جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج3 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



مجمع البيان ج : 3 ص : 55
يجوز نكاح الأمة الكتابية لأنه قيد جواز العقد عليهن بالإيمان بقوله « من فتياتكم المؤمنات » و هذا مذهب مالك و الشافعي « و الله أعلم بإيمانكم » أراد بهذا بيان أنه لم يؤخذ علينا إلا بأن نأخذ بالظاهر في هذا الحكم إذ لا سبيل لنا إلى الوقوف على حقيقة الإيمان و الله هو المنفرد بعلم ذلك و لا يطلع عليه غيره فإنه العالم بالسرائر المطلع على الضمائر « بعضكم من بعض » قيل فيه قولان ( أحدهما ) أن المراد به كلكم ولد آدم فلا تستنكفوا من نكاح الإماء فإنهن من جنسكم كالحرائر ( و الآخر ) أن معناه كلكم على الإيمان و دينكم واحد فلا ينبغي أن يعير بعضكم بعضا بالهجنة نهى الله عن عادة أهل الجاهلية في الطعن و التعيير بالإماء « فانكحوهن » يعني الفتيات المؤمنات أي تزوجوهن « بإذن أهلهن » أي بأمر سادتهن و مواليهن و في هذا دلالة على أنه لا يجوز نكاح الأمة بغير إذن مالكها « و آتوهن أجورهن » أي أعطوا مالكهن مهورهن « بالمعروف » أي بما لا ينكر في الشرع و هو ما تراضى عليه الأهلون و وقع عليه العقد و قيل معناه من غير مطل و ضرار « محصنات » أي عفائف يريد تزوجوهن عفائف « غير مسافحات » أي غير زوان و قيل معناه متزوجات غير زانيات و قد قرىء « محصنات » و محصنات بفتح الصاد و كسرها على ما مر ذكره في الآية الأولى « و لا متخذات أخدان » أي أخلاء في السر لأن الرجل منهم كان يتخذ صديقة فيزني بها و المرأة تتخذ صديقا فتزني به و روي عن ابن عباس أنه قال كان قوم في الجاهلية يحرمون ما ظهر من الزنا و يستحلون ما خفي منه فنهى الله عن الزنا سرا و جهرا فعلى هذا يكون المراد بقوله « غير مسافحات و لا متخذات أخدان » غير زانيات لا سرا و لا جهرا « فإذا أحصن » من قرأ بضم الهمزة معناه فإذا زوجن فأحصنهن أزواجهن و هو بمعنى تزوجن عن ابن عباس و سعيد بن جبير و مجاهد و قتادة و من قرأ بالفتح فمعناه أسلمن عن عمر بن الخطاب و ابن مسعود و إبراهيم و الشعبي و السدي و قال الحسن يحصنها الزوج و يحصنها الإسلام « فإن أتين بفاحشة » أي زنين « فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب » أي نصف ما على الحرائر من حد الزنا و هو خمسون جلدة نصف حد الحرة و « ذلك » إشارة إلى نكاح الأمة عند عدم الطول « لمن خشي العنت منكم » يعني الزنا و هو أن يخاف أن تحمله شدة الشبق على الزنا فيلقى الحد في الدنيا أو العذاب في الآخرة و عليه أكثر المفسرين و قيل معناه لمن يخاف أن يهواه فيزني بها و قيل معنى العنت الضرر الشديد في الدين أو الدنيا لغلبة الشهوة و الأول أصح « و أن تصبروا خير لكم » معناه و صبركم عن نكاح الإماء و عن الزنا خير لكم و أن تصبروا مبتدأ و خير خبره « و الله غفور » لذنوب عباده
مجمع البيان ج : 3 ص : 56
« رحيم » بهم و فائدته أن من لم يصبر عما أمر بالصبر عنه ثم تاب غفر الله له و رحمه و استدلت الخوارج بهذه الآية على بطلان الرجم قالوا إن الرجم لا يمكن تبعيضه و قد قال « فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب » فعلمنا أن الرجم لا أصل له و الجواب عن ذلك إذا كان المراد بالمحصنات الحرائر سقط هذا القول و يدل على ذلك قوله في أول الآية « و من لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات » و لا شك أنه أراد بها الحرائر و العفائف لأن اللاتي لهن أزواج لا يمكن العقد عليهن على أن في الناس من قال أن المحصنات هنا المراد بها الحرائر دون العفائف لأنه لو كان مختصا بالعفائف لما جاز العقد على غيرهن و معلوم أن ذلك جائز هذا و الرجم أجمعت الأمة على أنه من أحكام الشرع و تواتر المسلمون بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) رجم ماعز بن مالك الأسلمي و رجم يهوديا و يهودية و لم يختلف فيه الفقهاء من عهد الصحابة إلى يومنا هذا فخلاف الخوارج في ذلك شاذ عن الإجماع فلا يعتد به .
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَينَ لَكُمْ وَ يهْدِيَكمْ سنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكمْ وَ يَتُوب عَلَيْكُمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(26) وَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوب عَلَيْكمْ وَ يُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشهَوَتِ أَن تمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً(27) يُرِيدُ اللَّهُ أَن يخَفِّف عَنكُمْ وَ خُلِقَ الانسنُ ضعِيفاً(28)

الإعراب

ذكر في اللام من قوله « ليبين لكم » ثلاثة أقوال ( أحدها ) أن معناه أن و أن تأتي مع أمرت و أردت لأنها تطلب الاستقبال فلا يجوز أردت أن قمت فلما كانت أن في سائر الأفعال تطلب الاستقبال استوثقوا لها باللام و ربما جمعوا بين اللام و كي لتأكيد الاستقبال قال الشاعر :
أرادت لكيما لا ترى لي عثرة
و من ذا الذي يعطى الكمال فيكمل و هذا قول الكسائي و الفراء و أنكره الزجاج و أنشد :
مجمع البيان ج : 3 ص : 57

أردت لكيما يعلم الناس أنها
سراويل قيس و الوفود شهود قال و لو كانت اللام بمعنى إن لم تدخل على كي كما لا تدخل إن على كي قال و مذهب سيبويه و أصحابه إن اللام دخلت هنا على تقدير المصدر أي لإرادة البيان نحو قوله تعالى « إن كنتم للرؤيا تعبرون » أي إن كانت عبارتكم للرؤيا و كذلك قوله « للذين هم لربهم يرهبون » أي رهبتهم لربهم قال كثير :
أريد لأنسى ذكرها فكأنما
تمثل لي ليلى بكل سبيل .
و القول الثالث إن بعض النحويين ضعف هذين الوجهين بأن جعل اللام بمعنى أن لم تقم به حجة قاطعة و حمله على المصدر يقتضي جواز ضربت لزيد بمعنى ضربت زيدا و هذا لا يجوز و لكن يجوز في التقديم دون التأخير نحو لزيد ضربت و للرؤيا تعبرون و لأن عمل الفعل في التقديم يضعف كعمل المصدر في التأخير و لذلك لم يجز إلا في المتصرف فأما ردف لكم فعلى تأويل ردف ما ردف لكم و على ذلك ما يريد لكم و كذلك قوله « و أمرنا لنسلم » أي أمرنا بما أمرنا لنسلم و هذه الأقوال كلها مضطربة و الوجه الصحيح فيه أن مفعول يريد محذوف تقديره يريد الله تبصيركم ليبين لكم .

