جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج2 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



مجمع البيان ج : 2 ص : 578

المعنى

ثم بين سبحانه عدد الطلاق فقال « الطلاق مرتان » أي الطلاق الذي يملك فيه الرجعة مرتان و في معناه قولان ( أحدهما ) أنه بيان تفصيل طلاق السنة و هو أنه إذا أراد طلاقها ينبغي أن يطلقها في طهر لم يقربها فيه بجماع تطليقة واحدة ثم يتركها حتى تخرج من العدة أو حتى تحيض و تطهر ثم يطلقها ثانية عن ابن عباس و مجاهد ( و الثاني ) إن معناه البيان عن عدد الطلاق الذي يوجب البينونة مما لا يوجبها و في الآية بيان أنه ليس بعد التطليقتين إلا الفرقة البائنة و لفظه لفظ الخبر و معناه الأمر أي طلقوا دفعتين و قوله « فإمساك بمعروف » تقديره فالواجب إذا راجعها بعد التطليقتين إمساك بمعروف أي على وجه جميل سائغ في الشريعة لا على وجه الإضرار بهن « أو تسريح بإحسان » فيه قولان ( أحدهما ) أنه الطلقة الثالثة ( و الثاني ) أنه يترك المعتدة حتى تبين بانقضاء العدة عن السدي و الضحاك و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله « و لا يحل لكم » خطاب الأزواج « أن تأخذوا » في حال الطلاق و استبدال « مما آتيتموهن » أي أعطيتموهن من المهر « شيئا » ثم استثنى الخلع فقال « إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله » معناه إلا أن يغلب على ظنهما أن لا يقيما حدود الله لما بينهما من أسباب التباعد و التباغض و قال ابن عباس هو أن يظهر من المرأة النشوز و سوء الخلق بغضا للزوج و قال أبو عبد الله إذا قالت المرأة له لا أغتسل لك من جنابة و لا أبر لك قسما و لأوطئن فراشك و لأدخلن عليك بغير إذنك إذا قالت له هذا حل له أن يخلعها و حل له ما أخذ منها و على الجملة إذا خاف أن تعصي الله فيه بارتكاب محظور أو إخلال بواجب و أن لا تطيعه فيما يجب عليها فحينئذ يحل له أن يخلعها و روي مثل ذلك عن الحسن و قال الشعبي هو نشوزها و نشوزه « فإن خفتم ألا يقيما حدود الله » أي فإن ظننتم أن لا يكون بينهما صلاح في المقام « فلا جناح عليهما » أي فلا حرج و لا إثم عليهما و هذا يفيد الإباحة و في قوله « عليهما » و إن كانت الإباحة للزوج وجهان ( أحدهما ) إن الزوج لو خص بالذكر لأوهم أنها عاصية و إن كانت الفدية له جائزة فبين الأذن لهما في ذلك ليزول الإيهام عن علي بن عيسى ( و الآخر ) أن المراد به الزوج و إنما ذكر معه المرأة لاقترانهما كقوله « نسيا حوتهما » و قوله « يخرج منهما اللؤلؤ و المرجان » و إنما هو من الملح دون العذب فجاز للاتساع قال الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن و هذا أليق بمذهبنا لأن الذي يبيح الخلع عندنا هو ما لولاه لكانت المرأة عاصية و أقول أن الذي عندي في ذلك أن جواز وقوع العصيان منها هو السبب في إباحة الخلع و رفع الجناح إنما تعلق بالخلع لا بأسبابه و الوجه الأول أولى بالاختيار و أشد ملائمة لظاهر الآية و الوجه الأخير مرغوب عنه لعدوله عن سنن الاستقامة إذ لا يكون الاثنان
مجمع البيان ج : 2 ص : 579
واحدا في الحقيقة « فيما افتدت به » أي بذلت من المال و اختلف في ذلك فعندنا إن كان البغض منها وحدها و خاف منها العصيان جاز أن يأخذ المهر و زيادة عليه و إن كان منهما فدون المهر و قيل أنه يجوز الزيادة على المهر و النقصان من غير تفصيل عن ابن عباس و ابن عمر و رجاء بن حيوة و إبراهيم و مجاهد و قيل المهر فقط عن ربيع و عطا و الزهري و الشعبي و رووه عن علي و الخلع بالفدية على ثلاثة أوجه ( أحدها ) أن تكون المرأة عجوز أو دميمة فيضار بها الزوج لتفتدي نفسها فهذا لا يحل له الفداء لقوله « و إن أردتم استبدال زوج مكان زوج » الآية ( و الثاني ) أن يرى الرجل امرأته على فاحشة فيضار بها لتفتدي نفسها فهذا جائز و هو معنى قوله « و لا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة » ( و الثالث ) أن يخافا ألا يقيما حدود الله لسوء خلق أو قلة نفقة من غير ظلم أو نحو ذلك فيجوز لهما جميعا الفدية على ما مر تفصيله « تلك حدود الله » أي أوامره و نواهيه و ما نصب من الآيات في الخلع و الطلاق و الرجعة و العدة « فلا تعتدوها » أي فلا تجاوزوها بالمخالفة « و من يتعد حدود الله » أي يتجاوزها بأن يخالف ما حد له « فأولئك هم الظالمون » و استدل أصحابنا بهذه الآية على أن الطلاق الثلاث بلفظ واحد لا يقع لأنه قال الطلاق مرتان ثم ذكر الثالث على الخلاف في أنها قوله « أو تسريح بإحسان » أو قوله « فإن طلقها » و من طلق ثلاثا بلفظ واحد فإنه لم يأت بالمرتين و لا بالثالثة كما أنه لما أوجب في اللعان أربع شهادات فلو أتى بالأربع بلفظ واحد لما أتى بالشروع و لم يحصل حكم اللعان و كذلك لو رمي في الجمار بسبع حصيات دفعة واحدة لم تجزىء عنه بلا خلاف و كذلك الطلاق .
فَإِن طلَّقَهَا فَلا تحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتى تَنكِحَ زَوْجاً غَيرَهُ فَإِن طلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَ تِلْك حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنهَا لِقَوْم يَعْلَمُونَ(230)

الإعراب

موضع أن في قوله « فلا جناح عليهما أن يتراجعا » جر بإضمار الجار و تقديره في أن يتراجعا عن الخليل و الكسائي و الزجاج و قيل و موضعه نصب و هو اختيار الزجاج و باقي النحويين و موضع أن الثانية و هو « أن يقيما حدود الله » نصب بلا خلاف بظنا و إنما
مجمع البيان ج : 2 ص : 580
جاز حذف في من « أن يتراجعا » و لم يجز حذفه من المصدر الذي هو التراجع لطول أن بالصلة كما جاز الذي ضربت زيد لطول الذي بالصلة و لم يجز في المصدر كما لم يجز في اسم الفاعل نحو زيد ضارب عمرو و يريد ضاربه .

النزول

الزهري عن عروة عن عائشة قالت جاءت امرأة رفاعة بن وهب القرظي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقالت إني كنت عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير و أن ما معه مثل هدبة الثوب و أنه طلقني قبل أن يمسني فارجع إلى ابن عمي فتبسم رسول الله و قال أ تريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى يذوق عسيلتك و تذوقي عسيلته و في قصة رفاعة و زوجته نزل فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره .

المعنى

ثم بين سبحانه حكم التطليقة الثالثة فقال « فإن طلقها » يعني التطليقة الثالثة على ما روي عن أبي جعفر و به قال السدي و الضحاك و قيل هو تفسير قوله « أو تسريح بإحسان » عن مجاهد و هذا على مذهب من جعل التسريح طلاقا « فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره » أي لا تحل هذه المرأة أي لا يحل نكاحها لهذا الرجل الذي طلقها حتى تزوج زوجا غيره و يجامعها و اختلف في ذلك فقيل العقد علم بالكتاب و الوطء بالسنة عن الجبائي و قيل بل كلاهما علم بالكتاب لأن لفظ النكاح يطلق عليهما فكأنه قيل حتى يتزوج و يجامعها الزوج و لأن العقد مستفاد بقوله « زوجا غيره » و النكاح مستفاد بقوله « حتى تنكح » و إنما أوجب الله ذلك لعلمه بصعوبة تزوج المرأة على الرجل حتى لا يعجلوا بالطلاق و أن يتثبتوا قال أبو مسلم و هذا من الكنايات الفصيحة و الإيجاز العجيب « فإن طلقها » الزوج الثاني « فلا جناح عليهما أن يتراجعا » أي فلا جناح على الزوج و على المرأة أن يعقدا بينهما عقد النكاح و يعودا إلى الحالة الأولى فذكر النكاح بلفظ التراجع « إن ظنا » أي إن رجيا و قيل علما و قيل اعتقدا « أن يقيما حدود الله » في حسن الصحبة و المعاشرة و أنه يكون بينهما الصلاح « و تلك » إشارة إلى الأمور التي بينها في النكاح و الطلاق و الرجعة « حدود الله » أوامره و نواهيه « يبينها » يفصلها « لقوم يعلمون » خص العالمين بذكر البيان لهم لأنهم هم الذين ينتفعون ببيان الآيات فصار غيرهم بمنزلة من لا يعتد به و يجوز أيضا أن يكونوا خصوا بالذكر تشريفا لهم كما خص جبرائيل و ميكائيل
مجمع البيان ج : 2 ص : 581
بالذكر من بين الملائكة و تدل الآية على أنه إذا طلقها الثالثة فلا تحل له إلا بعد شرائط الزوج الثاني و وطئه في القبل و فرقته و انقضاء عدتها .
و صفة الزوج الذي يحل المرأة للزوج الأول أن يكون بالغا و يعقد عليها عقدا صحيحا دائما و اختلف في التحليل على ثلاثة أقاويل فمنهم من قال إذا نوى التحليل يفسد النكاح و لا تحل للأول عن مالك و الأوزاعي و الثوري و روي نحوه عن أبي يوسف و احتجوا بقوله ( لعن الله المحلل و المحلل له ) و منهم من قال إذا لم يشرط في العقد حل و إذا شرطه يفسد و لا يحل عند الشافعي و منهم من قال يصح العقد و يبطل الشرط و تحل للأول و لكن يكره ذلك و هو الظاهر من مذهب أبي حنيفة و أهل العراق و قال محمد يصح النكاح و لا تحل للأول و في قوله « فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره » دلالة على أن النكاح بغير ولي جائز و إن المرأة يجوز لها أن تعقد على نفسها لأنه أضاف العقد إليها دون وليها .
وَ إِذَا طلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بمَعْرُوف أَوْ سرِّحُوهُنَّ بمَعْرُوف وَ لا تمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُوا وَ مَن يَفْعَلْ ذَلِك فَقَدْ ظلَمَ نَفْسهُ وَ لا تَتَّخِذُوا ءَايَتِ اللَّهِ هُزُواً وَ اذْكُرُوا نِعْمَت اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ مَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَبِ وَ الْحِكْمَةِ يَعِظكم بِهِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكلِّ شىْء عَلِيمٌ(231)

اللغة

الأجل آخر المدة و عاقبة الأمور و المراد بالمعروف هاهنا الحق الذي يدعو إليه العقل أو الشرع للمعرفة بصحته خلاف المنكر الذي يزجر عنه العقل أو السمع لاستحالة المعرفة بصحته فما يجوز المعرفة بصحته معروف و ما لا يجوز المعرفة بصحته منكر .

