جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج8 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>




مجمع البيان ج : 8 ص : 791

الإعراب

جميعا نصب على الحال و العامل فيه محذوف و تقديره و الأرض إذا كانت مجتمعة قبضته فإذا ظرف زمان و العامل فيه قبضته و كان هاهنا تامة إذ لو كانت ناقصة لكان جميعا خبرها و لم يجز أن يكون حالا و هذا كما قالوا في أخطب ما يكون الأمير قائما أن التقدير إذا كان قائما أو إذ كان قائما و هذا بسرا أطيب منه تمرا أن التقدير هذا إذا كان بسرا أطيب منه إذا كان تمرا و مثله قول الشاعر :
إذا المرء أعيته المرؤة ناشئا
فمطلبها كهلا عليه شديد أي إذا كان كهلا و المعنى و الأرض في حال اجتماعها قبضته قال الإمام النحوي البصير قال أبو علي في الحجة إن التقدير و الأرض ذات قبضته إذا كانت مجتمعة و قال في الحلبيات التقدير و الأرض مقبوضة إذا كانت مجتمعة و قال فعلى التقدير الذي في الحجة لا يتأتى إعمال قبضته في إذا لأنه قدره ذات قبضته و المضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف و على التقدير في الحلبيات يتأتى إعمال قبضته في إذا لأنه بمعنى مفعول و أقول أن المضاف إليه إذا أقيم مقام المضاف بعد أن حذف المضاف جاز أن يعمل عمل المضاف كما أعرب بإعرابه فارتفع بعد أن كان مجرورا في الأصل فلما جاز أن يعمل المضاف فيما قبله جاز لما قام مقامه أن يعمل فيما قبله كما اكتسى إعرابه و كيف يجوز أن يستتم ما ذكره هذا الجامع للعلوم على مثل أبي علي مع أنه يشق الشعر في هذا الفن .

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن أحوالهم فقال « و ما قدروا الله حق قدره » أي ما عظموا الله حق عظمته إذ عبدوا غيره و أمروا نبيه بعبادة غيره عن الحسن و السدي قال المبرد و أصله من قولك فلان عظيم القدر يريد بذلك جلالته و القدر اختصاص الشيء بعظم أو صغر أو مساواة و قيل معناه و ما وصفوا الله حق وصفه إذ جحدوا البعث فوصفوه بأنه خلق الخلق عبثا و أنه عاجز عن الإعادة و البعث « و الأرض جميعا قبضته يوم القيامة » و القبضة في اللغة ما قبضت عليه بجميع كفك أخبر سبحانه عن كمال قدرته فذكر أن الأرض كلها مع عظمها في مقدوره كالشيء الذي يقبض عليه القابض بكفه فيكون في قبضته و هذا تفهيم لنا على عادة
مجمع البيان ج : 8 ص : 792

التخاطب فيما بيننا لأنا نقول هذا في قبضة فلان و في يد فلان إذا هان عليه التصرف فيه و إن لم يقبض عليه و كذا قوله « و السماوات مطويات بيمينه » أي يطويها بقدرته كما يطوي الواحد منا الشيء المقدور له طيه بيمينه و ذكر اليمين للمبالغة في الاقتدار و التحقيق للملك كما قال أو ما ملكت أيمانكم أي ما كانت تحت قدرتكم إذ ليس الملك يختص باليمين دون الشمال و سائر الجسد و قيل معناه أنه محفوظات مصونات بقوته و اليمين القوة كما في قول الشاعر :
إذا ما راية رفعت لمجد
تلقاها عرابة باليمين ثم نزه سبحانه نفسه عن شركهم فقال « سبحانه و تعالى عما يشركون » أي عما يضيفونه إليه من الشبيه و المثل « و نفخ في الصور » و هو قرن ينفخ فيه إسرافيل و وجه الحكمة في ذلك أنها علامة جعلها الله ليعلم بها العقلاء آخر أمرهم في دار التكليف ثم تجديد الخلق فشبه ذلك بما يتعارفونه من بوق الرحيل و النزول و لا تتصوره النفوس بأحسن من هذه الطريقة و قيل أن الصور جمع صورة فكأنه نفخ في صورة الخلق عن قتادة و روي عنه أنه قرأ في الصور بفتح الواو « فصعق من في السماوات و من في الأرض » أي يموت من شدة تلك الصيحة التي تخرج من الصور جميع من في السماوات و الأرض يقال صعق فلان إذا مات بحال هائلة شبيهة بالصيحة العظيمة « إلا من شاء الله » اختلف في المستثنى فقيل هم جبرائيل و ميكائيل و إسرافيل و ملك الموت عن السدي و هو المروي عن حديث مرفوع و قيل هم الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله عن سعيد بن جبير و عطا عن ابن عباس و أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أنه سأل جبرائيل عن هذه الآية من الذي لم يشأ الله أن يصعقهم قال هم الشهداء متقلدون أسيافهم حول العرش « ثم نفخ فيه أخرى » يعني نفخة البعث و هي النفخة الثانية و قال قتادة في حديث رفعه أن ما بين النفختين أربعين سنة و قيل إن الله تعالى يفني الأجسام كلها بعد الصعق و موت الخلق ثم يعيدها و قوله « فإذا هم قيام » إخبار عن سرعة إيجادهم لأنه سبحانه إذا نفخ النفخة الثانية أعادهم عقيب ذلك فيقومون من قبورهم أحياء « ينظرون » أي ينتظرون ما يفعل بهم و ما يؤمرون به « و أشرقت الأرض بنور ربها » أي أضاءت الأرض بعدل ربها يوم القيامة لأن نور الأرض بالعدل كما أن نور العلم بالعمل عن الحسن و السدي و قيل بنور يخلقه الله عز و جل يضيء به أرض القيامة من غير شمس و لا قمر « و وضع الكتاب » أي كتب الأعمال التي كتبتها الملائكة على بني آدم توضع في
مجمع البيان ج : 8 ص : 793
أيديهم ليقرءوا منها أعمالهم و الكتاب اسم جنس فيؤدي معنى الجمع أي يوضع كتاب كل إنسان في يمينه أو شماله « و جيء بالنبيين و الشهداء » أي يعطى بهم و الشهداء هم الذين يشهدون للأنبياء على الأمم بأنهم قد بلغوا و إن الأمم قد كذبوا عن ابن عباس و سعيد بن جبير و قيل هم الذين استشهدوا في سبيل الله عن السدي و قيل هم عدول الآخرة يشهدون على الأمم بما شاهدوا عن الجبائي و أبي مسلم و هذا كما جرت العادة بأن القضاء يكون بمشهد الشهداء و العدول و قيل هم الحفظة من الملائكة و يدل عليه قوله و جاءت كل نفس معها سائق و شهيد و قيل هم جميع الشهداء من الجوارح و المكان و الزمان « و قضي بينهم بالحق و هم لا يظلمون » أي يفصل بينهم بمر الحق لا ينقص أحد منهم شيئا مما يستحقه من الثواب و لا يفعل به ما لا يستحقه من العقاب « و وفيت كل نفس ما عملت » أي يعطي كل نفس عاملة بالطاعات جزاء ما عملته على الوفاء و الكمال دون النقصان « و هو أعلم بما يفعلون » أي و الله سبحانه أعلم من كل أحد بما يفعلونه من طاعة أو معصية و لم يأمر الملائكة بكتبة الأعمال لحاجة إلى ذلك بل لزيادة تأكيد و ليعلموا أنه يجازيهم بحسب ما عملوا .

