جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج8 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



مجمع البيان ج : 8 ص : 712
المؤدي إلى الحق الموصل إلى الجنة « و تركنا عليهما » الثناء الجميل « في الآخرين » بأن قلنا « سلام على موسى و هارون » و قد مر القول في ذلك « إنا كذلك » مثل ما فعلنا بهما « نجزي المحسنين » نفعل بالمطيعين نجزيهم ذلك على طاعاتهم و في هذا دلالة على أن ما ذكره الله كان على وجه الثواب لموسى و هارون و من تقدم ذكره لأن لفظ الجزاء يفيد ذلك « إنهما من عبادنا المؤمنين » أي من جملة عبادنا المصدقين بجميع ما أوجبه الله تعالى عليهم العاملين بذلك .
وَ إِنَّ إِلْيَاس لَمِنَ الْمُرْسلِينَ(123) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَ لا تَتَّقُونَ(124) أَ تَدْعُونَ بَعْلاً وَ تَذَرُونَ أَحْسنَ الخَْلِقِينَ(125) اللَّهَ رَبَّكمْ وَ رَب ءَابَائكُمُ الأَوَّلِينَ(126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنهُمْ لَمُحْضرُونَ(127) إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ(128) وَ تَرَكْنَا عَلَيْهِ فى الاَخِرِينَ(129) سلَمٌ عَلى إِلْ يَاسِينَ(130) إِنَّا كَذَلِك نجْزِى الْمُحْسِنِينَ(131) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ(132)

القراءة

قرأ أهل العراق غير أبي عمرو و أبي بكر « الله ربكم و رب آبائكم الأولين » بالنصب و الباقون برفع الجميع و قرأ ابن عامر و نافع و رويس عن يعقوب آل يس بفتح الألف و كسر اللام المقطوعة من ياسين و الباقون « الياسين » بكسر الألف و سكون اللام موصولة بياسين و في الشواذ قراءة ابن مسعود و يحيى و الأعمش و الحكم بن عيينة و أن إدريس سلام على إدراسين ، و قراءة ابن محيصن و أبي رجاء و أن إلياس و سلام على الياسين بغير همز .

الحجة

من قرأ الله ربكم فهو على الاستئناف و من نصب فعلى البدل من « أحسن الخالقين » و قال أبو علي من قرأ آل يس فحجته أنها في المصحف مفصولة من يس و في فصلها دلالة على أن آل هو الذي تصغيره أهيل و قال الزجاج من قرأ « الياسين » فإنه جمع إلياس جمع هو و أمته المؤمنون و كذلك يجمع ما ينسب إلى الشيء بلفظ الشيء تقول رأيت المسامعة و المهالبة تريد بني المسمع و بني المهلب و كذلك رأيت المهلبين و المسمعين و فيها وجه آخر و هو أن يكون لغتان إلياس و الياسين و كما قيل ميكال و ميكائيل و قال أبو علي هذا لا يصح لأن
مجمع البيان ج : 8 ص : 713
ميكال و ميكائيل لغتان في اسم واحد و ليس أحدهما مفردا و الآخر جمعا كإلياس و الياسين و إدريس و إدراسين و مثله :
قدني من نصر الخبيبين قدي أراد عبد الله و من كان على رأيه فكذلك الياسين و إدراسين من كان من شيعته و أهل دينه على إرادة ياء النسب التقدير الياسيين و إدراسيين فحذف كما حذف من سائر هذه الكلم التي يراد الصفة كالأعجمين و الأشعرين .

الإعراب

« سلام » في هذه الآي كلها مبتدأ و الخبر بعده الجار و المجرور و الجملة في موضع المفعول لقوله « تركنا » و لو أعمل تركنا فيه لقال سلاما و يجوز أن يكون التقدير و تركنا عليه في الآخرين الثناء الحسن فحذف مفعول تركنا ثم ابتدأ فقال سلام .

المعنى

ثم بين سبحانه قصة إلياس فقال « و إن إلياس لمن المرسلين » و اختلف فيه فقيل هو إدريس عن ابن مسعود و قتادة و قيل هو من أنبياء بني إسرائيل من ولد هارون بن عمران ابن عم اليسع عن ابن عباس و محمد بن إسحاق و غيرهما قالوا إنه بعث بعد حزقيل لما عظمت الأحداث في بني إسرائيل و كان يوشع لما فتح الشام بوأها بني إسرائيل و قسمها بينهم فأحل سبطا منهم ببعلبك و هم سبط إلياس بعث فيهم نبيا إليهم فأجابه الملك ثم إن امرأته حملته على أن ارتد و خالف إلياس و طلبه ليقتله فهرب إلى الجبال و البراري و قيل إنه استخلف اليسع على بني إسرائيل و رفعه الله تعالى من بين أظهرهم و قطع عنه لذة الطعام و الشراب و كساه الريش فصار إنسيا ملكيا أرضيا سماويا و سلط الله على الملك و قومه عدوا لهم فقتل الملك و امرأته و بعث الله اليسع رسولا ف آمنت به بنو إسرائيل و عظموه و انتهوا إلى أمره عن ابن عباس و قيل إن إلياس صاحب البراري و الخضر صاحب الجزائر يجتمعان في كل يوم عرفة بعرفات و ذكر وهب أنه ذو الكفل « إذ قال لقومه أ لا تتقون » عذاب الله و نقمته بامتثال أوامره و اجتناب نواهيه « أ تدعون بعلا » يعني صنما لهم من ذهب كانوا يعبدونه عن عطا و البعل بلغة أهل اليمن هو الرب و السيد عن عكرمة و مجاهد و قتادة و السدي فالتقدير أ تدعون ربا غير الله تعالى « و تذرون أحسن الخالقين » أي تتركون عبادة أحسن الخالقين « الله ربكم » أي خالقكم و رازقكم فهو الذي تحق له العبادة « و رب آبائكم الأولين » و خالق من مضى من آبائكم و أجدادكم « فكذبوه » فيما دعاهم إليه و لم يصدقوه « فإنهم لمحضرون » للحساب أو في العذاب و النار « إلا عباد الله المخلصين » استثنى من جملتهم الذين أخلصوا عبادتهم لله من قومه « و تركنا عليه في الآخرين » فيه القولان اللذان ذكرناهما
مجمع البيان ج : 8 ص : 714
« سلام على الياسين » قال ابن عباس آل يس محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و ياسين من أسمائه و من قرأ « الياسين » أراد إلياس و من اتبعه و قيل يس اسم السورة فكأنه قال سلام على من آمن بكتاب الله تعالى و القرآن الذي هو يس « إنا كذلك نجزي المحسنين » بإحسانهم « إنه من عبادنا المؤمنين » المصدقين العاملين بما أوجبناه عليهم .
وَ إِنَّ لُوطاً لَّمِنَ الْمُرْسلِينَ(133) إِذْ نجَّيْنَهُ وَ أَهْلَهُ أَجْمَعِينَ(134) إِلا عجُوزاً فى الْغَبرِينَ(135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الاَخَرِينَ(136) وَ إِنَّكمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيهِم مُّصبِحِينَ(137) وَ بِالَّيْلِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ(138) وَ إِنَّ يُونُس لَمِنَ الْمُرْسلِينَ(139) إِذْ أَبَقَ إِلى الْفُلْكِ الْمَشحُونِ(140) فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ(141) فَالْتَقَمَهُ الحُْوت وَ هُوَ مُلِيمٌ(142) فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسبِّحِينَ(143) لَلَبِث فى بَطنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(144) * فَنَبَذْنَهُ بِالْعَرَاءِ وَ هُوَ سقِيمٌ(145) وَ أَنبَتْنَا عَلَيْهِ شجَرَةً مِّن يَقْطِين(146) وَ أَرْسلْنَهُ إِلى مِائَةِ أَلْف أَوْ يَزِيدُونَ(147) فَئَامَنُوا فَمَتَّعْنَهُمْ إِلى حِين(148)

القراءة

قرأ جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) و يزيدون بالواو و الوجه فيه ظاهر .

