جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج8 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



مجمع البيان ج : 8 ص : 570

القراءة

في الشواذ قراءة أبي بن كعب و الحسن و الثقفي أن وهبت بفتح الألف .

الحجة


قال ابن جني تقديره لأن وهبت نفسها أي إنها تحل له من أجل أن وهبت نفسها له و ليس يعني بذلك امرأة بعينها قد كانت وهبت نفسها له و إنما محصوله أنه إن وهبت امرأة نفسها للنبي حلت له من أجل هبتها إياه فالحل إنما هو مسبب عن الهبة متى كانت و يؤكد ذلك القراءة بالكسر فصح به الشرط .


الإعراب


العامل في الظرف من قوله « إذا نكحتم » ما يتعلق به لكم و التقدير إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن لم يثبت لكم عليهن عدة .
« مما أفاء الله عليك » الجار و المجرور في موضع نصب على الحال من الضمير المحذوف في قوله « و ما ملكت يمينك » أي ما ملكته .
« إن وهبت نفسها للنبي » جزاء شرط محذوف تقديره إن وهبت نفسها للنبي أحللناها له و جزاء الشرط الذي هو إن أراد النبي أن يستنكحها الشرط و الجزاء المتقدم تقديره إن أراد النبي أن يستنكحها إن وهبت نفسها له أحللناها له و « أن يستنكحها » في موضع نصب بأنه مفعول أراد .
« خالصة لك » نصب على الحال و الهاء فيه للمبالغة .

المعنى

ثم عاد سبحانه إلى ذكر النساء فقال « يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن » أي من قبل أن تدخلوا بهن « فما لكم عليهن من عدة تعتدونها » أي تستوفونها بالعدد و تحصون عليها بالأقراء و بالأشهر أسقط الله سبحانه العدة عن المطلقة قبل المسيس لبراءة رحمها فإن شاءت تزوجت من يومها « فمتعوهن » قال ابن عباس هذا إذا لم يكن سمي لها صداقا فإذا فرض لها صداقا فلها نصفه و لا تستحق المتعة و هو المروي عن أئمتنا (عليهم السلام) فالآية محمولة عندنا على التي لم يسم لها مهرا فيجب لها المتعة « و سرحوهن سراحا جميلا » أي طلقوهن طلاقا للسنة من غير ظلم عليهن عن الجبائي و قيل سرحوهن عن البيت فإنه ليس عليها عدة فلا يلزمها المقام في منزل الزوج سراحا جميلا بغير
مجمع البيان ج : 8 ص : 571
جفوة و لا أذية و قيل السراح الجميل هو رفع المتعة بحسب الميسرة و العسرة عن حبيب بن أبي ثابت قال كنت قاعدا عند علي بن الحسين (عليهماالسلام) فجاءه رجل فقال إني قلت يوم أتزوج فلانة فهي طالق فقال اذهب فتزوجها فإن الله تعالى بدأ بالنكاح قبل الطلاق و قرأ هذه الآية ثم خاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن » أي أعطيت مهورهن و الإيتاء قد يكون بالأداء و قد يكون بالالتزام « و ما ملكت يمينك » أي و أحللنا لك ما ملكت يمينك من الإماء « مما أفاء الله عليك » من الغنائم و الأنفال فكانت من الغنائم مارية القبطية أم ابنه إبراهيم و من الأنفال صفية و جويرية أعتقهما و تزوجهما « و بنات عمك » أي و أحللنا لك بنات عمك « و بنات عماتك » يعني نساء قريش « و بنات خالك و بنات خالاتك » يعني نساء بني زهرة « اللاتي هاجرن معك » إلى المدينة و هذا إنما كان قبل تحليل غير المهاجرات ثم نسخ شرط الهجرة في التحليل « و امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي » أي و أحللنا لك امرأة مصدقة بتوحيد الله تعالى وهبت نفسها منك بغير صداق و غير المؤمنة إن وهبت نفسها منك لا تحل لك « إن أراد النبي أن يستنكحها » أي آثر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) نكاحها و رغب فيها « خالصة لك من دون المؤمنين » أي خالصة لك دون غيرك قال ابن عباس يقول لا يحل هذا لغيرك و هو لك حلال و هذا من خصائصه في النكاح فكان ينعقد النكاح له بلفظ الهبة و لا ينعقد ذلك لأحد غيره و اختلف في أنه هل كانت عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) امرأة وهبت نفسها له أم لا فقيل إنه لم يكن عنده امرأة وهبت نفسها له عن ابن عباس و مجاهد و قيل بل كانت عنده ميمونة بنت الحرث بلا مهر قد وهبت نفسها للنبي في رواية أخرى عن ابن عباس و قتادة و قيل هي زينب بنت خزيمة أم المساكين امرأة من الأنصار عن الشعبي و قيل هي امرأة من بني أسد يقال لها أم شريك بنت جابر عن علي بن الحسين (عليهماالسلام) و الضحاك و مقاتل و قيل هي خولة بنت حكيم عن عروة بن الزبير و قيل إنها لما وهبت نفسها للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قالت عائشة ما بال النساء يبذلن أنفسهن بلا مهر فنزلت الآية فقالت عائشة ما أرى الله تعالى إلا يسارع في هواك فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و إنك إن أطعت الله سارع في هواك « قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم » معناه قد علمنا ما أخذنا على المؤمنين في أزواجهم من المهر و الحضر بعدد محصور و وضعناه عنك تخفيفا عنك « و ما ملكت أيمانهم » أي و ما أخذنا عليهم في ملك اليمين أن لا يقع لهم الملك إلا بوجوه معلومة من الشراء و الهبة و الإرث و السبي و أبحنا لك غير ذلك و هو الصفي الذي تصطفيه لنفسك من السبي و إنما خصصناك على علم منا بالمصلحة فيه من غير محاباة و لا جزاف « لكيلا يكون عليك حرج » أي ليرتفع عنك الحرج و هو الضيق و الإثم « و كان الله غفورا » لذنوب عباده « رحيما » بهم أو رحيما بك في رفع الحرج عنك .

