جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج8 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



مجمع البيان ج : 8 ص : 812
الأحزاب » أي عذابا مثل يوم الأحزاب قال الجبائي القائل لذلك موسى لأن المؤمن من آل فرعون كان يكتم إيمانه و هذا لا يصح لأنه قريب من قوله « أ تقتلون رجلا أن يقول ربي الله » و أراد بالأحزاب الجماعات التي تحزبت على أنبيائها بالتكذيب و قد يطلق اليوم على النعمة و المحنة فكأنه قال يوم هلاكهم .
مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوح وَ عَاد وَ ثَمُودَ وَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَ مَا اللَّهُ يُرِيدُ ظلْماً لِّلْعِبَادِ(31) وَ يَقَوْمِ إِنى أَخَاف عَلَيْكمْ يَوْمَ التَّنَادِ(32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِم وَ مَن يُضلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد(33) وَ لَقَدْ جَاءَكمْ يُوسف مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَتِ فَمَا زِلْتُمْ فى شك مِّمَّا جَاءَكم بِهِ حَتى إِذَا هَلَك قُلْتُمْ لَن يَبْعَث اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسولاً كذَلِك يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسرِفٌ مُّرْتَابٌ(34) الَّذِينَ يجَدِلُونَ فى ءَايَتِ اللَّهِ بِغَيرِ سلْطن أَتَاهُمْ كبرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ وَ عِندَ الَّذِينَ ءَامَنُوا كَذَلِك يَطبَعُ اللَّهُ عَلى كلِّ قَلْبِ مُتَكَبر جَبَّار(35)

القراءة

قرأ أبو عمرو و ابن ذكوان و قتيبة على كل قلب بالتنوين و الباقون « على كل قلب متكبر » على الإضافة و في الشواذ قراءة ابن عباس و الضحاك و أبي صالح و الكلبي يوم التناد بتشديد الدال .

الحجة

قال أبو علي من نون فإنه جعل المتكبر صفة لقلب فإذا وصف القلب بالتكبر كان صاحبه في المعنى متكبرا فكأنه أضاف التكبر إلى القلب كما أضيف الصعر إلى الخد في قوله تعالى و لا تصعر خدك للناس فكما يكون بتصعير الخد متكبرا كذلك يكون بالتكبر في القلب متكبرا بجملة و أما من أضافه فقال « على كل قلب متكبر » فلا يخلو من أن
مجمع البيان ج : 8 ص : 813
يقدر الكلام على ظاهره أو يقدر فيه حذفا فإن تركه على ظاهره كان المعنى يطبع الله على كل قلب متكبر أي يطبع على جملة القلب من المتكبر و ليس المراد أن يطبع على كل قلبه فيعم الجميع بالطبع إنما المعنى إنه يطبع على القلب إذا كانت قلبا قلبا و الطبع علامة في جملة القلب كالختم عليه فإذا كان الحمل على الظاهر غير مستقيم علمت أن الكلام ليس على ظاهره و أنه حذف منه شيء و ذلك المحذوف إذا أظهرته كذلك يطبع الله على كل قلب كل متكبر فيكون المعنى يطبع على القلوب إذا كانت قلبا قلبا من كل متكبر و يختم عليه و يؤكد ذلك أن في حرف ابن مسعود فيما زعموا على قلب كل متكبر و إظهار كل في حرفه يدل على أنه في حرف العامة أيضا مراد و حسن حذف كل لتقدم ذكره كما جاز ذلك في قوله :
أ كل امرء تحسبين امرءا
و نار توقد بالليل نارا و في قولهم ما كل سوداء تمرة و لا بيضاء شحمة فحذف كل التقدم ذكرها فكذلك في الآية و أما التناد بالتشديد فإنه تفاعل من ند يند إذا نفر .

اللغة

الجبار الذي يقتل على الغضب يقال أجبر فهو جبار مثل أدرك فهو دراك قال الفراء و لا ثالث لهما و قال ابن خالويه وجدت لهما ثالثا أسار فهو ستار .

المعنى

ثم فسر سبحانه ذلك فقال « مثل دأب قوم نوح و عاد و ثمود » و الدأب العادة و معناه إني أخاف عليكم مثل سنة الله في قوم نوح و عاد و ثمود و حالهم حين أهلكهم الله و استأصلهم جزاء على كفرهم « و الذين من بعدهم و ما الله يريد ظلما للعباد » و في هذا أوضح دلالة على فساد قول المجبرة القائلة بأن كل ظلم يكون في العالم فهو بإرادة الله تعالى ثم حذرهم عذاب الآخرة أيضا فقال « و يا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد » حذف الياء للاجتزاء بالكسرة الدالة عليها و هو يوم القيامة ينادي فيه بعض الظالمين بعضا بالويل و الثبور و قيل إنه اليوم الذي ينادي فيه أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا الآية و ينادي أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله عن
مجمع البيان ج : 8 ص : 814
الحسن و قتادة و ابن زيد و قيل ينادي فيه كل أناس بإمامهم « يوم تولون مدبرين » أي يوم تعرضون على النار فارين منها مقدرين أن الفرار ينفعكم و قيل منصرفين إلى النار بعد الحساب عن قتادة و مقاتل « ما لكم من الله من عاصم » أي مانع من عذاب الله « و من يضلل الله فما له من هاد » أي من يضلل الله عن طريق الجنة فما له من هاد يهديه إليها « و لقد جائكم يوسف » و هو يوسف بن يعقوب بعثه الله رسولا إلى القبط « من قبل » أي من قبل موسى « بالبينات » أي بالحجج الواضحات « فما زلتم في شك مما جائكم به » من عبادة الله تعالى وحده لا شريك له عن ابن عباس و قيل مما دعاكم إليه من الدين « حتى إذا هلك » أي مات « قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا » أي أقمتم على كفركم و ظننتم أن الله تعالى لا يجدد لكم إيجاب الحجة « كذلك » أي مثل ذلك الضلال « يضل الله من هو مسرف » على نفسه كافر و أصل الإسراف مجاوزة الحد « مرتاب » أي شاك في التوحيد و نبوة الأنبياء « الذين يجادلون في آيات الله » أي في دفع آيات الله و إبطالها و موضع الذين نصب لأنه بدل من قوله « من هو مسرف » و يجوز أن يكون رفعا بتقديم هم « بغير سلطان » أي بغير حجة « أتيهم كبر مقتا عند الله » أي كبر ذلك الجدال منهم عداوة عند الله « و عند الذين آمنوا » بالله و المعنى مقته الله تعالى و لعنه و أعد له العذاب و مقته المؤمنون و أبغضوه بذلك الجدال و أنتم جادلتم و خاصمتم في رد آيات الله مثلهم فاستحققتم ذلك « كذلك » أي مثل ما طبع على قلوب أولئك بأن ختم عليها علامة لكفرهم « يطبع الله على كل قلب متكبر جبار » يفعل ذلك عقوبة له على كفره و الجبار صفة للمتكبر و هو الذي يأنف من قبول الحق قيل و هو القتال .
وَ قَالَ فِرْعَوْنُ يَهَمَنُ ابْنِ لى صرْحاً لَّعَلى أَبْلُغُ الأَسبَب(36) أَسبَب السمَوَتِ فَأَطلِعَ إِلى إِلَهِ مُوسى وَ إِنى لأَظنُّهُ كذِباً وَ كذَلِك زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سوءُ عَمَلِهِ وَ صدَّ عَنِ السبِيلِ وَ مَا كيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فى تَبَاب(37) وَ قَالَ الَّذِى ءَامَنَ يَقَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكمْ سبِيلَ الرَّشادِ(38) يَقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَوةُ الدُّنْيَا مَتَعٌ وَ إِنَّ الاَخِرَةَ هِىَ دَارُ الْقَرَارِ(39) مَنْ عَمِلَ سيِّئَةً فَلا يجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَ مَنْ عَمِلَ صلِحاً مِّن ذَكر أَوْ أُنثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئك يَدْخُلُونَ الجَْنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيرِ حِساب(40)

مجمع البيان ج : 8 ص : 815

القراءة

قرأ حفص « فأطلع » بالنصب و الباقون بالرفع و اختلافهم في « صد عن السبيل » و في « يدخلون الجنة » قد تقدم ذكره .

