جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج3 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


مجمع البيان ج : 3 ص : 338
الجنس في كلامهم مجيئا واسعا قال الفرزدق :
و كل رفيقي كل رحل و إن هما
تعاطى القنا قوما هما أخوان فتأويل الرفيقين في البيت العموم و الإشاعة أ لا ترى أنه لا يجوز أن يكون رفيقان اثنان لكل رحل و بعده فإذا كانوا قد استجازوا تثنية الجمع الذي بني للكثرة كقوله :
لأصبح القوم أوبادا و لم يجدوا
عند التفرق في الهيجا جمالين و قبله :
سعى عقالا فلم يترك لنا سبدا
فكيف لو قد سعى عمرو عقالين و قول أبي النجم :
بين رماحي نهشل و عقيل و نحو ما حكاه سيبويه من قولهم لقاحان سوداوان فإن تجوز تثنية اسم الجنس أجدر لأنه على لفظ الواحد فالتثنية فيه أحسن إذ هو أشبه بألفاظ الإفراد .

الإعراب

قال أبو علي اعلم أن يدا كلمة نادرة و وزنها فعل يدلك على ذلك قولهم أيد و جمعهم له على أفعل كأكلب و أنفس يدل على أنه فعل كما دل آباء و آخاء على أن وزن أب و أخ فعل و اللام منه الياء و هو من باب سلس و قلق لا يعلم لذلك في الكلام نظير و الذي يدل على ذلك يديت إليه يدا و لا يعلم في الواو مثله أ لا ترى أنه لم يجيء مثل دعوت و قد جاء في الأسماء ذلك و هو قولهم واو و أما قولهم ذهبوا أيادي سبإ إذا أرادوا الافتراق و قول ذي الرمة :
فيا لك من دار تحمل أهلها
أيادي سبإ بعدي و طال احتيالها و هو في موضع حال لأنه كقولك ذهبوا متفرقين و إذا كان كذلك لا يصلح إضافتها لأن سبأ معرفة فيكون المضاف إليه معرفة فإذا كان معرفة وجب أن لا يكون حالا قال و الوجه فيها
مجمع البيان ج : 3 ص : 339
عندي أن لا يقدر فيها الإضافة و لكن يجعل الاسمان بمنزلة اسم واحد كحضرموت فيمن لم يضف و كان القياس أن يتحرك اللام من أيادي بالفتح في موضع النصب إلا أنهم أسكنوه و لم يحركوه و شبهوه بالحالتين الأخيرتين و هذا الضرب قد اطرد فيه الإسكان فقالوا معديكرب و قالي و بادي بدا فأسكنوا جميع ذلك .

المعنى

ثم أخبر الله تعالى بعظيم فريتهم فقال « و قالت اليهود يد الله مغلولة » أي مقبوضة عن العطاء ممسكة عن الرزق فنسبوه إلى البخل عن ابن عباس و قتادة و عكرمة و الضحاك قالوا إن الله كان قد بسط على اليهود حتى كانوا من أكثر الناس مالا و أخصبهم ناحية فلما عصوا الله في محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و كذبوه كف الله عنهم ما بسط عليهم من السعة فقال عند ذلك فنحاص بن عازورا « يد الله مغلولة » و لم يقل إلى عنقه قال أهل المعاني إنما قال فنحاص و لم ينهه الآخرون و رضوا بقوله فأشركهم الله في ذلك و قيل معناه يد الله مكفوفة عن عذابنا فليس يعذبنا إلا بما يبر به قسمه قدر ما عبد آباؤنا العجل عن الحسن و قيل إنه استفهام و تقديره أ يد الله مغلولة عنا حيث قتر المعيشة علينا و قال أبو القاسم البلخي يجوز أن يكون اليهود قالوا قولا و اعتقدوا مذهبا يؤدي معناه إلى أن الله يبخل في حال و يجود في حالة أخرى فحكى عنهم ذلك على وجه التعجيب منهم و التكذيب لهم و يجوز أن يكونوا قالوا ذلك على وجه الهزء من حيث لم يوسع على النبي و على أصحابه و ليس ينبغي أن يتعجب من قوم يقولون لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة و يتخذون العجل إلها أن يقولوا إن الله يبخل تارة و يجود أخرى و قال الحسين بن علي المغربي حدثني بعض اليهود بمصر أن طائفة منهم قالت ذلك « غلت أيديهم » قيل فيه أقوال ( أحدها ) أنه على سبيل الإخبار أي غلت أيديهم في جهنم عن الحسن و اختاره الجبائي و معناه شدت إلى أعناقهم و تأويله أنهم جوزوا على هذا القول بهذا الجزاء فعلى هذا يكون في الكلام ضمير الفاء أو الواو و تقديره فغلت أيديهم أو و غلت لأن كلامهم قد تم و استؤنف بعده كلام آخر و من عاداتهم أنهم يحذفون فيما يجري هذا المجرى و من ذلك قوله و إذ قال موسى لقومه يا قوم إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أ تتخذنا هزوا و المراد فقالوا لأن كلام موسى قد تم ( و ثانيها ) أن يكون القول خرج مخرج الدعاء كما يقال قاتله الله عن أبي مسلم و على هذا فيكون معناه تعليمنا و توفيقنا على الدعاء عليهم كما علمنا الاستثناء في غير هذا الموضع بقوله لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله
مجمع البيان ج : 3 ص : 340
آمنين ( و ثالثها ) أن معناه جعلوا بخلاء و ألزموا البخل فهم أبخل قوم فلا يلفى يهودي أبدا غير لئيم بخيل عن الزجاج « و لعنوا بما قالوا » أي أبعدوا عن رحمة الله و ثوابه بسبب هذه المقالة و قيل عذبوا في الدنيا بالجزية و في الآخرة بالنار عن الحسن ثم رد الله عليهم بضد مقالتهم فقال « بل يداه مبسوطتان » أي ليس الأمر على ما وصفوه بل هو جواد فليس لذكر اليد هنا معنى غير إفادة معنى الجود و إنما قال « يداه » على التثنية مبالغة في معنى الجود و الإنعام لأن ذلك أبلغ فيه من أن يقول بل يده مبسوطة و يمكن أن يكون المراد باليد النعمة و يكون الوجه في تثنية النعمة أنه أراد نعم الدنيا و نعم الآخرة لأن الكل و إن كانت نعم الله فمن حيث اختص كل منهما بصفة تخالف صفة الآخر كأنهما جنسان و يمكن أن يكون تثنية النعمة أنه أريد بهما النعم الظاهرة و الباطنة كما قال تعالى و أسبغ عليكم نعمه ظاهرة و باطنة و قيل إن المراد باليدين القوة و القدرة عن الحسن و معناه قوتاه بالثواب و العقاب مبسوطتان بخلاف قول اليهود إن يده مقبوضة عن عذابنا « ينفق كيف يشاء » معناه يعطي كيف يشاء من يشاء من عباده و يمنع من يشاء من عباده لأنه متفضل بذلك فيفعل على حسب المصلحة « و ليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا و كفرا » أي سيزدادون عند إنزال القرآن إليك طغيانا و كفرا و يريد بالكثير منهم المقيمين على الكفر و إنما ازدادوا كفرا لأنه كلما أنزل الله حكما و أخبرهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) به جحدوه و ازدادوا بذلك طغيانا و هو التمادي و المجاوزة عن الحد و كفرا انضم إلى كفرهم و هذا كما يقول القائل وعظتك فكانت موعظتي وبالا عليك و ما زادتك إلا شرا على معنى أنك ازددت عندها شرا و ذلك مشهور في الاستعمال « و ألقينا بينهم العداوة و البغضاء إلى يوم القيامة » أي بين اليهود و النصارى عن الحسن و مجاهد و قيل يريد به اليهود خاصة و قد مر تفسيره ففي أول السورة عند قوله فأغرينا بينهم العداوة و البغضاء إلى يوم القيامة « كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله » أي لحرب محمد عن الحسن و مجاهد و في هذا دلالة و معجزة لأن الله أخبره فوافق خبره المخبر فقد كانت اليهود أشد أهل الحجاز بأسا و أمنعهم دارا حتى أن قريشا كانت تعتضد بهم و الأوس و الخزرج تستبق إلى محالفتهم و تتكثر بنصرتهم فأباد الله خضراءهم و استأصل شافتهم و اجتث أصلهم فأجلى النبي بني النضير و بني قينقاع و قتل بني قريظة و شرد أهل خيبر و غلب على فدك و دان له أهل وادي القرى فمحا الله تعالى آثارهم صاغرين و قال قتادة معناه أن الله أذلهم ذلا لا يعزون بعده أبدا و إنما يطفىء نار حربهم
مجمع البيان ج : 3 ص : 341
بلطفه و بما يطلع نبيه عليه من أسرارهم و بما يمن به عليه من التأييد و النصر « و يسعون في الأرض فسادا » بمعصية الله و تكذيب رسله و مخالفة أمره و نهيه و اجتهادهم في محو ذكر النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) من كتبهم « و الله لا يحب المفسدين » العاملين بالفساد و المعاصي في أرضه .
وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكتَبِ ءَامَنُوا وَ اتَّقَوْا لَكفَّرْنَا عَنهُمْ سيِّئَاتهِمْ وَ لأَدْخَلْنَهُمْ جَنَّتِ النَّعِيمِ(65) وَ لَوْ أَنهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَ الانجِيلَ وَ مَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبهِمْ لأَكلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَ مِن تحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَ كَثِيرٌ مِّنهُمْ ساءَ مَا يَعْمَلُونَ(66)

اللغة

أصل التكفير التغطية و منه تكفر في السلاح و الاقتصاد الاستواء في العمل الذي يؤدي إلى الغرض و اشتقاقه من القصد لأن القاصد إلى ما يعرف مكانه فهو يمر على الاستقامة إليه خلاف الطالب المتحير في طلبه .