مجمع البيان ج : 8 ص : 572
* تُرْجِى مَن تَشاءُ مِنهُنَّ وَ تُئْوِى إِلَيْك مَن تَشاءُ وَ مَنِ ابْتَغَيْت مِمَّنْ عَزَلْت فَلا جُنَاحَ عَلَيْك ذَلِك أَدْنى أَن تَقَرَّ أَعْيُنهُنَّ وَ لا يحْزَنَّ وَ يَرْضينَ بِمَا ءَاتَيْتَهُنَّ كلُّهُنَّ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا فى قُلُوبِكُمْ وَ كانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً(51) لا يحِلُّ لَك النِّساءُ مِن بَعْدُ وَ لا أَن تَبَدَّلَ بهِنَّ مِنْ أَزْوَج وَ لَوْ أَعْجَبَك حُسنهُنَّ إِلا مَا مَلَكَت يَمِينُك وَ كانَ اللَّهُ عَلى كلِّ شىْء رَّقِيباً(52) يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوت النَّبىِّ إِلا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طعَام غَيرَ نَظِرِينَ إِنَاهُ وَ لَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَ لا مُستَئْنِسِينَ لحَِدِيث إِنَّ ذَلِكُمْ كانَ يُؤْذِى النَّبىَّ فَيَستَحْىِ مِنكمْ وَ اللَّهُ لا يَستَحْىِ مِنَ الْحَقِّ وَ إِذَا سأَلْتُمُوهُنَّ مَتَعاً فَسئَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَاب ذَلِكمْ أَطهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَ قُلُوبِهِنَّ وَ مَا كانَ لَكمْ أَن تُؤْذُوا رَسولَ اللَّهِ وَ لا أَن تَنكِحُوا أَزْوَجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ُمْ كُمْ كانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً(53) إِن تُبْدُوا شيْئاً أَوْ تخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكلِّ شىْء عَلِيماً(54) لا جُنَاحَ عَلَيهِنَّ فى ءَابَائهِنَّ وَ لا أَبْنَائهِنَّ وَ لا إِخْوَنهِنَّ وَ لا أَبْنَاءِ إِخْوَنهِنَّ وَ لا أَبْنَاءِ أَخَوَتِهِنَّ وَ لا نِسائهِنَّ وَ لا مَا مَلَكت أَيْمَنهُنَّ وَ اتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كلِّ شىْء شهِيداً(55)

مجمع البيان ج : 8 ص : 573

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير أبي بكر إلا الأعشى و عباس و أهل المدينة « ترجي » بغير همز و الباقون بالهمز و قرأ أبو عمرو و يعقوب لا تحل بالتاء و الباقون بالياء و سهل أبو حاتم يجيز فيهما .