النظم

اتصل قوله « و الأرض جميعا قبضته يوم القيامة » بقوله « و ما قدروا الله حق قدره » أي ما عظموه حق عظمته إذ عبدوا معه غيره مع اقتداره على السماوات و الأرض .
وَ سِيقَ الَّذِينَ كفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَت أَبْوَبُهَا وَ قَالَ لَهُمْ خَزَنَتهَا أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ ءَايَتِ رَبِّكُمْ وَ يُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلى وَ لَكِنْ حَقَّت كلِمَةُ الْعَذَابِ عَلى الْكَفِرِينَ(71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَب جَهَنَّمَ خَلِدِينَ فِيهَا فَبِئْس مَثْوَى الْمُتَكبرِينَ(72) وَ سِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبهُمْ إِلى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتى إِذَا جَاءُوهَا وَ فُتِحَت أَبْوَبُهَا وَ قَالَ لهَُمْ خَزَنَتهَا سلَمٌ عَلَيْكمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَلِدِينَ(73) وَ قَالُوا الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِى صدَقَنَا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الأَرْض نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْث نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَمِلِينَ(74) وَ تَرَى الْمَلَئكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسبِّحُونَ بحَمْدِ رَبهِمْ وَ قُضىَ بَيْنهُم بِالحَْقِّ وَ قِيلَ الحَْمْدُ للَّهِ رَب الْعَلَمِينَ(75)

مجمع البيان ج : 8 ص : 794

القراءة

قرأ أهل الكوفة « فتحت » « و فتحت » بالتخفيف فيهما و الباقون بالتشديد .

الحجة

حجة التشديد قوله « مفتحة لهم الأبواب » و إن التشديد يختص بالكثرة و وجه التخفيف أن التخفيف يصلح للقليل و الكثير .

اللغة

السوق الحث على السير و منه قولهم الكلام يجري على سياقة واحدة و منه السوق لأن المعاملة تساق فيها بالبيع و الشراء و الزمر جمع زمرة و هي الجماعة لها صوت كصوت المزمار و منه مزامير داود و هي أصوات كانت له مستحسنة قال :
له زجل كأنه صوت حاد
إذا طلب الوسيقة أو زمير و قال أبو عبيدة هم جماعات في تفرقة بعضهم في إثر بعض و حف القوم بفلان إذا أطافوا به و أحدقوا به و الحفافان الجانبان قال المبرد الواو في قوله « حتى إذا جاءوها و فتحت أبوابها » زائدة و كان ينكر قول من يقول هي واو الثمانية و أنشد لامرء القيس :
فلما أجزنا ساحة الحي و انتحى
بنا بطن خبت ذي حقاف عقنقل قال و المعنى فلما أجزنا ساحة الحي انتحى بنا قال علي بن عيسى إنما جيء بهذه
مجمع البيان ج : 8 ص : 795
الواو تارة و حذفت أخرى للتصرف في الكلام و جواب إذا في صفة أهل الجنة محذوف و تقديره حتى إذا جاءوها و فتحت أبوابها و كانوا كيت و كيت فازوا و نالوا المنى و ما أشبه ذلك و هذا معنى قول الخليل لأنه قال في بيت امرء القيس الجواب محذوف و التقدير فلما أجزنا ساحة الحي و انتحى بنا خلونا و نعمنا و مثله قول بعض الهذليين :
حتى إذا سلكوهم في قتائدة
شلا كما تطرد الجمالة الشردا فحذف جواب إذا لأن هذا البيت آخر القصيدة و تحقيقه إن التقدير حتى إذا جاءوها و فتحت أبوابها فالواو واو حال و جواب إذا مضمر كما أضمر في قوله « حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت » إلى قوله « ثم تاب عليهم » و التقدير قاربوا الهلاك ثم تاب عليهم .

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن قسمة أحوال الخلائق في المحشر بعد فصل القضاء فقال « و سيق الذين كفروا » أي يساقون سوقا في عنف « إلى جهنم زمرا » أي فوجا بعد فوج و زمرة بعد زمرة « حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها » أي حتى إذا انتهوا إلى جهنم فتحت أبواب جهنم عند مجيئهم إليها و هي سبعة أبواب « و قال لهم خزنتها » الموكلون بها على وجه التهجين لفعلهم و الإنكار عليهم « أ لم يأتكم رسل منكم » أي من أمثالكم من البشر « يتلون عليكم » يقرءون عليكم حجج ربكم و ما يدلكم على معرفته و وجوب عبادته « و ينذرونكم لقاء يومكم هذا » أي و يخوفونكم من مشاهدة هذا اليوم و عذابه « قالوا » أي قال الكفار لهم « بلى » قد جاءتنا رسل ربنا و خوفونا ب آيات الله « و لكن حقت كلمة العذاب على الكافرين » أي وجب العقاب على من كفر بالله تعالى لأنه أخبر بذلك و علم من يكفر و يوافي بكفره فقطع على عقابه فلم يكن شيء يقع منه خلاف ما علمه و أخبر به فصار كوننا في جهنم موافقا لما أخبر به تعالى و لما علمه « قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها » أي فيقول عند ذلك خزنة جهنم و هم الملائكة الموكلون ادخلوا أبواب جهنم مؤبدين لا آخر لعقابكم « فبئس مثوى المتكبرين » أي بئس موضع إقامة المتكبرين عن الحق و قبوله جهنم « و سيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا » أي يساقون مكرمين زمرة بعد زمرة كقوله « يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا » و إنما ذكر السوق على وجه المقابلة لسوق الكافرين إلى جهنم كلفظ البشارة في قوله فبشرهم بعذاب أليم و إنما البشارة هي الخبر السار « حتى إذا جاءوها و فتحت أبوابها » أي و قد فتحت أبوابها قبل مجيئهم و أبواب الجنة ثمانية
مجمع البيان ج : 8 ص : 796
و عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال أن في الجنة ثمانية أبواب منها باب يسمى الريان لا يدخلها إلا الصائمون رواه البخاري و مسلم في الصحيحين « و قال لهم خزنتها » عند استقبالهم « سلام عليكم » أي سلامة من الله عليكم يحيونهم بالسلامة ليزدادوا بذلك سرورا و قيل هو دعاء لهم بالسلامة و الخلود أي سلمتم من الآفات « طبتم » أي طبتم بالعمل الصالح في الدنيا و طابت أعمالكم الصالحة و زكت و قيل معناه طابت أنفسكم بدخول الجنة و قيل أنهم طيبوا قبل دخول الجنة بالمغفرة و اقتص لبعضهم من بعض فلما هذبوا و طيبوا قال لهم الخزنة طبتم عن قتادة و قيل طبتم أي طاب لكم المقام عن ابن عباس و قيل إنهم إذا قربوا من الجنة يردون على عين من الماء فيغتسلون بها و يشربون منها فيطهر الله أجوافهم فلا يكون بعد ذلك منهم حدث و أذى و لا تتغير ألوانهم فتقول الملائكة « طبتم فادخلوها خالدين » أي فادخلوا الجنة خالدين مخلدين مؤبدين « و قالوا » أي و يقول أهل الجنة إذا دخلوها اعترافا بنعم الله تعالى عليهم « الحمد لله الذي صدقنا وعده » الذي وعدناه على ألسنة الرسل « و أورثنا الأرض » أي أرض الجنة لما صارت الجنة عاقبة أمرهم عبر عن ذلك بلفظ الميراث و الإيراث و قيل لأنهم ورثوها عن أهل النار « نتبوأ من الجنة » أي نتخذ من الجنة مبوأ و مأوى « حيث نشاء » و هذا إشارة إلى كثرة قصورهم و منازلهم و سعة نعمتهم « فنعم أجر العاملين » أي فنعم ثواب المحسنين الجنة و النعيم فيها « و ترى الملائكة حافين من حول العرش » معناه و من عجائب أمور الآخرة إنك ترى الملائكة محدقين بالعرش عن قتادة و السدي يطوفون حوله « يسبحون بحمد ربهم » أي ينزهون الله تعالى عما لا يليق به و يذكرونه بصفاته التي هو عليها و قيل يحمدون الله تعالى حيث دخل الموحدون الجنة و قيل أن تسبيحهم في ذلك الوقت على سبيل التلذذ و التنعم لا على وجه التعبد إذ ليس هناك تكليف و قد عظم الله سبحانه أمر القضاء في الآخرة بنصب العرش و قيام الملائكة حوله معظمين له سبحانه و مسبحين كما أن السلطان إذا أراد الجلوس للمظالم و قعد على سريره و أقام جنده حوله تعظيما لأمره و إن استحال كونه عز و جل على العرش إذ ليس بصفة الجواهر و الأجسام و الجلوس على العرش من صفات الأجسام « و قضي بينهم بالحق » أي و فصل بين الخلائق بالعدل و قيل بين الأنبياء و الأمم و قيل بين أهل الجنة و النار « و قيل الحمد لله رب العالمين » من كلام أهل الجنة يقولون ذلك شكرا لله على نعمه التامة و قيل أنه من كلام الله تعالى فقال في ابتداء الخلق الحمد لله الذي خلق السماوات و الأرض و قال بعد إفناء الخلق ثم بعد بعثهم و استقرار أهل الجنة في الجنة الحمد لله رب العالمين فوجب الأخذ بأدبه في ابتداء كل أمر بالحمد و ختمه بالحمد .