الإعراب

« ساء ما يعملون » يحتمل أن يكون ما مع ما بعدها بمنزلة المصدر و يحتمل أن يكون بمعنى الذي و ما بعدها صلة لها و العائد محذوف .

المعنى

« و لو أن أهل الكتاب » يعني اليهود و النصارى « آمنوا » بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) « و اتقوا » الكفر و الفواحش « لكفرنا عنهم سيئاتهم » أي سترناها عليهم و غفرناها لهم « و لأدخلناهم جنات النعيم » ظاهر المعنى « و لو أنهم أقاموا التوراة و الإنجيل » أي عملوا بما فيهما على ما فيهما دون أن يحرفوا شيئا منهما أو يغيروا أو يبدلوا كما كانوا يفعلونه و يحتمل أن يكون معناه عملوا بما فيهما بأن أقاموهما نصب أعينهم لئلا يزلوا في شيء من حدودهما « و ما أنزل إليهم من ربهم » يريد به القرآن عن ابن عباس و اختاره الجبائي و قيل المراد به كلما دل الله عليه من أمور الدين « لأكلوا من فوقهم » بإرسال السماء عليهم مدرارا « و من تحت أرجلهم » بإعطاء الأرض خيرها و بركتها عن ابن عباس و قتادة و مجاهد و قيل المراد لأكلوا ثمار النخيل و الأشجار من فوقهم و الزرع من تحت أرجلهم و المعنى لتركوا في
مجمع البيان ج : 3 ص : 342
ديارهم و لم يجلوا عن بلادهم و لم يقتلوا فكانوا يتمتعون بأموالهم و زروعهم و ثمارهم و ما رزقهم الله من النعم و إنما خص سبحانه الأكل لأن ذلك معظم الانتفاع و في هذا تأسيف لليهود على ما فاتهم و اعتداد بسعة ما كانوا فيه من نعم الله عليهم و هو جواب تبخيلهم إياه في قولهم يد الله مغلولة و قيل إن المعنى في قوله « لأكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم » التوسعة كما يقال فلان في الخير من قرنه إلى قدمه أي يأتيه الخير من كل جهة يلتمسه منها و نظير هذه الآية قوله « و أن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب » جعل الله تعالى التقوى من أسباب التوسعة في الرزق « منهم أمة مقتصدة » أي من هؤلاء قوم معتدلون في العمل من غير غلو و لا تقصير قال أبو علي الجبائي و هم الذين أسلموا منهم و تابعوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و به قال مجاهد و السدي و ابن زيد و هو المروي في تفسير أهل البيت (عليهم السلام) و قيل يريد به النجاشي و أصحابه و قيل أنهم قوم لم يناصبوا النبي مناصبة هؤلاء حكاه الزجاج و يحتمل أن يكون أراد به من يقر منهم بأن المسيح عبد الله و لا يدعي فيه الإلهية « و كثير منهم ساء ما يعملون » قبح عملهم أي أكثر هؤلاء اليهود و النصارى يعملون الأعمال السيئة و هم الذين يقيمون على الكفر و الجحود بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) .
* يَأَيهَا الرَّسولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْك مِن رَّبِّك وَ إِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْت رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُك مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يهْدِى الْقَوْمَ الْكَفِرِينَ(67)

القراءة

قرأ نافع و ابن عامر و أبو بكر عن عاصم رسالاته على الجمع و الباقون « رسالته » على التوحيد .

الحجة

قال أبو علي حجة من جمع أن الرسل يرسلون بضروب من الرسائل كالتوحيد و الشرائع فلما اختلفت الرسائل حسن أن تجمع كما حسن أن تجمع أسماء الأجناس إذا اختلفت أ لا ترى أنك تقول رأيت تمورا كثيرة نظرت في علوم كثيرة فتجمع هذه الأسماء إذا أردت ضروبها كما تجمع غيرها من الأسماء و حجة من أفرد هذه الأسماء أنها تدل على الكثرة و إن لم تجمع كما تدل الألفاظ المصوغة للجمع فمما يدل على ذلك قوله لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا و ادعوا ثبورا كثيرا فوقع الاسم الشائع على الجميع كما يقع على
مجمع البيان ج : 3 ص : 343
الواحد فكذلك الرسالة .

الإعراب

أرسل فعل يتعدى إلى مفعولين و يتعدى إلى الثاني منهما بالجار كقوله إنا أرسلنا نوحا إلى قومه و أرسلناه إلى مائة ألف و يجوز الاقتصار على أحدهما دون الآخر كقوله ثم أرسلنا رسلنا تترى و إنا أرسلناك شاهدا و قال فأرسل إلى هارون فعدي إلى الثاني و الأول مقدر في المعنى و قال :
فأرسلها العراك و لم يذدها
و لم يشفق على نغص الدخال المعنى خلى بين هذه الإبل و بين شربها و لم يمنعها من ذلك و أنشد أبو زيد :
لعمري لقد جاءت رسالة مالك
إلى جسد بين العوائد مختبل و الرسالة هنا بمعنى الإرسال و المصدر في تقدير الإضافة إلى الفاعل و المفعول الأول في التقدير محذوف كما كان في قوله فأرسل إلى هارون محذوفا و التقدير رسالة المالك زيدا إلى جسد و الجار و المجرور في موضع نصب بكونه مفعولا ثانيا و المعنى إلى ذي جسد لأن الرسالة لم تأت الجسد دون سائر المرسل إليه و هذا مثل قوله :
و بعد عطائك المائة الرتاعا ) في وضعه العطاء موضع الإعطاء و الرسول يكون بمعنى الرسالة و يكون بمعنى المرسل فأما كونه بمعنى الرسالة فكقول الشاعر :
لقد كذب الواشون ما بحت عنهم
بسر و لا أرسلتهم برسول أي برسالة و كونه بمعنى المرسل قوله و ما محمد إلا رسول و مثله في إنه فعول بمعنى مفعول قوله :
و ما زلت خيرا منك مذ عض كارها
بلحييك غادي الطريق ركوب يريد أنه طريق مركوب مسلوك و العصمة المنع من عصام القربة و هو وكاؤها الذي تشد
مجمع البيان ج : 3 ص : 344
به من سير أو خيط قال الشاعر :
و قلت عليكم مالكا إن مالكا
سيعصمكم إن كان في الناس عاصم أي سيمنعكم و اعتصم فلان بفلان أي امتنع به .