اللغة

الغابر الباقي قليلا بعد ما مضى و منه الغبار لأنه يبقى بعد ذهاب التراب قليلا و التدمير الإهلاك على وجه التنكيل و الآبق الفأر إلى حيث لا يهتدي إليه طالبه و قد أبق يأبق إباقا و المشحون المملوء و المساهمة المقارعة مأخوذ من إلقاء السهام و دحضت حجته أي سقطت و أدحضها الله مأخوذ من الدحض و هو الزلق لأنه يسقط المار فيه قال الشاعر :
و حدت كما حاد البعير عن الدحض و الالتقام ابتلاع اللقمة يقال لقمه و التقمه و تلقمه بمعنى
مجمع البيان ج : 8 ص : 715
و ألام الرجل فهو مليم أتى بما يلام عليه قال لبيد :
سفها عذلت و لمت غير مليم
و هداك قبل اليوم غير حكيم و العراء الفضاء الذي لا يواريه شجر و لا غيره و قيل العراء وجه الأرض الخالي قال :
و رفعت رجلا لا أخاف عثارها
و نبذت بالبلد العراء ثيابي و اليقطين كل شجرة تبقى من الشتاء إلى الصيف ليس لها ساق قال أمية بن أبي الصلت :
فأنبت يقطينا عليه برحمة
من الله لو لا الله ألقي ضاحيا و هو يفعيل من قطن بالمكان إذا أقام به إقامة زائل لا إقامة راسخ و القطاني من الحبوب التي تقيم في البيت مثل الحمص و العدس و الخلو و أحدها قطنية و قطينة .

الإعراب

« مصبحين » حال من قوله « تمرون » « بالليل » الجار و المجرور أيضا في موضع نصب عطفا عليه تقديره لتمرون عليه مصبحين و ممسين .

المعنى

ثم عطف سبحانه على ما تقدم خبر لوط فقال « و إن لوطا لمن المرسلين » أي رسولا من جملة من أرسله الله إلى خلقه داعيا لهم إلى طاعته و منبها لهم على وحدانيته « إذ نجيناه و أهله أجمعين » إذ يتعلق بمحذوف و كأنه قيل اذكر يا محمد إذ نجيناه أي خلصناه و من آمن به من قومه من عذاب الاستئصال « إلا عجوزا في الغابرين » أي في الباقين الذين أهلكوا استثنى من جملة قومه امرأته فقال « ثم دمرنا الآخرين » أي أهلكناهم « و إنكم لتمرون عليهم مصبحين و بالليل » هذا خطاب لمشركي العرب أي تمرون في ذهابكم و مجيئكم إلى الشام على منازلهم و قراهم بالنهار و بالليل « أ فلا تعقلون » فتعتبرون بهم و من كثر مروره بموضع العبر فلم يعتبر كان ألوم ممن قل ذلك عنه و المعنى أ فلا تتفكرون فيما نزل بهم لتجتنبوا ما كانوا يفعلونه من الكفر و الضلال و الوجه في ذكر قصص الأنبياء و تكريرها التشويق إلى مثل ما كانوا عليه من مكارم الأخلاق و محاسن الخلال و صرف الخلق عما كان عليه الكفار من مساوىء الخصال و مقابح الأفعال « و إن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون » أي فر من قومه إلى السفينة المملوءة من الناس و الأحمال خوفا من أن ينزل العذاب بهم و هو مقيم فيهم « فساهم » يونس القوم بأن ألقوا السهام على سبيل القرعة
مجمع البيان ج : 8 ص : 716
أي قارعهم « فكان من المدحضين » أي من المقروعين عن الحسن و ابن عباس و قيل من المسهومين عن مجاهد و المراد من الملقين في البحر و اختلف في سبب ذلك فقيل إنهم أشرفوا على الغرق فرأوا أنهم إن طرحوا واحدا منهم في البحر لم يغرق الباقون و قيل إن السفينة احتبست فقال الملاحون إن هاهنا عبدا آبقا فإن من عادة السفينة إذا كان فيها آبق لا تجري فذلك اقترعوا فوقعت القرعة على يونس ثلاث مرات فعلموا أنه المطلوب فألقى نفسه في البحر و قيل إنه لما وقعت القرعة عليه ألقوه في البحر « فالتقمه الحوت » أي ابتلعه و قيل إن الله سبحانه أوحى إلى الحوت أني لم أجعل عبدي رزقا لك و لكني جعلت بطنك مسجدا له فلا تكسرن له عظما و لا تخدشن له جلدا « و هو مليم » أي مستحق للوم لوم العتاب لا لوم العقاب على خروجه من بين قومه من غير أمر ربه و عندنا أن ذلك إنما وقع منه تركا للمندوب و قد يلام الإنسان على ترك المندوب و من جوز الصغيرة على الأنبياء قال قد وقع ذلك صغيرة مكفرة و اختلف في مدة لبثه في بطن الحوت فقيل كانت ثلاثة أيام عن مقاتل بن حيان و قيل سبعة أيام عن عطا و قيل عشرين يوما عن الضحاك و قيل أربعين يوما عن السدي و مقاتل بن سليمان و الكلبي « فلو لا أنه كان من المسبحين » أي كان من المصلين في حال الرخاء فنجاه الله عند البلاء عن قتادة و قيل كان تسبيحه أنه كان يقول لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين عن سعيد بن جبير و قيل من المسبحين أي من المنزهين الله عما لا يليق به و لا يجوز في صفته الذاكرين له « للبث في بطنه إلى يوم يبعثون » أي لصار بطن الحوت قبرا له إلى يوم القيامة « فنبذناه بالعراء » أي فطرحناه بالمكان الخالي الذي لا نبت فيه و لا شجر و قيل بالساحل ألهم الله سبحانه الحوت حتى قذفه و رماه من جوفه على وجه الأرض « و هو سقيم » أي مريض حين ألقاه الحوت « و أنبتنا عليه شجرة من يقطين » و هو القرع عن ابن مسعود و قيل هو كل نبت يبسط على وجه الأرض و لا ساق له عن ابن عباس و الحسن و روي عن ابن مسعود قال خرج يونس من بطن الحوت كهيئة فرخ ليس عليه ريش فاستظل بالشجر من الشمس « و أرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون » قيل إن الله سبحانه أرسله إلى أهل نينوى من أرض الموصل عن قتادة و كانت رسالته هذه بعد ما نبذه الحوت عن ابن عباس فعلى هذا يجوز أن يكون أرسل إلى قوم بعد قوم و يجوز أن يكون أرسل إلى الأولين بشريعة ف آمنوا بها و قيل في معنى أو من قوله « أو يزيدون » وجوه ( أحدها ) أنه على طريق الإبهام على المخاطبين كأنه قال أرسلناه إلى إحدى العدتين ( و ثانيها ) أن أو تخيير كان الرائي خير بين أن يقول هم مائة ألف أو يزيدون عن سيبويه و المعنى أنهم كانوا عددا لو نظر إليهم الناظر لقال هم مائة ألف أو يزيدون ( و ثالثها ) أن أو بمعنى الواو كأنه قال و يزيدون عن بعض الكوفيين
مجمع البيان ج : 8 ص : 717
و قال بعضهم معناه بل يزيدون و هذان القولان الأخيران غير مرضيين عند المحققين و أجود الأقوال الثاني و اختلف في الزيادة على مائة ألف كم هي فقيل عشرون ألفا عن ابن عباس و مقاتل و قيل بضع و ثلاثون ألفا عن الحسن و الربيع و قيل سبعون ألفا عن مقاتل بن حيان « ف آمنوا فمتعناهم إلى حين » حكى سبحانه عنهم أنهم آمنوا بالله و راجعوا التوبة فكشف عنهم العذاب و متعهم بالمنافع و اللذات إلى انقضاء آجالهم .
فَاستَفْتِهِمْ أَ لِرَبِّك الْبَنَات وَ لَهُمُ الْبَنُونَ(149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَئكةَ إِنَثاً وَ هُمْ شهِدُونَ(150) أَلا إِنهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ(151) وَلَدَ اللَّهُ وَ إِنهُمْ لَكَذِبُونَ(152) أَصطفَى الْبَنَاتِ عَلى الْبَنِينَ(153) مَا لَكمْ كَيْف تحْكُمُونَ(154) أَ فَلا تَذَكَّرُونَ(155) أَمْ لَكمْ سلْطنٌ مُّبِينٌ(156) فَأْتُوا بِكِتَبِكمْ إِن كُنتُمْ صدِقِينَ(157) وَ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَ بَينَ الجِْنَّةِ نَسباً وَ لَقَدْ عَلِمَتِ الجِْنَّةُ إِنهُمْ لَمُحْضرُونَ(158) سبْحَنَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ(159) إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ(160)