المعنى

ثم بين تعالى بعد التحليل و التحريم أنه يريد بذلك مصالحنا و منافعنا فقال الله تعالى « يريد الله » ما يريد « ليبين لكم » أحكام دينكم و دنياكم و أمور معاشكم و معادكم « و يهديكم سنن الذين من قبلكم » فيه قولان ( أحدهما ) يهديكم إلى طريق الذين كانوا من قبلكم من أهل الحق و الباطل لتكونوا مقتدين بهم متبعين آثارهم لما لكم من المصلحة ( و الآخر ) سنن الذين من قبلكم من أهل الحق و الباطل لتكونوا على بصيرة فيما تفعلون و تجتنبون من طرائقهم « و يتوب عليكم » أي و يقبل توبتكم و يقال يريد التوبة عليكم بالدعاء إليها و الحث عليها و تيسير السبيل إليها و في هذا دلالة على بطلان مذهب المجبرة لأنه بين تعالى أنه لا يريد إلا الخير و الصلاح « و الله عليم حكيم » مر تفسيره « و الله يريد أن يتوب عليكم » أي يلطف في توبتكم أن وقع منكم ذلك و قيل يريد أن يوفقكم لها و يقوي دواعيكم إليها « و يريد الذين يتبعون الشهوات » فيه أقوال - ( أحدها ) - إن المعنى بذلك جميع المبطلين فإن كل مبطل متبع شهوة نفسه في باطله عن ابن زيد - ( و ثانيها ) - إن المراد بذلك الزناة عن مجاهد - ( و ثالثها ) - أنهم اليهود و النصارى عن
مجمع البيان ج : 3 ص : 58
السدي - ( و رابعها ) - إنهم اليهود خاصة إذ قالوا إن الأخت من الأب حلال في التوراة و القول الأول أقرب « أن تميلوا ميلا عظيما » أي تعدلوا عن الاستقامة عدولا بينا بالاستكثار من المعصية و ذلك أن الاستقامة هي المؤدية إلى الثواب و الفوز من العقاب و الميل عنها يؤدي إلى الهلاك و استحقاق العذاب و إذا قيل لم كرر قوله تعالى « يتوب عليكم » فجوابه أنه للتأكيد و أيضا فإن في الأول بيان أنه يريد الهداية و الإنابة و في الثاني بيان إن إرادته خلاف إرادة أصحاب الأهواء و أيضا أنه أتى في الثاني بأن ليزول الإبهام أنه يريد ليتوب و لا يريد أن يتوب و إنما قال تعالى « ميلا عظيما » لأن العاصي يأنس بالعاصي كما يأنس المطيع بالمطيع و يسكن الشكل إلى الشكل و يألف به و لأن العاصي يريد مشاركة الناس إياه في المعصية ليسلم عن ذمهم و توبيخهم و نظيره قوله تعالى « ودوا لو تدهن فيدهنون ودوا لو تكفرون كما كفروا » و في المثل من أحرق كدسه تمنى إحراق كدس غيره و على هذا جبلت القلوب « يريد الله أن يخفف عنكم » يعني في التكليف في أمر النساء و النكاح بإباحة نكاح الإماء عن مجاهد و طاووس و يجوز أن يريد التخفيف بقبول التوبة و التوفيق لها و يجوز أن يريد التخفيف في التكليف على العموم و ذلك أنه تعالى خفف عن هذه الأمة ما لم يخفف عن غيرها من الأمم الماضية « و خلق الإنسان ضعيفا » في أمر النساء و قلة الصبر عنهن و قيل خلق الإنسان ضعيفا يستميله هواه و شهوته و يستشيطه خوفه و حزنه .
يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَأْكلُوا أَمْوَلَكُم بَيْنَكم بِالْبَطِلِ إِلا أَن تَكُونَ تجَرَةً عَن تَرَاض مِّنكُمْ وَ لا تَقْتُلُوا أَنفُسكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً(29) وَ مَن يَفْعَلْ ذَلِك عُدْوَناً وَ ظلْماً فَسوْف نُصلِيهِ نَاراً وَ كانَ ذَلِك عَلى اللَّهِ يَسِيراً(30)

القراءة

قرأ أهل الكوفة تجارة نصبا و الباقون بالرفع .

مجمع البيان ج : 3 ص : 59

الحجة

قال أبو علي من رفع فتقديره إلا أن تقع تجارة فالاستثناء منقطع لأن التجارة عن تراض ليس من أكل المال بالباطل و من نصب تجارة احتمل ضربين ( أحدهما ) إلا أن تكون التجارة تجارة عن تراض و مثل ذلك قول الشاعر :
إذا كان يوما ذا كواكب أشنعا أي إذا كان اليوم يوما ( و الآخر ) إلا أن تكون الأموال أموال تجارة فحذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه فالاستثناء على هذا الوجه أيضا منقطع .

المعنى

لما بين سبحانه تحريم النساء على غير الوجوه المشروعة عقبه بتحريم الأموال في الوجوه الباطلة فقال « يا أيها الذين آمنوا » أي صدقوا الله و رسوله « لا تأكلوا أموالكم بينكم » ذكر الأكل و أراد سائر التصرفات و إنما خص الأكل لأنه معظم المنافع و قيل لأنه يطلق على وجوه الإنفاقات اسم الأكل يقال أكل ماله بالباطل و إن أنفقه في غير الأكل و معناه لا يأكل بعضكم أموال بعض و في قوله « بالباطل » قولان ( أحدهما ) أنه الربا و القمار و البخس و الظلم عن السدي و هو المروي عن الباقر ( و الآخر ) إن معناه بغير استحقاق من طريق الأعواض عن الحسن قال و كان الرجل منهم يتحرج عن أن يأكل عند أحد من الناس بعد ما نزلت هذه الآية إلى أن نسخ ذلك بقوله في سورة النور و ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم إلى قوله « أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا » و الأول هو الأقوى لأن ما أكل على وجه مكارم الأخلاق لا يكون أكلا باطلا ( و ثالثها ) إن معناه أخذه من غير وجهه و صرفه فيما لا يحل له « إلا أن تكون تجارة » أي مبايعة ثم وصف التجارة فقال « عن تراض منكم » أي يرضى كل واحد منكما بذلك و قيل في معنى التراضي في التجارة قولان ( أحدهما ) أنه إمضاء البيع بالتفرق أو التخاير بعد العقد و هو قول شريح و الشعبي و ابن سيرين و مذهب الشافعي و الإمامية لقوله ( البيعان ) بالخيار ما لم يتفرقا أو يكون بيع خيار و ربما قالوا أو يقول أحدهما للآخر اختر ( و الثاني ) أنه البيع بالعقد فقط عن مالك و أبي حنيفة « و لا تقتلوا أنفسكم » فيه أربعة أقوال ( أحدها ) إن معناه لا يقتل بعضكم بعضا لأنكم أهل دين واحد و أنتم كنفس واحد كقوله ( سلموا على أنفسكم ) عن الحسن و عطا و السدي و الجبائي ( و ثانيها ) أنه نهى الإنسان عن قتل نفسه في حال غضب أو ضجر عن أبي
مجمع البيان ج : 3 ص : 60
القاسم البلخي ( و ثالثها ) إن معناه لا تقتلوا أنفسكم بأن تهلكوها بارتكاب الآثام و العدوان في أكل المال بالباطل و غيره من المعاصي التي تستحقون بها العذاب ( و رابعها ) ما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن معناه لا تخاطروا بنفوسكم في القتال فتقاتلوا من لا تطيقونه « إن الله كان بكم رحيما » أي لم يزل بكم رحيما و كان من رحمته أن حرم عليكم قتل الأنفس و إفساد الأموال « و من يفعل ذلك » قيل إن ذلك إشارة إلى أكل الأموال بالباطل و قتل النفس بغير حق و قيل إشارة إلى المحرمات في هذه السورة من قوله « يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها » و قيل إشارة إلى فعل كل ما نهى الله عز و جل عنه من أول السورة و قيل إلى قتل النفس المحرمة خاصة عن عطا « عدوانا و ظلما » قيل هما واحد و أتي بهما لاختلاف اللفظين كما قال الشاعر :
و ألفى قولها كذبا و مينا و قيل العدوان تجاوز ما أمر الله به و الظلم أن يأخذه على غير وجه الاستحقاق و قيل إنما قيده بالعدوان و الظلم لأنه أراد به المستحلين « فسوف نصليه نارا » أي نجعله صلى نار و نحرقه بها « و كان ذلك » أي إدخاله النار و تعذيبه فيها « على الله » سبحانه « يسيرا » هينا لا يمنعه منه مانع و لا يدفعه عنه دافع و لا يشفع عنده إلا بإذنه شافع .
إِن تجْتَنِبُوا كبَائرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سيِّئَاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكم مُّدْخَلاً كَرِيماً(31)

القراءة

قرأ أبو جعفر و نافع مدخلا كريما مفتوحة الميم و قرأ الباقون « مدخلا » بالضم .

الحجة

قال أبو علي من قرأ مدخلا يحتمل أن يكون مصدرا و أن يكون مكانا فإن حملته على المصدر أضمرت له فعلا دل عليه الفعل المذكور و تقديره ندخلكم فتدخلون مدخلا و إن حملته على المكان فتقديره ندخلكم مكانا كريما و هذا أشبه هنا لأن المكان قد وصف بالكريم في قوله تعالى « و مقام كريم » و من قرأ مدخلا فيجوز فيه أيضا أن يكون مكانا و أن يكون مصدرا .

اللغة

الاجتناب المباعدة عن الشيء و تركه جانبا و منه الأجنبي و يقال ما يأتينا فلان إلا عن جنابة أي بعد قال علقمة بن عبيدة :
فلا تحرمني نائلا عن جنابة
و إني امرؤ وسط القباب غريب
مجمع البيان ج : 3 ص : 61
و قال الأعشى :
أتيت حريثا زائرا عن جنابة
فكان حريث عن عطائي جامدا و التكفير أصله الستر .