المعنى

ثم أمر سبحانه نبيه بالتبليغ و وعده العصمة و النصرة فقال « يا أيها الرسول » و هذا نداء تشريف و تعظيم « بلغ » أي أوصل إليهم « ما أنزل إليك من ربك و إن لم تفعل فما بلغت رسالته » أكثر المفسرون فيه الأقاويل فقيل إن الله تعالى بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) برسالة ضاق بها ذرعا و كان يهاب قريشا فأزال الله بهذه الآية تلك الهيبة عن الحسن و قيل يريد به إزالة التوهم من أن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) كتم شيئا من الوحي للتقية عن عائشة و قيل غير ذلك و روى العياشي في تفسيره بإسناده عن ابن عمير عن ابن أذينة عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس و جابر بن عبد الله قالا أمر الله محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن ينصب عليا (عليه السلام) للناس فيخبرهم بولايته فتخوف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يقولوا حابى ابن عمه و أن يطعنوا في ذلك عليه فأوحى الله إليه هذه الآية فقام بولايته يوم غدير خم و هذا الخبر بعينه قد حدثناه السيد أبو الحمد عن الحاكم أبي القاسم الحسكاني بإسناده عن ابن أبي عمير في كتاب شواهد التنزيل لقواعد التفصيل و التأويل و فيه أيضا بالإسناد المرفوع إلى حيان بن علي الغنوي عن أبي صالح عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في علي (عليه السلام) فأخذ رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) بيده (عليه السلام) فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و قد أورد هذا الخبر بعينه أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي في تفسيره بإسناده مرفوعا إلى ابن عباس قال نزلت هذه الآية في علي (عليه السلام) أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يبلغ فيه فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بيد علي (عليه السلام) فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و قد اشتهرت الروايات عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) أن الله أوحى إلى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يستخلف عليا (عليه السلام) فكان يخاف أن يشق ذلك على جماعة من أصحابه فأنزل الله تعالى هذه الآية تشجيعا له على القيام بما أمره الله بأدائه و المعنى أن تركت تبليغ ما أنزل إليك و كتمته كنت كأنك لم تبلغ شيئا من رسالات ربك في استحقاق العقوبة و قال ابن عباس معناه إن كتمت آية مما أنزل إليك فما بلغت رسالته أي لم تكن ممتثلا بجميع الأمر « و الله يعصمك من الناس » أي يمنعك من أن ينالوك بسوء « إن الله لا يهدي القوم الكافرين » قيل فيه قولان ( أحدهما ) أن معنى الهداية هنا أنه
مجمع البيان ج : 3 ص : 345
سبحانه لا يهديهم بالمعونة و التوفيق و الألطاف إلى الكفر بل إنما يهديهم إلى الإيمان لأن من هداه إلى غرضه فقد أعانه على بلوغه عن علي بن عيسى قال و لا يجوز أن يكون المراد لا يهديهم إلى الإيمان لأنه تعالى هداهم إلى الإيمان بأن دلهم عليه و رغبهم فيه و حذرهم من خلافه ( و الآخر ) أن المراد لا يهديهم إلى الجنة و الثواب عن الجبائي و في هذه الآية دلالة على صدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و صحة نبوته من وجهين ( أحدهما ) أنه وقع مخبره على ما أخبر به فيه و في نظائره فدل ذلك على أنه من عند عالم الغيوب و السرائر ( و الثاني ) أنه لا يقدم على الإخبار بذلك إلا و هو يأمن أن يكون مخبره على ما أخبر به لأنه لا داعي له إلى ذلك إلا الصدق و روي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لما نزلت هذه الآية قال لحراس من أصحابه كانوا يحرسونه منهم سعد و حذيفة ألحقوا بملاحقكم فإن الله تعالى عصمني من الناس .
قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَبِ لَستُمْ عَلى شىْء حَتى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَ الانجِيلَ وَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَ لَيزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْك مِن رَّبِّك طغْيَناً وَ كُفْراً فَلا تَأْس عَلى الْقَوْمِ الْكَفِرِينَ(68)

النزول

قال ابن عباس جاء جماعة من اليهود إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقالوا له أ لست تقر بأن التوراة من عند الله قال بلى قالوا فإنا نؤمن بها و لا نؤمن بما عداها فنزلت الآية .

المعنى

ثم أمر سبحانه النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يخاطب اليهود فقال « قل » يا محمد « يا أهل الكتاب لستم على شيء » من الدين الصحيح « حتى تقيموا التوراة و الإنجيل و ما أنزل إليكم من ربكم » أي حتى تقروا بالتوراة و الإنجيل و القرآن المنزل إلى جميع الخلق و قيل معناه حتى تقيموا التوراة و الإنجيل بالتصديق بما فيهما من البشارة بالنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و العمل بما يوجب ذلك فيهما و قيل معناه الأمر بإقامة التوراة و الإنجيل و ما فيهما و إنما كان ذلك قبل النسخ لهما عن الجبائي « و ليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا و كفرا » مر تفسيره قبل « فلا تأس على القوم الكافرين » أي لا تحزن عليهم و هذه تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أي فلا تحزن فإن تكذيب الأنبياء عادتهم و دأبهم و قيل معناه لا تحزن على ذلك الكفر و تجاوز
مجمع البيان ج : 3 ص : 346
الحد في الظلم منهم فإن ضرر ذلك عائد عليهم و قيل معناه لا تحزن على هلاكهم و عذابهم فذلك جزاؤهم بفعالهم .
إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ الَّذِينَ هَادُوا وَ الصبِئُونَ وَ النَّصرَى مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الاَخِرِ وَ عَمِلَ صلِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يحْزَنُونَ(69)

الإعراب

اختلف في وجه ارتفاع قوله « الصابئون » فقال الكسائي هو نسق على ما في « هادوا » قال الزجاج و هذا خطأ من جهتين ( إحداهما ) أن الصابىء على هذا القول يشارك اليهودي في اليهودية و ليس كذلك فإن الصابىء غير اليهودي فإن جعل هادوا بمعنى تابوا من قوله إنا هدنا إليك لا من اليهودية و يكون المعنى تابوا هم و الصابئون فالتفسير جاء بغير ذلك لأن معنى « الذين آمنوا » في هذه الآية إنما هو الإيمان بأفواههم ثم ذكر اليهود و النصارى فقال من آمن منهم بالله فله كذا فجعلهم يهودا و نصارى فلو كانوا مؤمنين لم يحتج إلى أن يقال من آمن منهم فلهم أجرهم و هذا قول الفراء و الزجاج في الإنكار عليه و الجهة الأخرى أن العطف على الضمير المرفوع من غير توكيد قبيح و إنما يأتي في ضرورة الشعر كما قال عمر بن أبي ربيعة :
قلت إذ أقبلت و زهر تهادى
كنعاج الملأ تعسفن رملا و قال الفراء أنه عطف على ما لم يتبين فيه الإعراب مع ضعف إن قال و هذا يجوز في مثل الذين و المضمر نحو إني و زيد قائمان و لا يجوز إن زيدا و عمرو قائمان قال الزجاج و هذا غلط لأن إن تعمل النصب و الرفع و ليس في العربية ناصب ليس معه مرفوع لأن كل منصوب مشبه بالمفعول و المفعول لا يكون بغير فاعل و كيف يكون نصب إن ضعيفا و هو يتخطى الظروف فتنصب ما بعدها نحو إن فيها قوما جبارين و نصب إن من أقوى المنصوبات و قال سيبويه و الخليل و جميع البصريين أن قوله « و الصابئون » محمول على التأخير و مرفوع بالابتداء
مجمع البيان ج : 3 ص : 347
و المعنى أن الذين آمنوا و الذين هادوا من آمن منهم بالله إلى آخره و الصابئون و النصارى كذلك أيضا أي من آمن منهم بالله و اليوم الآخر فلا خوف عليهم و أنشدوا قول بشر بن حازم :
و إلا فاعلموا إنا و أنتم
بغاة ما بقينا في شقاق و المعنى فاعلموا إنا بغاة ما بقينا في شقاق و أنتم أيضا كذلك و قول ضابىء البرجمي :
فمن يك أمسى بالمدينة رحله
فإني و قيار بها لغريب أي فإني بها غريب و قيار كذلك و زعم سيبويه أن قوما من العرب يغلطون فيقولون إنهم أجمعون ذاهبون و إنك و زيد قائمان فجعل سيبويه هذا غلطا و جعله كقول الشاعر :
بدا لي إني لست مدرك ما مضى
و لا سابق شيئا إذا كان جائيا .

المعنى

قد مضى تفسير هذه الآية مشروحا في سورة البقرة و قد ذكرنا هاهنا أن المعني بالذين آمنوا في قول الزجاج هم المنافقون ثم ذكر بعد من آمن بالقلب و قيل إن من آمن محمول على اليهود و النصارى أي من آمن منهم و الذين آمنوا في الابتداء محمول على ظاهره من حقيقة الإيمان و قيل إن من آمن يرجع إلى الجميع و يكون معناه من يستديم الإيمان و يستمر عليه .
لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَقَ بَنى إِسرءِيلَ وَ أَرْسلْنَا إِلَيهِمْ رُسلاً كلَّمَا جَاءَهُمْ رَسولُ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسهُمْ فَرِيقاً كذَّبُوا وَ فَرِيقاً يَقْتُلُونَ(70) وَ حَسِبُوا أَلا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَ صمُّوا ثُمَّ تَاب اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَ صمُّوا كثِيرٌ مِّنهُمْ وَ اللَّهُ بَصِيرُ بِمَا يَعْمَلُونَ(71)

مجمع البيان ج : 3 ص : 348

القراءة

قرأ أبو عمرو و حمزة و الكسائي ألا تكون بالرفع و الباقون بالنصب و لم يختلفوا في رفع « فتنة » .