الحجة

من رفع فأطلع فعلى معنى لعلي أبلغ و لعلي أطلع و مثله قوله لعله يزكى أو يذكر و ليس بجواب و من نصب جعله جوابا بالفاء لكلام غير موجب و المعنى إني إذا بلغت و اطلعت و مما يقوي بناء الفعل للفاعل في صد قوله الذين كفروا و صدوا عن سبيل الله و في موضع آخر و يصدون عن سبيل الله فكذلك « و صد عن السبيل » ينبغي أن يكون الفعل فيه مبنيا للفاعل و من ضم الصاد فلأن ما قبله مبني للمفعول به و هو قوله « و كذلك زين لفرعون سوء عمله » .

اللغة

الصرح البناء الظاهر الذي لا يخفى على عين الناظر و إن بعد و هو من التصريح بالأمر و هو إظهاره بأتم الإظهار و السبب كل ما يتوصل به إلى شيء يبعد عنك و جمعه الأسباب و التباب الخسار و الهلاك بالانقطاع .

المعنى

ثم بين سبحانه ما موه به فرعون على قومه لما وعظه المؤمن و خوفه من قتل موسى و انقطعت حجته بقوله « و قال فرعون يا هامان » و هو وزيره و صاحب أمره « ابن لي صرحا » أي قصرا مشيدا بالآجر و قيل مجلسا عاليا عن الحسن « لعلي أبلغ الأسباب » ثم فسر تلك الأسباب فقال « أسباب السموات » و المعنى لعلي أبلغ الطرق من سماء إلى سماء عن السدي و قيل أبلغ أبواب طرق السموات عن قتادة و قيل منازل السموات عن ابن عباس و قيل لعلي أتسبب و أتوصل به إلى مرادي و إلى علم ما غاب عني ثم بين مراده فقال « أسباب السموات » « فأطلع إلى إله موسى » أي فانظر إليه فأراد به التلبيس على الضعفة مع علمه باستحالة ذلك عن الحسن و قيل أراد فأصل إلى إله موسى فغلبه الجهل و اعتقد أن الله سبحانه في السماء و أنه يقدر على بلوغ السماء « و إني لأظنه كاذبا » معناه و إني لأظن موسى كاذبا في قوله إن له إلها غيري أرسله إلينا « و كذلك » أي مثل ما زين لهؤلاء الكفار سوء أعمالهم « زين لفرعون سوء عمله » أي قبيح عمله و إنما زين له ذلك أصحابه و جلساؤه و زين له
مجمع البيان ج : 8 ص : 816
الشيطان كما قال و زين لهم الشيطان أعمالهم « و صد عن السبيل » و من ضم الصاد فالمعنى أنه صده غيره و من فتح فالمعنى أنه صد نفسه أو صد غيره « و ما كيد فرعون » في إبطال آيات موسى « إلا في تباب » أي هلاك و خسار لا ينفعه ثم عاد الكلام إلى ذكر نصيحة مؤمن آل فرعون و هو قوله « و قال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد » أي طريق الهدى و هو الإيمان بالله و توحيده و الإقرار بموسى و قيل إن هذا القائل موسى أيضا عن الجبائي « يا قوم إنما هذه الحيوة الدنيا متاع » أي انتفاع قليل ثم يزول و ينقطع و يبقى وزره و آثامه « و أن الآخرة هي دار القرار » أي دار الإقامة التي يستقر الخلائق فيها فلا تغتروا بالدنيا الفانية و لا تؤثروها على الدار الباقية « من عمل سيئة فلا يجزي إلا مثلها » أي من عمل معصية فلا يجزي إلا مقدار ما يستحقه عليها من العقاب لا أكثر من ذلك « و من عمل صالحا من ذكر أو أنثى و هو مؤمن » مصدق بالله و أنبيائه شرط الإيمان في قبول العمل الصالح « فأولئك يدخلون الجنة يرزقون بغير حساب » أي زيادة على ما يستحقونه تفضلا من الله تعالى و لو كان على مقدار العمل فقط لكان بحساب و قيل معناه لا تبعة عليهم فيما يعطون من الخير في الجنة عن مقاتل قال الحسن هذا كلام مؤمن آل فرعون و يحتمل أن يكون كلام الله تعالى إخبارا عن نفسه .
* وَ يَقَوْمِ مَا لى أَدْعُوكمْ إِلى النَّجَوةِ وَ تَدْعُونَنى إِلى النَّارِ(41) تَدْعُونَنى لأَكفُرَ بِاللَّهِ وَ أُشرِك بِهِ مَا لَيْس لى بِهِ عِلْمٌ وَ أَنَا أَدْعُوكمْ إِلى الْعَزِيزِ الْغَفَّرِ(42) لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنى إِلَيْهِ لَيْس لَهُ دَعْوَةٌ فى الدُّنْيَا وَ لا فى الاَخِرَةِ وَ أَنَّ مَرَدَّنَا إِلى اللَّهِ وَ أَنَّ الْمُسرِفِينَ هُمْ أَصحَب النَّارِ(43) فَستَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكمْ وَ أُفَوِّض أَمْرِى إِلى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرُ بِالْعِبَادِ(44) فَوَقَاهُ اللَّهُ سيِّئَاتِ مَا مَكرُوا وَ حَاقَ بِئَالِ فِرْعَوْنَ سوءُ الْعَذَابِ(45) النَّارُ يُعْرَضونَ عَلَيهَا غُدُوًّا وَ عَشِيًّا وَ يَوْمَ تَقُومُ الساعَةُ أَدْخِلُوا ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشدَّ الْعَذَابِ(46)

مجمع البيان ج : 8 ص : 817

القراءة

قرأ أهل المدينة و الكوفة إلا أبا بكر و يعقوب « أدخلوا » بقطع الهمزة و كسر الخاء و الباقون بالوصل و ضم الخاء .

الحجة

قال أبو علي القول مراد في الوجهين جميعا كأنه قال يقال أدخلوهم و يقال أدخلوا فمن قال أدخلوا كان « آل فرعون » مفعولا به و « أشد العذاب » مفعولا ثانيا و التقدير إرادة حرف الجر ثم حذف كما أنك إذا قلت دخل زيد الدار كان معناه في الدار كما أن خلافه الذي هو خرج كذلك في التقدير و كذلك قوله لتدخلن المسجد الحرام و من قال « أدخلوا آل فرعون » كان انتصاب آل فرعون على النداء و أشد العذاب في موضع مفعول به و حذف الجار فانتصب انتصاب المفعول به و حجة من قال أدخلوا قوله ادخلوا الجنة أنتم و أزواجكم تحبرون و ادخلوها بسلام آمنين و ادخلوا أبواب جهنم و حجة من قال « أدخلوا » أنه أمر بهم فأدخلوا .