المعنى

لما قدم ذكر السيئات عقبه بالترغيب في اجتنابها فقال « إن تجتنبوا » أي تتركوا جانبا « كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم » اختلف في معنى الكبيرة فقيل كل ما أوعد الله تعالى عليه في الآخرة عقابا و أوجب عليه في الدنيا حدا فهو كبيرة و هو المروي عن سعيد بن جبير و مجاهد و قيل كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة عن ابن عباس و إلى هذا ذهب أصحابنا فإنهم قالوا المعاصي كلها كبيرة من حيث كانت قبائح لكن بعضها أكبر من بعض و ليس في الذنوب صغيرة و إنما يكون صغيرا بالإضافة إلى ما هو أكبر منه و يستحق العقاب عليه أكثر و القولان متقاربان و قالت المعتزلة الصغيرة ما نقص عقابه عن ثواب صاحبه ثم أن العقاب اللازم عليه ينحبط بالاتفاق بينهم و هل ينحبط مثله من ثواب صاحبه فعند أبي هاشم و من يقول بالموازنة ينحبط و عند أبي علي الجبائي لا ينحبط بل يسقط الأقل و يبقى الأكثر بحاله و الكبيرة عندهم ما يكبر عقابه عن ثواب صاحبه قالوا و لا يعرف شيء من الصغائر و لا معصية إلا و يجوز أن يكون كبيرة فإن في تعريف الصغائر إغراء بالمعصية لأنه إذا علم المكلف أنه لا ضرر عليه في فعلها و دعته الشهوة إليها فعلها و قالوا عند اجتناب الكبائر يجب غفران الصغائر و لا يحسن معه المؤاخذة بها و ليس في ظاهر الآية ما يدل عليه فإن معناه على ما رواه الكلبي عن ابن عباس إن تجتنبوا الذنوب التي أوجب الله فيها الحد و سمى فيها النار نكفر عنكم ما سوى ذلك من الصلاة إلى الصلاة و من الجمعة إلى الجمعة و من شهر رمضان إلى شهر رمضان و قيل معنى ذلك إن تجتنبوا كبائر ما نهيتم عنه في هذه السورة من المناكح و أكل الأموال بالباطل و غيره من المحرمات من أول السورة إلى هذا الموضع و تركتموه في المستقبل كفرنا عنكم ما كان منكم من ارتكابها فيما سلف و لذا قال ابن مسعود كلما نهى الله عنه في أول السورة إلى رأس الثلاثين فهو كبيرة و يعضد هذا القول من التنزيل قوله « قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف » و قوله « و لا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف » « و ندخلكم مدخلا كريما » أي مكانا طيبا حسنا لا ينقصه شيء و قد ذكرنا المعنى في القراءتين قبل فأما تفسير الكبائر الموبقة على ما وردت به الروايات فسنذكر منه جملة مقنعة و روى عبد العظيم بن عبد الله الحسني عن أبي جعفر محمد بن علي عن أبيه
مجمع البيان ج : 3 ص : 62
علي بن موسى الرضا عن موسى بن جعفر (عليه السلام) قال دخل عمرو بن عبيد البصري على أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) فلما سلم و جلس تلا هذه الآية « الذين يجتنبون كبائر الإثم و الفواحش » ثم أمسك فقال أبو عبد الله ما أسكتك قال أحب أن أعرف الكبائر من كتاب الله قال نعم يا عمرو أكبر الكبائر الشرك بالله لقول الله عز و جل « إن الله لا يغفر أن يشرك به » و قال من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة و ماواه النار و بعده اليأس من روح الله لأن الله يقول « و لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون » ثم الأمن من مكر الله لأن الله يقول « و لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون » و منها عقوق الوالدين لأن الله تعالى جعل العاق جبارا شقيا في قوله « و برا بوالدتي و لم يجعلني جبارا شقيا » و منها قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق لأنه يقول « و من يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها » الآية و قذف المحصنات لأن الله يقول « إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا و الآخرة و لهم عذاب عظيم » و أكل مال اليتيم ظلما لقوله « إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما » الآية و الفرار من الزحف لأن الله يقول « و من يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله و ماواه جهنم و بئس المصير » و أكل الربا لأن الله يقول « الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس » و يقول « فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله و رسوله » و السحر لأن الله يقول « و لقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق » و الزنا لأن الله يقول « و من يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة و يخلد فيها مهانا » و اليمين الغموس لأن الله يقول « إن الذين يشترون بعهد الله و إيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة » الآية و الغلول قال الله « و من يغلل يأت بما غل يوم القيامة » و منع الزكاة المفروضة لأن الله يقول « يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم » الآية و شهادة الزور و كتمان الشهادة لأن الله يقول « و من يكتمها فإنه آثم قلبه » و شرب الخمر لأن الله تعالى عدل بها عبادة الأوثان و ترك الصلاة متعمدا أو شيئا مما فرض الله تعالى لأن رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) يقول من ترك الصلاة متعمدا فقد بريء من ذمة الله و ذمة رسوله و نقض العهد و قطيعة الرحم لأن الله يقول « أولئك لهم اللعنة و لهم سوء الدار » قال فخرج عمرو و له
مجمع البيان ج : 3 ص : 63
صراخ من بكائه و هو يقول هلك من قال برأيه و نازعكم في الفضل و العلم و روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال الكبائر سبع أعظمهن الإشراك بالله و قتل النفس المؤمنة و أكل الربا و أكل مال اليتيم و قذف المحصنة و عقوق الوالدين و الفرار من الزحف فمن لقي الله تعالى و هو بريء منهن كان معي في بحبوحة جنة مصاريعها من ذهب و روى سعيد بن جبير أن رجلا قال لابن عباس كم الكبائر ؟ سبع هي قال هي إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع غير أنه لا كبيرة مع استغفار و لا صغيرة مع إصرار رواهما الواحدي في تفسيره بالإسناد مرفوعا .
وَ لا تَتَمَنَّوْا مَا فَضلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضكُمْ عَلى بَعْض لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكتَسبُوا وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ ممَّا اكْتَسبنَ وَ سئَلُوا اللَّهَ مِن فَضلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكلِّ شىْء عَلِيماً(32)

القراءة

قرأ ابن كثير و الكسائي و سلوا الله بغير همز و كذلك كل ما كان أمرا للمواجه في كل القرآن و الباقون بالهمز و لم يختلفوا في و ليسألوا ما أنفقوا أنه مهموز .

الحجة

قال أبو علي الهمز و ترك الهمز حسنان فلو خفف الهمزة في قوله « و ليسألوا » لكان أيضا حسنا .

اللغة

التمني هو قول القائل لما لم يكن ليته كان كذا و ليته لم يكن كذا لما كان و قال أبو هاشم في بعض كلامه التمني معنى في القلب و من قال بذلك قال ليس هو من قبيل الشهوة و لا من قبيل الإرادة لأن الإرادة لا تتعلق إلا بما يصح حدوثه و الشهوة لا تتعلق بما مضى كالإرادة و التمني قد يتعلق بما مضى و أهل اللغة ذكروا التمني في أقسام الكلام .

النزول

قيل جاءت وافدة النساء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقالت يا رسول الله أ ليس الله رب الرجال و النساء و أنت رسول الله إليهم جميعا فما بالنا يذكر الله الرجال و لا يذكرنا نخشى أن لا يكون فينا خير و لا لله فينا حاجة فنزلت هذه الآية و قيل إن أم سلمة قالت يا رسول الله يغزو الرجال و لا تغزو النساء و إنما لنا نصف الميراث فليتنا رجال فنغزو و نبلغ ما يبلغ الرجال فنزلت الآية عن مجاهد و قيل لما نزلت آية المواريث قال الرجال نرجو أن نفضل على النساء بحسناتنا في الآخرة كما فضلنا عليهن في الميراث فيكون أجرنا على الضعف من
مجمع البيان ج : 3 ص : 64
أجر النساء و قالت النساء إنا نرجو أن يكون الوزر علينا نصف ما على الرجال في الآخرة كما لنا الميراث على النصف من نصيبهم في الدنيا فنزلت الآية عن قتادة و السدي .

المعنى

لما بين سبحانه حكم الميراث و فضل بعضهم على بعض في ذلك ذكر تحريم التمني الذي هو سبب التباغض فقال « و لا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض » أي لا يقل أحدكم ليت ما أعطي فلان من المال و النعمة و المرأة الحسناء كان لي فإن ذلك يكون حسدا و لكن يجوز أن يقول اللهم أعطني مثله عن ابن عباس و هو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) و قيل إن المعنى لا يجوز للرجل أن يتمنى إن لو كان امرأة و لا للمرأة أن تتمنى إن لو كانت رجلا لأن الله لا يفعل إلا ما هو الأصلح فيكون قد تمنى ما ليس بأصلح أو ما يكون مفسدة عن البلخي و يمكن أن يقال في ذلك أنه يجوز ذلك بشرط أن لا يكون مفسدة كما يقوله في حسن السؤال سواء « للرجال نصيب مما اكتسبوا و للنساء نصيب مما اكتسبن » قيل فيه وجوه ( أحدها ) إن المعنى لكل حظ من الثواب على حسب ما كلفه الله من الطاعات بحسن تدبيره فلا تتمنوا خلاف هذا التدبير لما فيه من حرمان الحظ الجزيل عن قتادة ( و ثانيها ) إن لكل فريق من الرجال و النساء نصيبا مما اكتسب من نعيم الدنيا بالتجارات و الزراعات و غير ذلك من أنواع المكاسب فينبغي أن يقنع كل منهم و يرضى بما قسم الله له ( و ثالثها ) إن لكل منهما نصيبا من الميراث على ما قسمه الله عن ابن عباس فالاكتساب على هذا القول بمعنى الإصابة و الإحراز « و سألوا الله من فضله » معناه إن احتجتم إلى ما لغيركم و أعجبكم أن يكون لكم مثل ما له فاسألوا الله أن يعطيكم مثل ذلك من فضله بشرط أن لا يكون فيه مفسدة لكم و لا لغيركم لأن المسألة لا تحسبن إلا كذلك و جاء في الحديث عن ابن مسعود عن النبي قال سلوا الله من فضله فإنه يحب أن يسأل و أفضل العبادة انتظار الفرج و قال سفيان بن عيينة لم يأمرنا بالمسالة إلا ليعطي « إن الله كان بكل شيء عليما » معناه أن الله عليم بكل شيء و لم يزل كذلك فيعلم ما تظهرونه و ما تضمرونه من الحسد و يقسم الأرزاق بين العباد على ما يعلم فيه من الصلاح و الرشاد فلا يتمنى أحدكم ما قسم لغيره فإنه لا يحصل من تمنيه إلا الغم و الإثم .
وَ لِكلّ جَعَلْنَا مَوَلىَ مِمَّا تَرَك الْوَلِدَانِ وَ الأَقْرَبُونَ وَ الَّذِينَ عَقَدَت أَيْمَنُكمْ فَئَاتُوهُمْ نَصِيبهُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كلِّ شىْء شهِيداً(33)

مجمع البيان ج : 3 ص : 65

القراءة

قرأ أهل الكوفة « عقدت » بغير ألف و الباقون عاقدت بألف .