الإعراب

« فبلغن أجلهن » الجملة في موضع جر بالعطف على الجملة قبلها و هي « طلقتم النساء » مجرورة الموضع بإضافة إذا إليها و ضرارا نصب الحال من الواو في
مجمع البيان ج : 2 ص : 582
تمسكوهن تقديره و لا تمسكوهن مضارين و اللام في لتعتدوا يتعلق بتمسكوا و ضرارا و هزوا مفعول ثان لتتخذوا و ما أنزل موصول و صلة في محل النصب بالعطف على نعمة .
من الكتاب في محل النصب على الحال و العامل فيه اذكروا و ذو الحال ما أنزل و من يكون بمعنى التبيين يعظكم جملة في موضع الحال و العامل فيه أنزل .

المعنى

ثم بين سبحانه ما يفعل بعد الطلاق فقال « و إذا طلقتم النساء » و هذا خطاب للأزواج « فبلغن أجلهن » البلوغ هاهنا بلوغ مقاربة أي قاربن انقضاء العدة بما يتعارفه الناس بينهم بما تقبله النفوس و لا تنكره العقول و المراد بالمعروف هاهنا أن يمسكها على الوجه الذي أباحه الله له من القيام بما يجب لها من النفقة و حسن العشرة و غير ذلك « أو سرحوهن بمعروف » أي اتركوهن حتى تنقضي عدتهن فيكن أملك بأنفسهن « و لا تمسكوهن ضرارا » أي لا تراجعوهن لا لرغبة فيهن بل لطلب الإضرار بهن أما في تطويل العدة أو بتضييق النفقة في العدة « لتعتدوا » أي لتظلموهن « و من يفعل ذلك » أي الإمساك للمضارة « فقد ظلم نفسه » فقد أضر بنفسه و عرضها لعذاب الله « و لا تتخذوا آيات الله هزوا » أي لا تستخفوا بأوامره و فروضه و نواهيه و قيل آيات الله قوله « فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان » « و اذكروا نعمة الله عليكم » فيما أباحه لكم من الأزواج و الأموال و ما بين لكم من الحلال و الحرام « و ما أنزل عليكم من الكتاب » يعني العلوم التي دل عليها و الشرائع التي بينها « يعظكم به » لتتعظوا فتؤجروا بفعل ما أمركم الله به و ترك ما نهاكم عنه « و اتقوا الله » أي معاصيه التي تؤدي إلى عقابه و قيل اتقوا عذاب الله باتقاء معاصيه « و اعلموا أن الله بكل شيء عليم » من أفعالكم و غيرها .

مجمع البيان ج : 2 ص : 583
وَ إِذَا طلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَجَهُنَّ إِذَا تَرَضوْا بَيْنهُم بِالمَْعْرُوفِ ذَلِك يُوعَظ بِهِ مَن كانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الاَخِرِ ذَلِكمْ أَزْكى لَكمْ وَ أَطهَرُ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ وَ أَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ(232)

اللغة


العضل الحبس و قيل هو مأخوذ من المنع و قيل هو مأخوذ من الضيق و الشدة و الأمر المعضل الممتنع بصعوبته و عضلت الناقة فهي معضلة إذا احتبس ولدها في بطنها و عضلت الدجاجة إذا احتبس بيضها و تقول عضل المرأة يعضلها عضلا إذا منعها من التزويج ظلما و أعضل الداء الأطباء إذا أعياهم أن يقوموا به و امتنع عليهم لشدته و داء عضال و فلان عضلة من العضل أي داهية من الدواهي .

الإعراب

موضع أن من قوله « أن ينكحن أزواجهن » جر عند الخليل و الكسائي و تقديره من أن و نصب عند غيرهما بوصول الفعل « ذلك يوعظ به » مبتدأ و خبر و قوله « من كان يؤمن بالله » في موضع رفع بيوعظ و منكم في موضع الحال في الضمير في يؤمن .

النزول

نزلت في معقل بن يسار حين عضل أخته جملاء أن ترجع إلى الزوج الأول و هو عاصم بن عدي فإنه كان طلقها و خرجت من العدة ثم أراد أن يجتمعا بعقد آخر فمنعها من ذلك فنزلت الآية عن قتادة و الحسن و جماعة و قيل نزلت في جابر بن عبد الله عضل بنت عم له عن السدي و الوجهان لا يصحان على مذهبنا لأنه لا ولاية للأخ و ابن العم عندنا و لا تأثير لعضلها فالوجه في ذلك أن تحمل الآية على المطلقين كما في الظاهر فكأنه قال لا تعضلوهن أي لا تراجعوهن عند قرب انقضاء عدتهن إضرارا بهن لا رغبة فيهن فإن ذلك لا يسوغ في الدين و يجوز أن يكون العضل محمولا على الجبر و الحيلولة بينهن و بين التزويج دون ما يتعلق بالولاية .

المعنى

« و إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن » أي انقضت عدتهن « فلا تعضلوهن » أي لا تمنعوهن ظلما عن التزوج و قيل المراد به التخلية و قيل هو خطاب للأولياء و منع لهم من عضلهن و قيل خطاب للأزواج يعني أن تطلقوهن في السر و لا تظهروا طلاقهن كيلا يتزوجن غيرهم فيبقين لا ممسكات إمساك الأزواج و لا مخليات تخلية الطلاق أو تطولوا العدة عليهن « أن ينكحن أزواجهن » أي من رضين بهم أزواجا لهن و قيل الذين كانوا أزواجا لهن من قبل « إذا تراضوا بينهم بالمعروف » أي بما لا يكون مستنكرا في عادة و لا خلق و لا عقل و قيل إذا تراضى الزوجان بالنكاح الصحيح عن السدي و قيل إذا تراضيا بالمهر قليلا كان أو كثيرا « ذلك » إشارة إلى ما سبق من الأمر و النهي « يوعظ به » يزجر و يخوف به « من كان منكم يؤمن بالله و اليوم الآخر » إنما خصهم بالذكر لأنهم
مجمع البيان ج : 2 ص : 584
الذين انتفعوا به أو لأنهم أولى بالاتعاظ به و قيل لأن الكافر إنما يلزمه الوعظ بعد قبوله الإيمان و اعترافه بالله تعالى « ذلكم أزكى لكم » أي خير لكم و أفضل و أعظم بركة و أحرى أن يجعلكم أزكياء « و أطهر » أي أطهر لقلوبكم من الريبة فإنه لعل في قلبها حبا فإذا منعها من التزويج لم يؤمن أن يتجاوزا إلى ما حرم الله و قيل أطهر لكم من الذنوب « و الله يعلم » ما لكم فيه من الصلاح في العاجل و الآجل « و أنتم لا تعلمون » و أنتم غير عالمين إلا بما أعلمكم و ليس لأحد أن يستدل بالآية على أن العقد لا يصح إلا بولي لأنا قد بينا أن المراد بالعضل المنع و إذا حملنا الآية على أنها خطاب للأزواج سقط قولهم و هذا أولى لأنه لم يجر للأولياء ذكر كما جرى ذكر المطلقين .
* وَ الْوَلِدَت يُرْضِعْنَ أَوْلَدَهُنَّ حَوْلَينِ كامِلَينِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَ عَلى المَْوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسوَتهُنَّ بِالمَْعْرُوفِ لا تُكلَّف نَفْسٌ إِلا وُسعَهَا لا تُضارَّ وَلِدَةُ بِوَلَدِهَا وَ لا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَ عَلى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِك فَإِنْ أَرَادَا فِصالاً عَن تَرَاض مِّنهُمَا وَ تَشاوُر فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا وَ إِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسترْضِعُوا أَوْلَدَكمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكمْ إِذَا سلَّمْتُم مَّا ءَاتَيْتُم بِالمَْعْرُوفِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(233)

القراءة

قرأ أهل البصرة و ابن كثير و قتيبة عن الكسائي لا تضار بالرفع و تشديد الراء و قرأ أبو جعفر وحده بتخفيف الراء و سكونها و الباقون بتشديدها و فتحها و قرأ ابن كثير وحده ما أتيتم مقصورة الألف و الباقون « ما آتيتم » و كذلك في الروم .