المعنى

ثم قال « يا قوم ما لي » أي ما لكم كما يقول الرجل ما لي أراك حزينا معناه ما لك و معناه أخبروني عنكم كيف هذه الحال « أدعوكم إلى النجوة » من النار بالإيمان بالله « و تدعونني إلى النار » أي إلى الشرك الذي يوجب النار و من دعا إلى سبب الشيء فقد دعا إليه ثم فسر الدعوتين بقوله « تدعونني لأكفر بالله و أشرك به ما ليس لي به علم » و لا يجوز حصول العلم به إذ لا يجوز قيام الدلالة على إثبات شريك الله تعالى لا من طريق السمع و لا من طريق العقل « و أنا أدعوكم إلى العزيز الغفار » أي إلى عبادة القادر الذي لا يقهر و لا يمنع فينتقم من كل كفار عنيد الغافر لذنوب من يشاء من أهل التوحيد « لا جرم » قيل معناه حقا مقطوعا به من الجرم و هو القطع قال الزجاج حكاية عن الخليل هو رد الكلام و المعنى وجب و حق « أنما تدعونني إليه ليس له دعوة » أي وجب بطلان دعوته يقول لا بد إنما تدعونني إليه من عبادة الأصنام أو عبادة فرعون ليس له دعوة نافعة « في الدنيا و لا في الآخرة » فأطلق أنه ليس له دعوة ليكون أبلغ و إن توهم جاهل أن له دعوة ينتفع بها فإنه لا يتعد بذلك لفساده و تناقضه و قيل معناه ليست لهذه الأصنام استجابة دعوة أحد في الدنيا و لا في الآخرة فحذف المضاف عن السدي و قتادة و الزجاج و قيل معناه ليست له دعوة في الدنيا لأن الأصنام لا تدعو إلى عبادتها فيها و لا في الآخرة لأنها تبرأ من عبادها فيها « و أن مردنا إلى الله » أي و وجب أن مرجعنا و مصيرنا إلى الله فيجازي كلا بما يستحقه « و أن المسرفين » أي و وجب أن المسرفين الذين أسرفوا على أنفسهم بالشرك و سفك الدماء بغير حقها « هم أصحاب النار » الملازمون لها ثم قال لهم على وجه التخويف و الوعظ « فستذكرون » صحة
مجمع البيان ج : 8 ص : 818
« ما أقول لكم » إذا حصلتم في العذاب يوم القيامة و قيل معناه فستذكرون عند نزول العذاب بكم ما أقول لكم من النصيحة « و أفوض أمري إلى الله » أي أسلم أمري إلى الله و أتوكل عليه و أعتمد على لطفه و الأمر اسم جنس « إن الله بصير بالعباد » أي عالم بأحوالهم و بما يفعلونه من طاعة و معصية و أظهر إيمانه بهذا القول « فوقيه الله سيئات ما مكروا » أي صرف الله عنه سوء مكرهم فنجا مع موسى حتى عبر البحر معه عن قتادة و قيل إنهم هموا بقتله فهرب إلى جبل فبعث فرعون رجلين في طلبه فوجداه قائما يصلي و حوله الوحوش صفوفا فخافا و رجعا هاربين « و حاق ب آل فرعون » أي أحاط و نزل بهم « سوء العذاب » أي مكروهه و ما يسوء منه و آل فرعون أشياعه و أتباعه و قيل من كان على دينه عن الحسن و إنما ذكر آله و لم يذكره لأنهم إذا هلكوا بسببه فكيف يكون حاله و سوء العذاب في الدنيا الغرق و في الآخرة النار و ذلك قوله « النار يعرضون عليها غدوا و عشيا » أي يعرض آل فرعون على النار في قبورهم صباحا و مساء فيعذبون و إنما رفع النار بدلا من قوله « سوء العذاب » و عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة و العشي أن كان من أهل الجنة فمن الجنة و إن كان من أهل النار فمن النار يقال هذا مقعدك حين يبعثك الله يوم القيامة أورده البخاري و مسلم في الصحيحين و قال أبو عبد الله (عليه السلام) ذلك في الدنيا قبل يوم القيامة لأن في النار القيامة لا يكون غدو و عشي ثم قال إن كانوا يعذبون في النار غدوا و عشيا ففيما بين ذلك هم من السعداء لا و لكن هذا في البرزخ قبل يوم القيامة أ لم تسمع قوله عز و جل « و يوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب » و هذا أمر لآل فرعون بالدخول أو أمر للملائكة بإدخالهم في أشد العذاب و هو عذاب جهنم .
وَ إِذْ يَتَحَاجُّونَ فى النَّارِ فَيَقُولُ الضعَفَؤُا لِلَّذِينَ استَكبرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ النَّارِ(47) قَالَ الَّذِينَ استَكبرُوا إِنَّا كلُّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَينَ الْعِبَادِ(48) وَ قَالَ الَّذِينَ فى النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يخَفِّف عَنَّا يَوْماً مِّنَ الْعَذَابِ(49) قَالُوا أَ وَ لَمْ تَك تَأْتِيكُمْ رُسلُكم بِالْبَيِّنَتِ قَالُوا بَلى قَالُوا فَادْعُوا وَ مَا دُعَؤُا الْكفِرِينَ إِلا فى ضلَل(50)

مجمع البيان ج : 8 ص : 819

اللغة

التبع يصلح أن يكون مصدرا يقال تبع تبعا و يجوز أن يكون جمع تابع نحو خادم و خدم و خائل و خول و غائب و غيب .

الإعراب

« أ و لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات » التقدير أ و لم تك القصة و تأتيكم رسلكم تفسير القصة فاسم كان مضمر .

المعنى

ثم ذكر سبحانه ما يجري بين أهل النار من التحاج فقال « و إذ يتحاجون في النار » معناه و اذكر يا محمد لقومك الوقت الذي يتحاج فيه أهل النار في النار و يتخاصم الرؤساء و الأتباع « فيقول الضعفاء » و هم الأتباع « للذين استكبروا » و هم الرؤساء « إنا كنا لكم » معاشر الرؤساء « تبعا » و كنا نمتثل أمركم و نجيبكم إلى ما تدعوننا إليه « فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار » لأنه يلزم الرئيس الدفع عن أتباعه و المنقادين لأمره أي هل أنتم حاملون عنا قسطا من النار و العذاب الذي نحن فيه « قال الذين استكبروا إنا كل فيها » أي نحن و أنتم في النار و كل فيها مبتدأ و خبر في موضع رفع بأنه خبر إن و يجوز أن يكون كل خبر إن المعنى أنا مجتمعون في النار « إن الله قد حكم بين العباد » بذلك و بأن لا يتحمل أحد عن أحد و أنه يعاقب من أشرك به و عبد معه غيره لا محالة « و قال الذين في النار » أي حصلوا في النار من الأتباع و المتبوعين « لخزنة جهنم » و هم الذين يتولون عذاب أهل النار من الملائكة الموكلين بهم « ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب » يقولون ذلك لأنه لا طاقة لهم على شدة العذاب و لشدة جزعهم إلا أنهم يطمعون في التخفيف لأن معارفهم ضرورية يعلمون أن عقابهم لا ينقطع و لا يخفف عنهم « قالوا » أي قال الخزنة لهم « أ و لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات » أي الحجج و الدلالات على صحة التوحيد و النبوات أي فكفرتم و عاندتم حتى استحققتم هذا العذاب « قالوا بلى » جاءتنا الرسل و البينات فكذبناهم و جحدنا نبوتهم « قالوا فادعوا » أي قالت الخزنة فادعوا أنتم فإنا لا ندعو إلا بإذن و لم يؤذن لنا فيه و قيل إنما قالوا ذلك استخفافا بهم و قيل معناه فادعوا بالويل و الثبور « و ما دعاء الكافرين إلا في ضلال » أي في ضياع لأنه لا ينتفع به .