الحجة


قال أبو علي جاء في هذا الحرف الهمز و غيره و كذلك أرجئه و أرجه فالقراءة بكل واحد من الأمرين حسنة و التاء و الياء في لا تحل حسنان لأن النساء تأنيثه غير حقيقي إنما هو تأنيث الجمع فالتأنيث حسن و التذكير كذلك .

اللغة

الإرجاء هو التأخير و يكون من تبعيد وقت الشيء عن وقت غيره و منه الإرجاء في فساق أهل الصلاة و هو تأخير حكمهم بالعقاب إلى الله تعالى و الإيواء ضم القادر غيره من الأحياء هم الذين من جنس ما يعقل إلى ناحيته يقال آويت الإنسان أويه إيواء و أوى هو يأوي أويا إذا انضم إلى ماواه و يقال أنى الطعام يأني إني مقصورا إذا بلغ حالة النضج و أدرك وقته و إذا فتح مد فقيل أناء قال الحطيئة :
و آنيت العشاء إلى سهيل
أ و الشعري فطال بي الإناء و الاستئناس ضد الاستيحاش و الإنس ضد الوحشة .

الإعراب

« ذلك أدنى أن تقر » تقديره من أن تقر أو إلى أن تقر أعينهن .
كلهن تأكيد للضمير و هو النون في يرضين و لو نصب جاز على تأكيد قوله هن في « آتيتهن » .
« غير ناظرين » منصوب على الحال « و لا مستأنسين » معطوف عليه فهو حال معطوف على حال قبله و تقديره و لا تدخلوا مستأنسين لحديث .

النزول

نزلت الآية الأولى حين غار بعض أمهات المؤمنين على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و طلب بعضهن زيادة النفقة فهجرهن شهرا حتى نزلت آية التخيير فأمره الله تعالى أن يخيرهن بين الدنيا و الآخرة و أن يخلي سبيل من اختار الدنيا و يمسك من اختار الله تعالى و رسوله على أنهن أمهات المؤمنين و لا ينكحن أبدا و على أنه يؤوي من يشاء منهن و يرجي من يشاء منهن و يرضين به قسم لهن أو لم يقسم أو قسم لبعضهن و لم يقسم لبعضهن أو فضل بعضهن على بعض في النفقة و القسمة و العشرة أو سوى بينهن و الأمر في ذلك إليه يفعل ما يشاء و هذه من خصائصه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فرضين بذلك كله و اخترنه على هذا الشرط فكان (صلى الله عليهوآلهوسلّم) يسوي بينهن مع هذا إلا امرأة منهن أراد طلاقها و هي سودة بنت زمعة فرضيت بترك القسم و جعلت يومها لعائشة عن ابن زيد و غيره و قيل لما نزلت آية التخيير أشفقن أن يطلقن فقلن يا نبي الله اجعل لنا من مالك
مجمع البيان ج : 8 ص : 574
و نفسك ما شئت و دعنا على حالنا فنزلت الآية و كان ممن أرجي منهن سودة و صفية و جويرية و ميمونة و أم حبيبة فكان يقسم لهن ما شاء كما شاء و كان ممن آوى إليه عائشة و حفصة و أم سلمة و زينب و كان يقسم بينهن على السواء لا يفضل بعضهن على بعض عن ابن رزين و نزلت آية الحجاب لما بنى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بزينب بنت جحش و أولم عليها قال أنس أولم عليها بتمر و سويق و ذبح شاة و بعثت إليه أمي أم سليم بحيس في تور من حجارة فأمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن أدعو أصحابه إلى الطعام فدعوتهم فجعل القوم يجيئون و يأكلون و يخرجون ثم يجيء القوم فيأكلون و يخرجون قلت يا نبي الله قد دعوت حتى ما أجد أحدا أدعوه فقال ارفعوا طعامكم فرفعوا طعامهم و خرج القوم و بقي ثلاثة نفر يتحدثون في البيت فأطالوا المكث فقام (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قمت معه لكي يخرجوا فمشى حتى بلغ حجرة عائشة ثم ظن أنهم قد خرجوا فرجع و رجعت معه فإذا هم جلوس مكانهم فنزلت الآية و روي مثل ذلك عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال و كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يريد أن يخلو له المنزل لأنه كان حديث عهد بعرس و كان محبا لزينب و كان يكره أذى المؤمنين و قيل كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يطعم معه بعض أصحابه فأصابت يد رجل منهم يد عائشة و كانت معهم فكره (صلى الله عليه وآله وسلّم) ذلك فنزلت آية الحجاب عن مجاهد و نزل قوله « و ما كان لكم أن تؤذوا رسول الله » إلى آخر الآية في رجل من الصحابة قال لئن قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأنكحن عائشة بنت أبي بكر عن ابن عباس قال مقاتل و هو طلحة بن عبيد الله و قيل إن رجلين قالا أ ينكح محمد نساءنا و لا ننكح نساءه و الله لئن مات لنكحنا نساءه و كان أحدهما يريد عائشة و الآخر يريد أم سلمة عن أبي حمزة الثمالي .