الحجة

قال أبو علي الذكر الذي يعود من الصلة إلى الموصول ينبغي أن يكون ضميرا منصوبا فالتقدير و الذين عاقدتهم أيمانكم فجعل الأيمان في اللفظ هي المعاقدة و المعنى على الحالفين الذين هم أصحاب الأيمان و المعنى و الذين عاقدت حلفهم أيمانكم فحذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه فعاقدت أشبه بهذا المعنى لأن لكل نفر من المعاقدين يمينا على المحالفة و من قال عقدت أيمانكم كان المعنى عقدت حلفهم أيمانكم فحذف الحلف و أقام المضاف إليه مقامه و الذين قالوا عاقدت حملوا الكلام على لفظ الإيمان لأن الفعل لم يسند إلى أصحاب الإيمان في اللفظ إنما أسند إلى الإيمان .

اللغة

أصل المولى من ولي الشيء يليه ولاية و هو اتصال الشيء بالشيء من غير فاصل و المولى يقع على وجوه المعتق و المعتق و ابن العم و الورثة و الحليف و الولي و السيد المطاع و الأولى بالشيء و الأحق و هو الأصل في الجميع فسمي المعتق مولى لأنه أولى بميراث المعتق و المعتق أولى بنصرة المعتق من غيره و ابن العم أولى بنصرة ابن عمه لقرابته و الورثة أولى بميراث الميت من غيرهم و الحليف أولى بأمر محالفه للمحالفة التي جرت بينهما و الولي أولى بنصرة من يواليه و السيد أولى بتدبير من يسوده من غيره و منه الخبر أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها أي من هو أولى بالعقد عليها و قال أبو عبيدة في قوله تعالى « النار هي مولاكم » معناه أي هي أولى بكم و أنشد بيت لبيد :
فغدت ، كلا الفرجين تحسب أنه
مولى المخافة خلفها و أمامها و الأيمان جمع اليمين و هو اسم يقع على القسم و الجارحة و القوة و الأصل فيه الجارحة و ذلك أنهم كانوا يضربون الصفقة للبيع و البيعة بأيمانهم فيأخذ بعضهم بيد بعض على الوفاء و التمسك بالعهد ثم يتحالفون عليه فسمي القسم يمينا و قال :
إذا ما راية رفعت لمجد
تلقاها عرابة باليمين
مجمع البيان ج : 3 ص : 66
أي بالقوة .

الإعراب

قوله « مما ترك الوالدان » الجار و المجرور وقع موقع الصفة لقوله « موالي » أي موالي كائنين مما ترك أي خلف الوالدان و الأقربون « و الذين عقدت أيمانكم » معطوف على قوله « الوالدان و الأقربون » فيكون مرفوع الموضع و يحتمل أن يكون « مما ترك الوالدان و الأقربون » متعلقا بفعل محذوف و تقديره موالي يعطون مما ترك الوالدان و الأقربون و يكون « و الذين عقدت أيمانكم » مبتدأ و قوله « فأتوهم نصيبهم خبره » .

المعنى

ثم عاد سبحانه إلى ذكر المواريث فقال « و لكل » واحد من الرجال و النساء « جعلنا موالي » أي ورثة هم أولى بميراثه عن السدي و قيل عصبة عن ابن عباس و الحسن و الأول أصح لقوله سبحانه فهب لي من لدنك وليا يرثني فجعله مولى لما يرث و وليا له لما كان أولى به من غيره و مالكا له كما يقال لمالك العبد مولاه « مما ترك الوالدان » أي يرثون أو يعطون مما ترك الوالدان « و الأقربون » الموروثون « و الذين عقدت أيمانكم » أي و يرثون مما ترك الذين عقدت أيمانكم لأن لهم ورثة أولى بميراثهم فيكون قوله « و الذين عقدت أيمانكم » عطفا على قوله « الوالدان و الأقربون » « فأتوهم نصيبهم » أي فأتوا كلا نصيبه من الميراث و هذا اختيار الجبائي و قال الحليف لم يؤمر له بشيء أصلا و قال أكثر المفسرين إن قوله « و الذين عقدت أيمانكم » مقطوع من الأول فكأنه قال و الذين عاقدت أيمانكم أيضا فأتوهم نصيبهم ثم اختلفوا فيه على أقوال ( أحدها ) أن المراد بهم الحلفاء عن قتادة و سعيد بن جبير و الضحاك و قالوا إن الرجل في الجاهلية كان يعاقد الرجل فيقول دمي دمك و حربي حربك و سلمي سلمك و ترثني و أرثك و تعقل عني و أعقل عنك فيكون للحليف السدس من ميراث الحليف و عاقد أبو بكر مولى فورثه فذلك قوله « فأتوهم نصيبهم » أي أعطوهم حظهم من الميراث ثم نسخ ذلك بقوله « و أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض » و قال مجاهد معناه فأتوهم نصيبهم من النصر و العقل و الرفد و لا ميراث فعلى هذا تكون الآية غير منسوخة و يؤيده قوله تعالى أوفوا بالعقود و قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في خطبة يوم فتح مكة ما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا به فإنه لم يزده الإسلام إلا شدة و لا تحدثوا حلفا في الإسلام و روى عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله قال شهدت حلف المطيبين و أنا غلام مع عمومتي فما أحب أن لي حمر النعم و أني أنكثه ( و ثانيها ) أن المراد بهم قوم آخى بينهم رسول الله من المهاجرين و الأنصار حين قدموا المدينة و كانوا يتوارثون بتلك المؤاخاة ثم نسخ الله ذلك
مجمع البيان ج : 3 ص : 67
بالفرائض عن ابن عباس و ابن زيد ( و ثالثها ) أنهم الذين كانوا يتبنون أبناء غيرهم في الجاهلية و منهم زيد مولى رسول الله فأمروا في الإسلام أن يوصوا لهم عند الموت بوصية فذلك قوله « فأتوهم نصيبهم » عن سعيد بن المسيب « أن الله كان على كل شيء شهيدا » أي لم يزل عالما بجميع الأشياء مطلعا عليها جليها و خفيها .
الرِّجَالُ قَوَّمُونَ عَلى النِّساءِ بِمَا فَضلَ اللَّهُ بَعْضهُمْ عَلى بَعْض وَ بِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَلِهِمْ فَالصلِحَت قَنِتَتٌ حَفِظتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظ اللَّهُ وَ الَّتى تخَافُونَ نُشوزَهُنَّ فَعِظوهُنَّ وَ اهْجُرُوهُنَّ فى الْمَضاجِع وَ اضرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطعْنَكمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيهِنَّ سبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كبِيراً(34)

القراءة

قرأ أبو جعفر وحده بما حفظ الله بالنصب و الباقون بالرفع و قرىء في الشواذ فالصوالح قوانت قرأه طلحة بن مصرف .

الحجة

قوله حفظ الله يكون على حذف المضاف كأنه قال حفظ عهد الله أو دين الله كقوله تعالى « إن تنصروا الله » أي تنصروا دين الله و حذف المضاف كثير في الكلام و الوجه في قراءة من قرأ فالصوالح قوانت أن جمع التكسير يدل على الكثرة و الألف و التاء موضوعتان للقلة فهما على حد التثنية بمنزلة الزيدين من الواحد فيكون من الثلاث إلى العشرة و الكثرة أليق بهذا الموضع غير أن الألف و التاء قد جاء أيضا على معنى الكثرة كقوله المسلمين و المسلمات إلى قوله و الذاكرين الله كثيرا و الذاكرات و الغرض في الجميع الكثرة لا ما هو لما بين الثلاثة إلى العشرة و قال ابن جني كان أبو علي الفارسي ينكر الحكاية المروية عن النابغة و قد عرض عليه حسان شعره و أنه لما صار إلى قوله :
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى
و أسيافنا يقطرن من نجدة دما
مجمع البيان ج : 3 ص : 68
قال له النابغة لقد قللت جفانك و سيوفك و هذا خبر مجهول لا أصل له لأن الله تعالى يقول و هم في الغرفات آمنون و لا يجوز أن يكون الغرف التي في الجنة من الثلاث إلى العشرة .

اللغة

يقال رجل قيم و قيام و قوام و هذا البناء للمبالغة و التكثير و أصل القنوت دوام الطاعة و منه القنوت في الوتر لطول القيام فيه و أصل النشوز الترفع على الزوج بخلافه مأخوذ من قولهم فلان على نشز من الأرض أي ارتفاع يقال نشزت المرأة تنشز و تنشز و الهجر الترك عن قلى يقال هجرت الرجل إذا تركت كلامه عن قلى و الهاجرة نصف النهار لأنه وقت يهجر فيه العمل و هجر الرجل البعير إذا ربطه بالهجار و أصل الضجوع الاستلقاء يقال ضجع ضجوعا و اضطجع اضطجاعا إذا استلقى للنوم و أضجعته أنا ، و كل شيء أملته فقد أضجعته و البغية الطلب يقال بغيت الضالة إذا طلبتها و قال الشاعر يصف الموت :
بغاك و ما تبغيه حتى وجدته
كأنك قد واعدته أمس موعدا .

