة لجنات عدن و في مفتحة ضمير يعود إلى جنات و الأبواب بدل من ذلك الضمير لأنك تقول فتحت الجنان إذا فتحت أبوابها فيكون من بدل البعض من الكل نحو ضربت زيدا رأسه و في القرآن و فتحت السماء فكانت أبوابا و ليس جنات عدن معرفة إذ ليس عدن بعلم و إنما هو بمنزلة جنات إقامة و قوله « هذا » خبر مبتدإ محذوف تقديره الأمر هذا و يجوز أن يكون مبتدأ محذوف الخبر أي هذا أمرهم .

المعنى

ثم عطف سبحانه على ما تقدم حديث الأنبياء فقال « و اذكر » يا محمد لقومك و أمتك « عبادنا إبراهيم و إسحاق و يعقوب » ليقتدوا بهم في حميد أفعالهم و كريم خلالهم فيستحقوا بذلك حسن الثناء في الدنيا و جزيل الثواب في العقبي كما استحق أولئك و إذا قرىء عبدنا فيكون التقدير و اذكر عبدنا إبراهيم خصه بشرف الإضافة إلى نفسه و اذكر إسحاق و يعقوب وصفهم جميعا فقال « أولي الأيدي » أي ذوي القوة على العبادة « و الأبصار » الفقه في الدين عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و معناه أولي العلم و العمل فالأيدي العمل و الأبصار العلم عن أبي مسلم و قيل أولي الأيدي أولي النعم على عباد الله بالدعاء إلى الدين و الأبصار جمع البصر و هو العقل « إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار »
مجمع البيان ج : 8 ص : 750
أي جعلناهم لنا خالصين بأن خلصت لهم ذكرى الدار و الخالصة بمعنى الخلوص و الذكرى بمعنى التذكير أي خلص لهم تذكير الدار و هو أنهم كانوا يتذكرونها بالتأهب لها و يزهدون في الدنيا كما هو عادة الأنبياء و قيل المراد بالدار الدنيا عن الجبائي و أبي مسلم أي خصصناهم بالذكر في الأعقاب من بين أهل الدنيا « و إنهم عندنا » و بحسب ما سبق في علمنا « لمن المصطفين » للنبوة و تحمل أعباء الرسالة « الأخيار » جمع خير كالأموات جمع ميت و هو الذي يفعل الأفعال الكثيرة الحسنة و قيل هي جمع خير فيكون كالأقيال جمع قيل و هذا مثل قوله و لقد اخترناهم على علم على العالمين « و اذكر إسماعيل و اليسع و ذا الكفل » أي اذكر لأمتك هؤلاء أيضا ليقتدوا بهم و يسلكوا طريقتهم و قد تقدم ذكرهم « و كل من الأخيار » قد اختارهم الله للنبوة « هذا ذكر » أي شرف لهم و ذكر جميل و ثناء حسن يذكرون به في الدنيا أبدا « و إن للمتقين لحسن م آب » أي حسن مرجع و منقلب يرجعون في الآخرة إلى ثواب الله و مرضاته ثم فسر حسن الم آب بقوله « جنات عدن » فهي في موضع جر على البدل أي جنات إقامة و خلود « مفتحة لهم الأبواب » أي يجدون أبوابها مفتوحة حين يردونها و لا يحتاجون إلى الوقوف عند أبوابها حتى تفتح و قيل معناه لا يحتاجون إلى مفاتيح بل تفتح بغير مفتاح و تغلق بغير مغلاق قال الحسن تكلم يقال انفتحي انغلقي و قيل معناه إنها معدة لهم غير ممنوعين منها و إن لم تكن أبوابها مفتوحة قبل مصيرهم إليها كما يقول الرجل و لغيره متى نشطت لزيارتي فالباب مفتوح و الدست مطروح « متكئين فيها » أي مستندين فيها إلى المساند جالسين جلسة الملوك « يدعون فيها بفاكهة كثيرة و شراب » أي يتحكمون في ثمارها و شرابها فإذا قالوا لشيء منها أقبل حصل عندهم « و عندهم قاصرات الطرف » أي و عندهم في هذه الجنان أزواج قصرن طرفهن على أزواجهن راضيات بهم ما لهن في غيرهم رغبة و القاصر نقيض الماد يقال فلان قاصر طرفه عن فلان و ماد عينه إلى فلان قال امرؤ القيس :
من القاصرات الطرف لو دب محول
من الذر فوق الأتب منها لأثرا « أتراب » أي أقران على سن واحد ليس فيهن عجوز و لا هرمة و قيل أمثال و أشباه عن مجاهد أي متساويات في الحسن و مقدار الشباب لا يكون لواحدة على صاحبتها فضل في ذلك و قيل أتراب على مقدار سن الأزواج كل واحدة منهن ترب زوجها لا تكون أكبر منه قال
مجمع البيان ج : 8 ص : 751
الفراء الترب اللدة مأخوذ من اللعب بالتراب و لا يقال إلا في الإناث قال عمر بن أبي ربيعة :
أبرزوها مثل المهاة تهادى
بين عشر كواعب أتراب « و هذا » يعني ما ذكر فيما تقدم « ما توعدون » أي يوعد به المتقون أو يخاطبون فيقال لهم هذا القول « ليوم الحساب » أي ليوم الجزاء « إن هذا » الذي ذكرنا « لرزقنا » أي عطاؤنا الجاري المتصل « ما له من نفاد » أي فناء و انقطاع لأنه على سبيل الدوام عن قتادة و قيل أنه ليس لشيء في الجنة نفاد ما أكل من ثمارها خلف مكانه مثله و ما أكل من حيوانها و طيرها عاد مكانه حيا عن ابن عباس .
هَذَا وَ إِنَّ لِلطغِينَ لَشرَّ مَئَاب(55) جَهَنَّمَ يَصلَوْنهَا فَبِئْس المِْهَادُ(56) هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَ غَساقٌ(57) وَ ءَاخَرُ مِن شكلِهِ أَزْوَجٌ(58) هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لا مَرْحَبَا بهِمْ إِنهُمْ صالُوا النَّارِ(59) قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لا مَرْحَبَا بِكمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْس الْقَرَارُ(60) قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فى النَّارِ(61)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير أبي بكر « غساق » بالتشديد حيث كان في القرآن و الباقون بالتخفيف و قرأ أهل البصرة و أخر بضم الألف و الباقون « آخر » على التوحيد .