الحجة

من رفع فلأن قبله لا تكلف فأتبعه ما قبله ليكون أحسن لتشابه اللفظ فإن قلت أن ذلك خبر و هذا أمر قيل إن الأمر قد يجيء على لفظ الخبر في التنزيل أ لا ترى إلى قوله « و المطلقات يتربصن بأنفسهن » و يؤكد ذلك أن ما بعده على لفظ الخبر و هو قوله
مجمع البيان ج : 2 ص : 585
« و على الوارث مثل ذلك » و المعنى ينبغي ذلك فلما وقع موقعه صار في لفظه و من فتح جعله أمرا و فتح الراء ليكون حركته موافقة لما قبلها و هو الألف و أما قراءة أبي جعفر لا تضار فينبغي أن يكون أراد لا تضار كما روي في الشواذ عن أبان عن عاصم إلا أنه حذف إحدى الرائين تخفيفا كما قالوا أحست في أحسست و ظلت و مست في ظللت و مسست و من قرأ « آتيتم » فالمراد إيتاء المهر كقوله « و آتيتم إحداهن قنطارا » و قوله « إذا آتيتموهن أجورهن » و أما قول ابن كثير فتقديره إذا سلمتم ما أتيتم نقدة أو أتيتم سوقه فحذف المضاف و أقام المضاف إليه مقامه ثم حذف الهاء من الصلة فكأنه قال أتيت نقد ألف أي بذلته كما يقول أتيت جميلا أي فعلته و يؤيده قول زهير :
فما يك من خير أتوه فإنما
توارثه آباء آبائهم قبل فكما تقول أتيت خيرا فكذلك تقول أتيت نقد ألف و قد وقع أتيت موضع آتيت و يجوز أن يكون ما في الآية مصدرا فيكون التقدير إذا سلمتم الإتيان و الإتيان المأتي مما يبذل بسوق أو نقد كقوله ضرب الأمير أي مضروبه .

اللغة

الرضع مص الثدي بشرب اللبن منه يقال رضع و رضع و المصدر الرضع و الرضع و الرضاع و الرضاعة و لئيم راضع يرضع لبن ناقته من لؤمه لئلا يسمع الضيف صوت الشخب و أرضعت المرأة فهي مرضعة و قولهم مرضع بغير هاء ذات رضاع و الحول السنة مأخوذ من الانقلاب في قولك حال الشيء عما كان عليه يحول و منه الاستحالة في الكلام لانقلابه عن الصواب و قيل أخذ من الانتقال من قولك تحول عن المكان و الكسوة مصدر كسوته ثوبا أي ألبسته و اكتسى أي لبس و الكسوة اللباس و التكليف الإلزام الشاق و أصله من الكلف و هو ظهور الأثر لأنه يلزمه ما يظهر فيه أثره و تكلف أي تحمل و الكلف بالشيء الإيلاع به و الوسع الطاقة مأخوذ من سعة المسلك إلى الغرض فيمكن لذلك فلو ضاق لأعجز عنه و السعة فيه بمنزلة القدرة فلذلك قيل الوسع بمعنى الطاقة و الفصال الفطام لانفصال المولود عن الاغتذاء بثدي أمه إلى غيره من الأقوات و فصيلة الرجل بنو أبيه لانفصالهم من أصل واحد و الفصل الفرق و التشاور مأخوذ من الشور و هو اجتناء العسل تقول شرت العسل أشوره شورا إذا اجتنيته من مكانه و المشورة استخراج الرأي من
مجمع البيان ج : 2 ص : 586
المستشار لأنها تجتني منه و أشار إليه إشارة أومأ إليه و المشيرة الإصبع التي تسمى السبابة لأنه يشار بها و الشارة الهيأة و اللباس الحسن لأنه مما يشار إليه لحسنه و التشوير استخراج سير الدابة كالاجتناء .

الإعراب

عن تراض في موضع الحال تقديره فإن أراد متراضيين منهما في موضع جر صفة لتراض « أن تسترضعوا أولادكم » معناه لأولادكم فحذفت اللام لدلالة الاسترضاع عليه من حيث إنه لا يكون إلا للأولاد و لا يجوز دعوت زيدا تريد لزيد لأنه لا يجوز أن يكون مدعوا له إذ معنى دعوت زيدا لعمرو خلاف دعوت زيدا فقط فلا يجوز للالتباس و قوله « بالمعروف » جاز أن يتعلق بسلمتم كأنه قال إذا سلمتم بالمعروف ما آتيتم و يجوز أن يتعلق بأتيتم على حد قولك أتيته بزيد .

المعنى

لما بين سبحانه حكم الطلاق عقبه ببيان أحكام الأولاد الصغار في الرضاع و التربية و ما يجب في ذلك من الكسوة و النفقة فقال « و الوالدات » أي الأمهات « يرضعن أولادهن » صيغته صيغة الخبر و المراد به الأمر أي ليرضعن أولادهن كقوله « يتربصن بأنفسهن » و جاز ذلك التصرف في الكلام مع رفع الإشكال إذ لو كان خبرا لكان كذبا لجواز أن يرضعن أكثر من حولين أو أقل و قولك حسبك درهم معناه اكتف بدرهم تام و قيل هو خبر بمعنى الأمر و تقديره و الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين في حكم الله الذي أوجبه على عبادة فحذف للدلالة عليه و هذا أمر استحباب لا أمر إيجاب و المعنى إنهن أحق برضاعهم من غيرهن بدليل قوله « و إن تعاسرتم فسترضع له أخرى » ثم بين مدة الرضاع فقال « حولين كاملين » أي عامين تامين أربعة و عشرين شهرا و إنما ذكر كاملين و إن كانت التثنية تأتي على استيفاء العدة لرفع الإبهام الذي يعرض في الكلام فإن الرجل يقول سرت شهرا و أقمت عند فلان سنة و إن كان قد سار قريبا من شهر و أقام قريبا من سنة و في هذا بيان لأمرين ( أحدهما ) مندوب ( و الثاني ) فرض فالمندوب و هو أن يجعل الرضاع تمام الحولين و المفروض هو أن المرضعة تستحق الأجرة في مدة الحولين و لا تستحق فيما زاد عليه و اختلف في هذا الحد هل هو لكل مولود أو للبعض فقال ابن عباس ليس لكل مولود و لكن لمن ولد لستة أشهر و إن ولد لتسعة أشهر فثلاثة و عشرون و إن ولد لتسعة أشهر فأحد و عشرون يطلب بذلك تكملة ثلاثين شهرا في الحمل و الفصال و على هذا يدل ما رواه أصحابنا في هذا الباب لأنهم رووا أن ما نقص عن أحد و عشرين شهرا
مجمع البيان ج : 2 ص : 587
فهو جور على الصبي و قال الثوري و جماعة هو لازم في كل ولد إذا اختلف والداه رجعا إلى الحولين من غير زيادة و لا نقصان و لا يجوز لهما غير ذلك و الرضاع بعد الحولين لا حكم له في التحريم عندنا و به قال ابن عباس و ابن مسعود و أكثر العلماء قالوا المراد بالآية بيان التحريم الواقع بالرضاع ففي الحولين يحرم و ما بعده لا يحرم و قوله « لمن أراد أن يتم الرضاعة » أي لمن أراد أن يتم الرضاعة المفروضة عليه و هذا يدل على أن الرضاع غير مستحق على الأم لأنه علقه بالإرادة و يدل عليه قوله « و إن تعاسرتم فسترضع له أخرى » و قال قتادة و الربيع فرض الله على الوالدات أن يرضعن أولادهن حولين ثم أنزل الرخصة بعد ذلك فقال لمن أراد أن يتم الرضاعة يعني إن هذا منتهى الرضاع و ليس فيما دون ذلك حد محدود و إنما هو على مقدار صلاح الصبي و ما يعيش به « و على المولود له » يعني الأب « رزقهن » يعني الطعام و الإدام « و كسوتهن » يعني لباسهن و المراد رزق الأم و كسوتها ما دامت في الرضاعة اللازمة و ذلك في المطلقة عن الثوري و الضحاك و أكثر المفسرين « بالمعروف » يعني على قدر اليسار لأنه علم أحوال الناس في الغنى و الفقر و جعل حق الحضانة للأم و النفقة على الأب على قدر اليسار و لم يرد به نفقة الزوجات لأنه قابلها بالإرضاع و نفقة الزوجة لا تجب بسبب الإرضاع و إنما تجب بسبب الزوجية و قال بعضهم أراد به نفقة الزوجات و قوله « لا تكلف نفس إلا وسعها » أي لا يلزم إلا دون طاقتها « لا تضار والدة بولدها » أي لا تترك الوالدة إرضاع ولدها غيظا على أبيه فتضر بولده به لأن الوالدة أشفق عليه من الأجنبية « و لا مولود له بولده » أي لا يأخذه من أمه طلبا للإضرار بها فيضر بولده فيكون المضارة على هذا بمعنى الإضرار أي لا تضر الوالدة و لا الوالد بالولد و إنما قال تضار و الفعل من واحد لأنه لما كان معناه المبالغة كان بمنزلة أن يكون الفعل من اثنين و قيل الضرر يرجع إلى الولد كأنه يقول لا يضار كل واحد من الأب و الأم بالصبي الأم بأن لا ترضعه و الأب بأن لا ينفق أو بأن ينتزعه من الأم و الباء زائدة و المعنى لا تضار والدة ولدها و لا والد ولده و قيل معناه لا تضار والدة الزوج بولدها و لو قيل في ولدها لجاز في المعنى و روي عن السيدين الباقر و الصادق (عليهماالسلام) لا تضار والدة بأن يترك جماعها خوف الحمل لأجل ولدها المرتضع « و لا مولود له بولده » أي لا تمنع نفسها من الأب خوف الحمل فيضر ذلك بالأب و قيل لا تضار والدة بولدها بأن ينتزع الولد منها و يسترضع امرأة غيرها مع إجابتها إلى الرضاع بأجرة المثل فعلى هذا يكون معنى بولدها بسبب ولدها « و لا مولود له » أي لا تمتنع هي من الإرضاع إذا أعطيت أجرة مثلها فإن فعلت استأجر الأب مرضعة ترضعه غيرها و لا تمنعه من رؤية الولد ، فيكون
مجمع البيان ج : 2 ص : 588
فيه مضارة بالوالد و قوله « بولده » بسبب ولده أيضا و ليس بين هذه الأقوال تناف فالأولى حمل الآية على جميعها و قوله « و على الوارث » قيل معناه وارث الولد عن الحسن و قتادة و السدي و هو من يرثه إذا مات و قيل وارث الوالد عن قبيصة بن ذؤيب و الأول أقوى « مثل ذلك » أي مثل ما كان على الوالد من النفقة و الرضاع عن الحسن و قتادة و قيل مثل ما كان على الوالد من ترك المضارة عن الضحاك و المفهوم عند أكثر العلماء الأمران معا و هو أليق بالعموم و اختلفوا في أن النفقة على كل وارث أو على بعضهم فقيل هي على العصبات دون أصحاب الفرائض من الأم و الأخوة من الأم عن عمر بن الخطاب و الحسن و قيل على وارث الصبي من الرجال و النساء على قدر النصيب من الميراث عن قتادة و قيل على الوارث ممن كان ذا رحم محرم دون ذي رحم ليس بمحرم كابن العم و ابن الأخت فيجب على ابن الأخت و لم يجب على ابن العم و إن كان وارثه في تلك الحال عن أبي حنيفة و صاحبيه و قيل على الوارث أي الباقي من أبويه عن سفيان و هو الصحيح عندنا و هو أيضا مذهب الشافعي لأن عنده لا يجبر على نفقة الرضاع إلا الولدان فقط و قد روي أيضا في أخبارنا أن على الوارث كائنا من كان النفقة و هذا يوافق الظاهر و به قال قتادة و أحمد و إسحاق و قوله « فإن أرادا فصالا » أي قبل الحولين عن مجاهد و قتادة و هو المروي عن أبي عبد الله و قيل قبل الحولين أو بعدهما عن ابن عباس « عن تراض منهما » أي من الأب و الأم « و تشاور » يعني اتفاق منهما و مشاورة و إنما بشرط تراضيهما و تشاورهما مصلحة للولد لأن الوالدة تعلم من تربية الصبي ما لا يعلمه الوالد فلو لم يتفكرا و يتشاورا في ذلك أدى إلى ضرر الصبي « فلا جناح عليهما » أي لا حرج عليهما إذا تماسك الولد فإن تنازعا رجعا إلى الحولين و قوله « و إن أردتم » خطاب للآباء « أن تسترضعوا أولادكم » أي لأولادكم أن تطلبوا لهم مراضع غير أمهاتهم لآباء أمهاتهم الرضاع أو لعلة بهن من انقطاع لبن أو غيره « فلا جناح عليكم » أي لا حرج و لا ضيق في ذلك « إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف » أي إذا أسلمتم إلى الأم أجرة المثل مقدار ما أرضعت عن مجاهد و السدي و قيل إذا سلمتم الاسترضاع عن تراض و اتفاق دون ذلك الضرار عن أبي شهاب و هذا معنى قول ابن عباس و في رواية عطاء قال إذا سلمت أمه و رضي أبوه لعل له غنى يشتري له مرضعا و قيل إذا سلمتم أجرة المسترضعة عن الثوري و قيل إذا سلمتم أجرة الأم أو الظئر عن ابن جريج و معنى قوله « آتيتم » ضمنتم و ألزمتم ثم أوصى بالتقوى فقال « و اتقوا الله » يعني معاصيه أو عذابه في مجاوزة ما حده لكم « و اعلموا أن الله بما تعملون » أي بأعمالكم « بصير » أي عليم لا يخفى عليه شيء منها و في قوله « لا تكلف
مجمع البيان ج : 2 ص : 589
نفس إلا وسعها » دلالة على فساد قول المجبرة في حسن تكليف ما لا يطاق لأنه إذا لم يجز أن يكلف مع عدم الجدة فإن لا يكلف مع عدم القدرة أحرى فإن في الحالين لا سبيل له إلى أداء ما كلف .
وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْوَجاً يَترَبَّصنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشهُر وَ عَشراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكمْ فِيمَا فَعَلْنَ فى أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(234)