المعنى

ثم خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) يخيره في نسائه فقال « ترجي من تشاء منهن و تؤوي إليك من تشاء » أي تؤخر و تبعد من تشاء من أزواجك و تضم إليك من تشاء منهن و اختلف في معناه على أقوال ( أحدها ) أن المراد تقدم من تشاء من نسائك في الإيواء إليك و هو الدعاء إلى الفراش و تؤخر من تشاء في ذلك و تدخل من تشاء منهن في القسم و لا تدخل من تشاء عن قتادة قال و كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقسم بين أزواجه و أباح الله له ترك ذلك ( و ثانيها ) أن المراد تعزل من تشاء منهن بغير طلاق و ترد إليك من تشاء منهن بعد عزلك إياها بلا تجديد عقد عن مجاهد و الجبائي و أبي مسلم ( و ثالثها ) أن المراد تطلق من تشاء منهن و تمسك من تشاء عن ابن عباس ( و رابعها ) أن المراد تترك نكاح من تشاء من نساء أمتك و تنكح منهن من تشاء عن الحسن قال و كان (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا خطب امرأة لم يكن لغيره أن يخطبها حتى يتزوجها أو
مجمع البيان ج : 8 ص : 575
يتركها ( و خامسها ) تقبل من تشاء من المؤمنات اللائي يهبن أنفسهن لك فتؤويها إليك و تترك من تشاء منهن فلا تقبلها عن زيد بن أسلم و الطبري قال أبو جعفر و أبو عبد الله (عليه السلام) من أرجى لم ينكح و من أوى فقد نكح « و من ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك » أي إن أردت أن تؤوي إليك امرأة ممن عزلتهن عن ذلك و تضمها إليك فلا سبيل عليك بلوم و لا عتب و لا إثم عليك في ابتغائها أباح الله سبحانه له ترك القسم في النساء حتى يؤخر من يشاء عن وقت نوبتها و يطأ من يشاء في غير وقت نوبتها و له أن يعزل من يشاء و له أن يرد المعزولة إن شاء فضله الله تعالى بذلك على جميع الخلق « ذلك أدنى أن تقر أعينهن و لا يحزن و يرضين بما آتيتهن كلهن » معناه أنهن إذا علمن أن له ردهن إلى فراشه بعد ما اعتزلهن قرت أعينهن و لم يحزن و يرضين بما يفعله النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من التسوية و التفضيل لأنهن يعلمن أنهن لم يطلقن عن ابن عباس و مجاهد و قيل معناه ذلك أطيب لنفوسهن و أقل لحزنهن إذا علمن أن لك الرخصة بذلك من الله تعالى و يرضين بما يفعله النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) من التسوية و التفضيل عن قتادة و قرة العين عبارة عن السرور و قيل ذلك المعرفة منهن بأنك إذا عزلت واحدة كان لك أن تؤويها بعد ذلك أدنى بسرورهن و قرة أعينهن عن الجبائي و قيل معناه نزول الرخصة من الله تعالى أقر لأعينهن و أدنى إلى رضاهن بذلك لعلمهن بما لهن في ذلك من الثواب في طاعة الله تعالى و لو كان ذلك من قبلك لحزن و حملن ذلك على ميلك إلى بعضهن « و الله يعلم ما في قلوبكم » من الرضاء و السخط و الميل إلى بعض النساء دون بعض « و كان الله عليما » بمصالح عباده « حليما » في ترك معاجلتهم بالعقوبة « لا يحل لك النساء من بعد » أي من بعد النساء اللواتي أحللناهن لك في قوله إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن الآية و هن ستة أجناس النساء اللاتي آتاهن أجورهن أي أعطاهن مهورهن و بنات عمه و بنات عماته و بنات خاله و بنات خالاته اللاتي هاجرن معه و من وهبت نفسها له يجمع ما شاء من العدد و لا تحل له غيرهن من النساء عن أبي بن كعب و عكرمة و الضحاك و قيل يريد المحرمات في سورة النساء عن أبي عبد الله (عليه السلام) و قيل معناه لا تحل لك اليهوديات و لا النصرانيات « و لا أن تبدل بهن من أزواج » و لا أن تبدل الكتابيات بالمسلمات