الحجة

قال أبو علي أما الغساق بالتشديد فلا يخلو أن يكون اسما أو وصفا فالاسم لا يجيء على هذا الوزن إلا قليلا نحو الكلأ و الفدان و الجبان فينبغي أن يكون وصفا قد
مجمع البيان ج : 8 ص : 752
أقيم مقام الموصوف و الأحسن أن لا تقام الصفة مقام الموصوف إلا أن تكون صفة قد غلبت نحو العبد و الأبطح و الأبرق و القراءة بالتخفيف أحسن من حيث ذكرنا و من قرأ و أخر على الجمع كان أخر مبتدأ و « من شكله » في موضع صفته أي من ضربه و أزواج خبر المبتدأ لأنه جمع كالمبتدأ و قد وصفت النكرة فحسن الابتداء بها و الضمير في شكله يعود إلى قوله « حميم » و يجوز أن يكون المعنى من شكل ما ذكرناه و من قرأ « و آخر » على الإفراد ف آخر يرتفع بالابتداء في قول سيبويه و فيه ذكر مرفوع عنده و بالظرف في قول أبي الحسن و لا ذكر في الظرف لارتفاع الظاهر به فإن لم تجعل آخر مبتدأ في هذا الوجه خاصة قلت أنه يكون ابتداء بالنكرة فلا أحمل على ذلك و لكن لما قال « حميم و غساق » دل هذا الكلام على أن لهم حميما و غساقا فحمل المعطوف على المعنى فجعل لهم المدلول عليه خبرا آخر فهو قول و كان التقدير لهم عذاب آخر من شكله أزواج فيكون من شكله في موضع الصفة و يكون ارتفاع أزواج به في قول سيبويه و أبي الحسن و لا يجوز أن يجعل قوله « من شكله أزواج » في قول من قرأ و أخر على الجمع وصفا و يضمر الخبر كما فعلت ذلك في قول من وحد لأن الصفة لا يرجع منها ذكر إلى الموصوف أ لا ترى أن أزواج إذا ارتفع بالظرف لم يجز أن يكون فيه ذكر مرفوع و الهاء التي للإفراد لا ترجع إلى الجمع في الوجه البين فتحصل الصفة بلا ذكر يعود منها إلى الموصوف و أما امتناع أخر من الصرف في النكرة فللعدل و الوصف فمعنى العدل فيه أن هذا النحو لا يوصف به إلا بالألف و اللام و استعملت أخر بلا ألف و لام فصارت بذلك معدولة عن الألف و اللام .