مجمع البيان ج : 8 ص : 797
( 40 ) سورة غافر مكية و آياتها خمس و ثمانون ( 85 )
مكية قال ابن عباس و قتادة إلا آيتين منها نزلتا بالمدينة « إن الذين يجادلون في آيات الله » إلى قوله « لا يعلمون » و قال الحسن إلا قوله « و سبح بحمد ربك بالعشي و الإبكار » يعني بذلك صلاة الفجر و صلاة المغرب و قد ثبت أن فرض الصلاة نزل بالمدينة .

عدد آيها

خمس و ثمانون آية كوفي شامي و أربع حجازي آيتان بصري .

اختلافها

تسع آيات « حم » كوفي « كاظمين » غير الكوفي « يوم التلاق » غير الشامي « بارزون » شامي « بني إسرائيل الكتاب » مكي كوفي و المدني الأول و « البصير » شامي و المدني الأخير « يسبحون » كوفي شامي و المدني الأخير « كنتم تشكرون » كوفي شامي .

فضلها

فضل الحواميم عموما و فضلها خصوصا أبو بريرة الأسلمي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليقرأ الحواميم في صلاة الليل أنس بن مالك عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال الحواميم ديباج القرآن ابن عباس قال لكل شيء لباب و لباب القرآن الحواميم .
ابن مسعود قال إذا وقعت في آل حم وقعت في روضات دمثات أتانق فيهن أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من قرأ سورة حم المؤمن من لم يبق روح نبي و لا صديق و لا مؤمن إلا صلوا عليه و استغفروا له . و روى أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال الحواميم ريحان القرآن فاحمدوا الله و اشكروه بحفظها و تلاوتها و إن العبد ليقوم يقرأ الحواميم فيخرج من فيه أطيب من المسك الأذفر و العنبر و إن الله ليرحم تاليها و قارئها و يرحم جيرانه و أصدقاءه و معارفه و كل حميم أو قريب له و أنه في القيامة يستغفر له العرش و الكرسي و ملائكة الله المقربون . و روى
مجمع البيان ج : 8 ص : 798
أبو الصباح عن أبي جعفر (عليه السلام) قال من قرأ حم المؤمن في كل ثلاث غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر و ألزمه التقوى و جعل الآخرة خيرا له من الدنيا .



تفسيرها


لما ختم سبحانه سورة الزمر بذكر الملائكة و الجنة و النار افتتح هذه السورة بمثل ذلك فقال : .
سورة غافر
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حم(1) تَنزِيلُ الْكِتَبِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ(2) غَافِرِ الذَّنبِ وَ قَابِلِ التَّوْبِ شدِيدِ الْعِقَابِ ذِى الطوْلِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ(3) مَا يجَدِلُ فى ءَايَتِ اللَّهِ إِلا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْك تَقَلُّبهُمْ فى الْبِلَدِ(4) كذَّبَت قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوح وَ الأَحْزَاب مِن بَعْدِهِمْ وَ هَمَّت كلُّ أُمَّةِ بِرَسولهِِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَ جَدَلُوا بِالْبَطِلِ لِيُدْحِضوا بِهِ الحَْقَّ فَأَخَذْتهُمْ فَكَيْف كانَ عِقَابِ(5)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير عاصم إلا حمادا و يحيى عن أبي بكر حم بإمالة الألف و الباقون بالفتح بغير إمالة و هما لغتان فصيحتان .

اللغة

من جعل حم اسما للسورة يؤيده قول شريح بن أوفى العجلي :
يذكرني حاميم و الرمح شاجر
فهلا تلا حم قبل التقدم فجعله اسما معربا و قول الكميت :
مجمع البيان ج : 8 ص : 799

وجدنا لكم في آل حم آية
تأولها منا تقي و معرب و العزيز القادر الغالب الذي لا يغالب المنيع بقدرته على غيره و لا يقدر عليه غيره و التوب يجوز أن يكون جمع توبة كدوم و دومة و يجوز أن يكون مصدر تاب يتوب توبا .
و الطول الإنعام الذي تطول مدته على صاحبه كما أن التفضل النفع الذي فيه إفضال على صاحبه و لو وقع النفع على خلاف هذا الوجه لم يكن تفضلا .

الإعراب

إذا قدرت اتل « حم » فموضعه نصب و قيل موضعه جر بالقسم و قد يجوز أن يكون مرفوع الموضع على تقدير هذا « حم » و قد فتح الميم علي بن عيسى بن عمر جعله اسما للسورة فنصبه و لم ينون لأنه على وزن هابيل و يجوز أن يكون فتحه لالتقاء الساكنين و القراء على تسكين الميم و إذا كان من حروف التهجي فلا يدخلها الإعراب و تنزيل خبر مبتدإ محذوف .
« غافر الذنب » جر بأنه صفة بعد صفة و معناه أن من شأنه غفران الذنب فيما مضى و فيما يستقبل فلذلك كان صفة المعرفة و كذلك قابل التوب و لو جعلته بدلا كانت لمعرفة و النكرة سواء .