مجمع البيان ج : 8 ص : 820
إِنَّا لَنَنصرُ رُسلَنَا وَ الَّذِينَ ءَامَنُوا فى الحَْيَوةِ الدُّنْيَا وَ يَوْمَ يَقُومُ الأَشهَدُ(51) يَوْمَ لا يَنفَعُ الظلِمِينَ مَعْذِرَتهُمْ وَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سوءُ الدَّارِ(52) وَ لَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسى الْهُدَى وَ أَوْرَثْنَا بَنى إِسرءِيلَ الْكتَب(53) هُدًى وَ ذِكرَى لأُولى الأَلْبَبِ(54) فَاصبرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقُّ وَ استَغْفِرْ لِذَنبِك وَ سبِّحْ بحَمْدِ رَبِّك بِالْعَشىِّ وَ الابْكرِ(55)

القراءة

قرأ أبو جعفر و ابن كثير و ابن عامر و أهل البصرة يوم لا تنفع بالتاء و الباقون بالياء .

الحجة

و الوجهان حسنان لأن المعذرة و الاعتذار بمعنى كما أن الوعظ و الموعظة كذلك .

الإعراب

« يوم يقوم الأشهاد » محمول على موضع قوله « في الحياة الدنيا » كما يقال جئتك أمس و اليوم .

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن نفسه بأنه ينصر رسله و من صدقهم فقال « إنا لننصر رسلنا و الذين آمنوا في الحيوة الدنيا » أي ننصرهم بوجوه النصر فإن النصر قد يكون بالحجة و يكون أيضا بالغلبة في المحاربة و ذلك بحسب ما تقتضيه الحكمة و يعلمه سبحانه من المصلحة و يكون أيضا بالألطاف و التأييد و تقوية القلب و يكون بإهلاك العدو و كل هذا قد كان للأنبياء و المؤمنين من قبل الله تعالى فهم منصورون بالحجة على من خالفهم و قد نصروا أيضا بالقهر على من ناواهم و قد نصروا بإهلاك عدوهم و إنجائهم مع من آمن معهم و قد يكون النصر بالانتقام لهم كما نصر يحيى بن زكريا لما قتل حين قتل به سبعون ألفا فهم لا محالة منصورون في الدنيا بأحد هذه الوجوه « و يوم يقوم الأشهاد » جمع شاهد مثل الأصحاب جمع صاحب هم الذين يشهدون بالحق للمؤمنين و على المبطلين و الكافرين يوم القيامة و في ذلك سرور للمحق و فضيحة للمبطل في ذلك الجمع العظيم و قيل هم الملائكة و الأنبياء و المؤمنون عن قتادة و قيل هم الحفظة من الملائكة عن مجاهد يشهدون للرسل بالتبليغ و على الكفار بالتكذيب و قيل هم الأنبياء وحدهم يشهدون للناس و عليهم ثم أخبر سبحانه عن ذلك اليوم فقال « يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم » أي إن اعتذروا من كفرهم لم يقبل منهم و إن تابوا لم تنفعهم التوبة و إنما نفى أن تنفعهم المعذرة في الآخرة مع كونها نافعة في دار الدنيا
مجمع البيان ج : 8 ص : 821
لأن الآخرة دار الإلجاء إلى العمل و الملجأ غير محمود على العمل الذي ألجىء إليه « و لهم اللعنة » أي البعد من الرحمة و الحكم عليهم بدوام العقاب « و لهم سوء الدار » جهنم نعوذ بالله منها ثم بين سبحانه نصرته موسى و قومه فقال « و لقد آتينا موسى الهدى » أي أعطيناه التوراة فيها أدلة واضحة على معرفة الله و توحيده « و أورثنا بني إسرائيل الكتاب » أي و أورثنا من بعد موسى بني إسرائيل التوراة و ما فيه من البيان « هدى » أي هو هدى أي دلالة يعرفون بها معالم دينهم « و ذكرى لأولي الألباب » أي و تذكير لأولي العقول لأنهم الذين يتمكنون من الانتفاع به دون من لا عقل له و يجوز أن يكون هدى و ذكرى منصوبين على أن يكونا مصدرين وضعا موضع الحال من الكتاب بمعنى هاديا و مذكرا و يجوز أن يكون بمعنى المفعول له أي للهدى و التذكير ثم أمر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالصبر فقال « فاصبر » يا محمد على أذى قومك و تحمل المشاق في تكذيبهم إياك « إن وعد الله » الذي وعدك به من النصر في الدنيا و الثواب في الآخرة « حق » لا خلف فيه « و استغفر لذنبك » من جوز الصغائر على الأنبياء قال معناه اطلب المغفرة من الله على صغيرة وقعت منك و لعظيم نعمته على الأنبياء كلفهم التوبة من الصغائر و من لا يجوز ذلك عليهم و هو الصحيح قال هذا تعبد من الله سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالدعاء و الاستغفار لكي يزيد في الدرجات و ليصير سنة لمن بعده « و سبح بحمد ربك » أي نزه الله تعالى و اعترف بشكره و إضافة النعم إليه و نفي التشبيه عنه و قيل نزه صفاته عن صفات المحدثين و نزه أفعاله عن أفعال الظالمين و قيل معناه صل بأمر ربك « بالعشي » من زوال الشمس إلى الليل « و الإبكار » من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس عن مجاهد و قيل يريد الصلوات الخمس عن ابن عباس و روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال قال الله جل جلاله يا ابن آدم اذكرني بعد الغداة ساعة و بعد العصر ساعة أكفك ما أهمك .
إِنَّ الَّذِينَ يجَدِلُونَ فى ءَايَتِ اللَّهِ بِغَيرِ سلْطن أَتَاهُمْ إِن فى صدُورِهِمْ إِلا كبرٌ مَّا هُم بِبَلِغِيهِ فَاستَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السمِيعُ الْبَصِيرُ(56) لَخَلْقُ السمَوَتِ وَ الأَرْضِ أَكبرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَ لَكِنَّ أَكثرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ(57) وَ مَا يَستَوِى الأَعْمَى وَ الْبَصِيرُ وَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ وَ لا الْمُسىءُ قَلِيلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ(58) إِنَّ الساعَةَ لاَتِيَةٌ لا رَيْب فِيهَا وَ لَكِنَّ أَكثرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ(59) وَ قَالَ رَبُّكمُ ادْعُونى أَستَجِب لَكمْ إِنَّ الَّذِينَ يَستَكْبرُونَ عَنْ عِبَادَتى سيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ(60)

مجمع البيان ج : 8 ص : 822

القراءة

قرأ أهل الكوفة « تتذكرون » بالتاء و الباقون بالياء و قرأ أبو جعفر و ابن كثير و أبو بكر غير الشموني و سهل سيدخلون بضم الياء و فتح الخاء و الباقون بفتح الياء و ضم الخاء .

الحجة

التاء على قل لهم قليلا ما تتذكرون و الياء على أن الكفار قليلا ما يتذكرون و قوله « سيدخلون » الوجه في القراءتين ظاهر .