اللغة

المهاد الفراش الموطإ يقال مهدت له تمهيدا مثل وطأت له توطئة و الحميم الحار الشديد الحرارة و منه الحمى لشدة حرارتها و الغساق قيح شديد النتن يقال غسقت القرحة تغسق غسوقا و قيل هو مشتق من الغسق و هو السواد و الظلمة أي هو على ضد ما يراد في الشراب من الضياء و الرقة عن أبي مسلم و منه يقال ليل غاسق و غسقت عينه أظلمت و أغسق المؤذن المغرب أخره إلى الظلمة و الشكل بفتح الشين الضرب المتشابة و الشكل بالكسر النظير في الحسن و هو الدل أيضا و الاقتحام الدخول في الشيء بشدة و صعوبة قال أبو عبيدة قولهم لا مرحبا به أي لا رحبت عليه الأرض .
و قال القتيبي قولهم مرحبا بك أي أتيت رحبا و سعة قال النابغة :
لا مرحبا بغد و لا أهلا به
إن كان تفريق الأحبة في غد .

الإعراب

هذا مبتدأ و حميم خبره و غساق معطوف عليه و « فليذوقوه » خبر بعد خبر
مجمع البيان ج : 8 ص : 753
و التقدير هذا حميم و غساق فليذوقوه و يجوز أن يكون « هذا فليذوقوه » مبتدأ و خبر و حميم خبر مبتدإ محذوف أي هو حميم و يجوز أن يكون هذا في موضع نصب بفعل مضمر يفسره هذا الظاهر .