لأنه لا ينبغي أن يكن أمهات المؤمنين « إلا ما ملكت يمينك » من الكتابيات فأحل له أن يتسراهن عن مجاهد و سعيد بن جبير و قيل معناه لا يحل لك النساء من بعد نسائك اللاتي خيرتهن فاخترن الله و رسوله و هن التسع صرت مقصورا عليهن و ممنوعا من غيرهن و من أن تستبدل بهن غيرهن « و لو أعجبك حسنهن » أي وقع في قلبك حسنهن مكافاة لهن على اختيارهن الله و رسوله عن الحسن و الشعبي و قيل إن التي أعجبه حسنها أسماء بنت عميس بعد قتل جعفر بن أبي طالب عنها و قيل إنه منع من
مجمع البيان ج : 8 ص : 576
طلاق من اختارته من نسائه كما أمر بطلاق من لم تختره فأما تحريم النكاح عليه فلا عن الضحاك و قيل أيضا إن هذه الآية منسوخة و أبيح له بعدها تزويج ما شاء فروي عن عائشة أنها قالت ما فارق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) الدنيا حتى حلل له ما أراد من النساء و قوله « و لا أن تبدل بهن من أزواج » فقيل أيضا في معناه أن العرب كانت تتبادل بأزواجهم فيعطي أحدهم زوجته رجلا فيأخذ بها زوجة منه بدلا عنها فنهى عن ذلك و قيل في قوله « و لو أعجبك حسنهن » يعني إن أعجبك حسن ما حرم عليك من جملتهن و لم يحللن لك و هو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) « و كان الله على كل شيء رقيبا » أي عالما حافظا عن الحسن و قتادة « يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه » نهاهم سبحانه عن دخول دار النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بغير إذن و هو قوله « إلا أن يؤذن لكم » أي في الدخول يعني إلا أن يدعوكم إلى طعام فادخلوا غير ناظرين إناه أي غير منتظرين إدراك الطعام فيطول مقامكم في منزله و المعنى لا تدخلوا بغير إذن و قيل نضج الطعام انتظارا لنضجه فيطول لبثكم و مقامكم « و لكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا » أي فإذا أكلتم الطعام فتفرقوا و أخرجوا « و لا مستأنسين لحديث » أي و لا تدخلوا فتقعدوا بعد الأكل متحدثين يحدث بعضكم بعضا ليؤنسه ثم بين المعنى في ذلك فقال « إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم » أي طول مقامكم في منزل النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يؤذيه لضيق منزله فيمنعه الحياء أن يأمركم بالخروج من المنزل « و الله لا يستحيي من الحق » أي لا يترك إبانة الحق فيأمركم بتعظيم رسوله و ترك دخول بيته من غير إذن و الامتناع عما يؤدي إلى أذاه و كراهيته قالت عائشة يحسب الثقلاء أن الله سبحانه لم يحتملهم فقال « فإذا طعمتم فانتشروا » و قال بعض العلماء هذا أدب أدب الله به الثقلاء « و إذا سألتموهن متاعا فسئلوهن من وراء حجاب » يعني فإذا سألتم أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) شيئا تحتاجون إليه فاسألوهن من وراء الستر قال مقاتل أمر الله المؤمنين أ لا يكلموا نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلا من وراء حجاب و روى مجاهد عن عائشة قالت كنت آكل مع النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) حيسا في قعب فمر بنا عمر فدعاه فأكل فأصابت إصبعه إصبعي فقال حس لو أطاع فيكن ما رأتكن عين فنزل الحجاب « ذلكم » أي سؤالكم إياهن المتاع من وراء حجاب « أطهر لقلوبكم و قلوبهن » من الريبة و من خواطر الشيطان التي تدعو إلى ميل الرجال إلى النساء و النساء إلى الرجال « و ما كان لكم أن تؤذوا رسول الله » أي ليس لكم إيذاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بمخالفة ما أمر به في
مجمع البيان ج : 8 ص : 577