القراءة

قرأ أبو جعفر و نافع برواية إسماعيل و ورش من طريق الأصفهاني لكاذبون اصطفى البنات بالوصل و الابتداء اصطفى بكسر الهمزة و الباقون « أصطفى » بفتح الهمزة و كذلك ورش من طريق البخاري .

الحجة

قال أبو علي الوجه الهمز على وجه التقريع لهم بذلك و التوبيخ و يقويه قوله تعالى أم اتخذ مما يخلق بنات و قوله أم له البنات و لكم البنون أ لكم الذكر و له الأنثى فكما أن هذه المواضع كلها استفهام كذلك قوله « أصطفى البنات » و وجه القراءة الأخرى أنه على وجه
مجمع البيان ج : 8 ص : 718
الخبر كأنه اصطفى البنات فيما يقولون كقوله ذق إنك أنت العزيز الكريم أي عند نفسك و فيما كنت تقوله و تذهب إليه و يجوز أن يكون « اصطفى البنات » بدلا من قوله « ولد الله » لأن ولادة البنات و اتخاذهن اصطفاؤهن فيصير « اصطفى » بدلا من المثال الماضي كما كان قوله يضاعف له العذاب بدلا من قوله يلق أثاما و يجوز أن يكون « اصطفى البنات » تفسيرا لكذبهم في قوله « و إنهم لكاذبون » كما أن قوله لهم مغفرة تفسير للوعد و يجوز أن يكون متعلقا بالقول على أنه أريد حرف العطف فلم يذكر و استغني بما في الجملة الثانية من الاتصال بالأولى عن حرف العطف كقوله سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم و نحو ذلك .

المعنى

ثم عاد الكلام إلى الرد على مشركي العرب فقال سبحانه « فاستفتهم » أي سلهم و اطلب الحكم منهم في هذه القصة « أ لربك البنات و لهم البنون » أي كيف أضفتم البنات إلى الله تعالى و اخترتم لأنفسكم البنين و كانوا يقولون إن الملائكة بنات الله على وجه الاصطفاء لا على وجه الولادة « أم خلقنا الملائكة إناثا » معناه بل خلقنا الملائكة إناثا « و هم شاهدون » أي حاضرون خلقنا إياهم أي كيف جعلوهم إناثا و لم يشهدوا خلقهم ثم أخبر عن كذبهم فقال « ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله » حين زعموا أن الملائكة بنات الله تعالى « و إنهم لكاذبون » في قولهم « أصطفى البنات على البنين » دخلت همزة الاستفهام على همزة الوصل فسقطت همزة الوصل و مثله قول ذي الرمة :
استحدث الركب من أشياعهم خبرا
أم راجع القلب من أطرابه طرب و المعنى كيف يختار الله سبحانه الأدون على الأعلى مع كونه مالكا حكيما ثم وبخهم فقال « ما لكم كيف تحكمون » لله بالبنات و لأنفسكم بالبنين « أ فلا تذكرون » أي أ فلا تتعظون فتنتهون عن مثل هذا القول « أم لكم سلطان مبين » أي حجة بينة على ما تقولون و تدعون و هذا كله إنكار في صورة الاستفهام « فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين » المعنى فأتوا بكتابكم الذي لكم فيه الحجة « إن كنتم صادقين » في قولكم و المراد أنه دليل لكم على ما تقولونه من جهة العقل لا من جهة السمع « و جعلوا بينه و بين الجنة نسبا » اختلف في معناه على أقوال ( أحدها ) أن المراد به قول الزنادقة إن الله و إبليس إخوان و أن الله تعالى خلق النور و الخير و الحيوان النافع و إبليس خلق الظلمة و الشر و الحيوان الضار عن الكلبي و عطية ( و ثانيها ) أنه قول المشركين إن الملائكة بنات الله و سمي الملائكة جنة لاستتارهم عن العيون عن مجاهد و قتادة و الجبائي ( و ثالثها ) أنهم قالوا صاهر الله الجن فحدثت الملائكة تعالى الله عن قولهم ( و رابعها ) أنهم أشركوا الشيطان في عبادة الله تعالى فذلك هو النسب الذي جعلوه
مجمع البيان ج : 8 ص : 719
بينه و بين الجنة عن الحسن « و لقد علمت الجنة إنهم لمحضرون » أي علمت الملائكة أن هؤلاء الذين قالوا هذا القول محضرون للعذاب يوم القيامة عن السدي و قيل معناه قد علمت الجنة و هم الجن الذين دعوهم أنهم محضرون العذاب بدعائهم إلى هذا القول « سبحان الله عما يصفون » نزه سبحانه نفسه عما وصفوه به و أضافوه إليه « إلا عباد الله المخلصين » استثنى عباده المخلصين من جملة الكفار القائلين ما لا يليق به .
فَإِنَّكمْ وَ مَا تَعْبُدُونَ(161) مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَتِنِينَ(162) إِلا مَنْ هُوَ صالِ الجَْحِيمِ(163) وَ مَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ(164) وَ إِنَّا لَنَحْنُ الصافُّونَ(165) وَ إِنَّا لَنَحْنُ المُْسبِّحُونَ(166) وَ إِن كانُوا لَيَقُولُونَ(167) لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنَ الأَوَّلِينَ(168) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ(169) فَكَفَرُوا بِهِ فَسوْف يَعْلَمُونَ(170)

القراءة

في الشواذ قراءة الحسن صال الجحيم بضم اللام .