الحجة

من قرأ ألا تكون فتنة بالرفع جعل أن مخففة من الثقيلة و أضمر الهاء و جعل حسبوا بمعنى العلم و على هذا الوجه تثبت النون في الخط و أما النصب فعلى أنه جعل أن الناصبة للفعل و لم يجعل حسبوا بمعنى العلم و على هذا الوجه تسقط النون من الخط .

اللغة

الهوى هو لطف محل الشيء من النفس مع الميل إليه بما لا ينبغي فلذلك غلب على الهوى صفة الذم و يقال هوى يهوى هوى و هوى يهوي هويا إذا انحط من الهوي و أهوى بيده إذا انحط بها ليأخذ شيئا و هاوية جهنم لأنها يهوي فيها و هم يتهاوون في المهواة إذا سقط بعضهم على بعض و الفرق بين الهوى و الشهوة أن الشهوة تتعلق بالمدركات فيشتهي الإنسان الطعام و لا يهوى الطعام و الحسبان هو قوة أحد النقيضين في النفس على الآخر و أصله الحساب فالنقيض القوي يحتسب به دون الآخر أي هو مما يحتسب و لا يطرح و منه الحسب لأنه مما يحتسب و لا يطرح لأجل الشرف و منه قولهم حسبك أي يكفيك لأنه بحساب الكفاية و منه احتساب الأجر لأنه فيما يحتسب و لا يلغى و الفتنة هاهنا العقوبة و أصله الاختبار و منه افتتن فلان بفلانة إذا هويها لأنه ظهر ما يطوي من خبره بها و فتنت الذهب بالنار إذا خلصته ليظهر خبره في نفسه متميزا من شائب غيره .

الإعراب

اللام في لقد لام القسم و نصب فريقا في الموضعين بأنه مفعول به قال أبو علي الفارسي الأفعال على ثلاثة أضرب فعل يدل على ثبات الشيء و استقراره و ذلك نحو العلم و اليقين و التبيين و فعل يدل على خلاف الاستقرار و الثبات و فعل يجذب مرة إلى هذا القبيل و مرة إلى هذا القبيل فما كان معناه العلم وقع بعده أن الثقيلة و لم يقع بعده الخفيفة الناصبة للفعل و ذلك أن الثقيلة معناها ثبات الشيء و استقراره و العلم بأنه كذلك أيضا وقع عليه و استعمل معه كان وفقه و أن الناصبة للفعل لا تقع على ما كان ثابتا مستقرا فمن استعمال الثقيلة بعد العلم قوله و يعلمون أن الله هو الحق المبين أ لم يعلم بأن الله يرى لأن الباء زائدة و أما ما كان معناه ما لم يثبت و لم يستقر فنحو أطمع و أخاف و أرجو و أخشى و نحو ذلك و يستعمل بعده الخفيفة الناصبة للفعل قال تعالى و الذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي و تخافون
مجمع البيان ج : 3 ص : 349
أن يتخطفكم الناس فخشينا أن يرهقهما و أما ما يجذب مرة إلى هذا الباب و مرة إلى هذا الباب فنحو حسبت و ظننت و زعمت و هذا النحو يجعل مرة بمنزلة أرجو و أطمع من حيث كان أمرا غير مستقر و مرة يجعل بمنزلة العلم من حيث يستعمل استعماله و من حيث كان خلافه و الشيء قد يجري مجرى الخلاف نحو عطشان و ريان فأما استعمالهم إياه استعمال العلم فهو أنهم قد أجابوه بجواب القسم حكى سيبويه ظننت لتسبقني و ظنوا ما لهم من محيص كما قالوا و لقد علمت لتأتين منيتي و لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات و الأرض و كلهم قرأ « فتنة » بالرفع لأنهم جعلوا كان بمنزلة وقع و لو نصب فقيل أن لا تكون فتنة على أن لا يكون قوله « فتنة » لكان جائزا في العربية و إنما رفع لاتباع الأثر و إنما حسن وقوع أن الخفيفة من الشديدة في قراءة من رفع و إن كان بعده فعل لدخول لا و لكونها عوضا عن حذف الضمير معه و إيلائه ما لم يكن يليه و لو قلت علمت أن تقول لم يحسن حتى تأتي بما يكون عوضا نحو قد و لا و السين و سوف كما في قوله علم أن سيكون منكم مرضى فإن قلت قد جاء و أن ليس للإنسان إلا ما سعى فلم يدخل بين أن و ليس شيء فإنما جاء هذا لأن ليس ليس بفعل على الحقيقة و أما قوله « كثير منهم » فيرتفع من ثلاثة أوجه ( أحدها ) أن يكون بدلا من الواو في عموا و صموا ( و الثاني ) أن يكون خبر مبتدإ محذوف كأنه قال ذو العمى و الصمم كثير منهم ( و الثالث ) أن يكون على لغة أكلوني البراغيث و عليه قول الشاعر :
يلومونني في اشتراء النخيل
أهلي فكلهم يعذل و قال الفرزدق :
ألقيتا عيناك عند القفا
أولى فأولى لك ذا واقية و قال الهذلي :
و لكن ديافي أبوه و أمه
بحوران يعصرن السليط أقاربه .

المعنى

ثم أقسم سبحانه بأنه أخذ عليهم الميثاق فقال « لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل » يريد الإيمان المؤكدة التي أخذها أنبياؤهم عليهم في الإيمان بمحمد و الإقرار به و قيل أخذ ميثاقهم على الإخلاص في التوحيد و العمل بما أمر به و الانتهاء عما نهى عنه و التصديق برسله و البشارة بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و وجه الاحتجاج عليهم بذلك و إن كان أخذ الميثاق
مجمع البيان ج : 3 ص : 350
على آبائهم أنهم عرفوا ذلك في كتبهم و أقروا بصحته فالحجة لازمة لهم و عتب المخالفة يلحقهم كما يلحق آباءهم « و أرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم » أي مما لا تهوى أنفسهم أي بما لا يوافق مرادهم « فريقا كذبوا و فريقا يقتلون » أي كذبوا طائفة و قتلوا طائفة فإن قيل لم عطف المستقبل على الماضي فجوابه ليدل على أن ذلك من شأنهم ففيه معنى كذبوا و قتلوا و يكذبون و يقتلون مع أن قوله « يقتلون » فاصلة يجب أن يكون موافقا لرءوس الآي و يمكن أن يقال التقدير فيه فريقا كذبوا لم يقتلوه و فريقا كذبوا يقتلون فيكون يقتلون صفة للفريق و لم يكن فيه عطف المستقبل على الماضي و على الجواب الأول لم يكن كذبوا و يقتلون صفة للفريق لأن التقدير كذبوا فريقا و يقتلون فريقا و قد ذكرنا تفسير الفريقين في سورة البقرة عند قوله ففريقا كذبتم و فريقا تقتلون « و حسبوا » أي و ظنوا « ألا تكون فتنة » أي عقوبة على قتلهم و تكذيبهم يريد و ظنوا أن الله لا يعذبهم عن عطاء عن ابن عباس و قيل حسب القوم أن لا يكون بلية عن قتادة و الحسن و السدي و قيل فتنة أي شدة و قحط عن مقاتل و الكل متقارب و قيل و حسبوا فعلهم غير فاتن لهم و ذلك أنهم كانوا يقولون نحن أبناء الله و أحباؤه عن الزجاج و قيل معناه و قدروا أن لا تقع بهم فتنة في الإصرار على الكفر و ظنوا أن ذلك لا يكون موبقا لهم عن ابن الأنباري « فعموا و صموا » على التشبيه بالأعمى و الأصم لأنه لا يهتدي إلى طريق الرشد في الدين لإعراضه عن النظر كما لا يهتدي هذا إلى طريق الرشد في الدنيا لأجل عماه و صممه « ثم تاب الله عليهم » يريد أن فريقا منهم تابوا فتاب الله عليهم « ثم عموا و صموا » أي عادوا إلى ما كانوا عليه يريد فلما انقضت تلك القرون و نشأت قرون أخر تخلقوا بأخلاق آبائهم فعموا عن الحق و صموا عن استماعه و قيل معناه لما تابوا دفع الله عنهم البلاء ثم صار « كثير منهم » كما كانوا و قيل أراد بكثير منهم من كان في عصر نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) « و الله بصير بما يعملون » أي عليم بأعمالهم و هذا كالوعيد لهم .