المعنى

« حم » قد مضى ذكر الأقوال فيه و قيل أقسم الله بحلمه و ملكه لا يعذب من عاذ به و قال لا إله إلا الله مخلصا من قلبه عن القرظي و قيل هو افتتاح أسمائه حليم حميد حكيم حي حنان ملك مجيد مبدىء معيد عن عطاء الخراساني و قيل معناه حم أي قضي ما هو كائن عن الكلبي « تنزيل الكتاب » أي هذا تنزيل الكتاب « من الله » الذي يحق له العبادة « العزيز » في ملكه « العليم » الكثير العلوم « غافر الذنب » لمن يقول لا إله إلا الله و هم أولياؤه و أهل طاعته و الذنب اسم جنس فالمعنى غافر الذنوب فيما مضى و فيما يستقبل « و قابل التوب » يقبل توبة من تاب إليه من المعاصي بأن يثيب عليها و يسقط عقاب معاص تقدمها على وجه التفضل منه لذلك كان صفة مدح و لو كان سقوط العقاب عندها واجبا لما كان فيه مدح قال الفراء معناهما ذي الغفران و ذي قبول التوبة و لذلك صار نعتا
مجمع البيان ج : 8 ص : 800
للمعرفة « شديد العقاب » أي شديد عقابه و ذكر ذلك عقيب قوله « غافر الذنب » لئلا يعول المكلف على الغفران بل يكون بين الرجاء و الخوف « ذي الطول » أي ذي النعم على عباده عن ابن عباس و قيل ذي الغنى و السعة عن مجاهد و قيل ذي التفضل على المؤمنين عن الحسن و قتادة و قيل ذي القدرة و السعة عن ابن زيد و السدي و روي عن ابن عباس أنه قال غافر الذنب لمن قال لا إله إلا الله قابل التوب عمن قال لا إله إلا الله شديد العقاب لمن لم يقل لا إله إلا الله ذي الطول ذي الغنى عمن لم يقل لا إله إلا الله و قيل أنه إنما ذكر ذي الطول عقيب قوله « شديد العقاب » ليعلم أن العاصي أتي في هلاكه من قبل نفسه لا من قبل ربه و إلا فنعمة سابغة عليه دنيا و دينا « لا إله إلا هو » أي هو الموصوف بهذه الصفات دون غيره و لا يستحق العبادة سواه « إليه المصير » أي المرجع للجزاء و المعنى أن الأمور تؤول إلى حيث لا يملك أحد النفع و الضر و الأمر و النهي غيره تعالى و هو يوم القيامة « ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا » أي لا يخاصم في دفع حجج الله و إنكارها و جحدها إلا الذين كفروا بالله و آياته و جحدوا نعمه و دلالاته « فلا يغررك » يا محمد « تقلبهم في البلاد » أي تصرفهم في البلاد للتجارات سالمين أصحاء بعد كفرهم فإن الله تعالى لا يخفى عليه حالهم و إنما يمهلهم لأنهم في سلطانه و لا يفوتونه و لا يهملهم و في هذا غاية التهديد ثم بين أن عاقبتهم الهلاك كعاقبة من قبلهم من الكفار فقال « كذبت قبلهم قوم نوح » يعني رسولهم نوحا « و الأحزاب من بعدهم » و هم الذين تحزبوا على أنبيائهم بالتكذيب نحو عاد و ثمود و من بعدهم « و همت كل أمة » منهم « برسولهم » أي قصدوه « ليأخذوه » أي ليقتلوه و يهلكوه عن ابن عباس و إنما قال برسولهم و لم يقل برسولها لأن المراد الرجال « و جادلوا بالباطل » أي خاصموا رسلهم بأن قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا و هلا أرسل الله إلينا ملائكة و بأمثال هذا من القول « ليدحضوا به الحق » الذي بينه الله تعالى و جاءت به رسله أي ليبطلوه و يزيلوه يقال أدحض الله حجته أي أزالها « فأخذتهم » بالعقاب أي أهلكتهم و دمرت عليهم و عاقبتهم « فكيف كان عقاب » أي فانظر كيف كان عقابي لهم و هذا استفهام تقرير لعقوبتهم الواقعة بهم .
وَ كَذَلِك حَقَّت كلِمَت رَبِّك عَلى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنهُمْ أَصحَب النَّارِ(6) الَّذِينَ يحْمِلُونَ الْعَرْش وَ مَنْ حَوْلَهُ يُسبِّحُونَ بحَمْدِ رَبهِمْ وَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ يَستَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَا وَسِعْت كلَّ شىْء رَّحْمَةً وَ عِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَ اتَّبَعُوا سبِيلَك وَ قِهِمْ عَذَاب الجَْحِيمِ(7) رَبَّنَا وَ أَدْخِلْهُمْ جَنَّتِ عَدْن الَّتى وَعَدتَّهُمْ وَ مَن صلَحَ مِنْ ءَابَائهِمْ وَ أَزْوَجِهِمْ وَ ذُرِّيَّتِهِمْ إِنَّك أَنت الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(8) وَ قِهِمُ السيِّئَاتِ وَ مَن تَقِ السيِّئَاتِ يَوْمَئذ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَ ذَلِك هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(9) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْت اللَّهِ أَكْبرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسكمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلى الايمَنِ فَتَكْفُرُونَ(10)

مجمع البيان ج : 8 ص : 801

القراءة

قرأ أهل المدينة و ابن عامر كلمات ربك على الجمع و الباقون « كلمة ربك » على التوحيد .

الحجة

قال أبو علي الكلمة تقع مفردة على الكثرة فإذا كان كذلك استغني فيها عن الجمع كما تقول يعجبني قيامكم و قعودكم قال سبحانه لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا و ادعوا ثبورا كثيرا و قال إن أنكر الأصوات لصوت الحمير فأفرد الصوت مع الإضافة إلى الكثرة فكذلك الكلمة و قد قالوا قال قس في كلمته يعنون خطبته و من جمع فلأن هذه الأشياء و إن كانت تدل على الكثرة قد تجمع إذا اختلف أجناسها .

الإعراب

« أنهم أصحاب النار » يجوز أن يكون موضعه نصبا على تقدير بأنهم أو لأنهم و يجوز أن يكون رفعا على البدل من كلمة و « من حوله » معطوف على « الذين يحملون العرش » و « رحمة و علما » منصوبان على التمييز و « من صلح من آبائهم و أزواجهم و ذرياتهم » في موضع نصب عطفا على الهاء و الميم في و أدخلهم أي و أدخل من صلح من آبائهم و أزواجهم و ذرياتهم الجنة أيضا و يجوز أن يكون عطفا على الهاء و الميم في وعدتهم أي وعدت من صلح من آبائهم و أزواجهم و ذرياتهم و قوله « لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون » لا يجوز أن يكون إذ ظرفا لمقت الله لأن المصدر لا يجوز أن يحال بينه و بين معموله بالأجنبي و لا يجوز أن يكون ظرفا للمقت الثاني في قوله « من مقتكم أنفسكم » لأن الدعاء إلى الإيمان
مجمع البيان ج : 8 ص : 802
كان في الدنيا و مقتهم أنفسهم يكون في الآخرة و لا يجوز أن يكون ظرفا لتدعون لأن تدعون في موضع جر بالإضافة و المضاف إليه لا يجوز أن يعمل في المضاف فالوجه أن يتعلق الظرف بفعل مضمر دلت عليه الجملة تقديره مقتم إذ تدعون أو يتعلق بالمقت الثاني على تقدير تسمية الشيء بما يؤول إليه .