الحجة

قال ابن جني كان الشيخ أبو علي يحمله على أنه حذف لام صال تخفيفا و أعرب اللام بالضم كما حذفت لام البالية من قولهم ما باليت به بالة و ذهب قطرب إلى أنه صال أي صالون فحذف النون للإضافة و الواو لالتقاء الساكنين و حمل على معنى من لأنه جمع كقوله و منهم من يستمعون إليك و قال هذا حسن عندي و قول أبي علي مأخوذ به .

اللغة

الفاتن الداعي إلى الضلال يتزينه و أصل الفتنة من قولهم فتنت الذهب بالنار إذا أخرجته إلى حال الخلاص الصالي اللازم للنار المحترق بها و المصطلي المستدفىء بالنار و منه الصلاة للزوم الدعاء فيها و المصلي الذي يجيء بعد السابق للزومه أثره .

المعنى

ثم خاطب سبحانه الكفار بأن قال لهم « فإنكم و ما تعبدون » و موضع ما نصب عطفا على الكاف و الميم و المعنى إنكم يا معشر الكفار و الذي تعبدونه « ما أنتم عليه بفاتنين إلا من هو صال الجحيم » الهاء في عليه إلى ما ذا يعود فيه قولان ( أحدهما ) أنه يعود
مجمع البيان ج : 8 ص : 720
إلى « ما تعبدون » و التقدير إنكم و ما تعبدونه ما أنتم بفاتنين على عبادته أحدا إلا من يصلى الجحيم و يحترق بها بسوء اختياره و قيل معناه ما أنتم بمضلين أحدا أي لا تقدرون على إضلال أحد إلا من سبق في علم الله تعالى أن سيكفر بالله تعالى و يصلى الجحيم ( و الآخر ) أن الضمير في عليه يعود إلى الله تعالى و التقدير ما أنتم على الله و على دينه بمضلين أحدا إلا من هو صالي الجحيم باختياره و هذا كما يقال لا يهلك على الله هالك و فلان يربح على فلان و يخسر على فلان « و ما منا إلا له مقام معلوم » هذا قول جبرائيل للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قيل إنه قول الملائكة و فيه مضمر أي و ما منا معشر الملائكة ملك إلا له مقام معلوم في السماوات يعبد الله فيه و قيل معناه أنه لا يتجاوز ما أمر به و رتب له كما لا يتجاوز صاحب المقام مقامه الذي حد له فكيف يجوز أن يعبد من بهذه الصفة و هو عبد مربوب « و إنا لنحن الصافون » حول العرش ننتظر الأمر و النهي من الله تعالى و قيل القائمون صفوفا في الصلاة قال الكلبي صفوف الملائكة في السماء كصفوف أهل الدنيا في الأرض و قال الجبائي صافون باجنحتنا في الهواء للعبادة و التسبيح « و إنا لنحن المسبحون » أي المصلون و المنزهون الرب عما لا يليق به و منه قوله فرغت من سبحتي أي من صلاتي و ذلك لما في الصلاة من تسبيح الله تعالى و تعظيمه و المسبحون القائلون سبحان الله على وجه التعظيم لله « و إن كانوا ليقولون » إن هذه هي المخففة من الثقيلة أ لا ترى أن اللام قد لزم خبرها و المعنى و أن هؤلاء الكفار يعني أهل مكة كانوا يقولون « لو أن عندنا ذكرا » أي كتابا « من الأولين » أي من كتب الأولين التي أنزلها على أنبيائه و قيل ذكرا أي علما من الأولين الذين تقدمونا و ما فعل الله بهم فسمي العلم ذكرا لأن الذكر من أسباب العلم « لكنا عباد الله المخلصين » الذين يخلصون العبادة لله تعالى فجعلوا العذر في امتناعهم من الإيمان أنهم لا يعرفون أخبار من تقدمهم و هل حصلوا في جنة أو نار « فكفروا به » في الكلام حذف تقديره فلما أتاهم الكتاب و هو القرآن كفروا به « فسوف يعلمون » عاقبة كفرهم و هذا تهديد لهم .
وَ لَقَدْ سبَقَت كلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسلِينَ(171) إِنهُمْ لهَُمُ الْمَنصورُونَ(172) وَ إِنَّ جُندَنَا لهَُمُ الْغَلِبُونَ(173) فَتَوَلَّ عَنهُمْ حَتى حِين(174) وَ أَبْصِرْهُمْ فَسوْف يُبْصِرُونَ(175) أَ فَبِعَذَابِنَا يَستَعْجِلُونَ(176) فَإِذَا نَزَلَ بِساحَتهِمْ فَساءَ صبَاحُ الْمُنذَرِينَ(177) وَ تَوَلَّ عَنْهُمْ حَتى حِين(178) وَ أَبْصِرْ فَسوْف يُبْصِرُونَ(179) سبْحَنَ رَبِّك رَب الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ(180) وَ سلَمٌ عَلى الْمُرْسلِينَ(181) وَ الحَْمْدُ للَّهِ رَب الْعَلَمِينَ(182)