نسائه و لا في شيء من الأشياء « و لا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا » أي من بعد وفاته المعنى و لا يحل لكم أن تزوجوا واحدة من نسائه بعد مماته كما لا تحل لكم أن تؤذوه في حال حياته و قيل من بعده أي من بعد فراقه في حياته كما قال بئسما خلفتموني من بعدي « إن ذلكم كان عند الله عظيما » أي إيذاء الرسول بما ذكرنا كان ذنبا عظيم الموقع عند الله تعالى « إن تبدوا شيئا أو تخفوه » أي تظهروا شيئا أو تضمروه مما نهيتم عنه من تزويجهن « فإن الله كان بكل شيء عليما » من الظواهر و السرائر و هذا تهديد و روي عن حذيفة أنه قال لامرأته تريدي أن تكوني زوجتي في الجنة فلا تتزوجي بعدي فإن المرأة لآخر أزواجها فلذلك حرم الله تعالى على أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يتزوجن بعده و روي عن النبي سئل عن المرأة تكون لها زوجان فتموت فتدخل الجنة فلأيهما تكون قال لأحسنهما خلقا كان معها في الدنيا ذهب حسن الخلق بخير الدنيا و الآخرة و لما نزلت آية الحجاب قال الآباء و الأبناء و الأقارب يا رسول الله و نحن أيضا نكلمهن من وراء حجاب فأنزل الله تعالى قوله « لا جناح عليهن في آبائهن و لا أبنائهن و لا إخوانهن و لا أبناء إخوانهن و لا أبناء أخواتهن » أن يروهن و لا يحتجبن عنهم « و لا نسائهن » قيل نريد نساء المؤمنين لا نساء اليهود و لا النصارى فيصفن نساء رسول الله لأزواجهن إن رأينهن عن ابن عباس و قيل يريد جميع النساء « و لا ما ملكت أيمانهن » يعني العبيد و الإماء « و اتقين الله » أي اتركن معاصيه و قيل اتقين عقاب الله من دخول الأجانب عليكن « إن الله كان على كل شيء شهيدا » أي حفيظا لا يغيب عنه شيء قال الشعبي و عكرمة و إنما لم يذكر العم و الخال لئلا ينعتاهن لأبنائهما .
إِنَّ اللَّهَ وَ مَلَئكتَهُ يُصلُّونَ عَلى النَّبىِّ يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صلُّوا عَلَيْهِ وَ سلِّمُوا تَسلِيماً(56) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسولَهُ لَعَنهُمُ اللَّهُ فى الدُّنْيَا وَ الاَخِرَةِ وَ أَعَدَّ لهَُمْ عَذَاباً مُّهِيناً(57) وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَتِ بِغَيرِ مَا اكتَسبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَناً وَ إِثْماً مُّبِيناً(58) يَأَيهَا النَّبىُّ قُل لأَزْوَجِك وَ بَنَاتِك وَ نِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلَبِيبِهِنَّ ذَلِك أَدْنى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً(59) * لَّئن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَفِقُونَ وَ الَّذِينَ فى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَ الْمُرْجِفُونَ فى الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّك بِهِمْ ثُمَّ لا يجَاوِرُونَك فِيهَا إِلا قَلِيلاً(60) مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِيلاً(61) سنَّةَ اللَّهِ فى الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَ لَن تجِدَ لِسنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً(62)