القراءة

روي في الشواذ عن علي (عليه السلام) يتوفون بفتح الياء .

الحجة

قال ابن جني هو على حذف المفعول أي الذين يتوفون أيامهم أو آجالهم و أعمارهم و حذف المفعول به كثير في القرآن و فصيح الكلام إذا كان هناك دليل عليه كما قال الله و أوتيت من كل شيء أي شيئا قال الحطيئة :
منعمة تصون إليك منها
كصونك من رداء شرعبي أي تصون الكلام منها و توفيت الشيء استوفيته أخذته وافيا .

اللغة

يذر و يدع يترك و لا يستعمل منهما الماضي استغني عنه بترك و العلة في ذلك أنهم تركوا الواوات في أول الكلمة حتى أنهم لم يلحقوها أولا على جهة الزيادة أصلا و الأجل غاية الوقت في محل الدين و نحوه لتأخيره إلى ذلك الوقت و الآجل نقيض العاجل لتأخره عن وقت غيره و فعله من أجل كذا أي لعاقبة كذا و هي متأخرة عن وقت الفعل الذي دعت إليه و القطيع من بقر الوحش يسمى أجلا و قد تأجل الصوار أي صار أجلا لتأخر بعضه عن بعض و أجل عليهم شرا أجلا أي جناه لأنه أعقبهم شرا و الآجلة الآخرة و العاجلة الدنيا و الخبير العالم بمخبر الخبر و أصله من السهولة و الخبار الأرض السهلة و أخبرت بالشيء لأنه تسهيل لطريق العلم به و الخبير الأكار و المخابرة المؤاكرة و هو أن يزرع على النصف أو الثلث أو نحوه و ذلك لتسهيل الزراعة .

الأعراب

الذين مرتفع بالابتداء و يتوفون صلته و منكم في موضع النصب على
مجمع البيان ج : 2 ص : 590
الحال من الواو في يتوفون « و يذرون أزواجا » عطف على الصلة فهو أيضا من الصلة و يتربصن و ما بعده خبر المبتدأ و إذا كان خبر المبتدأ لا يخلو من أن يكون هو هو أو يكون له فيه ذكر فلا يجوز أن يكون هذا الظاهر على الذي هو عليه لخلوه من ضربي خبر الابتداء و قد قيل فيه أقوال ( أحدها ) أن تقدير خبر المبتدأ يتربصن بعدهم لأن المعنى يتربصن أزواجهم بعدهم أربعة أشهر و عشرا و جاز حذف هذا الذي يتعلق به الراجع إلى المبتدأ كما جاء ذلك في قولهم السمن منوان بدرهم و المعنى على منوان منه بدرهم عن الأخفش ( و الثاني ) أن يكون تقديره أزواجهم يتربصن عن أبي العباس المبرد فالمحذوف على هذا هو المبتدأ الذي هو أزواجهم و ساغ هذا الحذف لقيام الدلالة عليه كما يسوغ حذف المفرد إذا قامت الدلالة عليه و قيام الدلالة على المضاف أن الأزواج قد تقدم ذكرهن فساغ إضمارهن و حسن و أما حذف المضاف إليه فلاقتضاء المبتدأ الراجع إليه و قد جاء المبتدأ مضافا محذوفا كما جاء المفرد و ذلك قوله تعالى : « لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل » أي تقلبهم متاع قليل ( و الثالث ) أن يكون تقديره يتربصن أزواجهن ثم كني عن الأزواج عن الكسائي و إنما قال و عشرا بالتأنيث تغليبا لليالي على الأيام إذا اجتمعت في التاريخ لأن ليلة كل يوم قبله كما قيل لخمس بقين و قد علم المخاطب أن الأيام داخلة مع الليالي و أنشد سيبويه :
فطافت ثلاثا بين يوم و ليلة
يكون النكير أن تضيف و تجارا فيما فعلن ما مع صلته في موضع الجر بفي و قوله « بالمعروف » الجار و المجرور في موضع النصب على الحال .

المعنى

لما بين عدة المطلقات بين عدة الوفاة فقال « و الذين يتوفون » منكم أي يقبضون و يموتون « و يذرون » أي يتركون « أزواجا » أي نساء « يتربصن بأنفسهن » أي ينتظرن انقضاء العدة و يحبسن أنفسهن عن التزويج معتدات « أربعة أشهر و عشرا » أي و عشر ليال و عشرة أيام و هذه عدة المتوفى عنها زوجها سواء كانت مدخولا بها أو غير مدخول بها حرة كانت أو أمة فإن كانت حبلى فعدتها أبعد الأجلين من وضع الحمل أو مضي أربعة أشهر و عشر و وافقنا في عدة الأمة الأصم و خالف باقي الفقهاء في ذلك فقالوا عدتها نصف عدة الحرة شهران و خمسة أيام و إليه ذهب قوم من أصحابنا و قالوا في عدة الحامل أنها بوضع الحمل و إن كان بعد على المغتسل و روي ذلك عن عمر بن
مجمع البيان ج : 2 ص : 591
الخطاب و أبي مسعود البدري و أبي هريرة و عندنا أن وضع الحمل يختص عدة المطلقة و الذي يجب على المعتدة في عدة الوفاة اجتنابه هو الزينة و الكحل بالإثمد و ترك النقلة عن المنزل عن ابن عباس و الزهري و الامتناع من التزوج لا غير عن الحسن و إحدى الروايتين عن ابن عباس و عندنا أن جميع ذلك واجب « فإذا بلغن أجلهن » أي آخر العدة بانقضائها « فلا جناح عليكم » قيل أنه خطاب للأولياء و قيل لجميع المسلمين لأنه يلزمهم منعها عن التزوج في العدة و قيل معناه لا جناح على النساء و عليكم « فيما فعلن في أنفسهن » من النكاح و استعمال الزينة التي لا ينكر مثلها و هذا معنى قوله « بالمعروف » و قيل معنى قوله « بالمعروف » ما يكون جائزا و قيل معناه النكاح الحلال عن مجاهد « و الله بما تعلمون خبير » أي عليم و هذه الآية ناسخة لقوله « و الذين يتوفون منكم و يذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج » و إن كانت متقدمة في التلاوة عليه .
وَ لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضتُم بِهِ مِنْ خِطبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكنَنتُمْ فى أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ ستَذْكُرُونَهُنَّ وَ لَكِن لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِراًّ إِلا أَن تَقُولُوا قَوْلاً مَّعْرُوفاً وَ لا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاح حَتى يَبْلُغَ الْكِتَب أَجَلَهُ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فى أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ(235)

النزول

آية في الكوفي و آيتان في غيرهم يترك « قولا معروفا » الكوفي .