مجمع البيان ج : 8 ص : 721

المعنى

ثم أقسم سبحانه فقال « و لقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين » أي سبق الوعد منا لعبادنا الذين بعثناهم إلى الخلق « إنهم لهم المنصورون » في الدنيا و الآخرة على الأعداء بالقهر و الغلبة و بالحجج الظاهرة و قيل معناه سبقت كلمتنا لهم بالسعادة ثم ابتدأ فقال « إنهم » أي إن المرسلين « لهم المنصورون » و اللام للتأكيد و هم فصل و قيل عنى بالكلمة قوله كتب الله لأغلبن أنا و رسلي الآية و سميت جملة من الكلام بأنها كلمة لانعقاد بعض معانيه ببعض حتى صار خبرا واحدا و قصة واحدة كالشيء الواحد قال الحسن المراد بالآية نصرتهم في الحرب فإنه لم يقتل نبي من الأنبياء قط في الحرب و إنما قتل من قتل منهم غيلة أو على وجه آخر في غير الحرب و إن مات نبي قبل النصرة أو قتل فقد أجرى الله تعالى العادة بأن ينصر قومه من بعده فيكون في نصرة قومه نصرة له فقد تحقق قوله « إنهم لهم المنصورون » و قال السدي المراد بالآية النصر بالحجة « و إن جندنا لهم الغالبون » أضاف المؤمنين إلى نفسه و وصفهم بأنهم جنده تشريفا و تنويها بذكرهم حيث قاموا بنصرة دينه و قيل معناه إن رسلنا هم المنصورون لأنهم جندنا و إن جندنا هم الغالبون يقهرون الكفار بالحجة تارة و بالفعل أخرى ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) « فتول عنهم » أي أعرض عن هؤلاء الكفار « حتى حين » أي إلى وقت نأمرك فيه بقتالهم يعني يوم بدر عن مجاهد و السدي و قيل إلى يوم الموت عن ابن عباس و قتادة و قيل إلى يوم القيامة و قيل إلى انقضاء مدة الإمهال « و أبصرهم فسوف يبصرون » أي أنظرهم و أبصر ما ضيعوا من أمر الله فسوف يرون العذاب عن ابن زيد و قيل و أبصرهم إذا نزل بهم العذاب فسوف يبصرون و قيل و أبصر حالهم بقلبك فسوف يبصرون ذلك في القيامة معاينة و في هذا إخبار بالغيب لأنه وعد نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالنصر و الظفر فوافق المخبر الخبر و كأنهم قالوا متى هذا العذاب فأنزل الله « أ فبعذابنا يستعجلون » أي يطلبون تعجيل عذابنا « فإذا نزل بساحتهم » أي إذا نزل العذاب بأفنية دورهم كما يستعجلون « فساء صباح المنذرين » أي فبئس الصباح صباح من خوف و حذر فلم يحذر و لم يخف و الساحة فناء الدار و فضاؤها الواسع فالمراد أن العذاب لعظمه لا يسعه إلا الساحة ذات الفضاء الواسع و قيل نزل بساحتهم أي بدارهم عن السدي و كانت العرب تفاجىء أعداءها بالغارات صباحا فخرج الكلام على
مجمع البيان ج : 8 ص : 722
عادتهم و لأن الله سبحانه أجرى العادة بتعذيب الأمم وقت الصباح كما قال إن موعدهم الصبح أ ليس الصبح بقريب « و تول عنهم حتى حين و أبصر فسوف يبصرون » مضى تفسيره و إنما كرر ما سبق للتأكيد و قيل لأن المراد بأحدهما عذاب الدنيا و بالآخر عذاب الآخرة أي فكن على بصيرة من أمرك فسوف يكونون على بصيرة من أمرهم حين لا ينفعهم ثم نزه سبحانه نفسه عن وصفهم و بهتهم فقال « سبحان ربك رب العزة عما يصفون » أي تنزيها لربك مالك العزة يعز من يشاء من الأنبياء و الأولياء لا يملك أحد إعزاز أحد سواه فسبحانه عما يصفونه مما لا يليق به من الصفات و هو قولهم باتخاذ الأولاد و اتخاذ الشريك « و سلام على المرسلين » أي سلامة و أمان لهم من أن ينصر عليهم أعداؤهم و قيل هو خبر معناه أمر أي سلموا عليهم كلهم لا تفرقوا بينهم « و الحمد لله رب العالمين » أي احمدوا الله الذي هو مالك العالمين و خالقهم و المنعم عليهم و أخلصوا له الثناء و الحمد و لا تشركوا به أحدا فإن النعم كلها منه و روى الأصبغ بن نباتة عن علي (عليه السلام) و قد روي أيضا مرفوعا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من أراد أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه في مجلسه « سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد الله رب العالمين » .

مجمع البيان ج : 8 ص : 723
( 38 ) سورة ص مكية و آياتها ثمان و ثمانون ( 88 )

عدد آيها

هي ثمان و ثمانون آية كوفي و ست حجازي بصري شامي و خمس في عدد أيوب بن المتوكل وحده .

اختلافها

ثلاث آيات « ذي الذكر » كوفي « و غواص » غير البصري « و الحق أقول » كوفي و بصري و في رواية المعلى عن الجحدري و تركها أيوب و هو يوافق الجحدري إلا في هذا الحرف .

فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من قرأ سورة ص أعطي من الأجر بوزن كل جبل سخره الله لداود حسنات و عصمه الله أن يصر على ذنب صغيرا أو كبيرا و روى العياشي بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) قال من قرأ سورة ص في ليلة الجمعة أعطي من خير الدنيا و الآخرة ما لم يعط أحد من الناس إلا نبي مرسل أو ملك مقرب و أدخله الله الجنة و كل من أحب من أهل بيته حتى خادمه الذي يخدمه و إن كان ليس في حد عياله و لا في حد من يشفع له و آمنه الله يوم الفزع الأكبر .

تفسيرها

لما ختم الله سبحانه سورة الصافات بذكر القرآن و الرسول و إنكار الكفار لما دعاهم إليه افتتح هذه السورة بالقرآن ذي الذكر و الرد على الكفار أيضا فقال : .
سورة ص
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ص وَ الْقُرْءَانِ ذِى الذِّكْرِ(1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فى عِزَّة وَ شِقَاق(2) كمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْن فَنَادَوا وَّ لات حِينَ مَنَاص(3) وَ عجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنهُمْ وَ قَالَ الْكَفِرُونَ هَذَا سحِرٌ كَذَّابٌ(4) أَ جَعَلَ الاَلهَِةَ إِلَهاً وَحِداً إِنَّ هَذَا لَشىْءٌ عجَابٌ(5)

مجمع البيان ج : 8 ص : 724

القراءة

في الشواذ قراءة أبي بن كعب و الحسن و ابن أبي إسحاق صاد بكسر الدال و قراءة الثقفي صاد بفتح الدال و القراءة بالوقف و هو الصحيح لأن حروف الهجاء يوقف عليها و قراءة عيسى بن عمرو و أبي عبد الرحمن السلمي عجاب بتشديد الجيم .

الحجة

من كسر فلاجتماع الساكنين أو لأنه جعله من المصاداة و هي المعارضة أي عارض القرآن بعملك و من فتح فلأن الفتحة أخف من الكسرة و يجوز أن يكون من فتح جعل الصاد علما للسورة فلم يصرفه و العجاب بالتشديد هو المفرط في العجب يقال شيء عجيب ثم عجاب بالتخفيف ثم عجاب بالتشديد كما قالوا رجل وضي و وضاء و أنشدوا :
و المرء يلحقه بفتيان الندى
خلق الكريم و ليس بالوضاء و قال آخر :
جاءوا بصيد عجب من العجب
أزيرق العينين طوال الذنب .

اللغة

الشقاق و المشاقة الخلاف و أصله أن يصير كل واحد من الفريقين في شق أي في جانب و منه يقال شق فلان العصا إذا خالف و المناص من النوص و هو التأخر ناص ينوص إذا تأخر و باص يبوص بالباء إذا تقدم قال امرؤ القيس :
أ من ذكر ليلى إن نأتك تنوص
فتقصر عنها خطوة و تبوص .

الإعراب

اختلف في جواب القسم على وجوه ( أحدها ) أن جوابه محذوف فكأنه قال و القرآن ذي الذكر لقد جاء الحق و ظهر الأمر لأن حذف الجواب في مثل هذا أبلغ فإن ذكر الجواب يقصر المعنى على وجه و الحذف يصرف إلى كل وجه فيعم ( و الثاني ) أن جوابه
مجمع البيان ج : 8 ص : 725
(صلى الله عليه وآله وسلّم) فإن معناه صدق أقسم سبحانه بالقرآن أن محمدا (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قد صدق و الله و فعل و الله ( و الثالث ) أن الجواب مما كفى منه قوله « كم أهلكنا » و قيل ما كفى منه « بل الذين كفروا » فكأنه قال و القرآن ذي الذكر ما الأمر كما قالوا و أحدهما عن الفراء و الآخر عن قتادة ( و الرابع ) أن جوابه كم أهلكنا و التقدير لكم أهلكنا فلما طال الكلام حذف اللام و مثله قد أفلح من زكاها و التقدير لقد أفلح عن الفراء و هذا غلط لأن اللام لا تدخل على المفعول و كم مفعول ( و الخامس ) أن الجواب في آخر السورة إن ذلك لحق تخاصم أهل النار إلا أنه بعد من أول الكلام عن الكسائي « و لات حين مناص » فيه قولان ( أحدهما ) أن التاء متصلة بلا و أنهما بمنزلة ليس قال الزجاج و يجوز و لات حين مناص في اللغة فأما النصب فعلى أن المعنى ليس الوقت حين مناص و الرفع على أن يجعل حين اسم ليس و يضمر الخبر و المعنى ليس حين ملجأ لنا و الوقف عليها لات بالتاء و الكسائي يقف بالهاء لاه و الأول أصح لأن هذه التاء نظيرة التاء في الفعل نحو ذهبت و في الحرف نحو رأيت زيدا ثمت عمرا فإنها دخلت في الموضعين على ما لا يعرف و لا هو في طريق الأسماء و قال الأخفش أن لات حين مثل لا رجل في الدار و دخلت التاء في التأنيث قال الشاعر :
تذكر حب ليلى لات حينا
و أضحى الشيب قد قطع القرينا ( و القول الآخر ) أن التاء متصلة بحين كما قال الشاعر :
العاطفين تحين ما من عاطف
و المطعمين زمان ما من مطعم و قد أجازوا الجر بلات و أنشدوا لأبي زبيد :
طلبوا صلحنا و لات أوان
فأجبنا أن ليس حين بقاء قال الزجاج و الذي أنشدناه أبو العباس المبرد بالرفع و قد روي بالكسر .