مجمع البيان ج : 8 ص : 578

القراءة


في الشواذ قراءة الحسن فصلوا عليه .

الحجة

إنما جاز دخول الفاء لما في الكلام من معنى الشرط و ذلك أن الصلاة إنما وجبت عليه منا لأن الله قد صلى عليه و ملائكته فجرى مجرى قول القائل قد أعطيتك فخذ أي إنما وجب عليك الأخذ من أجل العطية .


اللغة

الجلباب خمار المرأة الذي يغطي رأسها و وجهها إذا خرجت لحاجة و الإرجاف إشاعة الباطل للاغتمام به و أصله الاضطراب و منه يقال للبحر رجاف لاضطرابه فإرجاف الناس بالشيء اضطرابهم بالخوض فيه و منه ترجف الراجفة و الإغراء الدعاء إلى تناول الشيء بالتحريض عليه يقال أغراه بالشيء إغراء فغري به أي أولع به .

الإعراب

« يدنين » في موضع جزم بأنه جواب شرط مقدر و تقديره قل لأزواجك أدنين عليكن من جلابيبكن فإنك إن تقل ذلك يدنين .
« ملعونين » نصب على الذم .
« أينما ثقفوا أخذوا » شرط و جزاء و أين ظرف لثقفوا و معمول له و إنما جاز ذلك لأن الجازم في الأصل إن المحذوفة فصار « أينما » يتضمنها فيغني عنها و يقوم مقامها و لا يجوز أن يعمل فيه « أخذوا » لأنه جواب الشرط و لا يعمل الجواب فيما قبل الشرط .