الإعراب

الباء في قوله « بما فضل الله » « و بما أنفقوا » يتعلق بقوله « قوامون » و ما في الموضعين مصدرية لا تحتاج إلى عائد إليها من صلتها لأنها حرف و قوله « بما حفظ الله » أيضا يكون ما فيه مصدرية فيكون تقديره بأن يحفظهن الله و من قرأ « بما حفظ الله » نصبا يكون ما اسما موصولا فيكون التقدير بالشيء الذي يحفظ الله أي يحفظ أمر الله .

النزول

قال مقاتل نزلت الآية في سعد بن الربيع بن عمرو و كان من النقباء و في امرأته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير و هما من الأنصار و ذلك أنها نشزت عليه فلطمها فانطلق أبوها معها إلى النبي فقال أفرشته كريمتي فلطمها فقال النبي لتقتص من زوجها فانصرفت مع أبيها لتقتص منه فقال النبي ارجعوا فهذا جبرائيل أتاني و أنزل الله هذه الآية فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ( أردنا أمرا و أراد الله أمرا ) و الذي أراد الله خير و رفع القصاص و قال الكلبي نزلت في سعد بن الربيع و امرأته خولة بنت محمد بن مسلمة و ذكر القصة نحوها و قال أبو روق نزلت في جميلة بنت عبد الله بن أبي و في زوجها ثابت بن قيس بن شماس و ذكر قريبا منه .

المعنى

لما بين تعالى فضل الرجال على النساء ذكر عقيبه فضلهم في القيام بأمر النساء فقال « الرجال قوامون على النساء » أي قيمون على النساء مسلطون عليهن في التدبير و التأديب و الرياضة و التعليم « بما فضل الله بعضهم على بعض » هذا بيان سبب تولية
مجمع البيان ج : 3 ص : 69
الرجال عليهن أي إنما ولاهم الله أمرهن لما لهم من زيادة الفضل عليهن بالعلم و العقل و حسن الرأي و العزم « و بما أنفقوا من أموالهم » عليهن من المهر و النفقة كل ذلك بيان علة تقويمهم عليهن و توليتهم أمرهن « فالصالحات قانتات » أي مطيعات لله و لأزواجهن عن قتادة و الثوري و عطاء و يقال حافظات و يدل عليه قوله يا مريم اقنتي لربك أي أقيمي على طاعته « حافظات للغيب » يعني لأنفسهن و فروجهن في حال غيبة أزواجهن عن قتادة و عطاء و الثوري و يقال الحافظات لأموال أزواجهن في حال غيبتهم راعيات بحقوقهم و حرمتهم و الأولى أن يحمل على الأمرين لأنه لا تنافي بينهما « بما حفظ الله » أي بما حفظهن الله في مهورهن و إلزام أزواجهن النفقة عليهن عن الزجاج و قيل بحفظ الله لهن و عصمته و لو لا أن حفظهن الله و عصمهن لما حفظن أزواجهن بالغيب « و اللاتي تخافون نشوزهن » معناه فالنساء اللاتي تخافون نشوزهن بظهور أسبابه و أماراته و نشوز المرأة عصيانها لزوجها و استيلاؤها عليه و مخالفتها إياه و قال الفراء معناه تعلمون نشوزهن قال و قد يكون الخوف بمعنى العلم لأن خوف النشز العلم بموقعه « فعظوهن و اهجروهن في المضاجع » معناه فعظوهن أولا بالقول و النصيحة فإن لم ينجع الوعظ و لم يؤثر النصح بالقول فاهجروهن في المضاجع عن سعيد بن جبير قال و عنى به الجماع إلا أنه ذكر المضاجع لاختصاص الجماع بها و قيل معناه فاهجروهن في الفراش و المبيت و ذلك أنه يظهر بذلك حبها للزوج و بغضها له فإن كانت مائلة إليه لم تصبر على فراقه في المضجع و إن كانت بخلاف ذلك صبرت عنه عن الحسن و قتادة و عطاء و إلى هذا المعنى يؤول ما روي عن أبي جعفر قال يحول ظهره إليها و في تفسير الكلبي عن ابن عباس فعظوهن بكتاب الله أولا و ذلك أن يقول اتقي الله و ارجعي إلى طاعتي فإن رجعت و إلا أغلظ لها القول فإن رجعت و إلا ضربها ضربا غير مبرح و قيل في معنى غير المبرح أن لا يقطع لحما و لا يكسر عظما و روي عن أبي جعفر أنه الضرب بالسواك « فإن أطعنكم » أي رجعن إلى طاعتكم في الائتمار لأمركم « فلا تبغوا عليهن سبيلا » أي لا تطلبوا عليهن عللا بالباطل و قيل سبيلا للضرب و الهجران مما أبيح لكم فعله عند النشوز عن أبي مسلم و أبي علي الجبائي و قيل معناه لا تكلفوهن الحب عن سفيان بن عيينة فيكون المعنى إذا استقام لكم ظاهرهن فلا تعللوا عليهن بما في باطنهن « إن الله كان عليا كبيرا » أي متعاليا عن أن يكلف إلا الحق مقدار الطاقة .
و العلو و الكبرياء من صفات الله و فائدة ذكرهما هنا بيان انتصاره لهن و قوته على الانتصار إن هن ضعفن عنه و قيل المراد به أنه تعالى مع علوه و كبريائه لم يكلفكم إلا ما تطيقون فكذلك لا تكلفوهن إلا ما يطقن .

مجمع البيان ج : 3 ص : 70
وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصلَحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنهُمَا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً(35)

اللغة

الشقاق الخلاف و العداوة و اشتقاقه من الشق و هو الجزء البائن فالمتشاقان كل واحد منهما في شق غير شق صاحبه بالعداوة أي في ناحية و أصل التوفيق الموافقة و هي المساواة في أمر من الأمور و التوفيق هو اللطف الذي يتفق عنده فعل الطاعات لمساواته في الوقت و التوفيق بين نفسين هو الإصلاح بينهما و الاتفاق في الجنس و المذهب المساواة بينهما و الاتفاق في الوقوع كرمية من غير رام لمساواتهما نادرا .

الإعراب

أصل بين أن يكون ظرفا ثم استعمل اسما هنا بإضافة شقاق إليه كما قال هذا فراق بيني و بينك و قال و من بيننا و بينك حجاب و كان في الأصل فإن خفتم أي خشيتم شقاقا بينهما .

المعنى

لما قدم الله الحكم عند مخالفة أحد الزوجين صاحبه عقبه بذكر الحكم عند التباس الأمر في المخالفة فقال « و إن خفتم » أي خشيتم و قيل علمتم و الأول أصح لأنه لو علم الشقاق يقينا لما احتيج إلى الحكمين « شقاق بينهما » أي مخالفة و عداوة بين الزوجين « فابعثوا حكما من أهله و حكما من أهلها » أي وجهوا حكما من قوم الزوج و حكما من قوم الزوجة لينظرا فيما بينهما و الحكم القيم بما يسند إليه و اختلف في المخاطب بإنفاذ الحكمين من هو فقيل هو السلطان الذي يترافع الزوجان إليه عن سعيد بن جبير و الضحاك و أكثر الفقهاء و هو الظاهر في الأخبار عن الصادقين و قيل أنه الزوجان و أهل الزوجين عن السدي و اختلفوا في أن الحكمين هل لهما أن يفرقا بالطلاق إن رأياه أم لا فالذي رواه أصحابنا عنهم أنه ليس لهما ذلك إلا بعد أن يستأمراهما و يرضيا بذلك و قيل إن لهما ذلك عن سعيد بن جبير و الشعبي و السدي و إبراهيم و رواه عن علي (عليه السلام) و من ذهب إلى هذا القول قال إن الحكمين وكيلان « إن يريدا إصلاحا » يعني الحكمين « يوفق الله بينهما » حتى يحكما بما فيه الصلاح و الضمير في بينهما عائد إلى الحكمين عن ابن عباس و سعيد بن جبير و السدي و قيل إن يرد الحكمان إصلاحا بين الزوجين يوفق الله بين الزوجين أي مؤلف بينهما و يرفع ما بينهما من العداوة و الشقاق « إن الله كان عليما » بما يريد الحكمان من الإصلاح و الإفساد « خبيرا » بما فيه مصالحكم و منافعكم .