اللغة

التعريض ضد التصريح و هو أن تضمن الكلام دلالة على ما تريد و أصله من العرض من الشيء الذي هو جانبه و ناحية منه و في الحديث من عرض عرضنا و من مشى على الكلأ ألقيناه في النهر و معناه من عرض بالقذف عرضنا له بتأديب لا يبلغ الحد و من صرح ألقيناه في نهر الحد و الفرق بين التعريض و الكناية أن التعريض تضمين الكلام دلالة
مجمع البيان ج : 2 ص : 592
على شيء ليس فيه ذكر له و الكناية العدول عن الذكر الأخص بالشيء إلى ذكر يدل عليه فالأول كقول القائل ما أقبح البخل تعرض بأن المخاطب بخيل ( و الثاني ) كقولك زيدا ضربته كنيت عنه بالهاء و الخطبة الذكر الذي يستدعي به إلى عقدة النكاح أخذ من الخطاب و هو توجيه الكلام للأفهام و الخطبة الوعظ المتسق على ضرب من التأليف و قيل الخطبة ما له أول و آخر مثل الرسالة و الخطبة للحال نحو الجلسة و القعدة و الإكنان الستر للشيء و الكن الستر أيضا و الفرق بين الإكنان و الكن أن الإكنان الإضمار في النفس و لا يقال كننته في نفسي و الكن في معنى الصون و في التنزيل بيض مكنون و الكانون يحتاج إليه في وقت الاكتنان من البرد و الكنانة الجعبة الصغيرة تتخذ للنبل و السر في اللغة على ثلاثة أوجه الإخفاء في النفس و الشرف في الحسب يقال فلان في سر قومه أي في صميمهم و الجماع في الفرج قال امرؤ القيس :
أ لا زعمت بسباسة اليوم أنني
كبرت و أن لا يشهد السر أمثالي و قال الأعشى :
و لا تنكحن جارة إن سرها
عليك حرام فانكحن أو تأبدا و العزم عقد القلب على أمر تفعله و في الحديث خير الأمور عوازمها يعني ما وكدت عزمك عليه و العقدة من العقد و هو الشد و في المثل يا عاقد اذكر حلا و عقد اليمين خلاف اللغو .

الإعراب

« فيما عرضتم » الجار و المجرور في موضع الحال و كذا في قوله « من خطبة النساء » « أن تقولوا » في موضع نصب بدل من سرا تقديره و لا تواعدوهن إلا قولا معروفا « و لا تعزموا عقدة النكاح » أي على عقدة النكاح فحذف على استخفافا كما قالوا ضرب زيد الظهر و البطن معناه على الظهر و البطن قال سيبويه أن الحذف في هذه الأشياء لا يقاس عليه .

المعنى

لما تقدم ذكر عدة النساء و جواز الرجعة فيها للأزواج عقبه ببيان حال غير الأزواج فقال « و لا جناح عليكم » أي لا حرج و لا ضيق عليكم يا معشر الرجال « فيما عرضتم به من خطبة النساء » المعتدات و لم تصرحوا به و ذلك بأن تذكروا ما يدل على
مجمع البيان ج : 2 ص : 593
رغبتكم فيها ثم اختلف في معناه فقيل التعريض هو أن يقول الرجل للمعتدة إني أريد النكاح و إني أحب امرأة من صفتها كذا و كذا فيذكر بعض الصفات التي هي عليها عن ابن عباس و قيل هو أن يقول إنك لنافعة و إنك لموافقة لي و إنك لمعجبة جميلة فإن قضى الله شيئا كان عن القاسم بن محمد و الشعبي و قيل هو كل ما كان من الكلام دون عقدة النكاح عن ابن زيد « أو أكننتم في أنفسكم » أي أسررتم و أضمرتم في أنفسكم من نكاحهن بعد مضي عدتهن و قيل هو إسرار العزم دون إظهاره و التعريض إظهاره عن مجاهد و ابن زيد « علم الله أنكم ستذكرونهن » برغبتكم فيهن خوفا منكم أن يسبقكم إليهن غيركم فأباح لكم ذلك « و لكن لا تواعدوهن سرا » فيه أقوال ( أحدها ) أن معناه لا تواعدوهن في السر لأنها أجنبية و المواعدة في السر تدعو إلى ما لا يحل ( و ثانيها ) أن معناه الزنا عن الحسن و إبراهيم و قتادة و قالوا كان الرجل يدخل على المرأة من أجل الزنية و هو معرض للنكاح فنهوا عن ذلك ( و ثالثها ) أنه العهد على الامتناع من تزويج غيرك عن ابن عباس و سعيد بن جبير ( و رابعها ) هو أن يقول لها إني ناكحك فلا تفوتيني نفسك عن مجاهد ( و خامسها ) أن السر هو الجماع فمعناه لا تصفوا أنفسكم بكثرة الجماع و لا تذكروه عن جماعة .
( و سادسها ) أنه إسرار عقدة النكاح في السر عن عبد الرحمن بن زيد و يجمع هذه الأقوال ما روي عن الصادق أنه قال لا تصرحوا لهن النكاح و التزويج قال و من السر أن يقول لها موعدك بيت فلان « إلا أن تقولوا قولا معروفا » يعني التعريض الذي أباحه الله و إلا بمعنى لكن لأن ما قبله هو المنهي عنه و ما بعده هو المأذون فيه و تقديره و لكن قولوا قولا معروفا « و لا تعزموا عقدة النكاح » أي على عقدة النكاح يعني لا تبتوا النكاح و لا تعقدوا عقدة النكاح في العدة و لم يرد به النهي عن العزم على النكاح بعد العدة لأنه أباح ذلك بقوله « أو أكننتم » « حتى يبلغ الكتاب أجله » معناه حتى تنقضي العدة بلا خلاف و قيل الكتاب هو القرآن و المعنى حتى يبلغ فرض الكتاب أي ما فرض في القرآن من العدة و الأجل المضروب لها و قيل معناه حتى يبلغ الفرض أجله و عبر بالكتاب عن الفرض كما يقال كتب أي فرض و هذا لأن ما كتب فقد أثبت فقد اجتمعا في معنى الثبوت و قيل أن هذا تشبيه للعدة بالدين المؤجل المكتوب أجله في كتاب فكما يتأخر المطالبة بذلك الدين حتى يبلغ الكتاب أجله كذلك يتأخر خطبة النكاح في العدة إلى انقضاء العدة « و اعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم » من أسراركم و ضمائركم « فاحذروه » فاتقوا عقابه و لا تخالفوا أمره « و اعلموا أن الله غفور » لعباده « حليم » يمهل العقوبة المستحقة فلا يعجل بها .

مجمع البيان ج : 2 ص : 594
لا جُنَاحَ عَلَيْكمْ إِن طلَّقْتُمُ النِّساءَ مَا لَمْ تَمَسوهُنَّ أَوْ تَفْرِضوا لَهُنَّ فَرِيضةً وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلى المُْوسِع قَدَرُهُ وَ عَلى الْمُقْترِ قَدَرُهُ مَتَعَا بِالْمَعْرُوفِ حَقاًّ عَلى المُْحْسِنِينَ(236)

القراءة

قرأ حمزة و الكسائي تماسوهن بضم التاء و بألف في موضعين هاهنا و في الأحزاب و قرأ الباقون « تمسوهن » و قرأ أبو جعفر و أهل الكوفة إلا أبا بكر و ابن ذكوان قدره بفتح الدال في الموضعين و الباقون بإسكانها .

الحجة

حجة من قرأ « تمسوهن » قوله « و لم يمسسني بشر » و « لم يطمثهن » و انكحوهن و النكاح عبارة عن الوطء قال جرير :
التاركون على طهر نساءهم
و الناكحون بشطىء دجلة البقرا و حجة من قرأ و لا تماسوهن أن فاعل و فعل قد يراد بكل واحد منهما ما يراد بالآخر و ذلك نحو طارقت النعل و عاقبت اللص و قال أبو الحسن يقال هو القدر و القدر و هم يختصمون في القدر و القدر قال الشاعر :
ألا يا لقوم للنوائب و القدر ) و خذ منه بقدر كذا و قدر كذا لغتان و في كتاب الله فسالت أودية بقدرها و قدرها « و على الموسع قدره » و قدره و ما قدروا الله حق قدره و لو حركت كان جائزا و كذلك إنا كل شيء خلقناه بقدر و لو خففت كان جائزا إلا أن رءوس الآي كلها متحركة فيلزم الفتح لأن ما قبلها مفتوح .

اللغة

الموسع الذي يكون في سعة لغناه و المقتر الذي يكون في ضيق لفقره يقال أوسع الرجل إذا كثر ماله و اتسعت حاله و أقتر إذا افتقر و قترت الشيء أقتره قترا و قترته تقتيرا إذا ضيقت الإنفاق منه و القتار دخان الشحم على النار لقلته بالإضافة إلى بقيته و القتر الغبار و القتير مسامير الدرع لقلتها و صغرها و القتير ابتداء الشيب لقلته و يجوز أن يكون مشبها بالدخان أول ما يرتفع و القترة ناموس الصائد لأنها كالقتار و أصل الباب الإقلال و قدرت الشيء أقدره و أقدره قدرا و قدرت على الشيء أقدر عليه قدرة و قدورا .

الإعراب

« ما لم تمسوهن » موصول و صلة في موضع نصب تقديره مدة ترك المس فحذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه و العامل في الظرف طلق و جواب الشرط محذوف تقديره إن طلقتم النساء فلا جناح عليكم متاعا نصب على أحد وجهين إما أن
مجمع البيان ج : 2 ص : 595
يكون حالا من قدره و العامل فيه الظرف أي ممتعا متاعا و أما على المصدر أي متعوهن متاعا و حقا ينتصب أيضا على أحد وجهين إما أن يكون حالا من قوله « بالمعروف » و العامل فيه معنى عرف حقا و إما أن يكون على التأكيد بجملة الخبر فكأنه قال أخبركم به حقا أو أحقه حقا أو حق ذلك عليهم حقا كأنه قال إيجابا على المحسنين .