النزول

قال المفسرون أن أشراف قريش و هم خمسة و عشرون منهم الوليد بن المغيرة و هو أكبرهم و أبو جهل و أبي و أمية ابنا خلف و عتبة و شيبة ابنا ربيعة و النضر بن الحارث أتوا أبا طالب و قالوا أنت شيخنا و كبيرنا و قد أتيناك لتقضي بيننا و بين ابن أخيك فإنه سفه أحلامنا و شتم آلهتنا فدعا أبو طالب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قال يا ابن أخي هؤلاء قومك يسألونك فقال ما ذا يسألونني قالوا دعنا و آلهتنا ندعك و إلهك فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) أ تعطوني كلمة واحدة تملكون بها العرب و العجم فقال أبو جهل لله أبوك نعطيك ذلك عشر أمثالها فقال قولوا لا إله إلا الله فقاموا
مجمع البيان ج : 8 ص : 726
و قالوا أ جعل الآلهة إلها واحدا فنزلت هذه الآيات و روي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) استعبر ثم قال يا عم و الله لو وضعت الشمس في يميني و القمر في شمالي ما تركت هذا القول حتى أنفذه أو أقتل دونه فقال له أبو طالب امض لأمرك فو الله لا أخذلك أبدا .

المعنى

« ص » اختلفوا في معناه فقيل هو اسم للسورة و قيل غير ذلك على ما ذكرناه في أول البقرة و قال ابن عباس هو اسم من أسماء الله تعالى أقسم به و روي ذلك عن الصادق (عليه السلام) و قال الضحاك معناه صدق و قال قتادة هو اسم من أسماء القرآن فعلى هذا يجوز أن يكون موضعه نصبا على تقدير حذف حرف القسم و يجوز أن يكون رفعا على تقدير هذه صاد في مذهب من جعله اسما للسورة « و القرآن ذي الذكر » أي ذي الشرف عن ابن عباس يوضحه قوله و إنه لذكر لك و لقومك و قيل معناه ذي البيان الذي يؤدي إلى الحق و يهدي إلى الرشد لأن فيه ذكر الأدلة التي إذا تفكر فيها العاقل عرف الحق عقلا و شرعا و قيل ذي التذكر لكم عن قتادة و قيل فيه ذكر الله و توحيده و أسماؤه الحسنى و صفاته العلى و ذكر الأنبياء و أخبار الأمم و ذكر البعث و النشور و ذكر الأحكام و ما يحتاج إليه المكلف من الأحكام عن الجبائي و يؤيده قوله ما فرطنا في الكتاب من شيء « بل الذين كفروا » من أهل مكة « في عزة » أي في تكبر عن قبول الحق و حمية جاهلية عن قتادة و يدل عليه قوله أخذته العزة بالإثم و قيل في ملكة و اقتدار و قوة بتمكين الله إياهم « و شقاق » أي عداوة و عصيان و مخالفة لأنهم يأنفون عن متابعتك و يطلبون مخالفتك ثم خوفهم سبحانه فقال « كم أهلكنا من قبلهم من قرن » بتكذيبهم الرسل « فنادوا » عند وقوع الهلاك بهم بالاستغاثة « و لات حين مناص » أي ليس الوقت حين منجى و لا فوت و قيل لات حين نداء ينجي قال قتادة نادى القوم على غير حين النداء « و عجبوا أن جاءهم منذر منهم » أي جاءهم رسول من أنفسهم مخوف من جهة الله تعالى يحذرهم المعاصي و ينذرهم النار « فقال الكافرون هذا ساحر كذاب » حين يزعم أنه رسول الله « أ جعل الآلهة إلها واحدا » هذا استفهام إنكار و تعجيب و ذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أبطل عبادة ما كانوا يعبدونه من الآلهة مع الله و دعاهم إلى عبادة الله وحده فتعجبوا من ذلك و قالوا كيف جعل لنا إلها واحدا بعد ما كنا نعبد آلهة « إن هذا » الذي يقوله محمد من أن الإله واحد « لشيء عجاب » لأمر عجيب مفرط في العجب .
وَ انطلَقَ الْمَلأُ مِنهُمْ أَنِ امْشوا وَ اصبرُوا عَلى ءَالِهَتِكمْ إِنَّ هَذَا لَشىْءٌ يُرَادُ(6) مَا سمِعْنَا بهَذَا فى الْمِلَّةِ الاَخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلا اخْتِلَقٌ(7) أَ ءُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فى شك مِّن ذِكْرِى بَل لَّمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ(8) أَمْ عِندَهُمْ خَزَائنُ رَحْمَةِ رَبِّك الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ(9) أَمْ لَهُم مُّلْك السمَوَتِ وَ الأَرْضِ وَ مَا بَيْنهُمَا فَلْيرْتَقُوا فى الأَسبَبِ(10)

مجمع البيان ج : 8 ص : 727

اللغة

الانطلاق الذهاب بسهولة و منه طلاقة الوجه و الخلق .
و الاختلاق و الفري و الافتراء متقارب و الارتقاء الصعود من سفل إلى علو درجة درجة قال :
لو لم يجد سلما ما كان مرتقيا
و المرتقي و الذي رقاه سيان الأسباب جمع سبب و السبب ما يوصل به إلى المطلوب و أسباب السماوات أبوابها قال زهير :
و من هاب أسباب المنايا ينلنه
و لو رام أسباب السماء بسلم و الفرق بين السبب و العلة في عرف المتكلمين أن السبب ما يوجب ذاتا و العلة ما يوجب صفة .

الأعراب

« أن امشوا » أن هذه هي التي تسمى المفسرة بمعنى أي امشوا قال الزجاج و يجوز أن يكون تقديره بأن امشوا أي بهذا القول .