النزول

نزل قوله « إن الذين يجادلون في آيات الله » الآية في اليهود لأنهم كانوا يقولون سيخرج المسيح الدجال فنعينه على محمد و أصحابه و نستريح منهم و يرد الملك إلينا عن أبي العالية .

المعنى

ثم قال سبحانه « إن الذين يجادلون » أي يخاصمون « في آيات الله » أي في دفع آيات الله و إبطالها « بغير سلطان » أي حجة « أتيهم » الله إياها يتسلط بها على إنكار مذهب يخالف مذهبهم « إن في صدورهم إلا كبر » أي ليس في صدورهم إلا عظمة و تكبر على محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و جبرية « ما هم ببالغيه » أي ما هم ببالغي مقتضى تلك العظمة لأن الله تعالى مذلهم و قيل معناه كبر بحسدك على النبوة التي أكرمك الله بها ما هم ببالغيه لأن الله تعالى يرفع بشرف النبوة من يشاء و قيل ما هم ببالغي وقت خروج الدجال « فاستعذ بالله » من شر اليهود و الدجال و من جميع ما يجب الاستعاذة منه « إنه هو السميع » لأقوال هؤلاء « البصير » بضمائرهم و في هذا تهديد لهم فيما أقدموا عليه ثم قال

مجمع البيان ج : 8 ص : 823

سبحانه « لخلق السماوات و الأرض » مع عظمهما و كثرة أجزائهما و وقوفهما بغير عمد و جريان الفلك و الكواكب من غير سبب « أكبر » أي أعظم و أهول في النفس « من خلق الناس » و إن كان خلق الناس عظيما بما فيه من الحياة و الحواس المهياة لأنواع مختلفة من الإدراكات « و لكن أكثر الناس لا يعلمون » لعدولهم عن الفكر فيه و الاستدلال على صحته و المعنى أنهم إذا أقروا بأن الله تعالى خلق السماء و الأرض فكيف أنكروا قدرته على إحياء الموتى و لكنهم أعرضوا عن التدبر فحلوا محل الجاهل الذي لا يعلم شيئا « و ما يستوي الأعمى و البصير » أي لا يستوي من أهمل نفسه و من تفكر فعرف الحق شبه الذي لا يتفكر في الدلائل بالأعمى و الذي يستدل بها بالبصير « و الذين آمنوا و عملوا الصالحات و لا المسيء » أي و ما يستوي المؤمنون الصالحون و لا الكافر الفاسق في الكرامة و الإهانة و الهدى و الضلال « قليلا ما تتذكرون » يجوز أن تكون ما مزيدة و يجوز أن تكون مصدرية فيكون تقديره قليلا تذكرهم أي قل نظرهم فيما ينبغي أن ينظروا فيه مما دعوا إليه « إن الساعة » يعني القيامة « لآتية » أي جائية واقعة « لا ريب فيها » أي لا شك في مجيئها « و لكن أكثر الناس لا يؤمنون » أي لا يصدقون بذلك لجهلهم بالله تعالى و شكهم في إخباره « و قال ربكم ادعوني أستجب لكم » يعني إذا اقتضت المصلحة إجابتكم و كل من يسأل الله شيئا و يدعوه فلا بد أن يشترط المصلحة في ذلك إما لفظا أو إضمارا و إلا كان قبيحا لأنه ربما كان داعيا بما يكون فيه مفسدة و لا يشترط انتفاؤها فيكون قبيحا و قيل معناه وحدوني و اعبدوني أثبكم عن ابن عباس و يدل عليه قول النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) الدعاء هو العبادة و لما عبر عن العبادة بالدعاء جعل الإثابة استجابة ليتجانس اللفظ « إن الذين يستكبرون عن عبادتي » و دعائي « سيدخلون جهنم داخرين » أي صاغرين ذليلين و في الآية دلالة على عظم قدر الدعاء عند الله تعالى و على فضل الانقطاع إليه و قد روى معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) جعلني الله فداك ما تقول في رجلين دخلا المسجد جميعا كان أحدهما أكثر صلاة و الآخر دعاء فأيهما أفضل قال كل حسن قلت قد علمت و لكن أيهما أفضل قال أكثرهما دعاء أ ما تسمع قول الله تعالى « ادعوني أستجب لكم » إلى آخر الآية و قال هي العبادة الكبرى و روى زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في هذه الآية قال هو الدعاء و أفضل العبادة الدعاء و روى حنان بن سدير عن أبيه قال قلت لأبي جعفر أي العبادة أفضل قال ما من شيء أحب إلى الله من أن يسأل و يطلب ما عنده و ما أحد أبغض إلى الله عز و جل ممن يستكبر عن عبادته و لا يسأل ما عنده .

مجمع البيان ج : 8 ص : 824

اللَّهُ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ لِتَسكُنُوا فِيهِ وَ النَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضل عَلى النَّاسِ وَ لَكِنَّ أَكثرَ النَّاسِ لا يَشكُرُونَ(61) ذَلِكمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَلِقُ كلِّ شىْء لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنى تُؤْفَكُونَ(62) كَذَلِك يُؤْفَك الَّذِينَ كانُوا بِئَايَتِ اللَّهِ يجْحَدُونَ(63) اللَّهُ الَّذِى جَعَلَ لَكمُ الأَرْض قَرَاراً وَ السمَاءَ بِنَاءً وَ صوَّرَكمْ فَأَحْسنَ صوَرَكمْ وَ رَزَقَكُم مِّنَ الطيِّبَتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكمْ فَتَبَارَك اللَّهُ رَب الْعَلَمِينَ(64) هُوَ الْحَىُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الحَْمْدُ للَّهِ رَب الْعَلَمِينَ(65)