المعنى

ثم بين سبحانه حكم الطلاق قبل الفرض و المسيس فقال « لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن » هذا إباحة للطلاق قبل المسيس و فرض المهر فرفع الإثم عن الطلاق قبل الدخول لئلا يتوهم أحد أن الطلاق في هذه الحالة محظور و المس كناية عن الوطء و المفروض صداقها داخلة في دلالة الآية و إن لم يذكر لأن التقدير ما لم تمسوهن ممن قد فرضتم لهن « أو » لم « تفرضوا لهن فريضة » لأن أو تنبىء عن ذلك إذ لو كان على الجمع لكان بالواو و المراد بالفريضة الصداق بلا خلاف لأنه يجب بالعقد على المرأة فهو فرض لوجوبه بالعقد و معناه أو لم تقدروا لهن مهرا مقدرا و إنما خص التي لم يدخل بها الذكر في رفع الجناح دون المدخول بها و إن كان حكمهما واحدا لأمرين ( أحدهما ) لإزالة الشك على ما قدمنا ذكره ( و الثاني ) لأن له أن يطلق التي لم يدخل بها أي وقت شاء بخلاف المدخول بها فإنه لا يجوز أن يطلقها إلا في طهر لم يجامعها فيه « و متعوهن » أي أعطوهن من مالكم ما يتمتعن به و المتعة و المتاع ما يتمتع به « على الموسع قدره » أي على الغني الذي هو في سعة لغناه على قدر حاله « و على المقتر قدره » أي على الفقير الذي هو في ضيق بقدر إمكانه و طاقته و المتعة خادم أو كسوة أو رزق عن ابن عباس و الشعبي و الربيع و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله و هو مذهب الشافعي و قيل هو مثل نصف صداق تلك المرأة المنكوحة عن أبي حنيفة و أصحابه ثم اختلف في ذلك فقيل إنما تجب المتعة للتي لم يسم لها صداق خاصة عن سعيد بن المسيب و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله و هو مذهب أبي حنيفة و أصحابه و قيل المتعة لكل مطلقة إلا المختلعة و المبارئة و الملاعنة عن الزهري و سعيد بن جبير و أبي العالية و قيل المتعة لكل مطلقة سوى المطلقة المفروض لها إذا طلقت قبل الدخول فإنما لها نصف الصداق و لا متعة لها عن ابن عمر و نافع و عطاء و هو مذهب الشافعي و قد رواه أصحابنا أيضا و ذلك محمول على الاستحباب و قوله « متاعا » أي و متعوهن متاعا « بالمعروف » أي وسطا ليس فيه إسراف و لا تقتير و قيل متاعا معتبرا بحال الرجل في اليسار و الإقتار و قيل معتبرا بحالهما جميعا إذ لا يسوي بين حرة شريفة و بين أمة معتقة ليكون ذلك خارجا عن التعارف عن القاضي و قال أهل المدينة يؤمر الزوج به من غير أن يجبر عليه و عندنا يجبر عليه و به
مجمع البيان ج : 2 ص : 596
قال أهل العراق « حقا على المحسنين » أي واجبا على الذين يحسنون الطاعة و يجتنبون المعصية و إنما خص المحسنين بذلك تشريفا لهم لا أنه لا يجب على غيرهم و دل ذلك على وجوب الإحسان على جميعهم فإن على كل إنسان أن يكون محسنا فهو كقوله هدى للمتقين و قيل معناه من أراد أن يحسن فهذا حقه و حكمه و طريقه عن أبي مسلم هذا كله في المطلقة فأما المتوفى عنها زوجها إذا لم يفرض لها صداق فلها الميراث و عليها العدة إجماعا و قال أكثر الفقهاء لها صداق مثلها و حكى أبو علي الجبائي عن بعض الفقهاء أنه قال لا مهر لها و هو الذي يليق بمذهبنا لأنه لا نص لأصحابنا في ذلك .
وَ إِن طلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضتُمْ لَهُنَّ فَرِيضةً فَنِصف مَا فَرَضتُمْ إِلا أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِى بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاح وَ أَن تَعْفُوا أَقْرَب لِلتَّقْوَى وَ لا تَنسوُا الْفَضلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(237)

القراءة

روي في الشواذ عن الحسن أو يعفو الذي بيده بسكون الواو و عن علي (عليه السلام) و لا تناسوا الفضل .

الحجة

قال ابن جني سكون الواو من المضارع في موضع النصب قليل و سكون الياء فيه أكثر و أصل السكون في هذا إنما هو للألف نحو أن يسعى ثم شبهت الياء بالألف لقربها منها نحو قوله :
كان أيديهن بالموماة
أيدي جوار بتن ناعمات و قوله :
كان أيديهن بالقاع القرق ) ثم شبهت الواو في ذلك بالياء قال الأخطل :
إذا شئت أن تلهو ببعض حديثها
رفعن و أنزلن القطين المولدا و قال :
أبى الله أن أسمو بأم و لا أب و أما قوله تعالى و لا تناسوا فإنما هو نهي
مجمع البيان ج : 2 ص : 597
عن فعلهم الذي اختاروه و تظاهروا به كما يقال تغافل و تصام و تحسن هذه القراءة إنك إنما تنهى الإنسان عن فعله و النسيان ظاهره أن يكون من فعل غيره كأنه أنسي فنسي قال الله سبحانه و ما أنسانيه إلا الشيطان .

الإعراب


« فنصف ما فرضتم » رفع تقديره عليكم نصف ما فرضتم و قوله « يعفون » في موضع نصب بأن إلا أن فعل المضارع إذا اتصل به نون ضمير جماعة المؤنث بني فيستوي في الرفع و النصب و الجزم و « أن يعفون » موصول و صلة في محل النصب على الاستثناء « أو يعفو » تقديره أو أن يعفو و هو في محل النصب بالعطف على الموصول و الصلة قبلها « و أن تعفوا » في موضع الرفع بالابتداء و أقرب خبره و تقديره و العفو أقرب للتقوى و اللام يتعلق بأقرب و هو بمعنى من أو إلى و الألف و اللام في النكاح بدل من الإضافة إذ المعنى أو يعفو الذي بيده عقدة نكاحه و مثله قوله « فإن الجنة هي المأوى » و معناه هي ماواه .

المعنى

ثم بين سبحانه حكم الطلاق قبل المسيس بعد الفرض فقال « و إن طلقتموهن » يعني إن طلقتم أيها الرجال النساء « من قبل أن تمسوهن » أي تجامعوهن « و قد فرضتم لهن فريضة » أي أوجبتم لهن صداقا و قدرتم مهرا « فنصف ما فرضتم » أي فعليكم نصف ما قدرتم و هو المهر المسمى « إلا أن يعفون » يعني الحرائر البالغات غير المولى عليهن لفساد عقولهن أي يتركن ما يجب لهن من نصف الصداق فلا يطالبن الأزواج بذلك عن ابن عباس و مجاهد و سائر أهل العلم « أو يعفو » أي يترك و يهب الذي بيده عقدة النكاح قيل هو الولي عن مجاهد و علقمة و الحسن و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله و هو مذهب الشافعي غير أن عندنا الولي هو الأب أو الجد مع وجود الأب الأدنى على البكر غير البالغ فأما من عداهما فلا ولاية له إلا بتوليتها إياه و قيل هو الزوج و رووه عن علي و سعيد بن المسيب و شريح و إبراهيم و قتادة و الضحاك و هو مذهب أبي حنيفة و رواه أيضا أصحابنا غير أن الأول أظهر و هو المذهب و من جعل العفو للزوج قال له أن يعفو عن جميع النصف و من جعله للولي من أصحابنا قال له أن يعفو عن بعضه و ليس له أن يعفو عن جميعه فإن امتنعت المرأة عن ذلك لم يكن لها ذلك إذا اقتضته المصلحة عن أبي عبد الله « و أن تعفوا أقرب للتقوى » خطاب للزوج و المرأة جميعا عن ابن عباس و للزوج وحده عن الشعبي قال و إنما جمع لأنه خطاب لكل زوج و قول ابن عباس أقوى لعمومه و إنما كان العفو أقرب للتقوى من وجهين ( أحدهما ) أن معناه أقرب إلى أن يتقي
مجمع البيان ج : 2 ص : 598
أحدهما ظلم صاحبه لأن من ترك لغيره حق نفسه كان أقرب إلى أن لا يظلم غيره بطلب ما ليس له ( و الثاني ) أن معناه أقرب إلى أن يتقي معصية الله لأن من ترك حق نفسه كان أقرب إلى أن لا يعصي الله بطلب ما ليس له « و لا تنسوا الفضل بينكم » أي لا تتركوا الأخذ بالفضل و الإحسان بينكم و الإفضال فتأخذوا بمر الحكم و استيفاء الحقوق على الكمال بين الله سبحانه في هذه الآية الحكم الذي لا يعذر أحد في تركه و هو أنه ليس للزوج أن ينقصها من نصف المهر و لا للمرأة أن تطالبه بالزيادة ثم بين طريق الفضل من الجانبين و ندب إليه و حث عليه « إن الله بما تعملون » أي بأعمالكم « بصير » أي عليم و روي عن سعيد بن المسيب أن هذه الآية ناسخة لحكم المتعة في الآية الأولى و قال أبو القاسم البلخي و هذا ليس بصحيح لأن الآية تضمنت حكم من لم يدخل بها و لم يسم لها مهرا إذا طلقها و هذه تضمنت حكم التي فرض لها المهر و لم يدخل بها إذا طلقها و أحد الحكمين غير الآخر و أقول إذا بينا في الآية الأولى أنها تتناول المطلقات غير المدخول بهن سواء فرض لهن المهر أو لم يفرض و قلنا إن متعوهن لا يحمل على العموم إذ لا متعة لمن فرض لها المهر و إن لم يدخل بها فلا بد من تخصيص فيه و تقدير و حذف أي و متعوا من طلقتم منهن و لم تفرضوا لهن فريضة و إنما جاز هذا الحذف لدلالة ذكر من فرض لها المهر و حكمها في الآية الأخرى عليه و هذا ما سنح لي هاهنا و لم أر أحدا من المفسرين تعرض لذكره و بالله التوفيق .
حَفِظوا عَلى الصلَوَتِ وَ الصلَوةِ الْوُسطى وَ قُومُوا للَّهِ قَنِتِينَ(238)

اللغة

الحفظ ضبط الشيء في النفس ثم يشبه به ضبطه بالمنع من الذهاب و الحفظ خلاف النسيان و أحفظه أغضبه لأنه حفظ عليه ما يكرهه و منه الحفيظة الحمية و الحفاظ المحافظة و الوسطى تأنيث الأوسط و هو الشيء بين الشيئين على جهة الاعتدال و أصل القنوت الدوام على أمر واحد و قيل أصله الطاعة و قيل أصله الدعاء في حال القيام قال علي بن عيسى و الأول أحسن لحسن تصرفه في الباب لأن المداوم على الطاعة قانت و كذلك المداوم في صلاته على السكوت إلا عن الذكر المشروع و كذلك المداوم على الدعاء و يقال فلان يقنت عليه أي يدعو عليه دائما .