مجمع البيان ج : 3 ص : 71
* وَ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ لا تُشرِكُوا بِهِ شيْئاً وَ بِالْوَلِدَيْنِ إِحْسناً وَ بِذِى الْقُرْبى وَ الْيَتَمَى وَ الْمَسكِينِ وَ الجَْارِ ذِى الْقُرْبى وَ الجَْارِ الْجُنُبِ وَ الصاحِبِ بِالْجَنبِ وَ ابْنِ السبِيلِ وَ مَا مَلَكَت أَيْمَنُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يحِب مَن كانَ مخْتَالاً فَخُوراً(36)

اللغة

الجار أصله من العدول يقال جاوره يجاوره مجاورة و جوار فهو مجاور له و جار له بعدوله إلى ناحيته في مسكنه من قولهم جار عن الطريق و جار السهم إذا عدل عن القصد و استجار بالله لأنه يسأله العدول به عن النار و الجار ذي القربى القريب و « الجار الجنب » الغريب قال أبو علي الجنب صفة على فعل مثل ناقة أجد و مشي سجح فالجنب المتباعد عن أهله يدلك على ذلك مقابلته بقوله « و الجار ذي القربى » و القربى من القرب كاليسرى من اليسر و أصل المختال من التخيل و هو التصور لأنه يتخيل بحاله مرح البطر و المختال الصلف التياه و منه الخيل لأنها تختال في مشيها أي تتبختر و الخول الحشم و الفخور الذي يعد مناقبه كبرا أو تطاولا و أما الذي يعددها اعترافا بالنعمة فيها فهو شكور غير فخور .

الإعراب

إحسانا نصب على المصدر كما تقول ضربا لزيد و تقديره أحسنوا بالوالدين إحسانا أو يكون نصبا على تقدير استوصوا بالوالدين إحسانا فيكون مفعولا به .

المعنى

لما أمر سبحانه بمكارم الأخلاق في أمر اليتامى و الأزواج و العيال عطف على ذلك بهذه الخلال المشتملة على معاني الأمور و محاسن الأفعال فبدأ بالأمر بعبادته فقال « و اعبدوا الله و لا تشركوا به شيئا » أي وحدوه و عظموه و لا تشركوا في عبادته غيره فإن العبادة لا تجوز لغيره لأنها لا تستحق إلا بفعل أصول النعم و لا يقدر عليها سواه تعالى « و بالوالدين إحسانا » أي فاستوصوا بهما برا و إنعاما و إحسانا و إكراما و قيل إن فيه إضمار فعل أي و أوصاكم الله بالوالدين إحسانا « و بذي القربى و اليتامى و المساكين » معناه أحسنوا بالوالدين
مجمع البيان ج : 3 ص : 72
خاصة و بالقرابات عامة يقال أحسنت إليه و أحسنت به و أحسنوا إلى اليتامى بحفظ أموالهم و القيام عليها و غيرها من وجوه الإحسان و أحسنوا إلى المساكين فلا تضيعوهم و أعطوهم ما يحتاجون إليه من الطعام و الكسوة و سائر ما لا بد منه لهم « و الجار ذي القربى و الجار الجنب » قيل معناه الجار القريب في النسب و الجار الأجنبي الذي ليس بينك و بينه قرابة عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و الضحاك و ابن زيد و قيل المراد به الجار ذي القربى منك بالإسلام و الجار الجنب المشرك البعيد في الدين و روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال الجيران ثلاثة جار له ثلاثة حقوق حق الجوار و حق القرابة و حق الإسلام و جار له حقان حق الجوار و حق الإسلام و جار له حق الجوار المشرك من أهل الكتاب و قال الزجاج و « الجار ذي القربى » الذي يقاربك و تقاربه و يعرفك و تعرفه و « الجار الجنب » البعيد و روي أن حد الجوار إلى أربعين دارا و يروى إلى أربعين ذراعا قال و لا يجوز أن يكون المراد بذي القربى من القرابة لأنه قد سبق ذكر القرابة و الأمر بالإحسان إليهم بقوله « و بذي القربى » و يمكن أن يجاب عنه بأن يقال هذا جائز و إن كان قد سبق ذكر القرابة لأن الجار إذا كان قريبا فله حق القرابة و الجوار و القريب الذي ليس بجار له حق القرابة حسب فحسن إفراد الجار القريب بالذكر « و الصاحب بالجنب » في معناه أربعة أقوال ( أحدها ) أنه الرفيق في السفر عن ابن عباس و سعيد بن جبير و جماعة و الإحسان إليه بالمواساة و حسن العشرة ( و ثانيها ) أنه الزوجة عن عبد الله بن مسعود و ابن أبي ليلى و النخعي ( و ثالثها ) أنه المنقطع إليك يرجو نفعك عن ابن عباس في إحدى الروايتين و ابن زيد ( و رابعها ) أنه الخادم الذي يخدمك و الأولى حمله على الجميع « و ابن السبيل » معناه صاحب الطريق و فيه قولان ( أحدهما ) أنه المسافر عن مجاهد و الربيع و قيل هو الضيف عن ابن عباس قال و الضيافة ثلاثة أيام و ما فوقها فهو معروف و كل معروف صدقة و روى جابر عن النبي كل معروف صدقة و إن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق و أن تفرغ من دلوك في إناء أخيك « و ما ملكت أيمانكم » يعني به المماليك من العبيد و الإماء و ذكر اليمين تأكيدا كما يقال مشت رجلك و بطشت يدك فموضع ما من قوله « و ما ملكت أيمانكم » جر بالعطف على ما تقدم أي و أحسنوا إلى عبيدكم و إمائكم بالنفقة و السكنى و لا تحملوهم من الأعمال ما لا يطيقونه أمر الله عباده بالإحسان إلى هؤلاء أجمع « إن الله لا يحب » أي لا يرتضي « من كان مختالا » في مشيته « فخورا » على الناس بكثرة المال تكبرا عن ابن عباس و إنما ذكرهما
مجمع البيان ج : 3 ص : 73
لأنهما يأنفان من أقاربهم و جيرانهم إذا كانوا فقراء لا يحسنان عشرتهم و هذه آية جامعة تضمنت بيان أركان الإسلام و التنبيه على مكارم الأخلاق و من تدبرها حق التدبر و تذكرها حق التذكر أغنته عن كثير من مواعظ البلغاء و هدته إلى جم غفير من علوم العلماء .
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَ يَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبُخْلِ وَ يَكتُمُونَ مَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضلِهِ وَ أَعْتَدْنَا لِلْكفِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً(37)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير عاصم بالبخل بفتح الباء و الخاء و كذلك في سورة الحديد و الباقون « بالبخل » بالضم .

الحجة

قال سيبويه هما لغتان .

اللغة

البخل أصله مشقة الإعطاء و قيل في معناه أنه منع الواجب لأنه اسم ذم لا يطلق إلا على مرتكب الكبيرة و قيل هو منع ما لا ينفع منعه و لا يضر بذله و مثله الشح و ضده الجود و الأول أليق بالآية لأنه تعالى نفى محبته عمن كان بهذه الصفة و قال علي بن عيسى معناه منع الإحسان لمشقة الطباع و نقيضه الجود و معناه بذل الإحسان لانتفاء مشقة الطباع .

الأعراب

الذين يحتمل أن يكون موضعه نصبا من وجهين و أن يكون رفعا من وجهين فأما النصب فعلى أن يكون بدلا من في قوله « لا يحب من كان » و على الذم أيضا و أما الرفع فعلى الاستئناف بالذم على الابتداء و تكون الآية الثانية عطفا عليها و يكون الخبر إن الله لا يظلم و على البدل من الضمير في فخور .

المعنى

« الذين يبخلون » أي يمنعون ما أوجب الله عليهم من الزكوات و غيرها و اختاره الجبائي و أبو مسلم و قيل معناه الذين يبخلون بإظهار ما علموه من صفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن ابن عباس و مجاهد و السدي و ابن زيد « و يأمرون الناس بالبخل » و يأمرون غيرهم بذلك و قيل يأمرون الأنصار بترك الإنفاق على رسول الله و على أصحابه عن ابن عباس و قيل يأمرون بكتمان الحق « و يكتمون ما آتاهم الله من فضله » أي و يجحدون ما آتاهم الله من اليسار و الثروة اعتذارا لهم في البخل و قيل معناه يكتمون ما عندهم من العلم ببعث النبي و مبعثه و الأولى أن تكون الآية عامة في كل من يبخل بأداء ما يجب عليه أداؤه و يأمرون الناس به و عامة في كل من كتم فضلا آتاه الله تعالى من العالم و غيره و من أنواع النعم التي يجب إظهارها و يحرم
مجمع البيان ج : 3 ص : 74
كتمانها و قد ورد في الحديث إذا أنعم الله تعالى على عبد نعمة أحب أن يرى أثرها عليه « و أعتدنا للكافرين عذابا مهينا » أعددنا للجاحدين ما أنعم الله عليهم عذابا يهانون فيه و يذلون فأضاف الإهانة إلى العذاب إذ كان يحصل به .
وَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَلَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الاَخِرِ وَ مَن يَكُنِ الشيْطنُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً(38) وَ مَا ذَا عَلَيهِمْ لَوْ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الاَخِرِ وَ أَنفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَ كانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً(39)

اللغة

القرين أصله من الاقتران و منه القرن لأهل العصر لاقترانهم و القرن المقاوم في الحرب و القرين الصاحب المألوف و قال عدي بن زيد :
عن المرء لا تسأل و أبصر قرينة
فإن القرين بالمقارن يقتدي .

الإعراب

إعراب الذين يحتمل أن يكون ما قلناه في الآية المتقدمة و يحتمل أن يكون عطفا على الكافرين فكأنه قال و أعتدنا للكافرين و للذين ينفقون أموالهم رئاء الناس رئاء مصدر وضع موضع الحال فكأنه قال ينفقون مرائين الناس و قرينا نصب على التفسير و موضع ذا من « ما ذا عليهم » يحتمل وجهين ( أحدهما ) أن يكون مرفوعا لأنه في موضع الذي و تقديره و ما الذي عليهم لو آمنوا ( و الثاني ) أن يكون لا موضع له لأنه مع ما بمنزلة اسم واحد و تقديره و أي شيء عليهم لو آمنوا .