المعنى

« و انطلق الملأ منهم » هذا تمام الحكاية عن الكفار الذين تقدم ذكرهم أي و انطلق الأشراف منهم « أن امشوا » أي يقول بعضهم لبعض امشوا « و اصبروا على آلهتكم » يعني أنهم خرجوا من مجلسهم الذي كانوا فيه عند أبي طالب و هم يقولون اثبتوا على عبادة آلهتكم و اصبروا على دينكم و تحملوا المشاق لأجله و قيل أن القائل لذلك عقبة بن أبي معيط « إن هذا » الذي نراه من زيادة أصحاب محمد « لشيء يراد » أي أمر يراد بنا و قيل معناه أن هذا فساد في الأرض و عن قريب ينزل به الهلاك و نتخلص منه و قيل أن هذا الأمر يراد بنا من زوال نعمة أو نزول شدة لأنهم كانوا يعتقدون في الأصنام أنهم لو تركوا عبادتها أصابهم القحط و الشدة ثم حكى عنهم أيضا بأنهم قالوا « ما سمعنا بهذا » الذي يدعونا إليه محمد من التوحيد و خلع الأنداد من دون الله « في الملة الآخرة » يعنون في النصرانية لأنها آخر الملل عن ابن عباس قال أن النصارى لا يوحدون لأنهم يقولون ثالث ثلاثة و قيل يعنون ملة قريش أي في ملة زماننا هذا عن مجاهد و قتادة و قيل معناه ما سمعنا بأن
مجمع البيان ج : 8 ص : 728
هذا يكون في آخر الزمان عن الحسن « إن هذا » أي ما هذا الذي يقول محمد « إلا اختلاق » أي تخرص و كذب و افتعال ثم أنكروا تخصيص الله إياه بالقرآن و النبوة بأن قالوا « ء أنزل عليه الذكر من بيننا » أي كيف أنزل على محمد القرآن من بيننا و ليس بأكبر سنا منا و لا بأعظم شرفا فقال سبحانه « بل هم في شك من ذكري » أي ليس يحملهم على هذا القول إلا الشك في الذكر الذي أنزلته على رسولي « بل لما يذوقوا عذاب » و هذا تهديد لهم و المعنى أنهم سيذوقونه ثم أجابهم عن إنكارهم نبوته بقوله « أم عندهم خزائن رحمة ربك » يقول أ بأيديهم مفاتيح النبوة و الرسالة فيضعونها حيث شاءوا أي أنها ليست بأيديهم و لكنها بيد « العزيز » في ملكه « الوهاب » كثير الهبات و العطايا على حسب المصالح فيختار للنبوة من يشاء من عباده و نظيره قوله و لقد اخترناهم على علم على العالمين « أم لهم ملك السماوات و الأرض و ما بينهما » فيتهيأ لهم أن يمنعوا الله من مراده « فليرتقوا » أي إن ادعوا ذلك فليصعدوا « في الأسباب » أي في أبواب السماء و طرقها عن مجاهد و قتادة و قيل الأسباب الحيل أي فليحتالوا في أسباب توصلهم إلى السماوات ليأتوا بالوحي إلى من اختاروا .
جُندٌ مَّا هُنَالِك مَهْزُومٌ مِّنَ الأَحْزَابِ(11) كَذَّبَت قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوح وَ عَادٌ وَ فِرْعَوْنُ ذُو الأَوْتَادِ(12) وَ ثَمُودُ وَ قَوْمُ لُوط وَ أَصحَب لْئَيْكَةِ أُولَئك الأَحْزَاب(13) إِن كلُّ إِلا كذَّب الرُّسلَ فَحَقَّ عِقَابِ(14) وَ مَا يَنظرُ هَؤُلاءِ إِلا صيْحَةً وَحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاق(15)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير عاصم من فواق بضم الفاء و الباقون بفتحها .

الحجة

و هما لغتان مثل قصاص الشعر و قصاصه و جمام المكوك و جمامة و هو من الإفاقة و ما بين الرضعتين فواق و قيل بينهما فرق فبالفتح يكون بمعنى الراحة و بالضم بمعنى المهلة و الانتظار عن أبي عبيدة و الفراء .

اللغة

هنالك إشارة إلى المكان البعيد و هناك بين البعيد و القريب و هنا للقريب و مثله
مجمع البيان ج : 8 ص : 729
ذا و ذاك و ذلك .
و الأحزاب جمع حزب و هو الجماعة التي تجتمع من كل أوب و قال الزجاج ما لها من فواق أي رجوع و فواق الناقة مشتق من الرجوع أيضا لأنه يعود اللبن إلى الضرع بين الحلبتين و أفاق من مرضه أي رجع إلى الصحة .

الإعراب

ما مزيدة في قوله « جند ما » مثلها في قول الأعشى :
فاذهبا ما إليك أدركني الحلم
عداتي عن هيجكم أشغالي و « جند » مبتدأ و « هنالك » صفة أي جند ثابت هنالك .
و « مهزوم » خبر مبتدإ و يجوز أن يكون هنالك ظرفا لمهزوم أي جند مهزوم في ذلك الموضع .
« كذبت قبلهم قوم نوح » يجوز أن يقف على قوله « نوح » و يكون « عاد » مبتدأ ما بعده معطوف عليه و يكون « أولئك الأحزاب » خبرا عن الجميع و يجوز أن يكون الخبر قوله « إن كل إلا كذب الرسل » و يجوز أن يكون « أولئك الأحزاب » ابتداء و يقف على « قوم لوط » .

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن الكفار أنهم سيهزمون ببدر فقال « جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب » قال قتادة أخبر الله سبحانه و هو بمكة أنه سيهزم جند المشركين فجاء تأويلها يوم بدر و هنالك إشارة إلى بدر و مصارعهم بها أي هؤلاء الذين يقولون هذا القول جند مهزومون مغلوبون من جملة الكفار الذين تحزبوا على الأنبياء و أنت منصور عليهم مظفر غالب و قيل هم أحزاب الذين حاربوا نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) يوم الخندق و وجه اتصاله بما قبله أن المعنى كيف يرتقون إلى السماء و هم فرق من قبائل شتى مهزومون « كذبت قبلهم » أي قبل هؤلاء الكفار « قوم نوح و عاد و فرعون ذو الأوتاد » و قيل في معناه أقوال ( أحدها ) أنه كانت له ملاعب من أوتاد يلعب له عليها عن ابن عباس و قتادة و عطا ( و الثاني ) أنه كان يعذب الناس بالأوتاد و ذلك أنه إذا غضب على أحد وتد يديه و رجليه و رأسه على الأرض عن السدي و الربيع بن أنس و مقاتل و الكلبي ( و الثالث ) أن معناه ذو البنيان و البنيان أوتاد عن الضحاك ( و الرابع ) أن المعنى ذو الجنود و الجموع الكثيرة بمعنى أنهم يشدون ملكه و يقوون أمره كما يقوي الوتد الشيء عن الجبائي و القتيبي و العرب تقول هو في عز ثابت الأوتاد و الأصل فيه أن بيوتهم إنما ثبتت بالأوتاد قال الأسود بن يعفر :
و لقد غنوا فيها بأنعم عيشة
في ظل ملك ثابت الأوتاد ( و الخامس ) أنه سمي ذو الأوتاد لكثرة جيوشه السائرة في الأرض و كثرة أوتاد خيامهم فعبر بكثرة الأوتاد عن كثرة الأجناد « و ثمود » يعني قوم صالح « و قوم لوط و أصحاب
مجمع البيان ج : 8 ص : 730
الأيكة » و هم قوم شعيب « أولئك الأحزاب » لما ذكر سبحانه هؤلاء المكذبين أعلمنا أن مشركي قريش حزب من هؤلاء الأحزاب و معناه هم الأحزاب حقا أي أحزاب الشيطان كما يقال هم هم قال :
و إن الذي حانت بفلج دماؤهم
هم القوم كل القوم يا أم خالد « و إن كل إلا كذب الرسل » أي ما كل حزب منهم إلا كذب الرسل « فحق عقاب » أي فوجب عليهم عقابي بتكذيبهم رسلي « و ما ينظر » أي و ما ينتظر « هؤلاء » يعني كفار مكة « إلا صيحة واحدة » و هي النفخة الأولى في الصور « ما لها من فواق » أي لا يكون لتلك الصيحة إفاقة بالرجوع إلى الدنيا عن قتادة و السدي و المراد أن عقوبة أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) بعذاب الاستئصال مؤخرة إلى يوم القيامة و عقوبة سائر الأمم معجلة في الدنيا كما قال بل الساعة موعدهم و الساعة أدهى و أمر قال الفراء إذا ارتضعت البهيمة أمها ثم تركتها حتى تنزل فتلك الإفاقة و الفواق ثم قيل لكل راحة و إنظار للاستراحة فواق و قيل معناه ما لها مثنوية أي صرف ورد عن الضحاك و قيل ما لها من فتور كما يفتر المريض عن ابن زيد .
وَ قَالُوا رَبَّنَا عجِّل لَّنَا قِطنَا قَبْلَ يَوْمِ الحِْسابِ(16) اصبرْ عَلى مَا يَقُولُونَ وَ اذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ(17) إِنَّا سخَّرْنَا الجِْبَالَ مَعَهُ يُسبِّحْنَ بِالْعَشىِّ وَ الاشرَاقِ(18) وَ الطيرَ محْشورَةً كلُّ لَّهُ أَوَّابٌ(19) وَ شدَدْنَا مُلْكَهُ وَ ءَاتَيْنَهُ الْحِكْمَةَ وَ فَصلَ الخِْطابِ(20)