المعنى

ثم ذكر سبحانه ما يدل على توحيده قال « الله الذي جعل لكم » معاشر الخلق « الليل » و هو ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر الثاني « لتسكنوا فيه » أي و غرضه في خلق الليل سكونكم و استراحتكم فيه من كد النهار و تعبه « و النهار مبصرا » أي و جعل لكم النهار و هو ما بين طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس مضيئا تبصرون فيه مواضع حاجاتكم فجعل سبحانه النهار مبصرا لما كان يبصر فيه المبصرون « إن الله لذو فضل على الناس » بهذه النعم من غير استحقاق منهم لذلك و لا تقدم طلب « و لكن أكثر الناس لا يشكرون » أي و مع هذا فإن أكثر الناس لا يعترفون بهذه النعم بل يجحدونها و يكفرون بها ثم قال سبحانه مخاطبا لخلقه « ذلكم الله ربكم » أي الذي أظهر هذه الدلالات و أنعم بهذه النعم هو الله خالقكم و مالككم « خالق كل شيء » من السماوات و الأرض و ما بينهما « لا إله إلا هو » أي لا يستحق العبادة سواه « فأنى تؤفكون » أي فكيف تصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره مع وضوح الدلالة على توحيده ثم قال سبحانه « كذلك » أي مثل ما صرف و إفك هؤلاء « يؤفك الذين كانوا ب آيات الله يجحدون » و هم من تقدمهم من الكفار صرفهم أكابرهم و رؤساؤهم ثم عاد سبحانه إلى ذكر الأدلة على توحيده فقال « الله الذي جعل لكم الأرض قرارا » أي مستقرا تستقرون عليه « و السماء بناء » أي
مجمع البيان ج : 8 ص : 825
و جعل السماء بناء مرتفعا فوقها و لو جعلها رتقا لما أمكن الخلق الانتفاع بما بينهما ثم قال « و صوركم فأحسن صوركم » لأن صورة ابن آدم أحسن صور الحيوان و قال ابن عباس خلق ابن آدم قائما معتدلا يأكل بيده و يتناول بيده و كل من خلقه الله يتناول بفيه « و رزقكم من الطيبات » لأنه ليس شيء من الحيوان له طيبات المأكل و المشارب مثل ما خلق الله سبحانه لابن آدم فإن أنواع الطيبات و اللذات التي خلقها الله تعالى لهم من الثمار و فنون النبات و اللحوم و غير ذلك مما لا يحصى كثرة ثم قال « ذلكم الله ربكم » أي فاعل هذه الأشياء خالقكم « فتبارك الله رب العالمين » أي جل الله بأنه الدائم الثابت الذي لم يزل و لا يزال « هو الحي » معناه إن الذي أنعم عليكم بهذه النعم هو الحي على الإطلاق من غير علة و لا فاعل و لا بنية « لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين » أي مخلصين في دعائه و عبادته « الحمد لله رب العالمين » قال الفراء و هو خبر و فيه إضمار كأنه قال ادعوه و احمدوه على هذه النعم و قولوا الحمد لله رب العالمين و روى مجاهد عن ابن عباس قال من قال لا إله إلا الله فليقل على أثرها الحمد لله رب العالمين يريد قول الله « مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين » .
* قُلْ إِنى نُهِيت أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنىَ الْبَيِّنَت مِن رَّبى وَ أُمِرْت أَنْ أُسلِمَ لِرَب الْعَلَمِينَ(66) هُوَ الَّذِى خَلَقَكم مِّن تُرَاب ثمَّ مِن نُّطفَة ثمَّ مِنْ عَلَقَة ثمَّ يخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثمَّ لِتَبْلُغُوا أَشدَّكمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شيُوخاً وَ مِنكُم مَّن يُتَوَفى مِن قَبْلُ وَ لِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُّسمًّى وَ لَعَلَّكمْ تَعْقِلُونَ(67) هُوَ الَّذِى يُحْىِ وَ يُمِيت فَإِذَا قَضى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ(68) أَ لَمْ تَرَ إِلى الَّذِينَ يجَدِلُونَ فى ءَايَتِ اللَّهِ أَنى يُصرَفُونَ(69) الَّذِينَ كذَّبُوا بِالْكتَبِ وَ بِمَا أَرْسلْنَا بِهِ رُسلَنَا فَسوْف يَعْلَمُونَ(70)

مجمع البيان ج : 8 ص : 826

المعنى

ثم خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « قل » يا محمد لكفار قومك « إني نهيت » أي نهاني الله « أن أعبد الذين تدعون من دون الله » أي أوجه العبادة إلى من تدعونه من دون الله من الأصنام التي تجعلونها آلهة « لما جاءني البينات من ربي » أي حين أتاني الحجج و البراهين من جهة الله تعالى دلتني على ذلك « و أمرت » مع ذلك « أن أسلم لرب العالمين » أي استسلم لأمر رب العالمين الذي يملك تدبير الخلائق أجمعين ثم عاد إلى ذكر الأدلة فقال « هو الذي خلقكم » معاشر البشر « من تراب » أي خلق أباكم آدم من تراب و أنتم نسله و إليه تنتمون « ثم من نطفة » أي ثم أنشأ من ذلك الأصل الذي خلقه من تراب النطفة و هي ماء الرجل و المرأة « ثم من علقة » و هي قطعة من الدم « ثم يخرجكم طفلا » أي أطفالا واحدا واحدا فلذلك ذكره بالتوحيد قال يونس العرب تجعل الطفل للواحد و الجماعة قال الله تعالى « أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء » و المعنى ثم يقلبكم أطوارا إلى أن يخرجكم من أرحام الأمهات أطفالا صغارا « ثم لتبلغوا أشدكم » و هو حال استكمال القوة و هذا يحتمل أن يكون معطوفا على معنى قوله « ثم يخرجكم طفلا » لتنشاوا و تشبوا « ثم لتبلغوا أشدكم » و يحتمل أن يكون معطوفا على معنى قوله « يخرجكم طفلا » و التقدير لطفوليتكم ثم لتبلغوا أشدكم « ثم لتكونوا شيوخا » بعد ذلك « و منكم من يتوفى من قبل » أي من قبل أن يصير شيخا و من قبل أن يبلغ أشده « و لتبلغوا أجلا مسمى » أي و ليبلغ كل واحد منكم ما سمي له من الأجل الذي يموت عنده و قيل هذا للقرن الذي تقوم عليهم القيامة و الأجل المسمى هو القيامة عن الحسن « و لعلكم تعقلون » أي خلقكم لهذه الأغراض التي ذكرها و لكي تتفكروا في ذلك فتعقلوا ما أنعم الله به عليكم من أنواع النعم و أراده منكم من إخلاص العبادة ثم قال « هو الذي يحيي و يميت » أي من خلقكم من تراب على هذه الأوصاف التي ذكرها هو الذي يحييكم و هو الذي يميتكم فأولكم من تراب و آخركم إلى تراب « فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون » و معناه أنه يفعل ذلك من غير أن يتعذر و يمتنع عليه فهو بمنزلة ما يقال له كن فيكون لأنه سبحانه يخاطب المعدوم بالتكون « أ لم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله » يعني المشركين الذين يخاصمون في إبطال حجج الله و دفعها « أنى يصرفون » أي كيف و من أين يقلبون عن الطريق المستقيم إلى الضلال و لو كانوا يخاصمون في آيات الله بالنظر في صحتها و الفكر فيها لما ذمهم الله تعالى ثم وصفهم سبحانه فقال « الذين كذبوا بالكتاب » أي بالقرآن و جحدوه « و بما أرسلنا به رسلنا » أي و كذبوا بما أرسلنا به من الكتب و الشرائع رسلنا قبلك « فسوف يعلمون » عاقبة أمرهم إذ حل بهم وبال ما جحدوه و نزل بهم عقاب ما ارتكبوه
مجمع البيان ج : 8 ص : 827
فيعرفون إن ما دعوتهم إليه حق و ما ارتكبوه ضلال و فساد .
إِذِ الأَغْلَلُ فى أَعْنَقِهِمْ وَ السلَسِلُ يُسحَبُونَ(71) فى الحَْمِيمِ ثُمَّ فى النَّارِ يُسجَرُونَ(72) ثمَّ قِيلَ لهَُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشرِكُونَ(73) مِن دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضلُّوا عَنَّا بَل لَّمْ نَكُن نَّدْعُوا مِن قَبْلُ شيْئاً كَذَلِك يُضِلُّ اللَّهُ الْكَفِرِينَ(74) ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فى الأَرْضِ بِغَيرِ الْحَقِّ وَ بِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ(75)

القراءة

قرأ ابن مسعود و ابن عباس و السلاسل بفتح اللام يسحبون .

الحجة

قال ابن جني تقديره إذ الأغلال في أعناقهم و يسحبون السلاسل فعطف الجملة من الفعل و الفاعل على الجملة التي من المبتدأ و الخبر كما قد عودل إحداهما بالأخرى نحو قوله :
أ قيس بن مسعود بن قيس بن خالد
أ موف بادراع بن طيبة أم تذم أي أ أنت موف بها أم تذم فقابل بالمبتدإ و الخبر التي من الفعل الفاعل الجاري مجرى الفاعل .