مجمع البيان ج : 3 ص : 351
لَقَدْ كفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَ قَالَ الْمَسِيحُ يَبَنى إِسرءِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبى وَ رَبَّكمْ إِنَّهُ مَن يُشرِك بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَ مَأْوَاهُ النَّارُ وَ مَا لِلظلِمِينَ مِنْ أَنصار(72) لَّقَدْ كفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِث ثَلَثَة وَ مَا مِنْ إِلَه إِلا إِلَهٌ وَحِدٌ وَ إِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(73) أَ فَلا يَتُوبُونَ إِلى اللَّهِ وَ يَستَغْفِرُونَهُ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(74)

اللغة

الشرك أصله الاجتماع في الملك فإذا كان الملك بين نفسين فهما شريكان و كذلك كل شيء بين نفسين و لا يلزم على ذلك ما يضاف إلى كل واحد منهما منفردا كالعبد يكون ملكا لله و هو ملك للإنسان لأنه لو بطل ملك الإنسان لكان ملكا لله كما كان لم يزد في ملكه شيء لم يكن و المس هاهنا معناه ما يكون معه إحساس و هو حلوله فيه لأن العذاب لا يمس الحيوان إلا أحس به و قد يكون المس بمعنى اللمس .

الإعراب

قال الفراء « ثالث ثلاثة » لا يكون إلا مضافا و لا يجوز التنوين في ثالث فينصب ثلاثة و كذلك قوله ثاني اثنين إذ هما في الغار لا يكون إلا مضافا لأن المعنى مذهب اسم كأنك قلت واحد من اثنين و واحد من ثلاثة و لو قلت أنت ثالث اثنين جاز الإضافة و جاز التنوين و نصب الاثنين و كذلك رابع ثلاثة لأنه فعل واقع و زاد الزجاج لهذا بيانا فقال لا يجوز في ثلاثة إلا الخفض لأن المعنى أحد ثلاثة فإن قلت ثالث اثنين أو رابع ثلاثة جاز الخفض و النصب أما النصب فعلى قولك كان القوم ثلاثة فربعتهم و أنا رابعهم عددا و من خفض فعلى حذف التنوين كما قال عز و جل هديا بالغ الكعبة و تقديره بالغا للكعبة و قوله « و إن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن » فيه دلالة على اعتماد القسم في مثل قوله و لئن جئتهم ب آية ليقولن على الفعل الثاني دون الأول أ لا ترى أنه لو كان اعتماد القسم على الأول لما حذف اللام من قوله « و إن لم ينتهوا » كما لم يحذف اللام الثانية في موضع و مثله في الشعر قول عارق الطائي :
فأقسمت لا أحتل إلا بصهوة
حرام علي رملة و شقائقه
فإن لم تغير بعض ما قد صنعتم
لأنتحين للعظم ذو أنا عارقه
مجمع البيان ج : 3 ص : 352
فإن قيل لم لا يجوز أن يكون اعتماد القسم على اللام الأولى إلا أنها حذفت كما حذفت من قوله قد أفلح من زكاها فجوابه أن ذلك لا يجوز لأن اللام إنما حذفت من قد أفلح لطول الكلام لما اعترض بين القسم و المقسم عليه و لم يطل في هذا الموضع فيستجاز حذفها و إنما هذه اللام بمنزلة أن في قولك و الله إن لو فعلت لفعلت تثبتها تارة و تحذفها أخرى و القسم لا يعتمد على هذه اللام كما لا يعتمد على أن هذه أنشد سيبويه :
فأقسم أن لو التقينا و أنتم
لكان لكم يوم من الشر مظلم فالذي أعتمد عليه أقسم قوله لكان دون أن أ لا ترى أنك تقول أقسمت لو جئت لجئت فتحذف أن كما تحذف هذه اللام فهذه اللام من الزيادات التي إذا أدخلت أكدت و إذا سقطت لم يخل سقوطها بالكلام إلا أن زيادتها في القسم دون غيره كما أن إن تزاد في قولهم ما إن في النفي دون غيره و على هذا فيكون المعقود بالقسم في قولك لئن أتيتني لأكرمتك إنما هو لأكرمتك و لكن الشرط يكون كالاستثناء من هذه الجملة المعقودة بالقسم كأنك أردت أن تقسم على البتات أن تكرمه ثم بدا لك إذا أردت ذلك ثم علقت إكرامك إياه بإتيانه فصار التقدير و الله لأكرمتك إن آتيتني أي إن أتيتني لأكرمتك فاستغنيت عن ذكر الجزاء لتقدير تقديم ما يدل عليه فقولك لأن آتيتني متصل بما يدل عليه لأكرمتك من الجزاء هذا الاتصال و هذه الجملة قد لخصتها من كلام الشيخ أبي علي .

المعنى

ثم عاد تعالى إلى ذكر النصارى فقال « لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم » و هذا مذهب اليعقوبية منهم لأنهم قالوا إن الله اتحد بالمسيح اتحاد الذات فصارا شيئا واحدا و صار الناسوت لاهوتا و ذلك قولهم إنه الإله « و قال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي و ربكم » أي خالقي و خالقكم و مالكي و مالككم و إني و إياكم عبيده « إنه من يشرك بالله » أي بأن يزعم أن غيره يستحق العبادة مع ما ثبت أنه لا يقدر أحد على فعل ما يستحق به العبادة سوى الله تعالى « فقد حرم الله عليه الجنة » و التحريم هاهنا تحريم منع لا تحريم عبادة و معناه فإن الله يمنعه الجنة « و مأواه » أي مصيره « النار » و هذا كله إخبار من المسيح لقومه « و ما للظالمين من أنصار » معناه لا ناصر لهم يخلصهم مما هم فيه من أنواع العذاب ثم أقسم تعالى قسما آخر فقال « لقد كفر الذين قالوا
مجمع البيان ج : 3 ص : 353
إن الله ثالث ثلاثة » و القائلون بهذه المقالة جمهور النصارى من الملكانية و اليعقوبية و النسطورية لأنهم يقولون ثلاثة أقاليم جوهر واحد أب و ابن و روح القدس إله واحد و لا يقولون ثلاثة آلهة و يمنعون من هذه العبارة و إن كان يلزمهم أن يقولوا ثلاثة آلهة فصح أن يحكى عنهم بالعبارة اللازمة و إنما قلنا أنه يلزمهم ذلك لأنهم يقولون الابن إله و الأب إله و روح القدس إله و الابن ليس هو الأب « و ما من إله إلا إله واحد » أي ليس إله إلا إلها واحدا و إنما دخلت من للتوكيد « و إن لم ينتهوا عما يقولون » أي و إن لم يرجعوا و يتوبوا عما يقولون من القول بالتثليث أقسم « ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم » و إنما خص سبحانه الذين يستمرون على كفرهم لأنه علم أن بعضهم يؤمن عن أبي علي الجبائي و الزجاج و قيل أنه عم بقوله « الذين كفروا » الفريقين الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم و الذين قالوا إن الله هو ثالث ثلاثة و الضمير عائد إلى أهل الكتاب و ليس في هذا دلالة على أن في أفعال الجوارح ما هو كفر لأنه إنما يتضمن أن من قال أنه ثالث ثلاثة فهو كافر و لا خلاف في ذلك فإن من قال إن الكفر هو الجحود بالقلب قال إن في أفعال الجوارح ما يدل على الكفر الذي هو الجحود مثل هذه المقالة و مثل السجود للصنم و غير ذلك فلا دلالة في الآية على ما قالوه « أ فلا يتوبون إلى الله » قال الفراء هذا أمر في لفظ الاستفهام و قد يرد الأمر بلفظ الاستفهام كقوله « فهل أنتم منتهون » و إنما دخلت إلى لأن معنى التوبة الرجوع إلى طاعة الله لأن التائب بمنزلة من ذهب عنها ثم عاد إليها « و يستغفرونه » الفرق بين التوبة و الاستغفار إن الاستغفار طلب المغفرة بالدعاء و التوبة أو غيرهما من الطاعة ، و التوبة الندم على المعصية مع العزم على أن لا يعود إلى مثلها في القبح و الاستغفار مع الإصرار على القبيح لا يصح « و الله غفور رحيم » يغفر الذنوب و يسترها رحمة منه لعباده و في هذه الآية تحريض على التوبة و حث على الاستغفار .