اللغة

القط الكتاب قال الأعشى :
مجمع البيان ج : 8 ص : 731

و لا الملك النعمان يوم تقيته
بنعمته يعطي القطوط و يافق أي كتب الجوائز و اشتقاقها من القط و هو القطع لأنها تقطع النصيب لكل واحد بما كتب فيها و القط النصيب أيضا قال أبو عبيدة و القط الحساب و في الأثر أن عمر و زيدا كانا لا يريان ببيع القطوط بأسا إذا خرجت و الفقهاء لا يجيزونه و هي الجوائز و الأرزاق و قولهم ما رأيته قط أي قطع الدهر الذي مضى .

المعنى

« و قالوا » يعني هؤلاء الكفار الذين وصفهم « ربنا عجل لنا قطنا » أي قدم لنا نصيبنا من العذاب « قبل يوم الحساب » قالوه على وجه الاستهزاء بخبر الله عز و جل عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و قيل معناه أرنا حظنا من النعيم في الجنة حتى نؤمن عن السدي و سعيد بن جبير و قيل لما نزل فأما من أوتي كتابه بيمينه و أما من أوتي كتابه بشماله قالت قريش زعمت يا محمد أنى نؤتى كتابنا بشمالنا فعجل لنا كتبنا التي نقرؤها في الآخرة استهزاء منهم بهذا الوعيد و تكذيبا به عن أبي العالية و الكلبي و مقاتل فقال الله سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) « اصبر » يا محمد أي احبس نفسك « على ما يقولون » من تكذيبك فإن وبال ذلك يعود عليهم « و اذكر عبدنا داود ذا الأيد » أي ذا القوة على العبادة عن ابن عباس و مجاهد و ذكر أنه يقوم نصف الليل و يصوم نصف الدهر كان يصوم يوما و يفطر يوما و ذلك أشد الصوم و قيل ذا القوة على الأعداء و قهرهم و ذلك لأنه رمى بحجر من مقلاعه صدر رجل فأنفذه من ظهره فأصاب آخر فقتله و قيل معناه ذا التمكين العظيم و النعم العظيمة و ذلك أنه كان يبيت كل ليلة حول محرابه ألوف كثيرة من الرجال « إنه أواب » أي ثواب راجع عن كل ما يكره الله تعالى إلى كل ما يحب من آب يؤب إذا رجع عن مجاهد و ابن زيد و قيل مسبح عن سعيد بن جبير و قيل مطيع عن ابن عباس « إنا سخرنا الجبال معه يسبحن » لله إذا سبح و يحتمل أن يكون الله سبحانه خلق في الجبال التسبيح و يمكن أن يكون بنى فيها بنية يأتي فيها التسبيح « بالعشي و الإشراق » أي بالرواح و الصباح « و الطير » أي و سخرنا الطير « محشورة » أي مجموعة إليه تسبح الله تعالى معه « كل » يعني كل الطير و الجبال « له أواب » رجاع إلى ما يريد مطيع له بالتسبيح معه قال الجبائي لا يمتنع أن يكون الله تعالى خلق في الطيور
مجمع البيان ج : 8 ص : 732
من المعارف ما تفهم به أمر داود (عليه السلام) و نهيه فتطيعه فيما يريد منها و إن لم تكن كاملة العقل مكلفة « و شددنا ملكه » أي قوينا ملكه بالحرس و الجنود و الهيبة و كثرة العدد و العدة « و آتيناه الحكمة » و هي النبوة و قيل الإصابة في الأمور و قيل العلم بالله و شرائعه عن أبي العالية و الجبائي « و فصل الخطاب » يعني الشهود و الأيمان و إن البينة على المدعي و اليمين على من أنكر لأن خطاب الخصوم لا ينفصل و لا ينقطع إلا بهذا و هو قول الأكثرين و قيل فصل الخطاب هو العلم بالقضاء و الفهم عن ابن مسعود و الحسن و مقاتل و قتادة و قال البلخي يجوز أن يكون المراد بتسبيح الجبال معه ما أعطاه الله تعالى من حسن الصوت بقراءة الزبور فكان إذا قرأ الزبور أو رفع صوته بالتسبيح بين الجبال ردت الجبال عليه مثله من الصدى فسمى الله ذلك تسبيحا .
* وَ هَلْ أَتَاك نَبَؤُا الْخَصمِ إِذْ تَسوَّرُوا الْمِحْرَاب(21) إِذْ دَخَلُوا عَلى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنهُمْ قَالُوا لا تَخَف خَصمَانِ بَغَى بَعْضنَا عَلى بَعْض فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَ لا تُشطِط وَ اهْدِنَا إِلى سوَاءِ الصرَطِ(22) إِنَّ هَذَا أَخِى لَهُ تِسعٌ وَ تِسعُونَ نَعْجَةً وَ لىَ نَعْجَةٌ وَحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَ عَزَّنى فى الخِْطابِ(23) قَالَ لَقَدْ ظلَمَك بِسؤَالِ نَعْجَتِك إِلى نِعَاجِهِ وَ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الخُْلَطاءِ لَيَبْغِى بَعْضهُمْ عَلى بَعْض إِلا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ وَ قَلِيلٌ مَّا هُمْ وَ ظنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّهُ فَاستَغْفَرَ رَبَّهُ وَ خَرَّ رَاكِعاً وَ أَنَاب (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِك وَ إِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَ حُسنَ مَئَاب(25)

القراءة

في الشواذ قراءة أبي رجاء و قتادة و لا تشطط بفتح التاء و ضم الطاء و قراءة
 

Back Index Next