النزول

عن زيد بن ثابت أن النبي كان يصلي بالهاجرة و كانت أثقل الصلوات
مجمع البيان ج : 2 ص : 599
على أصحابه فلا يكون وراءه إلا الصف أو الصفان فقال لقد هممت أن أحرق على قوم لا يشهدون الصلاة بيوتهم فنزلت هذه الآية .

المعنى

لما حث الله سبحانه على الطاعة خص الصلاة بالمحافظة عليها لأنها أعظم الطاعات فقال « حافظوا على الصلوات » أي داوموا على الصلوات المكتوبات في مواقيتها بتمام أركانها ثم خص الوسطى تفخيما لشأنها فقال « و الصلاة الوسطى » كقوله سبحانه « من كان عدوا لله و ملائكته و رسله و جبريل و ميكال » أي و الصلاة الوسطى خاصة فداوموا عليها ثم اختلف في الصلاة الوسطى على أقوال ( أحدها ) أنها صلاة الظهر عن زيد بن ثابت و ابن عمر و أبي سعيد الخدري و أسامة و عائشة و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله و هو قول أبي حنيفة و أصحابه و ذكر بعض أئمة الزيدية إنها الجمعة يوم الجمعة و الظهر سائر الأيام و رواه عن علي و يدل عليه سبب نزول هذه الآية و هو أنها وسط النهار و أول صلاة فرضت و روي عن علي قال قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إن لله في السماء الدنيا حلقة تزول فيها الشمس فإذا زالت الشمس سبح كل شيء لربنا فأمر الله سبحانه بالصلاة في تلك الساعة و هي الساعة التي تفتح فيها أبواب السماء فلا تغلق حتى يصلى الظهر و يستجاب فيها الدعاء ( و ثانيها ) أنها صلاة العصر عن ابن عباس و الحسن و روي ذلك عن علي و ابن مسعود و قتادة و الضحاك و روي ذلك عن أبي حنيفة و روي مرفوعا إلى النبي قالوا لأنها بين صلاتي النهار و صلاتي الليل و إنما خصت بالذكر لأنها تقع في وقت اشتغال الناس في غالب الأمر و روي عن النبي أنه قال الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله و ماله و روى بريدة قال قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بكروا بالصلاة في يوم الغيم فإنه من فاتته صلاة العصر حبط عمله ( و ثالثها ) أنها المغرب عن قبيصة بن ذؤيب قال لأنها وسط في الطول و القصر من بين الصلوات و روى الثعلبي بإسناده عن عائشة قالت قال رسول الله إن أفضل الصلوات عند الله صلاة المغرب لم يحطها الله عن مسافر و لا مقيم فتح الله بها صلاة الليل و ختم بها صلاة النهار فمن صلى المغرب و صلى بعدها ركعتين بنى الله له قصرا في الجنة و من صلى بعدها أربع ركعات غفر الله له ذنب عشرين أو أربعين سنة ( و رابعها ) أنها صلاة العشاء الآخرة عن بعضهم قال لأنها بين صلاتين لا تقصران و روي عن النبي أنه قال من صلى العشاء الآخرة في جماعة كان كقيام نصف ليلة و من صلى صلاة الفجر في جماعة كان كقيام ليلة ( و خامسها ) أنها صلاة الفجر عن معاذ و ابن عباس و جابر بن عبد الله و عطاء و عكرمة و مجاهد و هو قول الشافعي قالوا لأنها بين صلاتي الليل و صلاتي النهار و بين الظلام و الضياء و لأنها صلاة لا تجمع مع غيرها فهي منفردة بين مجتمعين و يدل عليه
مجمع البيان ج : 2 ص : 600
من التنزيل قوله و قرآن الفجر أن قرآن الفجر كان مشهودا يعني تشهده ملائكة الليل و ملائكة النهار و هو مكتوب في ديوان الليل و ديوان النهار قالوا و يدل عليه آخر الآية و هو قوله « و قوموا لله قانتين » يعني و قوموا فيها لله قانتين قال أبو رجاء العطاردي صلى بنا ابن عباس في مسجد البصرة صلاة الغداة فقنت فيها قبل الركوع و رفع يديه فلما فرغ قال هذه الصلاة الوسطى التي أمرنا أن نقوم فيها قانتين أورده الثعلبي في تفسيره و روي بإسناده مرفوعا إلى أنس بن مالك قال ما زال رسول الله يقنت في صلاة الغداة حتى فارق الدنيا ( و سادسها ) أنها إحدى الصلوات الخمس لم يعينها الله و أخفاها في جملة الصلوات المكتوبة ليحافظوا على جميعها كما أخفى ليلة القدر في ليالي شهر رمضان و اسمه الأعظم في جميع الأسماء و ساعة الإجابة في ساعات الجمعة عن الربيع بن خيثم و أبي بكر الوراق « و قوموا لله قانتين » قال ابن عباس معناه داعين و القنوت هو الدعاء في الصلاة في حال القيام و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله و قيل معناه طائعين عن الحسن و سعيد بن المسيب و قتادة و الضحاك و طاووس و إحدى الروايتين عن ابن عباس و قيل معناه خاشعين عن مجاهد قال نهوا عن العبث و الالتفات في الصلاة و قيل ساكنين عن ابن مسعود و زيد بن أرقم و الأصل فيه الإتيان بالدعاء أو غيره من العبادات في حال القيام و يجوز أن يطلق في سائر الطاعات فإنه و إن لم يكن فيه القيام الحقيقي فإن فيه القيام بالعبادة .
فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ(239)

اللغة

الرجال جمع راجل مثل تجار و صحاب و قيام في جمع تاجر و صاحب و قائم و الراجل هو الكائن على رجله واقفا كان أو ماشيا و الركبان جمع راكب كالفرسان جمع فارس و كل شيء علا شيئا فقد ركبه و الركاب المطي و ركبت الرجل أركبه ركبا أي ضربته بركبتي و أصبت ركبته أيضا و هذا قياس في جميع الأعضاء نحو رأسته و بطنته و ظهرته .

الإعراب

رجالا منصوب على الحال تقديره فصلوا رجالا كما علمكم الكاف يتعلق باذكروا و ما مصدرية في ما علمكم و قوله « ما لم تكونوا تعلمون » موصول و صلة في موضع المفعول الثاني لعلم .

مجمع البيان ج : 2 ص : 601

المعنى

لما قدم سبحانه وجوب المحافظة على الصلاة عقبه بذكر الرخصة عند المخافة فقال « فإن خفتم » أي إن لم يمكنكم أن تقوموا قانتين موفين الصلاة حقها لخوف عرض لكم « فرجالا » أي فصلوا رجالا على أرجلكم و قيل مشاة « أو ركبانا » أي على ظهور دوابكم عنى بها صلاة الخوف و صلاة الخوف من العدو ركعتان في السفر و الحضر إلا المغرب فإنها ثلاث ركعات و يروى أن عليا صلى ليلة الهرير خمس صلوات بالإيماء و قيل بالتكبير و إن النبي صلى يوم الأحزاب إيماء « فإذا أمنتم » من الخوف « فاذكروا الله » أي فصلوا صلاة الأمن و قيل اذكروا الله بالثناء عليه و الحمد له « كما علمكم » من أمور دينكم و غير ذلك من أموركم « ما لم تكونوا تعلمون » .
وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكمْ وَ يَذَرُونَ أَزْوَجاً وَصِيَّةً لأَزْوَجِهِم مَّتَعاً إِلى الْحَوْلِ غَيرَ إِخْرَاج فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكمْ فى مَا فَعَلْنَ فى أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوف وَ اللَّهُ عَزِيزٌ حَكيمٌ(240)

القراءة

قرأ أهل المدينة و ابن كثير و الكسائي و أبو بكر عن عاصم وصية بالرفع و الباقون بالنصب .