مجمع البيان ج : 3 ص : 354
مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسولٌ قَدْ خَلَت مِن قَبْلِهِ الرُّسلُ وَ أُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانَا يَأْكلانِ الطعَامَ انظرْ كيْف نُبَينُ لَهُمُ الاَيَتِ ثُمَّ انظرْ أَنى يُؤْفَكُونَ(75) قُلْ أَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِك لَكمْ ضرًّا وَ لا نَفْعاً وَ اللَّهُ هُوَ السمِيعُ الْعَلِيمُ(76) قُلْ يَأَهْلَ الْكتَبِ لا تَغْلُوا فى دِينِكمْ غَيرَ الْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْم قَدْ ضلُّوا مِن قَبْلُ وَ أَضلُّوا كثِيراً وَ ضلُّوا عَن سوَاءِ السبِيلِ(77)

اللغة

الصديقة المبالغة في الصدق و الصديق فعيل من أبنية المبالغة كما يقال رجل سكيت أي مبالغ في السكوت يقال أفكه يأفكه أفكا إذا صرفه و الإفك الكذب لأنه صرف عن الحق و كل مصروف عن شيء مأفوك عنه قال ابن السكيت :
إن تك عن أحسن المروءة مأفوكا
ففي آخرين قد أفكوا و قد أفكت الأرض إذا صرف عنها المطر و أرض مأفوكة لم يصبها مطر و المؤتفكات المتقلبات من الرياح لأنها صرفت عن وجهها و الملك القدرة على تصريف ما للقادر عليه أن يصرفه فملك الضرر و النفع أخص من القدرة عليهما لأن القادر قد يقدر من ذلك على ما له أن يفعل و قد يقدر منه على ما ليس له أن يفعله و النفع هو فعل اللذة و السرور أو ما أدى إليهما أو إلى أحدهما مثل الملاذ التي تحصل في الحيوان و الصلة بالمال و الوعد باللذة فإن جميع ذلك نفع لأنه يؤدي إلى اللذة ، و الضرر هو فعل الألم و الغم أو ما يؤدي إليهما أو إلى واحد منهما كالآلام التي توجد في الحيوان و كالقذف و السب لأن جميع ذلك يؤدي إلى الألم ، و الأهواء أجمع هوى النفس مقصور لأنه مثل فعل و فعل جمعه أفعال .

الإعراب

انتصاب « غير الحق » على وجهين ( أحدهما ) أن يكون على الحال من دينكم فكأنه قال لا تغلوا في دينكم مخالفين للحق ( و الثاني ) أن يكون منصوبا على الاستثناء بمعنى لا تغلوا في دينكم إلا الحق فيكون الحق مستثنى من النهي عن الغلو فيه بأن يجوز الغلو فيما هو حق على معنى اتباعه .

المعنى

لما قدم سبحانه ذكر مقالات النصارى عقبه بالرد عليهم و الحجاج لهم فقال
مجمع البيان ج : 3 ص : 355
« ما المسيح بن مريم إلا رسول » أي ليس هو بإله « قد خلت من قبله الرسل » أي كما أن الرسل الذين مضوا قبله ليسوا ب آلهة و إن أتوا بالمعجزات الباهرات فكذلك المسيح فمن ادعى له الإلهية فهو كمن ادعى لهم الإلهية لتساويهم في المنزلة « و أمه صديقة » لأنها تصدق ب آيات ربها و منزلة ولدها و تصدقه فيما أخبرها به بدلالة قوله « و صدقت بكلمات ربها » عن الحسن و الجبائي و قيل سميت صديقة لكثرة صدقها و عظم منزلتها فيما تصدق به من أمرها « كانا يأكلان الطعام » قيل فيه قولان ( أحدهما ) أنه احتجاج على النصارى بأن من ولده النساء و يأكل الطعام لا يكون إلها للعباد لأن سبيله سبيلهم في الحاجة إلى الصانع المدبر و المعنى أنهما كانا يعيشان بالغذاء كما يعيش سائر الخلق فكيف يكون إلها من لا يقيمه إلا أكل الطعام و هذا معنى قول ابن عباس ( و الثاني ) إن ذلك كناية عن قضاء الحاجة لأن من أكل الطعام لا بد له من الحدث فلما ذكر الأكل صار كأنه أخبر عن عاقبته « أنظر كيف نبين لهم الآيات » أمر سبحانه النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و أمته بأن يفكروا فيما بين تعالى من الآيات أي الدلالات على بطلان ما اعتقدوه من ربوبية المسيح ثم أمر بأن ينظر « ثم أنظر أنى يؤفكون » أي كيف يصرفون عن الحق الذي يؤدي إليه تدبر الآيات فالنظر الأول إنما هو إلى فعله تعالى الجميل في نصب الآيات و إزاحة العلل و النظر الثاني إلى أفعالهم القبيحة و تركهم التدبر للآيات ثم زاد تعالى في الاحتجاج عليهم فقال « قل » يا محمد « أ تعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا و لا نفعا » أي أ توجهون عبادتكم إلى من لا يقدر لكم على النفع و الضر لأن القادر عليهما هو الله أو من يمكنه الله تعالى من ذلك و المستحق للعبادة إنما هو القادر على أصول النعم و النفع و الضر و الخلق و الإحياء و الرزق و لا يقدر على ذلك غير الله فلا يستحق العبادة سواه « و الله هو السميع » لأقوالكم « العليم » بضمائركم و في هذا تحذير من الجزاء و استدعاء إلى التوبة ثم دعاهم إلى ترك الغلو فقال « قل » يا محمد للنصارى فإنهم المخاطبون هنا و قال قوم أنه خطاب لليهود و النصارى لأن اليهود غلوا أيضا في تكذيب عيسى و محمد « يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم » أي لا تتجاوزوا الحد الذي حده الله لكم إلى الإزدياد و ضده التقصير و هو الخروج عن الحد إلى النقصان و الزيادة في الحد و النقصان عنه كلاهما فساد و دين الله الذي أمر به هو بين الغلو و التقصير و هو الاقتصار « غير الحق » أي مجاوزين الحق إلى الغلو و إلى التقصير فيفوتكم الحق و من قال إن الخطاب لليهود و النصارى فغلو نصارى في عيسى ادعاؤهم له الإلهية و غلو اليهود فيه تكذيبهم له و نسبتهم إياه إلى أنه لغير رشدة « و لا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل » قال
مجمع البيان ج : 3 ص : 356
ابن عباس كل هوى ضلالة يعني بالقوم الذين ضلوا من قبل رؤساء الضلالة من فريقي اليهود و النصارى و الآية خطاب للذين كانوا في عصر النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) ) نهوا أن يتبعوا أسلافهم فيما ابتدعوه بأهوائهم و أن يقلدوهم فيما هووا و الأهواء هاهنا المذاهب التي تدعو إليها الشهوة دون الحجة لأن الإنسان قد يستثقل النظر لما فيه من المشقة و يميل طبعه إلى بعض المذاهب فيعتقده و هو ضلال فيهلك به و الاتباع هو سلوك الثاني طريقة الأول على وجه الاقتداء به و قد يتبع الثاني الأول في الحق و قد يتبعه في الباطل و إنما يعلم أحدهما بدليل « و أضلوا كثيرا » يعني به هؤلاء الذين ضلوا عن الحق أضلوا كثيرا من الخلق أيضا و نسب الإضلال إليهم من حيث كان بدعائهم و إغوائهم « و ضلوا عن سواء السبيل » قيل في معناه قولان ( أحدهما ) أنهم ضلوا بإضلالهم غيرهم عن الزجاج ( و الثاني ) أنهم ضلوا من قبل بكفرهم بعيسى و أضلوا غيرهم من بعد بكفرهم بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) فلذلك كرر و معنى « سواء السبيل » مستقيم الطريق و قيل له سواء لاستمراره على استواء و قيل لأنه يستقيم بصاحبه إلى الجنة و الخلود في النعيم .
لُعِنَ الَّذِينَ كفَرُوا مِن بَنى إِسرءِيلَ عَلى لِسانِ دَاوُدَ وَ عِيسى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِك بِمَا عَصوا وَّ كانُوا يَعْتَدُونَ(78) كانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكر فَعَلُوهُ لَبِئْس مَا كانُوا يَفْعَلُونَ(79) تَرَى كثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كفَرُوا لَبِئْس مَا قَدَّمَت لهَُمْ أَنفُسهُمْ أَن سخِط اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ فى الْعَذَابِ هُمْ خَلِدُونَ(80)

اللغة

للتناهي هاهنا معنيان ( أحدهما ) أنه تفاعل من النهي أي كانوا لا ينهى بعضهم بعضا ( و الثاني ) أنه بمعنى الانتهاء يقال انتهى عن الأمر و تناهي عنه إذا كف عنه .