المعنى

لما بين سبحانه أحوال أهل الجنة و ما أعد لهم من جزيل الثواب عقبه ببيان أحوال أهل النار و ما لهم من أليم العذاب فقال « هذا » أي ما ذكرناه للمتقين ثم ابتدأ فقال « و إن للطاغين » الذين طغوا على الله و كذبوا رسله « لشر م آب » و هو ضد م آب المتقين ثم فسر ذلك فقال « جهنم يصلونها » أي يدخلونها فيصيرون صلاء لها « فبئس المهاد » أي فبئس المسكن و بئس المهد « هذا فليذوقوه حميم و غساق » أي هذا حميم و غساق فليذوقوه عن الفراء و الزجاج و قيل معناه هذا الجزاء للطاغين فليذوقوه و أطلق عليه لفظ الذوق لأن الذائق يدرك الطعم بعد طلبه فهو أشد إحساسا به و الحميم الماء الحال و الغساق البارد الزمهرير عن ابن مسعود و ابن عباس فيكون المعنى أنهم يعذبون بحار الشراب الذي انتهت حرارته و ببارد الذي انتهت برودته فيبرده يحرق كما يحرق النار و قيل أن الغساق عين في جهنم يسيل إليها سم كل ذات حمة من حية و عقرب عن كعب و قيل هو ما يسيل من دموعهم يسقونه مع الحميم عن السدي و قيل هو القيح الذي يسيل منهم يجمع و يسقونه عن ابن عمر و قتادة و قيل هو عذاب لا يعلمه إلا الله عن الحسن « و آخر » أي و ضروب أخر « من شكله » أي من شكل هذا العذاب و جنسه « أزواج » أي ألوان و أنواع متشابهة في الشدة لا نوع واحد « هذا فوج مقتحم معكم » هاهنا حذف أي يقال لهم هذا فوج و هم قادة الضلالة إذا دخلوا النار ثم يدخل الأتباع فيقول الخزنة للقادة هذا فوج أي قطع من الناس و هم الأتباع مقتحم معكم في النار دخلوها كما دخلتم عن ابن عباس و قيل يعني بالأول أولاد إبليس و بالفوج الثاني بني آدم أي يقال لبني إبليس بأمر الله تعالى هذا جمع من بني آدم مقتحم معكم يدخلون النار و عذابها و أنتم معهم عن الحسن « لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار » أي لا اتسعت لهم أماكنهم لأنهم لازموا النار فيكون المعنى على القول الأول أن القادة و الرؤساء يقولون للأتباع لا مرحبا بهؤلاء أنهم يدخلون النار مثلنا فلا فرح لنا في مشاركتهم إيانا فيقول الأتباع لهم « قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم » أي لا نلتم رحبا و سعة « أنتم قدمتموه لنا » أي حملتمونا على الكفر الذي أوجب لنا هذا العذاب و دعوتمونا إليه و أما على القول الثاني أن أولاد إبليس يقولون لا مرحبا بهؤلاء قد ضاقت أماكننا بهم إذ كانت النار مملوءة منا فليس لنا منهم إلا ضيق في شدة و هذا كما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن النار تضيق عليهم كضيق الزج
مجمع البيان ج : 8 ص : 754
بالرمح « قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم » أي يقول بنو آدم بل لا كرامة لكم أنتم شرعتموه لنا و زينتموه في نفوسنا « فبئس القرار » الذي استقررنا عليه « قالوا ربنا من قدم لنا هذا » أي يدعون عليهم بهذا إذا حصلوا في نار جهنم أي من سبب لنا هذا العذاب و دعانا إلى ما استوجبنا به ذلك « فزده عذابا ضعفا » أي مثلا مضاعفا إلى مثل ما يستحقه « في النار » أحد الضعفين لكفرهم بالله و الضعف الآخر لدعائهم إيانا إلى الكفر .
وَ قَالُوا مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الأَشرَارِ(62) أَتخَذْنَهُمْ سِخْرِياًّ أَمْ زَاغَت عَنهُمُ الأَبْصرُ(63) إِنَّ ذَلِك لحََقُّ تخَاصمُ أَهْلِ النَّارِ(64) قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ وَ مَا مِنْ إِلَه إِلا اللَّهُ الْوَحِدُ الْقَهَّارُ(65) رَب السمَوَتِ وَ الأَرْضِ وَ مَا بَيْنهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّرُ(66) قُلْ هُوَ نَبَؤٌا عَظِيمٌ(67) أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضونَ(68) مَا كانَ لىَ مِنْ عِلْمِ بِالْمَلا الأَعْلى إِذْ يخْتَصِمُونَ(69) إِن يُوحَى إِلىَّ إِلا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ(70)

القراءة

قرأ أهل العراق غير عاصم اتخذناهم موصولة الهمزة و الباقون « اتخذناهم » بقطع الهمزة و قرأ أهل المدينة و الكوفة غير عاصم سخريا بضم السين و الباقون بكسرها و قرأ أبو جعفر إن يوحى إلي إلا إنما بكسر الألف و الباقون « أنما » بالفتح .

الحجة

قال أبو علي في إلحاق همزة الاستفهام في قوله « اتخذناهم سخريا » بعض البعد لأنهم قد علموا أنهم اتخذوهم سخريا و كيف يستقيم أن يستفهم عنه و يدل على علمهم بذلك أنه قد أخبر عنهم بذلك في قوله فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري فالجملة التي هي « اتخذناهم سخريا » صفة للنكرة فأما وجه فتح الهمزة فإنه يكون على التقرير و عودلت بأم لأنها على لفظ الاستفهام كما عودلت بأم في قوله سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم و إن لم يكن استفهاما في المعنى و كذلك قولهم ما أبالي أ زيدا ضربت أم عمرا فإن قلت فما الجملة المعادلة بقوله « أم زاغت عنهم الأبصار » في قول من كسر الهمزة في قوله
 

Back Index Next