المعنى

ثم قال سبحانه « و كذلك » أي و مثل ما حق على الأمم المكذبة من العقاب « حقت كلمة ربك » أي العذاب « على الذين كفروا » من قومك أي أصروا على كفرهم « أنهم » أي لأنهم أو بأنهم « أصحاب النار » عن الأخفش ثم أخبر سبحانه عن حال المؤمنين و أنه تستغفر لهم الملائكة مع عظم منزلتهم عند الله تعالى فحالهم بخلاف أحوال من تقدم ذكرهم من الكفار فقال « الذين يحملون العرش » عبادة لله و امتثالا لأمره « و من حوله » يعني الملائكة المطيفين بالعرش و هم الكروبيون و سادة الملائكة « يسبحون بحمد ربهم » أي ينزهون ربهم عما يصفه به هؤلاء المجادلون و قيل يسبحونه بالتسبيح المعهود و يحمدونه على إنعامه « و يؤمنون به » أي و يصدقون به و يعترفون بوحدانيته « و يستغفرون » أي و يسألون الله المغفرة « للذين آمنوا » من أهل الأرض أي صدقوا بوحدانية الله و اعترفوا بإلهيته و بما يجب الاعتراف به يقولون في دعائهم لهم « ربنا وسعت كل شيء رحمة و علما » أي وسعت رحمتك و علمك كل شيء و المراد بالعلم المعلوم كما في قوله « و لا يحيطون بشيء من علمه » أي بشيء من معلومه على التفصيل فجعل العلم في موضع المعلوم و المعنى أنه لا اختصاص لمعلوماتك بل أنت عالم بكل معلوم و لا تختص رحمتك حيا دون حي بل شملت جميع الحيوانات و في هذا تعليم الدعاء ليبدأ بالثناء عليه قبل السؤال « فاغفر للذين تابوا » من الشرك و المعاصي « و اتبعوا سبيلك » الذي دعوت إليه عبادك و هو دين الإسلام « و قهم » أي و ادفع عنهم « عذاب الجحيم » و في هذه الآية دلالة على أن إسقاط العقاب عند التوبة تفضل من الله تعالى إذ لو كان واجبا لكان لا يحتاج فيه إلى مسألتهم بل كان يفعله الله سبحانه لا محالة « ربنا و أدخلهم » مع قبول توبتهم و وقايتهم النار « جنات عدن التي وعدتهم » على ألسن أنبيائك « و من صلح من آبائهم و أزواجهم و ذرياتهم » ليكمل أنسهم و يتم سرورهم « إنك أنت العزيز » القادر على من يشاء « الحكيم » في أفعالك « و قهم السيئات » أي و قهم عذاب السيئات و يجوز أن يكون العذاب هو السيئات و سماه السيئات اتساعا كما قال و جزاء سيئة سيئة مثلها « و من تق السيئات يومئذ فقد رحمته » أي و من تصرف عنه شر معاصيه فتفضلت عليه يوم القيامة
مجمع البيان ج : 8 ص : 803
بإسقاط عذابها فقد أنعمت عليه « و ذلك هو الفوز العظيم » أي الظفر بالبغية و الفلاح العظيم ثم عاد الكلام إلى من تقدم ذكرهم من الكفار فقال عز اسمه « إن الذين كفروا ينادون » أي يناديهم الملائكة يوم القيامة « لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون » و المقت أشد العداوة و البغض و المعنى أنهم لما رأوا أعمالهم و نظروا في كتابهم و أدخلوا النار مقتوا أنفسهم لسوء صنيعهم فنودوا لمقت الله إياكم في الدنيا إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون أكبر من مقتكم أنفسكم اليوم عن مجاهد و قتادة و السدي و قيل إنهم لما تركوا الإيمان و صاروا إلى الكفر فقد مقتوا أنفسهم أعظم المقت و هذا كما يقول أحدنا لصاحبه إذا كنت لا تبالي بنفسك فمبالاتي بك أقل و ليس يريد أنه لا يبالي بنفسه بل يريد أنه يفعل فعل من هو كذلك عن البلخي .
قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَينِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَينِ فَاعْترَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلى خُرُوج مِّن سبِيل(11) ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِىَ اللَّهُ وَحْدَهُ كفَرْتُمْ وَ إِن يُشرَك بِهِ تُؤْمِنُوا فَالحُْكْمُ للَّهِ الْعَلىِّ الْكَبِيرِ(12) هُوَ الَّذِى يُرِيكُمْ ءَايَتِهِ وَ يُنزِّلُ لَكُم مِّنَ السمَاءِ رِزْقاً وَ مَا يَتَذَكرُ إِلا مَن يُنِيب(13) فَادْعُوا اللَّهَ مخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَ لَوْ كَرِهَ الْكَفِرُونَ(14) رَفِيعُ الدَّرَجَتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِى الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَن يَشاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ(15) يَوْمَ هُم بَرِزُونَ لا يخْفَى عَلى اللَّهِ مِنهُمْ شىْءٌ لِّمَنِ الْمُلْك الْيَوْمَ للَّهِ الْوَحِدِ الْقَهَّارِ(16) الْيَوْمَ تجْزَى كلُّ نَفْسِ بِمَا كسبَت لا ظلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سرِيعُ الحِْسابِ(17)

القراءة

قرأ روح و زيد عن يعقوب لتنذر بالتاء و الباقون بالياء .

مجمع البيان ج : 8 ص : 804

الحجة

التاء على وجه الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قراءة القراء بالياء على أن الضمير يعود إلى « من يشاء من عباده » .

الإعراب

« لمن الملك اليوم » انتصب اليوم لمدلول قوله « لمن الملك اليوم » أي لمن ثبت الملك في هذا اليوم و يجوز أن يتعلق بنفس الملك و قال قوم أن الوقف على الملك حسن و يبتدىء « اليوم لله الواحد القهار » أي في هذا اليوم .