المعنى

ثم عطف على ما تقدم بذكر المنافقين فقال « الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس » أي مراءاة الناس « و لا يؤمنون » أي و لا يصدقون « بالله و لا باليوم الآخر » الذي فيه الثواب و العقاب جمع الله سبحانه في الذم و الوعيد بين من ينفق ماله بالرياء و السمعة و من لم ينفق أصلا « و من يكن الشيطان له قرينا » أي صاحبا و خليلا في الدنيا يتبع أمره و يوافقه على الكفر و قيل يعني في القيامة و في النار « فساء قرينا » أي بئس القرين الشيطان لأنه يدعوه إلى المعصية المؤدية إلى النار و قيل بئس القرين الشيطان حيث يتلاعنان و يتباغضان
مجمع البيان ج : 3 ص : 75
في النار « و ما ذا عليهم » أي أي شيء عليهم « لو آمنوا بالله و اليوم الآخر و أنفقوا مما رزقهم الله » قطع الله سبحانه بهذا عذر الكفار في العدول عن الإيمان و أبطل به قول من قال أنهم لا يقدرون على الإيمان لأنه لا يحسن أن يقال للعاجز عن الشيء ما ذا عليك لو فعلت كذا فلا يقال للقصير ما ذا عليك لو كنت طويلا و للأعمى ما ذا عليك لو كنت بصيرا و قيل معناه ما ذا عليهم لو جمعوا إلى إنفاقهم الإيمان بالله لينفعهم الإنفاق « و كان الله بهم عليما » يجازيهم بما يسرون إن خيرا فخيرا و إن شرا فشرا فلا ينفعهم ما ينفقون على جهة الرياء و في الآية دلالة أيضا على أن الحرام لا يكون رزقا من حيث أنه سبحانه حثهم على الإنفاق مما رزقهم و أجمعت الأمة على أن الإنفاق من الحرام محظور .
إِنَّ اللَّهَ لا يَظلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّة وَ إِن تَك حَسنَةً يُضعِفْهَا وَ يُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً(40)

القراءة

قرأ ابن كثير و نافع و إن تك حسنة بالرفع و الباقون بالنصب و قرأ ابن كثير و ابن عامر يضعفها بالتشديد و الباقون « يضاعفها » بالألف .

الحجة

من نصب « حسنة » فمعناه و إن تك زنة الذرة حسنة أو أن تك فعلته حسنة و من رفعها فمعناه و إن يقع حسنة أو أن يحدث حسنة فيكون كان تامة لا تحتاج إلى خبر و يضاعف و يضعف بمعنى واحد قال سيبويه يجيء فاعلت و لا يراد به عمل اثنين و كذلك قولهم ناولته و عاقبته و عافاه الله قال و نحو ذلك ضاعفت و ضعفت و ناعمت و نعمت و هذا يدل على أنهما لغتان .

اللغة

الظلم هو الألم الذي لا نفع فيه يوفي عليه و لا دفع مضرة أعظم منه عاجلا و لا آجلا و لا يكون مستحقا و لا واقعا على وجه المدافعة و أصله وضع الشيء في غير موضعه و قيل أصله الانتقاص من قوله و لم تظلم منه شيئا فالظلم على هذا انتقاص الحق و الظلمة انتقاض النور بذهابه و سقاء مظلوم إذا شرب منه قبل أن يدرك و الظليم ذكر النعام لأنه يضع الشيء غير موضعه من حيث يحضن غير بيضة و أصل المثقال الثقل فالمثقال مقدار الشيء في الثقل و الثقل ما ثقل من متاع السفر .

الإعراب

أصل تك تكون فحذفت الضمة للجزم لسكونها و سكون النون فأما سقوط
مجمع البيان ج : 3 ص : 76
النون فلكثرة الاستعمال فكأنهم أرادوا أن يجزموا الكلمة مرة أخرى فلم يجدوا حركة يسقطونها فأسقطوا الحرف و قد ورد القرآن بالحذف و الإثبات قال سبحانه إن يكن غنيا أو فقيرا و مثل تك قولهم لا أدر و لم أبل و الأصل لا أدري و لم أبال و لدن في موضع جر و فيه لغات لد و لدن و لدى و لدا و المعنى واحد و معناه من قبله و لدن لما يليك و عند تكون لما يليك و لما بعد منك تقول عندي مال و إن كان بينك و بينه بعد و إذا أضفته إلى نفسك زدت فيه نونا أخرى ليسلم سكون النون تقول لدني و لدنا و كذلك مني و منا .

المعنى

« إن الله لا يظلم » أحدا قط « مثقال ذرة » أي زنة ذرة و هي النملة الحمراء الصغيرة التي لا تكاد ترى عن ابن عباس و ابن زيد و هي أصغر النمل و قيل هي جزء من أجزاء الهباء في الكوة من أثر الشمس و إنما لا يختار الله تعالى الظلم و لا يجوز عليه الظلم لأنه عالم بقبحه مستغن عنه و عالم بغناء عنه و إنما يختار القبيح من يختاره لجهله بقبحه أو لحاجته إليه لدفع ضرر أو لجر نفع أو لجهله باستغنائه عنه و الله سبحانه منزه عن جميع ذلك و عن سائر صفات النقص و العجز و لم يذكر سبحانه الذرة ليقصر الحكم عليها بل إنما خصها بالذكر لأنها أقل شيء مما يدخل في وهم البشر « و إن تك حسنة يضاعفها » و معناه و إن تك زنة الذرة حسنة يقبلها و يجعلها أضعافا كثيرة و قيل يجعلها ضعفين عن أبي عبيدة و قيل معناه يديمها و لا يقطعها و مثله قوله فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره و كلتا الآيتين غاية في الحث على الطاعة و النهي عن المعصية و قوله « و يؤت من لدنه » أي يعطه من عنده « أجرا عظيما » أي جزاء عظيما و هو ثواب الجنة و في هذه الآية دلالة على أن منع الثواب و النقصان منه ظلم لأنه لو لم يكن كذلك لما كان لهذا الترغيب في الآية معنى و فيها أيضا دلالة على أنه سبحانه قادر على الظلم لأنه نزه نفسه عن فعل الظلم و تمدح بذلك فلو لم يكن قادرا عليه لم يكن فيه مدحة .
فَكَيْف إِذَا جِئْنَا مِن كلِّ أُمَّةِ بِشهِيد وَ جِئْنَا بِك عَلى هَؤُلاءِ شهِيداً(41) يَوْمَئذ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ عَصوُا الرَّسولَ لَوْ تُسوَّى بهِمُ الأَرْض وَ لا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً(42)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير عاصم تسوى مفتوحة التاء خفيفة السين و قرأ يزيد و نافع و ابن عامر بفتح التاء و تشديد السين و قرأ الباقون تسوى بضم التاء و تخفيف السين .

مجمع البيان ج : 3 ص : 77

الحجة

قال أبو علي قراءة نافع و ابن عامر لو تسوى معناه لو تتسوى فأدغم التاء في السين لقربها منها و في قراءة حمزة و الكسائي حذف التاء فالتاء اعتلت بالحذف كما اعتلت بالإدغام و أما « تسوى » فهي تفعل من التسوية .

الإعراب

كيف لفظها لفظ الاستفهام و معناه التوبيخ و تقديره كيف حال هؤلاء يوم القيامة و حذف لدلالة الكلام عليه و العامل في كيف المبتدأ المحذوف فهو في موضع الرفع بأنه خبر المبتدأ و لا يجوز أن يكون العامل في كيف جئنا لأنه في موضع جر بإضافة إذا إليه و المضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف كما لا تعمل الصلة فيما قبل الموصول لأنه من تمام الاسم و « من كل أمة » في موضع نصب على الحال لأنه صفة شهيد فلما تقدمه انتصب على الحال و العامل في إذا جوابه المحذوف لدلالة ما تقدمه عليه و شهيدا منصوب على الحال و العامل في يومئذ يود و إنما عمل في يومئذ يود بعد إذ و لم يجز ذلك في « إذا جئنا » لأنه لما أضيف يوم إلى إذ بطلت إضافته إلى الجملة و نون إذ ليدل على تمام الاسم .