الحجة

قال أبو علي حجة من قرأ وصية بالرفع أنه يجوز أن يرتفع من وجهين ( أحدهما ) أن يكون مبتدأ و الظرف خبره و حسن الابتداء بالنكرة لأنه موضع تخصيص كما حسن أن يرتفع سلام عليكم و خير بين يديك و نحو قوله لملتمس المعروف أهل و مرحب لأنها في موضع دعاء فجاز فيها الابتداء بالنكرة لما كان معناها كمعنى المنصوب ( و الآخر ) أن تضمر له خبرا فيكون لأزواجهم صفة و تقدير الخبر المضمر فعليهم وصية لأزواجهم و من نصب وصية حمله على الفعل أي ليوصوا وصية و يكون قوله « لأزواجهم » وصفا كما كان في قول من أضمر الخبر كذلك و من حجتهم أن الظرف إذا تأخر عن النكرة كان استعماله صفة أكثر و إذا كان خبرا تقدم على النكرة إذا لم يكن في معنى المنصوب كقوله تعالى « و لهم أعمال من دون ذلك » « و لدينا مزيد » فإذا تأخرت فالأكثر فيها أن تكون صفاتا و قال بعضهم لا يجوز غير الرفع لأنه لا يمكن الوصية بعد الوفاة و لأن فرض النفقة كان لهن أوصى أو لم يوص قال علي بن عيسى و هذا غلط لأن المعنى و الذين تحضرهم الوفاة منكم
مجمع البيان ج : 2 ص : 602
فلذلك قال « يتوفون » على لفظ الحاضر الذي يتطاول نحو قوله ( الذين يصلون فليعرضوا عن الفكر فيما يشغلهم ) فأما قولهم أن الفرض كان لهن و إن لم يوصوا فغير صحيح لأن الزوج إذا فرط في الوصية فلا ينكر أن يوجبه الله على الورثة و قال قتادة و السدي كان يجب على الزوج الوصية لها كما أوجب الوصية للوالدين و الأقربين و قوله « متاعا » نصب على وجهين ( أحدهما ) أنه على تقدير متعوهن متاعا ( و الثاني ) جعل الله لهن ذلك متاعا لأن ما قبله دل عليه و قوله « غير إخراج » منصوب على وجهين ( أحدهما ) أن يكون صفة لمتاع ( و الثاني ) أن يكون مصدرا وضع موضع الحال قال الفراء و هو كقولك جئتك غير رغبة إليك فكأنه قال متعوهن متاعا في مساكنهن و أقول إن تقديره غير مخرجات إخراجا فيكون ذو الحال هن من متعوهن و يجوز أن يكون تقديره غير مخرجين فيكون ذو الحال الواو من متعوهن .

المعنى

« و الذين يتوفون منكم » أي الذين يقاربون منكم الوفاة لأن المتوفى لا يؤمر و لا ينهى « و يذرون أزواجا وصية لأزواجهم » أي فليوصوا وصية لهن و من رفع فمعناه وصية من الله لأزواجهم أو عليهم وصية لهن « متاعا إلى الحول » يعني ما ينتفعن به حولا من النفقة و الكسوة و السكنى و قيل و هو مثل المتعة في المطلقات و كان واجبا في المتوفى عنها زوجها بالوصية من مال الزوج « غير إخراج » أي لا يخرجن من بيوت الأزواج « فإن خرجن » بأنفسهن قبل الحول من غير أن يخرجهن الورثة و قيل أن المراد إذا خرجن بعد مضي الحول و قد مضت العدة فإن بمعنى إذا عن القاضي و غيره « فلا جناح عليكم » يا معشر أولياء الميت « فيما فعلن في أنفسهن من معروف » اختلفوا في رفع الجناح قيل لا جناح في قطع النفقة و السكنى عنهن عن الحسن و السدي قالا و هذا دليل على سقوط النفقة بالخروج و أن ذلك كان واجبا لهن بالإقامة إلى الحول فإن خرجن قبله بطل الحق الذي وجب لهن بالإقامة و قيل لا جناح عليكم في ترك منعهن من الخروج لأن مقامها سنة في البيت غير واجب و لكن قد خيرها الله في ذلك عن الجبائي و قيل لا جناح عليكم أن تزوجن بعد انقضاء العدة و هذا أوجه و تقديره إذا خرجن من العدة بانقضاء السنة فلا جناح إن تزوجن و قوله « من معروف » يعني طلب النكاح و التزين « و الله عزيز » قادر لا شيء يعجزه « حكيم » لا يصدر منه إلا ما تقتضيه الحكمة و اتفق العلماء على أن هذه الآية منسوخة و قال أبو عبد الله ثم كان الرجل إذا مات أنفق على امرأته من صلب المال حولا ثم أخرجت بلا ميراث ثم نسختها آية الربع و الثمن فالمرأة ينفق عليها من نصيبها و عنه قال نسختها يتربص بأنفسهن أربعة أشهر و عشرا و نسختها آية المواريث .

مجمع البيان ج : 2 ص : 603
وَ لِلْمُطلَّقَتِ مَتَعُ بِالْمَعْرُوفِ حَقاًّ عَلى الْمُتَّقِينَ(241) كَذَلِك يُبَينُ اللَّهُ لَكمْ ءَايَتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(242)

الإعراب

الوجه في انتصاب قوله « حقا » مثل ما بيناه فيما قبل في قوله حقا على المحسنين كذلك الكاف يتعلق بيبين أي مثل هذا البيان يبين لكم .

النزول

قيل لما نزلت و متعوهن على الموسع قدره إلى قوله حقا على المحسنين قال بعضهم إن أحببت فعلت و إن لم أرد ذلك لم أفعل فأنزل الله هذه الآية عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم .

المعنى

لما قدم سبحانه بيان أحوال المعتدات عقبه ببيان ما يجب لهن من المتعة فقال « و للمطلقات متاع بالمعروف » اختلف فيه فقال سعيد بن جبير و أبو العالية و الزهري إن المراد بهذا المتاع المتعة و أن المتعة واجبة لكل مطلقة و قال أبو علي الجبائي المراد به النفقة و هو المتاع المذكور في قوله متاعا إلى الحول و قال سعيد بن المسيب الآية منسوخة بقوله تعالى فنصف ما فرضتم و عندنا أنها مخصوصة بتلك الآية إن نزلتا معا و إن كانت تلك متأخرة فمنسوخة لأن عندنا لا تجب المتعة إلا للمطلقة التي لم يدخل بها و لم يفرض لها مهر فأما المدخول بها فلها مهر مثلها إن لم يسم لها مهر و إن سمي لها مهر فما سمي لها و غير المدخول بها المفروض مهرها لها نصف المهر و لا متعة في هذه الأحوال و به قال الحسن فلا بد من تخصيص هذه الآية و ذكرنا الكلام في المتعة عند قوله « و متعوهن » و قوله « بالمعروف حقا على المتقين » مضى تفسيره و خص المتقين هنا كما خص المحسنين هناك « كذلك يبين الله لكم آياته » أي كما بين الله لكم الأحكام و الآداب التي مضت مما تحتاجون إلى معرفتها في دينكم يبين لكم هذه الأحكام فشبه البيان الذي يأتي بالبيان الماضي و البيان هو الأدلة التي يفرق بها الحق و الباطل « لعلكم تعقلون » معناه لكي تعقلوا آيات الله و قيل لعلكم تكمل عقولكم فإن العقل الغريزي إنما يكمل بالعقل المكتسب و المراد به استعمال العقل مع العلم به و من لم يستعمل العقل فكأنه لا عقل له و هذا كقوله تعالى إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة جعلهم جهالا لأنهم آثروا هواهم على ما علموا أنه الحق .

مجمع البيان ج : 2 ص : 604
* أَ لَمْ تَرَ إِلى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَرِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضل عَلى النَّاسِ وَ لَكِنَّ أَكثرَ النَّاسِ لا يَشكرُونَ(243)

اللغة

الرؤية هنا بمعنى العلم و معنى أ لم تر أ لم تعلم و هذه الألف ألف التوقيف و تر متروكة الهمزة و أصله أ لم ترا من رأى يرأى مثل نأى ينأى إلا أنهم على إسقاط الهمزة هنا للتخفيف .

الإعراب

« حذر الموت » نصب لأنه مفعول له و جاز أن يكون نصبه على المصدر لأن خروجهم يدل على حذروا الموت حذرا .

المعنى

لما ذكر قوله يبين آياته للناس عقبه بذكر آية من آياته فقال « أ لم تر » أي أ لم تعلم : يا محمد أو أيها السامع أو لم ينته علمك إلى خبر هؤلاء « الذين خرجوا من ديارهم » قيل هم من قوم بني إسرائيل فروا من طاعون وقع بأرضهم عن الحسن و قيل فروا من الجهاد و قد كتب عليهم عن الضحاك و مقاتل و احتجا بقوله عقيب الآية و قاتلوا في سبيل الله و قيل هم قوم حزقيل و هو ثالث خلفاء بني إسرائيل بعد موسى و ذلك أن القيم بأمر بني إسرائيل بعد موسى كان يوشع بن نون ثم كالب بن يوقنا ثم حزقيل و قد كان يقال له ابن العجوز و ذلك أن أمه كانت عجوزا فسألت الله الولد و قد كبرت و عقمت فوهبه الله لها و قال الحسن هو ذو الكفل و إنما سمي حزقيل ذا الكفل لأنه كفل سبعين نبيا نجاهم من القتل و قال لهم اذهبوا فإني إن قتلت كان خيرا من أن تقتلوا جميعا فلما جاء اليهود و سألوا حزقيل عن الأنبياء السبعين فقال إنهم ذهبوا و لا أدري أين هم و منع الله ذا الكفل منهم « و هم ألوف » أجمع أهل التفسير على أن المراد بالوف هنا كثرة العدد إلا ابن زيد فإنه قال معناه خرجوا مؤتلفي القلوب لم يخرجوا عن تباغض فجعله جمع آلف مثل قاعد و قعود و شاهد و شهود و اختلف من قال المراد به العدد الكثير فقيل كانوا ثلاثة آلاف عن عطاء الخراساني و قيل ثمانية آلاف عن مقاتل و الكلبي و قيل عشرة آلاف عن ابن روق و قيل بضعة و ثلاثين ألفا عن السدي و قيل أربعين ألفا عن ابن عباس و ابن جريج و قيل سبعين ألفا عن عطا بن أبي رباح و قيل كانوا عددا كثيرا عن الضحاك و الذي يقضي به الظاهر أنهم كانوا أكثر من عشرة آلاف لأن بناء فعول للكثرة و هو ما زاد على العشرة و ما نقص عنها يقال فيه آلاف يقال فيه عشرة آلاف و لا يقال عشرة ألوف « حذر الموت » أي من خوف الموت « فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم » قيل في معناه قولان ( أحدهما ) أن معناه أماتهم الله كما يقال

<<        الفهرس        >>