المعنى

ثم حكى سبحانه عن الكفار الذين تقدم وصفهم بعد حصولهم في النار بأنهم « قالوا ربنا أمتنا اثنتين و أحييتنا اثنتين » اختلف في معناه على وجوه ( أحدها ) أن الإماتة الأولى في الدنيا بعد الحياة و الثانية في القبر قبل البعث و الإحياء الآتي في القبر للمسائلة و الثانية في الحشر عن السدي و هو اختيار البلخي ( و ثانيها ) أن الإماتة الأولى حال كونهم نطفا فأحياهم الله في الدنيا ثم أماتهم الموتة الثانية ثم أحياهم للبعث فهاتان حياتان و موتتان و نظيره قوله كيف تكفرون بالله و كنتم أمواتا الآية عن ابن عباس و قتادة و الضحاك و اختاره أبو مسلم ( و ثالثها ) أن الحياة الأولى في الدنيا و الثانية في القبر و لم يرد الحياة يوم القيامة و الموتة الأولى في الدنيا و الثانية في القبر عن الجبائي « فاعترفنا بذنوبنا » التي اقترفناها في الدنيا « فهل إلى خروج من سبيل » هذا تلطف منهم في الاستدعاء أي هل بعد الاعتراف سبيل إلى الخروج و قيل إنهم سألوا الرجوع إلى الدنيا أي هل من خروج من النار إلى الدنيا لنعمل بطاعتك و لو علم الله سبحانه أنهم يفلحون لردهم إلى حال التكليف و لذلك قال و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه تنبيها على أنهم لو صدقوا في ذلك لأجابهم إلى ما تمنوه في الكلام حذف تقديره فأجيبوا بأنه لا سبيل لكم إلى الخروج « ذلكم » أي ذلكم العذاب الذي حل بكم « بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم » أي إذا قيل لا إله إلا الله قلتم أ جعل الآلهة إلها واحدا و جحدتم ذلك « و إن يشرك به تؤمنوا » أي و إن يشرك به معبود آخر من الأصنام و الأوثان تصدقوا « فالحكم لله » في ذلك و الفصل بين الحق و الباطل « العلي » القادر على كل شيء ليس فوقه من هو أقدر منه أو من يساويه في مقدوره و نقلت هذه اللفظة من علو المكان إلى علو الشأن و لذلك جاز وصفه سبحانه بذلك يقال استعلى فلان عليه بالقوة و بالحجة و ليس كذلك الرفعة و لذلك لا يوصف مكانه بأنه رفيع كما وصف بأنه علي « الكبير » العظيم في صفاته التي لا يشاركه فيها غيره و قيل هو السيد الجليل عن الجبائي « هو الذي يريكم آياته » أي مصنوعاته التي تدل على كمال قدرته و توحيده من السماء و الأرض و الشمس و القمر « و ينزل لكم من السماء رزقا » من الغيث و المطر الذي ينبت ما هو رزق للخلق « و ما
مجمع البيان ج : 8 ص : 805
يتذكر » أي و ما يتعظ بهذه الآيات و ليس يتفكر في حقيقتها « إلا من ينيب » أي يرجع إليه و قيل إلا من يقبل إلى طاعة الله عن السدي ثم أمر المؤمنين بتوحيده فقال « فادعوا الله مخلصين له الدين » أي وجهوا عبادتكم إليه تعالى وحده « و لو كره الكافرون » فلا تبالوا بهم ثم وصف سبحانه نفسه فقال « رفيع الدرجات » الرفيع بمعنى الرافع أي هو رافع درجات الأنبياء و الأولياء في الجنة عن عطا عن ابن عباس و قيل معناه رافع السماوات السبع عن سعيد بن جبير و قيل معناه أنه عالي الصفات « ذو العرش » أي مالك العرش و خالقه و ربه و قيل ذو الملك و العرش الملك عن أبي مسلم « يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده » و قيل الروح هو القرآن و كل كتاب أنزله الله تعالى على نبي من أنبيائه و قيل الروح الوحي هنا لأنه يحيي به القلب أي يلقي الوحي على قلب من يشاء ممن يراه أهلا له يقال ألقيت عليه كذا أي فهمته إياه و قيل إن الروح جبرائيل (عليه السلام) يرسله الله تعالى بأمره عن الضحاك و قتادة و قيل إن الروح هاهنا النبوة عن السدي « لينذر » النبي بما أوحي إليه « يوم التلاق » يلتقي في ذلك اليوم أهل السماء و أهل الأرض عن قتادة و السدي و ابن زيد و قيل فيه يلتقي الأولون و الآخرون و الخصم و المخصوم و الظالم و المظلوم عن الجبائي و قيل يلتقي الخلق و الخالق عن ابن عباس يعني أنه يحكم بينهم و قيل يلتقي المرء و عمله و الكل مراد و الله أعلم « يوم هم بارزون » من قبورهم و قيل يبرز بعضهم لبعض فلا يخفى على أحد حال غيره لأنه ينكشف ما يكون مستورا « لا يخفى على الله منهم شيء » أي من أعمالهم و أحوالهم و يقول الله في ذلك اليوم « لمن الملك اليوم » فيقر المؤمنون و الكافرون بأنه « لله الواحد القهار » و قيل إنه سبحانه هو القائل لذلك و هو المجيب لنفسه و يكون في الإخبار بذلك مصلحة للمكلفين قال محمد بن كعب القرظي يقول الله تعالى ذلك بين النفختين حين يفني الخلائق كلها ثم يجيب نفسه لأنه بقي وحدة و الأول أصح لأنه بين أنه يقول ذلك يوم التلاقي يوم يبرز العباد من قبورهم و إنما خص ذلك اليوم بأن له الملك فيه لأنه قد ملك العباد بعض الأمور في الدنيا و لا يملك أحد شيئا ذلك اليوم فإن قيل أ ليس يملك الأنبياء و المؤمنون في الآخرة الملك العظيم فالجواب أن أحدا لا يستحق إطلاق الصفة بالملك إلا الله لأنه يملك جميع الأمور من غير تمليك مملك و قيل إن المراد به يوم القيامة قبل تمليك أهل الجنة ما يملكهم « اليوم تجزى كل نفس بما كسبت » يجزي المحسن بإحسانه و المسيء بإساءته و في الحديث أن الله تعالى يقول أنا الملك أنا الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة و لا لأحد من أهل النار أن يدخل النار و عنده مظلمة حتى أقصه منه ثم تلا هذه الآية « لا ظلم اليوم » أي لا ظلم لأحد على أحد و لا ينقص من ثواب أحد و لا يزاد في عقاب أحد « إن الله سريع الحساب »
مجمع البيان ج : 8 ص : 806
لا يشغله محاسبة واحد عن محاسبة غيره .

النظم

اتصل قوله « ربنا أمتنا اثنتين » بما تقدم من ذكر إنكار الكفار البعث فعقبه سبحانه بذكر اعترافهم بذلك يوم القيامة و أيضا فإنه سبحانه لما ذكر مقتهم أنفسهم لعظم ما نزل بهم ذكر بعده سؤالهم الرجعة إلى الدنيا و إنما اتصل قوله « فاعترفنا بذنوبنا » بما تقدم من إقرارهم بصفة الرب سبحانه فكأنهم قالوا اعترفنا بك ربنا فإنك أمتنا و أحييتنا و مع هذا فقد اعترفنا بذنوبنا و اتصل قوله « هو الذي يريكم آياته » بقوله « العلي الكبير » أي و من هذه صفاته يريكم آياته و اتصل قوله « رفيع الدرجات » بقوله « هو الذي يريكم آياته » أي و هو الرفيع الدرجات و قيل إنه لما ذكر حال الفريقين ذكر الدرجات .
وَ أَنذِرْهُمْ يَوْمَ الاَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوب لَدَى الحَْنَاجِرِ كَظِمِينَ مَا لِلظلِمِينَ مِنْ حَمِيم وَ لا شفِيع يُطاعُ(18) يَعْلَمُ خَائنَةَ الأَعْينِ وَ مَا تخْفِى الصدُورُ(19) وَ اللَّهُ يَقْضى بِالْحَقِّ وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لا يَقْضونَ بِشىْء إِنَّ اللَّهَ هُوَ السمِيعُ الْبَصِيرُ(20)

القراءة

قرأ نافع و هشام عن ابن عامر و الذين تدعون بالتاء و الباقون بالياء .

الحجة

من قرأ بالتاء فعلى الخطاب و التقدير قل لهم يا محمد و من قرأ بالياء جعل الإخبار عن الغائب .

اللغة

الآزفة الدانية من قولهم أزف الأمر إذا دنا وقته قال النابغة :
أزف الترحل غير أن ركابنا
لما تزل برحالنا و كان قد
مجمع البيان ج : 8 ص : 807
و الحناجر جمع حنجرة و هي الحلقوم و الكاظم الممسك على ما في قلبه يقال كظم غيظه إذا تجرعه و أصل الكظم للبعير على جرته يردها في حلقه .