الإعراب

« لبئس ما » يجوز أن يكون ما هاهنا كافة لبئس كما تكف في إنما و لكنما و بعد ما و ربما و اللام فيه للقسم و يجوز أن يكون اسما نكرة فكأنه قال بئس شيئا فعلوه كما تقول بئس رجلا كان عندك و محل « أن سخط الله عليهم » رفع كرفع زيد في قولك بئس رجلا
مجمع البيان ج : 3 ص : 357
زيد فيكون مبتدأ و بئس و ما عملت فيه خبره أو يكون خبر مبتدإ محذوف كأنه لما قال بئس رجلا قيل من هو فقال زيد أي هو زيد و يجوز أن يكون محله نصبا على تأويل بئس الشيء ذلك لأن سخط الله عليهم .

المعنى

ثم أخبر تعالى عما جرى على أسلافهم فقال « لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود و عيسى ابن مريم » قيل في معناه أقوال ( أحدها ) أن معناه لعنوا على لسان داود فصاروا قردة و على لسان عيسى فصاروا خنازير و إنما خص عيسى و داود لأنهما أنبه الأنبياء المبعوثين من بعد موسى و لما ذكر داود أغنى عن ذكر سليمان لأن قولهما واحد عن الحسن و مجاهد و قتادة و قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام) أما داود فإنه لعن أهل إيلة لما اعتدوا في سبتهم و كان اعتداؤهم في زمانه فقال اللهم ألبسهم اللعنة مثل الرداء و مثل المنطقة على الحقوين فمسخهم الله قردة فأما عيسى (عليه السلام) فإنه لعن الذين أنزلت عليهم المائدة ثم كفروا بعد ذلك ( و ثانيها ) ما قاله ابن عباس أنه يريد في الزبور و في الإنجيل و معنى هذا إن الله تعالى لعن في الزبور من يكفر من بني إسرائيل و في الإنجيل كذلك فلذلك قيل « على لسان داود و عيسى » ( و ثالثها ) أن يكون عيسى و داود علما أن محمدا نبي مبعوث و لعنا من يكفر به عن الزجاج و الأول أصح و المراد أن الله أيسهم من المغفرة مع الإقامة على الكفر لدعاء الأنبياء عليهم بالعقوبة و دعوتهم مستجابة و إنما ذكر اللعن على لسانهما إزالة للإبهام بأن لهم منزلة بولادة الأنبياء تنجيهم من العقوبة « ذلك » إشارة إلى اللعن المتقدم ذكره « بما عصوا و كانوا يعتدون » أي بمعصيتهم و اعتدائهم ثم بين تعالى حالهم فقال « كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه » أي لم يكن ينهى بعضهم بعضا و لا ينتهون أي لا يكفون عما نهوا عنه قال ابن عباس كان بنو إسرائيل ثلاث فرق فرقة اعتدوا في السبت و فرقة نهوهم و لكن لم يدعوا مجالستهم و لا مؤاكلتهم و فرقة لما رأوهم يعتدون ارتحلوا عنهم و بقيت الفرقتان المعتدية و الناهية المخالطة فلعنوا جميعا و لذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لتأمرن بالمعروف و لتنهن عن المنكر و لتأخذن على يد السفيه و لتأطرنه على الحق أطرأ أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض و يلعنكم كما لعنهم و إنما سمي القبيح منكرا لأنه ينكره العقل من حيث أن العقل يقبل الحسن و يعترف به و لا يأباه و ينكر القبيح و يأباه و ما ينكره العقل فهو الباطل و ما يقر به فهو الحق و قيل إن المراد بالمنكر هنا صيدهم السمك يوم السبت و قيل هو أخذهم
مجمع البيان ج : 3 ص : 358
الرشى في الأحكام و قيل أكلهم الربا و أثمان الشحوم ثم أقسم سبحانه فقال « لبئس ما كانوا يفعلون » أي بئس شيئا فعلهم « ترى كثيرا منهم » أي من اليهود « يتولون الذين كفروا » يريد كفار مكة عنى بذلك كعب بن الأشرف و أصحابه حين استجاشوا المشركين على رسول الله و ذكرنا ذلك عند قوله و يقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا و قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام) يتولون الملوك الجبارين و يزينون لهم أهواءهم ليصيبوا من دنياهم و في هذا توبيخ لأولئك القوم و تنبيه على سوء فعالهم و خبث عقائدهم « لبئس ما قدمت لهم أنفسهم » أي بئس ما قدموا من العمل لمعادهم في الآخرة « أن سخط الله عليهم » أي سخط الله عليهم « و في العذاب هم خالدون » و ذهب ابن عباس و مجاهد و الحسن إلى أن هذه الآية في المنافقين من اليهود و الكناية في قوله « منهم » عائدة إليهم و يؤكده ما بعد هذه الآية .
وَ لَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ النَّبىِّ وَ مَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَ لَكِنَّ كثِيراً مِّنهُمْ فَسِقُونَ(81)

المعنى

« و لو كانوا يؤمنون بالله » أي لو كانوا يصدقون الله « و النبي » محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) « و ما أنزل إليه » من القرآن و يعتقدون ذلك على الحقيقة كما يظهرونه « ما اتخذوهم » يعني الكافرين « أولياء » عن ابن عباس و الحسن و مجاهد و قيل المراد بالنبي موسى و بما أنزل إليه التوراة فيكون المراد بهم اليهود الذين جاهروا بالعداوة لرسول الله و التولي للمشركين و يكون معنى الموالاة التناصر و المعاونة على محاربة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و معاداته و يجوز أن يكون يريد الموالاة على الحقيقة « و لكن كثيرا منهم فاسقون » وصفهم بالفسق و إن كان الكفر أبلغ في باب الذم لأمرين ( أحدهما ) أنهم خارجون عن أمر الله و هذا المعنى لا يظهر بأن يصفهم بالكفر ( و الآخر ) أن الفاسق في كفره هو المتمرد فيه و الكلام يدل على أنهم فاسقون في كفرهم أي خارجون إلى التمرد فيه .

مجمع البيان ج : 3 ص : 359
* لَتَجِدَنَّ أَشدَّ النَّاسِ عَدَوَةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا الْيَهُودَ وَ الَّذِينَ أَشرَكُوا وَ لَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصرَى ذَلِك بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسيسِينَ وَ رُهْبَاناً وَ أَنَّهُمْ لا يَستَكبرُونَ(82) وَ إِذَا سمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلى الرَّسولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيض مِنَ الدَّمْع مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا ءَامَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشهِدِينَ(83) وَ مَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ مَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَ نَطمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصلِحِينَ(84)

اللغة

قال الزجاج القسيس و القس من رؤساء النصارى فأما القس في اللغة فهو النميمة و نشر الحديث يقال قس فلان الحديث قسا قال الفراء و يجمع القسيس قساوسة جمعوه على مهالبة فكانت قساسة فكسرت السينان فأبدلوا إحداهن واوا و القسوسة مصدر القس و القسيس و قد تكلمت العرب بهما و أنشد المازني :
لو عرضت لأيبلي قس
أشعث في هيكله مندس
حن إليها كحنين الطس و قال أمية :
لو كان منقلب كانت قساوسة
يحييهم الله في أيديهم الزبر و الرهبان جمع راهب مثل راكب و ركبان و فارس و فرسان و الرهبانية مصدره و الترهب التعبد في صومعة و أصله من الرهبة المخافة و قال جرير :
رهبان مدين لو رأوك تنزلوا
و العصم من شعف الجبال الفادر و قال بعضهم الرهبان يكون واحدا و جمعا فمن جعله واحدا جعله بناء على فعلان و أنشد :
لو عاينت رهبان دير في القلل
لانحدر الرهبان يمشي و نزل
مجمع البيان ج : 3 ص : 360
و فيض العين من الدمع امتلاءها منه كفيض النهر من الماء و فيض الإناء و هو سيلانه من شدة امتلائه و فاض صدر فلان بسره و أفاض القوم من عرفات إلى منى إذا دفعوا و أفاضوا في الحديث إذا تدافعوا فيه و الدمع الماء الجاري من العين و يشبه به الصافي فيقال كأنه دمعة و المدامع مجاري الدمع و شجة دامعة تسيل دما و الطمع تعلق النفس بما يقوى أن يكون من معنى المحبوب و نظيره الأمل و الرجاء و الطمع أن يكون معه الخوف أن لا يكون و الصالح هو الذي يعمل الصلاح في نفسه فإن كان عمله في غيره فهو مصلح فلذلك يوصف الله تعالى بأنه مصلح و لم يوصف بأنه صالح .