اللغة

الأغلال جمع غل و هو طوق يدخل في العنق للذل و الألم و أصله الدخول يقال أنغل العنق في الشيء إذا دخل فيه و الغلول الخيانة لأنها تصير كالغل في عنق صاحبها السلاسل جمع سلسلة و هي الحلق منتظمة في جهة الطول مستمرة و السحب جر الشيء على الأرض هذا أصله و السجر أصله إلقاء الحطب في معظم النار كالتنور الذي يسجر بالوقود و الفرح و البطر و الأشر نظائر و المرح شدة الفرح و فرس مروح أي نشيط قال :
مجمع البيان ج : 8 ص : 828

و لا يثنى على الحدثان عرضي
و لا أرخي من المرح الأزارا .

الإعراب

يسحبون في موضع نصب على الحال تقديره مسحوبين على النار مسجونين فيها و العامل في إذ الأغلال قوله تعالى « فسوف يعلمون » إذا لم يوقف على يعلمون و وقف على السلاسل و من وقف على يعلمون فالعامل في إذ يسحبون .

المعنى

ثم قال سبحانه « إذ الأغلال في أعناقهم » أي يعلمون وبال أمرهم في حال تكون الأغلال في أعناقهم « و السلاسل يسحبون في الحميم » أي يجرون في الماء الحار الذي قد انتهت حرارته « ثم في النار يسجرون » أي ثم يقذفون في النار و يلقون فيها و قيل معناه ثم يصيرون وقود النار عن مجاهد و المعنى توقد بهم النار « ثم قيل لهم » أي لهؤلاء الكفار إذا دخلوا النار على وجه التوبيخ « أين ما كنتم تشركون من دون الله » أي أين ما كنتم تزعمون أنها تنفع و تضر من أصنامكم التي عبدتموها « قالوا ضلوا عنا » أي ضاعوا عنا و هلكوا فلا نراهم و لا نقدر عليهم ثم يستدركون فيقولون « بل لم نكن ندعو من قبل شيئا » و المعنى لم نكن ندعو شيئا يستحق العبادة و لا ما ننتفع بعبادته عن الجبائي و قيل بل لم نكن ندعو شيئا ينفع و يضر و يسمع و يبصر قال أبو مسلم و هذا كما يقال لكل ما لا يغني شيئا هذا ليس بشيء لأن قولهم ضلوا عنا اعتراف بعبادتهم و لأن الآخرة دار إلجاء فهم ملجئون إلى ترك القبيح و قيل معناه ضاعت عباداتنا لهم فلم نكن نصنع شيئا إذ عبدناها كما يقول المتحسر ما فعلت شيئا « كذلك يضل الله الكافرين » معناه كما أضل الله أعمال هؤلاء و أبطل ما كانوا يؤملونه كذلك يفعل بجميع من يتدين بالكفر فلا ينتفعون بشيء من أعمالهم و قيل يضل الله أعمالهم أي يبطلها عن الحسن و قيل يضل الكافرين عن طريق الجنة و الثواب كما أضلهم عما اتخذوه إلها بأن صرفهم عن الطمع في نيل منفعة من جهتها عن الجبائي « ذلكم » العذاب الذي نزل بكم « بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق و بما كنتم تمرحون » قيد الفرح و أطلق المرح لأن الفرح قد يكون بحق فيحمد عليه و قد يكون بالباطل فيذم عليه و المرح لا يكون إلا باطلا و معناه أن ما فعل بكم جزاء بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق أي بما كان يصيب أنبياء الله تعالى و أولياءه من المكاره « و بما كنتم تمرحون » أي تأشرون و تبطرون .

مجمع البيان ج : 8 ص : 829
ادْخُلُوا أَبْوَب جَهَنَّمَ خَلِدِينَ فِيهَا فَبِئْس مَثْوَى الْمُتَكَبرِينَ(76) فَاصبرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقُّ فَإِمَّا نُرِيَنَّك بَعْض الَّذِى نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّك فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ(77) وَ لَقَدْ أَرْسلْنَا رُسلاً مِّن قَبْلِك مِنْهُم مَّن قَصصنَا عَلَيْك وَ مِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصص عَلَيْك وَ مَا كانَ لِرَسول أَن يَأْتىَ بِئَايَة إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضىَ بِالحَْقِّ وَ خَسِرَ هُنَالِك الْمُبْطِلُونَ(78) اللَّهُ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الأَنْعَمَ لِترْكبُوا مِنهَا وَ مِنهَا تَأْكلُونَ(79) وَ لَكُمْ فِيهَا مَنَفِعُ وَ لِتَبْلُغُوا عَلَيهَا حَاجَةً فى صدُورِكمْ وَ عَلَيْهَا وَ عَلى الْفُلْكِ تحْمَلُونَ(80)