الإعراب

قال الزجاج كاظمين منصوب على الحال و الحال محمولة على المعنى لأن القلوب لا يقال لها كاظمون و إنما الكاظمون أصحاب القلوب و المعنى إذ قلوب الناس لدى الحناجر في حال كظمهم و هو حال من الضمير في لدى و معناه متوقفين عن كل شيء إلا عما دفعت إليه من فكرها فيه و نسبة الكظم إلى القلب كنسبة الكتابة إلى الأيدي في قوله كتبت أيديهم و إنما ذلك للجملة .
يطاع جملة في موضع جر بكونها صفة شفيع أي و لا من شفيع يطاع .

المعنى

ثم أمر سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يخوف المكلفين يوم القيامة فقال « و أنذرهم يوم الآزفة » أي الدانية و هو يوم القيامة لأن كل ما هو آت دان قريب و قيل يوم دنو المجازاة « إذ القلوب لدى الحناجر » و ذلك أنها تزول عن مواضعها من الخوف حتى تصير إلى الحنجرة و مثله قوله و بلغت القلوب الحناجر « كاظمين » أي مغمومين مكروبين ممتلئين عما قد أطبقوا أفواههم على قلوبهم من شدة الخوف « ما للظالمين من حميم » يريد ما للمشركين و المنافقين من قريب ينفعهم « و لا شفيع يطاع » فيهم فتقبل شفاعته عن ابن عباس و مقاتل « يعلم خائنة الأعين » أي خيانتها و هي مسارقة النظر إلى ما لا يحل النظر إليه عن مجاهد و قتادة و الخائنة مصدر مثل الخيانة كما أن الكاذبة و اللاغية بمعنى الكذب و اللغو و قيل إن تقديره يعلم الأعين الخائنة عن مؤرج و قيل هو الرمز بالعين عن السدي و قيل هو قول الإنسان ما رأيت و قد رأى و رأيت و ما رأى عن الضحاك « و ما تخفي الصدور » و يعلم ما تضمره الصدور و في الخبر أن النظرة الأولى لك و الثانية عليك فعلى هذا تكون الثانية محرمة فهي المراد بخائنة الأعين « و الله يقضي بالحق » أي يفصل بين الخلائق بالحق فيوصل كل ذي حق إلى حقه « و الذين يدعون من دونه » من الأصنام « لا يقضون بشيء » لأنها جماد « إن الله هو السميع البصير » أي الذي يجب أن يسمع المسموعات و يبصر المبصرات إذا وجدتا و هاتان الصفتان في الحقيقة ترجعان إلى كونه حيا لا آفة به و قال قوم معناهما العالم بالمسموعات و العالم بالمبصرات و الأول هو الصحيح .
* أَ وَ لَمْ يَسِيرُوا فى الأَرْضِ فَيَنظرُوا كَيْف كانَ عَقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِن قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشدَّ مِنهُمْ قُوَّةً وَ ءَاثَاراً فى الأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبهِمْ وَ مَا كانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاق(21) ذَلِك بِأَنَّهُمْ كانَت تَّأْتِيهِمْ رُسلُهُم بِالْبَيِّنَتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِىُّ شدِيدُ الْعِقَابِ(22) وَ لَقَدْ أَرْسلْنَا مُوسى بِئَايَتِنَا وَ سلْطن مُّبِين(23) إِلى فِرْعَوْنَ وَ هَمَنَ وَ قَرُونَ فَقَالُوا سحِرٌ كذَّابٌ(24) فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ وَ استَحْيُوا نِساءَهُمْ وَ مَا كيْدُ الْكَفِرِينَ إِلا فى ضلَل(25)

مجمع البيان ج : 8 ص : 808

القراءة

قرأ ابن عامر أشد منكم بالكاف و الميم و الباقون « منهم » بالهاء و الميم .

الحجة


قال أبو علي من قال منهم فأتى بلفظ الغيبة فلأن ما قبله « أ و لم يسيروا » « فينظروا » و من قال منكم فلانصرافه من الغيبة إلى الخطاب كقوله إياك نعبد بعد قوله الحمد لله .

المعنى

ثم نبههم سبحانه على النظر بقوله « أ و لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم » من المكذبين من الأمم لرسلهم « كانوا هم أشد منهم قوة » في أنفسهم « و آثارا في الأرض » أي و أكثر عمارة للأبنية العجيبة و قيل و أبعد ذهابا في الأرض لطلب الدنيا « فأخذهم الله بذنوبهم » أي أهلكهم الله بسبب ذنوبهم « و ما كان لهم من الله من واق » أي دافع يدفع عنهم عذابه و يمنع من نزوله بهم « ذلك » لعذاب الذي نزل بهم « بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات » أي بالمعجزات الباهرات و الدلالات الظاهرات « فكفروا » بها « فأخذهم الله » أي أهلكهم عقوبة على كفرهم « إنه قوي » قادر على الانتقام منهم « شديد العقاب » أي شديد عقابه ثم ذكر قصة موسى و فرعون ليعتبروا بها فقال « و لقد أرسلنا موسى ب آياتنا » أي بعثناه بحججنا و دلالاتنا « و سلطان مبين » أي حجة ظاهرة نحو قلب العصا حية و فلق البحر « إلى فرعون و هامان و قارون » كان موسى رسولا إلى كافتهم إلا أنه خص فرعون لأنه كان رئيسهم و كان هامان وزيره و قارون صاحب كنوزه و الباقون تبع لهم
مجمع البيان ج : 8 ص : 809
و إنما عطف و بالسلطان على الآيات لاختلاف اللفظين تأكيدا و قيل المراد بالآيات حجج التوحيد و العدل و بالسلطان المعجزات الدالة على نبوته « فقالوا ساحر » أي مموه « كذاب » فيما يدعو إليه « فلما جاءهم بالحق من عندنا » أي فلما أتاهم موسى بالتوحيد و الدلالات عليه من عندنا و قيل المراد بالدين الحق « قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه و استحيوا نساءهم » أي أمروا بقتل الذكور من قوم موسى لئلا يكثر قومه و لا يتقوى بهم و باستبقاء نسائهم للخدمة و هذا القتل غير القتل الأول لأنه أمر بالقتل الأول لئلا ينشأ منهم من يزول ملكه على يده ثم ترك ذلك فلما ظهر موسى عاد إلى تلك العادة فمنعهم الله عنه بإرسال الدم و الضفادع و الطوفان و الجراد كما مضى ذكر ذلك ثم أخبر سبحانه أن ما فعله من قتل الرجال و استحياء النساء لم ينفعه بقوله « و ما كيد الكافرين إلا في ضلال » أي في ذهاب عن الحق لا ينتفعون به .
وَ قَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونى أَقْتُلْ مُوسى وَ لْيَدْعُ رَبَّهُ إِنى أَخَاف أَن يُبَدِّلَ دِينَكمْ أَوْ أَن يُظهِرَ فى الأَرْضِ الْفَسادَ(26) وَ قَالَ مُوسى إِنى عُذْت بِرَبى وَ رَبِّكم مِّن كلِّ مُتَكَبر لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الحِْسابِ(27) وَ قَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَنَهُ أَ تَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبىَ اللَّهُ وَ قَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَتِ مِن رَّبِّكُمْ وَ إِن يَك كذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَ إِن يَك صادِقاً يُصِبْكُم بَعْض الَّذِى يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يهْدِى مَنْ هُوَ مُسرِفٌ كَذَّابٌ(28) يَقَوْمِ لَكُمُ الْمُلْك الْيَوْمَ ظهِرِينَ فى الأَرْضِ فَمَن يَنصرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِن جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَ مَا أَهْدِيكمْ إِلا سبِيلَ الرَّشادِ(29) وَ قَالَ الَّذِى ءَامَنَ يَقَوْمِ إِنى أَخَاف عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ(30)