المعنى

لما ذكر اليوم الآخر وصف حال المنكرين له فقال « فكيف » أي فكيف حال الأمم و كيف يصنعون « إذا جئنا من كل أمة » من الأمم « بشهيد و جئنا بك » يا محمد « على هؤلاء » يعني قومه « شهيدا » و هذا كما تقول العرب للرجل في الأمر الهائل يتوقعه كيف بك إذا كان كذا يريد بذلك تعظيم الأمر و تهويله و تحذيره و تحذير الرجل عنه و إنذاره به و حثه على الاستعداد له و معنى الآية أن الله يستشهد يوم القيامة كل نبي على أمته فيشهد لهم و عليهم و يستشهد نبينا على أمته و في الآية مبالغة في الحث على الطاعة و اجتناب المعصية و الزجر عن كل ما يستحي منه على رءوس الأشهاد لأنه يشهد للإنسان و عليه يوم القيامة شهود عدول لا يتوقف في الحكم بشهادتهم و لا يتوقع القدح فيهم و هم الأنبياء و المعصومون و الكرام الكاتبون و الجوارح و المكان و الزمان كما قال تعالى « و كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس » و قال ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد و قال إن السمع و البصر و الفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا و يوم تشهد عليهم ألسنتهم و أيديهم و أرجلهم بما كانوا يعملون و في بعض الأخبار المكان و الزمان يشهدان على الرجل بأعماله فليتذكر العاقل هذه الشهادة ليستعد بهذه الحالة فكان قد وقعت و كان الشهادة قد أقيمت و روي أن عبد الله بن مسعود قرأ هذه الآية على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ففاضت عيناه فإذا كان الشاهد تفيض عيناه لهول هذه المقالة و عظم هذه الحالة فما ذا لعمري ينبغي أن يصنع المشهود عليه « يومئذ يود الذين
مجمع البيان ج : 3 ص : 78
كفروا و عصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض » معناه لو تجعلون و الأرض سواء كما قال تعالى و يقول الكافر يا ليتني كنت ترابا و من التسوية قوله بلى قادرين على أن نسوي بنانه أي نجعلها صفيحة واحدة لا يفصل بعضها عن بعض فيكون كالكف فيعجز لذلك عما يستعان عليه من الأعمال بالبنان و روي عن ابن عباس أن معناه يودون أن يمشي عليهم أهل الجمع يطئونهم بأقدامهم كما يطئون الأرض و على القول الأول فالمراد به أن الكفار يوم القيامة يودون أنهم لم يبعثوا و أنهم كانوا و الأرض سواء لعلمهم بما يصيرون إليه من العذاب و الخلود في النار و روي أيضا أن البهائم يوم القيامة تصير ترابا فيتمنى عند ذلك الكفار أنهم صاروا كذلك ترابا و هذا لا يجيزه إلا من قال إن العوض منقطع و هو الصحيح و من قال إن العوض دائم لم يصحح هذا الخبر و قوله « و لا يكتمون الله حديثا » قيل فيه أقوال ( أحدها ) أنه عطف على قوله « لو تسوى » أي و يودون أن لو لم يكتموا الله حديثا لأنهم إذا سئلوا قالوا و الله ربنا ما كنا مشركين فتشهد عليهم جوارحهم بما عملوا فيقولون يا ليتنا كنا ترابا و يا ليتنا لم نكتم الله شيئا و ليس ذلك بحقيقة الكتمان فإنه لا يكتم شيء عن الله لكنه في صورة الكتمان و هذا قول ابن عباس ( و ثانيها ) أنه كلام مستأنف و المراد به أنهم لا يكتمون الله شيئا من أمور دنياهم و كفرهم بل يعترفون به فيدخلون النار باعترافهم و إنما لا يكتمون لعلمهم بأنه لا ينفعهم الكتمان و إنما يقولون و الله ربنا ما كنا مشركين في بعض الأحوال فإن للقيامة مواطن و أحوالا ففي موطن لا يسمع كلامهم إلا همسا كما أخبر تعالى عنهم و في موطن ينكرون ما فعلوه من الكفر و المعاصي ظنا منهم أن ذلك ينفعهم و في موطن يعترفون بما فعلوه عن الحسن ( و ثالثها ) أن المراد أنهم لا يقدرون على كتمان شيء من الله لأن جوارحهم تشهد عليهم بما فعلوه فالتقدير لا تكتمه جوارحهم و إن كتموه ( و رابعها ) أن المراد ودوا لو تسوى بهم الأرض و أنهم لم يكونوا كتموا أمر محمد و بعثه عن عطا ( و خامسها ) أن الآية على ظاهرها فالمراد و لا يكتمون الله شيئا لأنهم ملجئون إلى ترك القبائح و الكذب و قولهم و الله ربنا ما كنا مشركين أي ما كنا مشركين عند أنفسنا لأنهم كانوا يظنون في الدنيا أن ذلك ليس بشرك من حيث تقربهم إلى الله عن أبي القاسم البلخي .

مجمع البيان ج : 3 ص : 79
يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَقْرَبُوا الصلَوةَ وَ أَنتُمْ سكَرَى حَتى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَ لا جُنُباً إِلا عَابِرِى سبِيل حَتى تَغْتَسِلُوا وَ إِن كُنتُم مَّرْضى أَوْ عَلى سفَر أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائطِ أَوْ لَمَستُمُ النِّساءَ فَلَمْ تجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صعِيداً طيِّباً فَامْسحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُواًّ غَفُوراً(43)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير عاصم أو لمستم بغير ألف هاهنا و في المائدة و قرأ الباقون « لامستم » بألف .

الحجة

حجة من قرأ لمستم أن هذا المعنى جاء في التنزيل على فعلتم في غير موضع قال تعالى لم يطمثهن إنس و لم يمسسني بشر و حجة من قرأ « لامستم » أن فاعل قد جاء في معنى فعل نحو عاقبت اللص و طارقت النعل .

اللغة

يقال قرب يقرب متعد و قرب يقرب لازم و قرب الماء يقربه إذا ورده و أصل السكر من السكر و هو سد مجرى الماء و اسم الموضع السكر فبالسكر ينسد طريق المعرفة و سكرة الموت غشيته و رجل سكران من قوم سكارى و سكرى و المرأة سكرى أيضا و يقال رجل جنب إذا أجنب و يستوي فيه المذكر و المؤنث الواحد و الجمع يقال رجل جنب قوم جنب و امرأة جنب و العابر من العبور يقال عبرت النهر و الطريق عبورا إذا قطعته من هذا الجانب إلى الجانب الآخر و الغائط أصله المطمئن من الأرض يقال غائط و غيطان و كانوا يتبرزون هناك ليغيبوا عن عيون الناس ثم كثر ذلك حتى قالوا للحدث غائط و كنوا بالتغوط عن الحدث في الغائط و قيل أنهم كانوا يلقون النجو في هذا المكان فسمي باسمه على سبيل المجاز و الغوطة موضع كثير الماء و الشجر بدمشق و قال مؤرج الغائط قرارة من الأرض تحفها آكام تسترها و الفعل منه غاط يغوط مثل عاد يعود و اللمس يكون باليد ثم اتسع فيه فأوقع على غيره و قالوا التمس و هو افتعل من اللمس فأوقع على ما لا يقع عليه اللمس قال :
العبد و الهجين و الفلنقس
ثلاثة فأيهم تلمس أراد أيهم تطلب و ملتمس المعروف طالبه و ليس هنا مماسة و لا مباشرة و التيمم القصد و مثله التأمم قال الأعشى :
مجمع البيان ج : 3 ص : 80

تيممت قيسا و كم دونه
من الأرض من مهمة ذي شزن و قال آخر :
تيممت دارا و يممن دارا ) و قد صار في الشرع اسما لقصد مخصوص و هو أن يقصد الصعيد و يستعمل التراب في أعضاء مخصوصة و الصعيد وجه الأرض من غير نبات و لا شجر و قال ذو الرمة :
كأنه بالضحى ترمي الصعيد به
ذبابة في عظام الرأس خرطوم و قال الزجاج الصعيد ليس هو التراب إنما هو وجه الأرض ترابا كان أو غيره و إنما سمي صعيدا لأنه نهاية ما يصعد إليه من باطن الأرض .

الإعراب

« و أنتم سكارى » جملة منصوبة الموضع على الحال و العامل فيه تقربوا و ذو الحال الواو من تقربوا و قوله « جنبا » إنما انتصب لكونه عطفا عليه و المراد به الجمع و عابري سبيل منصوب على الاستثناء و تعلموا منصوب بإضمار أن و علامة النصب سقوط النون ثم إنه مع أن المضمرة في موضع الجر بحتى و الجار و المجرور في موضع النصب بكونه مفعول تقربوا و كذلك قوله « حتى تغتسلوا » و قوله « على سفر » في موضع نصب عطفا على قوله « مرضى » و تقديره أو مسافرين .

المعنى

لما أمر سبحانه في الآية المتقدمة بالعبادة ذكر عقيبها ما هو من أكبر العبادات و هو الصلاة فقال « يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة » أي لا تصلوا و أنتم سكارى عن ابن عباس و سعيد بن جبير و مجاهد و ابن زيد و قيل معناه لا تقربوا أماكن الصلاة أي المساجد للصلاة و غيرها كقوله و صلوات أي مواضع الصلوات عن عبد الله و سعيد بن المسيب و الضحاك و عكرمة و الحسن و يؤيد هذا قوله إلا عابري سبيل فإن العبور إنما يكون في الموضع دون الصلاة و قوله « و أنتم سكارى » أي نشاوى و اختلف فيه على قولين ( أحدهما ) أن المراد به سكر الشراب عن ابن عباس و مجاهد و قتادة قالوا ثم نسخها تحريم الخمر و روي ذلك عن موسى بن جعفر (عليه السلام) و قد يسأل عن هذا فيقال كيف يجوز نهي السكران في حال السكر مع زوال العقل و أجيب عنه بجوابين ( أحدهما ) أنه قد يكون سكران من غير أن يخرج من نقصان العقل إلى ما لا يحمل الأمر و النهي ( و الآخر ) أن النهي إنما ورد
 

<<        الفهرس        >>