المعنى

ثم حكى سبحانه عن هؤلاء الكفار إنه يقال لهم « أدخلوا أبواب جهنم » و هي سبعة أبواب « خالدين فيها » أي مؤبدين فيها لا انقطاع لكربكم فيها و لا نهاية لعقابكم و قيل إنما جعل لجهنم أبواب كما جعل لها دركات تشبيها بما يتصور الإنسان في الدنيا من المطابق و السجون و المطامير فإن ذلك أهول و أعظم في الزجر « فبئس مثوى المتكبرين » أي بئس مقام الذين تكبروا عن عبادة الله تعالى و تجبروا عن الانقياد له و إنما أطلق عليه اسم بئس و إن كان حسنا لأن الطبع ينفر عنه كما ينفر العقل عن القبيح فحسن لهذه العلة اسم بئس عليه ثم قال سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) « فاصبر » يا محمد على أذى قومك لك و تكذيبهم إياك و معناه اثبت على الحق فسماه صبرا للمشقة التي تلحق به كما تلحق بتجرع المر و لذلك لا يوصف أهل الجنة بالصبر و إن وصفوا بالثبات على الحق و إن كان في الوصف به في الدنيا فضل و لكنهم يوصفون بالحلم لأنه مدح ليس فيه صفة نقص « إن وعد الله
مجمع البيان ج : 8 ص : 830
حق » معناه أن ما وعد الله به المؤمنين على الصبر من الثواب في الجنة حق لا شك فيه بل هو كائن لا محالة و قيل إن وعد الله بالنصر لأنبيائه و الانتقام من أعدائه حق و صدق لا خلف فيه « فإما نرينك بعض الذي نعدهم » من العذاب في حياتك و إنما قال بعض الذي نعدهم لأن المعجل من عذابهم في الدنيا هو بعض ما يستحقونه « أو نتوفينك » قبل أن يحل بهم ذلك « فإلينا يرجعون » يوم القيامة فتفعل بهم ما يستحقونه من العقاب و لا يفوتوننا ثم زاد سبحانه في تسلية النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بقوله « و لقد أرسلنا رسلا من قبلك » يا محمد « منهم من قصصنا عليك » قصصهم و أخبارهم « و منهم من لم نقصص عليك » أخبارهم و قيل معناه منهم من تلونا عليك ذكره و منهم من لم نتل عليك ذكره و روي عن علي (عليه السلام) أنه قال بعث الله نبيا أسود لم يقص علينا قصته و اختلفت الأخبار في عدد الأنبياء فروي في بعضها أن عددهم مائة ألف و أربعة و عشرون ألفا و في بعضها أن عددهم ثمانية آلاف نبي أربعة آلاف من بني إسرائيل و أربعة آلاف من غيرهم « و ما كان لرسول أن يأتي ب آية » أي بمعجزة و دلالة « إلا بإذن الله » و أمره و المعنى إن الإتيان بالمعجزات ليس إلى الرسول و لكنه إلى الله تعالى يأتي بها على وجه المصلحة « فإذا جاء أمر الله » و هو القيامة « قضي بالحق » بين المسلمين و الكفار و الأبرار و الفجار « و خسر هنالك » عند ذلك « المبطلون » لأنهم يخسرون الجنة و يحصلون في النار بدلا منها و ذلك هو الخسران المبين و المبطل صاحب الباطل ثم عدد سبحانه نعمه على خلقه فقال « الله الذي جعل لكم الأنعام » من الإبل و البقر و الغنم « لتركبوا منها » أي لتنتفعوا بركوبها « و منها تأكلون » يعني أن بعضها للركوب و الأكل كالإبل و البقر و بعضها للأكل كالأغنام و قيل المراد بالأنعام هاهنا الإبل خاصة لأنها التي تركب و يحمل عليها في أكثر العادات و اللام في قوله « لتركبوا » لام الغرض و إذا كان الله تعالى خلق هذه الأنعام و أراد أن ينتفع خلقه بها و كان جل جلاله لا يريد القبيح و لا المباح فلا بد أن يكون أراد انتفاعهم بها على وجه القربة إليه و الطاعة له « و لكم فيها منافع » يعني من جهة ألبانها و أصوافها و أوبارها و أشعارها « و لتبلغوا عليها حاجة في صدوركم » بأن تركبوها و تبلغوا المواضع التي تقصدونها بحوائجكم « و عليها » أي و على الأنعام و هي الإبل هنا « و على الفلك » أي و على السفن « تحملون » يعني على الإبل في البر و على الفلك في البحر تحملون في الأسفار علم الله سبحانه أنا نحتاج إلى أن نسافر في البر و البحر فخلق لنا مركبا للبر و مركبا للبحر .
وَ يُرِيكُمْ ءَايَتِهِ فَأَى ءَايَتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ(81) أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فى الأَرْضِ فَيَنظرُوا كَيْف كانَ عَقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كانُوا أَكثرَ مِنهُمْ وَ أَشدَّ قُوَّةً وَ ءَاثَاراً فى الأَرْضِ فَمَا أَغْنى عَنهُم مَّا كانُوا يَكْسِبُونَ(82) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسلُهُم بِالْبَيِّنَتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَ حَاقَ بِهِم مَّا كانُوا بِهِ يَستهْزِءُونَ(83) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسنَا قَالُوا ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَ كفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشرِكِينَ(84) فَلَمْ يَك يَنفَعُهُمْ إِيمَنهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسنَا سنَّت اللَّهِ الَّتى قَدْ خَلَت فى عِبَادِهِ وَ خَسِرَ هُنَالِك الْكَفِرُونَ(85)

مجمع البيان ج : 8 ص : 831

المعنى

ثم قال سبحانه مخاطبا للكفار الذين جحدوا آيات الله و أنكروا أدلته الدالة على توحيده « و يريكم آياته » أي و يعلمكم حججه و يعرفكم إياها و منها إهلاك الأمم الماضية و وجه الآية فيه أنهم بعد حصولهم في النعم صاروا إلى النقم بكفرهم و جحودهم و منها الآية في خلق الأنعام التي قدم ذكرها و وجه الآية فيها تسخيرها لمنافع الخلق بالتصريف في الوجوه التي قد جعل كل شيء منها لما يصلح له و ذلك يقتضي أن الجاعل لذلك قادر على تصريفه عالم بتدبيره « فأي آيات الله تنكرون » هذا توبيخ لهم على الجحد و قد يكون الإنكار و الجحد تارة بأن يجحد أصلا و تارة بأن يجحد كونها دالة على صحة ما هي دلالة عليه و الخلاف يكون في ثلاثة أوجه إما في صحتها في نفسها و إما في كونها دلالة و إما فيهما جميعا و إنما يجوز من الجهال دفع الآية بالشبهة مع قوة الآية و ضعف الشبهة لأمور ( منها ) اتباع الهوى و دخول الشبهة التي تغطي على الحجة حتى لا يكون لها في النفس منزلة ( و منها ) التقليد لمن ترك النظر في الأمور ( و منها ) السبق إلى اعتقاد فاسد لشبهة فيمنع ذلك من توليد النظر للعلم ثم نبههم سبحانه فقال « أ فلم يسيروا في الأرض » بأن يمروا في جنباتها « فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم » عددا « و أشد قوة » أي و أعظم قوة « و آثارا في الأرض » بالأبنية العظيمة التي بنوها و القصور
مجمع البيان ج : 8 ص : 832
المشيدة التي شيدوها و قيل بمشيهم على أرجلهم على عظم خلقهم عن مجاهد فلما عصوا الله سبحانه و كفروا به و كذبوا رسله أهلكهم الله و استأصلهم بالعذاب « فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون » أي لم يغن عنهم ما كسبوه من البنيان و الأموال شيئا من عذاب الله تعالى و قيل إن ما في قوله « فما أغنى » بمعنى أي فالمعنى فأي شيء أغنى عنهم كسبهم فيكون موضع ما الأولى نصبا و موضع ما الثانية رفعا ثم قال سبحانه « فلما جاءتهم رسلهم بالبينات » أي فلما أتى هؤلاء الكفار رسلهم الذين دعوهم إلى توحيد الله و إخلاص العبادة له بالحجج و الآيات و في الكلام حذف تقديره لما جاءتهم رسلهم بالبينات فجحدوها و أنكروا دلالتها و وعد الله الرسل بإهلاك أممهم و نجاة قومهم « فرحوا بما عندهم من العلم » أي فرح الرسل بما عندهم من العلم بذلك عن الجبائي و قيل معناه فرح الكفار مما عندهم من العلم أي بما كان عندهم أنه علم و هو جهل على الحقيقة لأنهم قالوا نحن أعلم منهم لا نبعث و لا نعذب و اعتقدوا أنه علم فأطلق عليه لفظ العلم على اعتقادهم كما قال حجتهم داحضة و قال ذق إنك أنت العزيز الكريم أي عند نفسك أو عند قومك عن الحسن و مجاهد و قيل معناه فرحوا بالشرك الذي كانوا عليه و أعجبوا به و ظنوا أنه علم و هو جهل و كفر عن الضحاك قال و المراد بالفرح شدة الإعجاب « و حاق بهم ما كانوا به يستهزءون » أي حل بهم و نزل بهم جزاء استهزائهم برسلهم من العذاب و الهلاك « فلما رأوا بأسنا » أي عذابنا النازل بهم « قالوا آمنا بالله وحده و كفرنا بما كنا به مشركين » أي كفرنا بالأصنام و الأوثان « فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا » أي عند رؤيتهم بأس الله و عذابه لأنهم يصيرون عند ذلك ملجئين و فعل الملجأ لا يستحق به المدح « سنت الله التي قد خلت من قبل في عباده » نصب سنة الله على المصدر و معناه سن الله هذه السنة في الأمم الماضية كلها إذ لا ينفعهم إيمانهم إذا رأوا العذاب و المراد بالسنة هنا الطريقة المستمرة من فعله بأعدائه الجاحدين « و خسر هنالك الكافرون » بدخول النار و استحقاق النعمة و فوت الثواب و الجنة و بالله التوفيق و حسبنا الله و نعم المولى و نعم النصير .


 

 
Back Index