مجمع البيان ج : 8 ص : 810

القراءة

قرأ أهل المدينة و أبو عمرو و أن يظهر بغير ألف قبل الواو و « يظهر » بضم الياء و كسر الهاء « الفساد » بالنصب و قرأ ابن كثير و ابن عامر و أن يظهر بفتح الياء الفساد بالرفع و قرأ حفص و يعقوب « أو أن يظهر » بضم الياء « الفساد » بالنصب و الباقون أو أن يظهر بفتح الياء الفساد بالرفع و قرأ أهل الكوفة غير عاصم و أبو عمرو و إسماعيل عن نافع و أبو جعفر « عذت » هنا و في الدخان بإدغام الذال في التاء و كذلك قوله فنبذتها حيث كان و الباقون بالإظهار حيث كان .

الحجة

قال أبو علي من قرأ أو أن يظهر فالمعنى إني أخاف هذا الضرب منه كما تقول كل خبزا أو تمرا أي هذا الضرب و من قرأ و أن يظهر فالمعنى إني أخاف هذين الأمرين منه و من قرأ « يظهر في الأرض الفساد » فأسند الفعل إلى موسى فلأنه أشبه بما تقدم من قوله « يبدل دينكم » و من قرأ و أن يظهر فالمعنى و أن يظهر الفساد في الأرض بمكانه أو أراد أنه إذا بدل الدين ظهر الفساد بالتبديل فأما الإدغام في « عذت » فحسن لتقارب الحرفين و الإظهار حسن لأن الذال ليست من حيز التاء و إنما الذال و الظاء و الثاء من حيز و الدال و التاء و الطاء من حيز إلا أنها كلها من طرف اللسان و أصول الثنايا فلذلك صارت متقاربة .



المعنى


« و قال فرعون ذروني أقتل موسى » أي قال لقومه اتركوني أقتله و في هذا دلالة على أنه كان في خاصة فرعون قوم يشيرون عليه بأن لا يقتل موسى و يخوفونه بأن يدعو ربه فيهلك فلذلك قال « و ليدع ربه » أي كما يقولون و قيل إنهم قالوا له هو ساحر فإن قتلته قبل ظهور الحجة قويت الشبهة بمكانه بل أرجه و أخاه و ابعث في المدائن حاشرين و قوله « و ليدع ربه » معناه و قولوا له ليدع ربه و ليستعن به في دفع القتل عنه فإنه لا يجيء من دعائه شيء قاله تجبرا و عتوا و جرأة على الله « إني أخاف أن يبدل دينكم » إن لم أقتله و هو ما تعتقدونه من إلهيتي « أو أن يظهر في الأرض الفساد » بأن يتبعه قوم و يحتاج إلى أن نقاتله فيخرب فيما بين ذلك البلاد و يظهر الفساد و قيل إن الفساد عند فرعون أن يعمل بطاعة الله عن قتادة فلما قال فرعون هذا استعاذ موسى بربه و ذلك قوله « و قال موسى إني عذت بربي و ربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب » أي إني اعتصمت بربي الذي خلقني و ربكم الذي خلقكم من شر كل متكبر على الله متجبر عن الانقياد له لا يصدق بيوم المجازاة ليدفع شره عني و لما قصد فرعون قتل موسى وعظهم المؤمن من آله و هو قوله « و قال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه » في صدره على وجه التقية قال أبو عبد الله (عليه السلام) التقية من ديني و دين آبائي و لا دين لمن لا تقية له و التقية ترس الله في الأرض لأن مؤمن آل فرعون لو أظهر الإسلام لقتل قال ابن عباس لم يكن من آل فرعون مؤمن غيره و غير امرأة فرعون و غير المؤمن الذي أنذر موسى فقال إن الملأ
مجمع البيان ج : 8 ص : 811
يأتمرون بك ليقتلوك قال السدي و مقاتل كان ابن عم فرعون و كان آمن بموسى و هو الذي جاء من أقصى المدينة يسعى و قيل إنه كان ولي عهده من بعده و كان اسمه حبيب و قيل اسمه حزبيل « أ تقتلون رجلا أن يقول ربي الله » و هو استفهام إنكار و لو قال أ تقتلون رجلا قائلا ربي الله لم يدل على أن القتل من أجل الإيمان لأن يقول يكون صفة لرجل نحو يقتلون رجلا قائلا ربي الله فموضع أن يقول نصب على أنه مفعول له « و قد جائكم بالبينات من ربكم » أي بما يدل على صدقه من المعجزات مثل العصا و اليد و غيرهما « و إن يك كاذبا فعليه كذبه » إنما قال هذا وجه التلطف كقوله و إنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين و معناه إن يك كاذبا فعلى نفسه وبال كذبه « و إن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم » قيل إن موسى كان يعدهم بالنجاة إن آمنوا و بالهلاك إن كفروا و قال يصبكم بعض الذي يعدكم لأنهم إذا كانوا على إحدى الحالين نالهم أحد الأمرين فذلك بعض الأمر لا كله و قيل إنما قال بعض الذي يعدكم لأنه توعدهم أمرا مختلفة منها الهلاك في الدنيا و العذاب في الآخرة فيكون هلاكهم في الدنيا بعض ما توعدهم به و قيل استعمل البعض في موضع الكل تلطفا في الخطاب و توسعا في الكلام كما قال الشاعر :
قد يدرك المتأني بعض حاجته
و قد يكون من المستعجل الزلل و كأنه قال أقل ما فيه أن يصيبكم بعض الذي يعدكم و في ذلك البعض هلاككم و قال علي بن عيسى إنما قال « بعض الذي يعدكم » على المظاهرة بالحجاج أي أنه يكفي بعضه فكيف جميعه « إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب » أي لا يهدي إلى جنته و ثوابه من هو مسرف على نفسه متجاوز عن الحد في المعصية كذاب على ربه و يجوز أن يكون هذا حكاية عن قول المؤمن و يجوز أن يكون ابتداء الكلام من الله تعالى ثم ذكرهم هذا المؤمن ما هم فيه من الملك ليشكروا الله على ذلك بالإيمان به فقال « يا قوم لكم الملك اليوم » أي لكم السلطان على أهل الأرض يعني أرض مصر اليوم « ظاهرين في الأرض » أي عالين فيها غالبين عليها قاهرين لأهلها « فمن ينصرنا من بأس الله » أي من يمنعنا من عذاب الله « إن جائنا » و معناه لا تتعرضوا لعذاب الله بقتل النبي و تكذيبه فلا مانع لعذاب من عذاب الله إن حل بكم ف « قال فرعون » عند ذلك « ما أريكم إلا ما أرى » أي ما أشير عليكم إلا بما أراه صوابا و أرضاه لنفسي و قيل معناه ما أعلمكم إلا ما أعلم « و ما أهديكم إلا سبيل الرشاد » و ما أرشدكم إلا إلى ما هو طريق الرشاد و الصواب عندي و هو قتل موسى و التكذيب به و اتخاذي إلها و ربا ثم ذكرهم ما نزل بمن قبلهم و ذلك قوله « و قال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم
 

Back Index Next