الإعراب

اللام في « لتجدن » لام القسم و النون دخلت ليفصل بين الحال و الاستقبال هذا مذهب الخليل و سيبويه و « عداوة » منصوب على التمييز و « يقولون ربنا » في موضع نصب على الحال و تقديره قائلين ربنا و لا نؤمن في موضع نصب على الحال تقديره أي شيء لنا تاركين الإيمان أي في حال تركنا الإيمان و « من الحق » معنى من تبيين الإضافة التي تقوم مقام الصفة كأنه قيل و الجائي لنا الذي هو الحق و قيل أنها للتبعيض لأنهم آمنوا بالذي جاءهم على التفصيل .

النزول و القصة

نزلت في النجاشي و أصحابه قال المفسرون ائتمرت قريش أن يفتنوا المؤمنين عن دينهم فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين يؤذونهم و يعذبونهم فافتتن من افتتن و عصم الله منهم من شاء و منع الله رسوله بعمه أبي طالب فلما رأى رسول الله ما بأصحابه و لم يقدر على منعهم و لم يؤمر بعد بالجهاد أمرهم بالخروج إلى أرض الحبشة و قال إن بها ملكا صالحا لا يظلم و لا يظلم عنده أحد فاخرجوا إليه حتى يجعل الله عز و جل للمسلمين فرجا و أراد به النجاشي و اسمه أصحمة و هو بالحبشية عطية و إنما النجاشي اسم الملك كقولهم تبع و كسرى و قيصر فخرج إليها سرا أحد عشر رجلا و أربع نسوة و هم عثمان بن عفان و امرأته رقية بنت رسول الله و الزبير بن العوام و عبد الله بن مسعود و عبد الرحمن بن عوف و أبو حذيفة بن عتبة و امرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو و مصعب بن عمير و أبو سلمة بن عبد الأسد و امرأته أم سلمة بنت أبي أمية و عثمان بن مظعون و عامر بن ربيعة و امرأته ليلى بنت أبي خيثمة و حاطب بن عمرو و سهل بن البيضاء فخرجوا إلى البحر و أخذوا سفينة إلى أرض الحبشة بنصف دينار و ذلك في رجب في السنة الخامسة من مبعث رسول الله و هذه هي الهجرة الأولى ثم خرج جعفر بن أبي طالب و تتابع المسلمون إليها و كان
مجمع البيان ج : 3 ص : 361
جميع من هاجر إلى الحبشة من المسلمين اثنين و ثمانين رجلا سوى النساء و الصبيان فلما علمت قريش بذلك وجهوا عمرو بن العاص و صاحبه عمارة بن الوليد بالهدايا إلى النجاشي و إلى بطارقته ليردوهم إليهم و كان عمارة بن الوليد شابا حسن الوجه و أخرج عمرو بن العاص أهله معه فلما ركبوا السفينة شربوا الخمر فقال عمارة لعمرو بن العاص قل لأهلك تقبلني فأبى فلما انتشى عمرو دفعه عمارة في الماء و نشب عمرو في صدر السفينة و أخرج من الماء و ألقى الله بينهما العداوة في مسيرهما قبل أن يقدما إلى النجاشي ثم وردا على النجاشي فقال عمرو بن العاص أيها الملك إن قوما خالفونا في ديننا و سبوا آلهتنا و صاروا إليك فردهم إلينا فبعث النجاشي إلى جعفر فجاءه فقال يا أيها الملك سلهم أ نحن عبيد لهم فقال لا بل أحرار قال فسلهم أ لهم علينا ديون يطالبوننا بها قال لا ما لنا عليكم ديون قال فلكم في أعناقنا دماء تطالبونا بها قال عمرو لا قال فما تريدون منا آذيتمونا فخرجنا من دياركم ثم قال أيها الملك بعث الله فينا نبيا أمرنا بخلع الأنداد و ترك الاستقسام بالأزلام و أمرنا بالصلاة و الزكاة و العدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى و نهانا عن الفحشاء و المنكر و البغي فقال النجاشي بعث الله عيسى ثم قال النجاشي لجعفر هل تحفظ مما أنزل الله على نبيك شيئا قال نعم فقرأ سورة مريم فلما بلغ قوله و هزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا قال هذا و الله هو الحق فقال عمرو أنه مخالف لنا فرده إلينا فرفع النجاشي يده و ضرب بها وجه عمرو و قال اسكت و الله لئن ذكرته بعد بسوء لأفعلن بك و قال أرجعوا إلى هذا هديته و قال لجعفر و أصحابه امكثوا فإنكم سيوم و السيوم الآمنون و أمر لهم بما يصلحهم من الرزق فانصرف عمرو و أقام المسلمون هناك بخير دار و أحسن جوار إلى أن هاجر رسول الله و علا أمره و هادن قريشا و فتح خيبر فوافى جعفر إلى رسول الله بجميع من كانوا معه فقال رسول الله لا أدري أنا بفتح خيبر أسر أم بقدوم جعفر و وافى جعفر و أصحابه رسول الله في سبعين رجلا منهم اثنان و ستون من الحبشة و ثمانية من أهل الشام فيهم بحيراء الراهب فقرأ عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) سورة يس إلى آخرها فبكوا حين سمعوا القرآن و آمنوا و قالوا ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى فأنزل الله فيهم هذه الآيات و قال مقاتل و الكلبي كانوا أربعين رجلا اثنان و ثلاثون من الحبشة و ثمانية من أهل الشام و قال عطا كانوا ثمانين رجلا أربعون من أهل نجران من بني الحرث بن كعب و اثنان و ثلاثون من الحبشة و ثمانية روميون من أهل الشام .

مجمع البيان ج : 3 ص : 362

المعنى

ثم ذكر تعالى معاداة اليهود للمسلمين فقال « لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود و الذين أشركوا » وصف اليهود و المشركين بأنهم أشد الناس عداوة للمؤمنين لأن اليهود ظاهروا المشركين على المؤمنين مع أن المؤمنين يؤمنون بنبوة موسى و التوراة التي أتى بها فكان ينبغي أن يكونوا إلى من وافقهم في الإيمان بنبيهم و كتابهم أقرب و إنما فعلوا ذلك حسدا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) « و لتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى » يعني الذين قدمنا ذكرهم من النجاشي ملك الحبشة و أصحابه عن ابن عباس و سعيد بن جبير و عطا و السدي و الذين جاءوا مع جعفر مسلمين عن مجاهد « ذلك بأن منهم » أي من النصارى « قسيسين » أي عبادا عن ابن زيد و قيل علماء عن قطرب و قيل إن النصارى ضيعت الإنجيل و أدخلوا فيه ما ليس فيه و بقي من علمائهم واحد على الحق و الاستقامة فهو قسيسا فمن كان على هداه و دينه فهو قسيس « و رهبانا » أي أصحاب الصوامع « و أنهم لا يستكبرون » معناه أن هؤلاء النصارى الذين آمنوا لا يستكبرون عن اتباع الحق و الانقياد له كما استكبر اليهود و عباد الأوثان و أنفوا عن قبول الحق أخبر الله تعالى في هذه الآية عن عداوة مجاوري النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من اليهود و مودة النجاشي و أصحابه الذين أسلموا معه من الحبشة لأن الهجرة كانت إلى المدينة و بها اليهود و إلى الحبشة و بها النجاشي و أصحابه ثم وصفهم فقال « و إذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول » من القرآن « ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق » أي لمعرفتهم بأن المتلو عليهم كلام الله و أنه حق « يقولون ربنا آمنا » أي صدقنا بأنه كلامك أنزلته على نبيك « فاكتبنا » أي فاجعلنا بمنزلة من قد كتب و دون و قيل فاكتبنا في أم الكتاب و هو اللوح المحفوظ « مع الشاهدين » أي مع محمد و أمته الذين يشهدون بالحق عن ابن عباس و قيل مع الذين يشهدون بالإيمان عن الحسن و قيل مع الذين يشهدون بتصديق نبيك و كتابك عن الجبائي « و ما لنا لا نؤمن بالله و ما جاءنا من الحق » معناه لأي عذر لا نؤمن بالله و هذا جواب لمن قال لهم من قومهم تعنيفا لهم لم آمنتم عن الزجاج و قيل أنهم قدروا في أنفسهم كان سائلا سألهم عنه فأجابوا بذلك و الحق هو القرآن و الإسلام و وصفه بالمجيء مجازا كما يقال نزل و إنما نزل به الملك فكذلك جاء به الملك و قيل إن جاء بمعنى حدث نحو قوله جاءت سكرة الموت بالحق « و نطمع » أي نرجو و نأمل « أن يدخلنا ربنا » يعني في الجنة لإيماننا بالحق فحذف لدلالة الكلام عليه « مع القوم الصالحين » المؤمنين من أمة محمد .
 

<<        الفهرس        >>