المعنى


لما صدر سبحانه هذه السورة بذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قرر في أثناء السورة ذكر تعظيمه ختم ذلك بالتعظيم الذي ليس يقاربه تعظيم و لا يدانيه فقال « إن الله و ملائكته يصلون على النبي » معناه إن الله يصلي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و يثني عليه بالثناء الجميل و يبجله بأعظم التبجيل و ملائكته يصلون عليه ] يثنون عليه [ بأحسن الثناء و يدعون له بأزكى الدعاء « يا
مجمع البيان ج : 8 ص : 579
أيها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما » قال أبو حمزة الثمالي حدثني السدي و حميد بن سعد الأنصاري و بريد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال لما نزلت هذه الآية قلنا يا رسول الله هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك قال قولوا اللهم صل على محمد و آل محمد كما صليت على إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد و بارك على محمد و آل محمد كما باركت على إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد حدث عن عبد الله بن مسعود قال إذا صليتم على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فأحسنوا الصلاة عليه فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه قالوا فعلمنا قال قولوا اللهم اجعل صلاتك و رحمتك و بركاتك على سيد المرسلين و إمام المتقين و خاتم النبيين محمد عبدك و رسولك إمام الدين و قائد الخير و رسول الرحمة اللهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون و الآخرون اللهم صل على محمد و آل محمد كما صليت على إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد حدث عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن هذه الآية فقلت كيف صلاة الله على رسوله فقال يا أبا محمد تزكيته له في السماوات العلى فقلت قد عرفت صلواتنا عليه فكيف التسليم فقال هو التسليم له في الأمور فعلى هذا يكون معنى قوله « و سلموا تسليما » انقادوا لأوامره و ابذلوا الجهد في طاعته و في جميع ما يأمركم به و قيل معناه سلموا عليه بالدعاء أي قولوا السلام عليك يا رسول الله ( الحديث ) و حدث عن أنس بن مالك عن أبي طلحة قال دخلت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فلم أره أشد استبشارا منه يومئذ و لا أطيب نفسا قلت يا رسول الله ما رأيتك قط أطيب نفسا و لا أشد استبشارا منك اليوم فقال و ما يمنعني و قد خرج آنفا جبرائيل من عندي قال قال الله تعالى من صلى عليك صلاة صليت بها عليه عشر صلوات و محوت عنه عشر سيئات و كتبت له عشر حسنات « إن الذين يؤذون الله و رسوله » قيل هم المنافقون و الكافرون و الذين وصفوا الله بما لا يليق به و كذبوا رسله و كذبوا عليه فعلى هذا يكون معنى يؤذون الله يخالفون أمره و يصفونه بما هو منزه عنه و يشبهونه بغيره فإن الله عز اسمه لا يلحقه أذى و لكن لما كانت مخالفة الأمر فيما بيننا تسمى إيذاء خوطبنا بما نتعارفه و قيل يؤذون الله يلحدون في أسمائه و صفاته و قيل معناه يؤذون رسول الله فقدم ذكر الله على وجه التعظيم إذ جعل أذى رسوله أذى له تشريفا له و تكريما فكأنه يقول لو جاز أن يناله أذى من شيء لكان ينالني من هذا و اتصاله بما قبله أنه كأنه يقول صلوا عليه و لا تؤذوا فإن من آذاه فهو كافر ثم أوعد عليه بقوله « لعنهم الله في الدنيا و الآخرة » أي يبعدهم الله من رحمته و يحل بهم وبال نقمته بحرمان زيادات الهدى في الدنيا و الخلود في النار في الآخرة « و أعد لهم » في الآخرة « عذابا مهينا » أي مذلا لهم حدثنا السيد أبو الحمد قال حدثنا الحاكم أبو القاسم الحسكاني قال حدثنا أبو عبد الله الحافظ قال
مجمع البيان ج : 8 ص : 580
حدثنا أحمد بن محمد بن أبي دارم الحافظ قال حدثنا علي بن أحمد العجلي قال حدثنا عباد ابن يعقوب قال حدثنا أرطاة بن حبيب قال حدثنا أبو خالد الواسطي و هو آخذ بشعره قال حدثني زيد بن علي بن الحسين (عليهماالسلام) و هو آخذ بشعره قال حدثني علي بن الحسن و هو آخذ بشعره قال حدثني الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) و هو آخذ بشعره قال حدثني علي بن أبي طالب و هو آخذ بشعره قال حدثني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و هو آخذ بشعره فقال من آذى شعرة منك فقد آذاني و من آذاني فقد آذى الله و من آذى الله فعليه لعنة الله « و الذين يؤذون المؤمنين و المؤمنات بغير ما اكتسبوا » أي يؤذونهم من غير أن عملوا ما يوجب أذاهم « فقد احتملوا بهتانا » أي فقد فعلوا ما هو أعظم الإثم مع البهتان و هو الكذب على الغير يواجهه به فجعل إيذاء المؤمنين و المؤمنات مثل البهتان و قيل يعني بذلك أذية اللسان فيتحقق فيها البهتان « و إثما مبينا » أي و معصية ظاهرة قال قتادة و الحسن إياكم و أذى المؤمنين فإن الله تعالى يغضب له و قيل نزلت في قوم من الزناة كانوا يمشون في الطرقات ليلا فإذا رأوا امرأة غمزوها و كانوا يطلبون الإماء عن الضحاك و السدي و الكلبي ثم خاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « يا أيها النبي قل لأزواجك و بناتك و نساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن » أي قل لهؤلاء فليسترن موضع الجيب بالجلباب و هو الملاءة التي تشتمل بها المرأة عن الحسن و قيل الجلباب مقنعة المرأة أي يغطين جباههن و رءوسهن إذا خرجن لحاجة بخلاف الإماء اللاتي يخرجن مكشفات الرؤوس و الجباه عن ابن عباس و مجاهد و قيل أراد بالجلابيب الثياب و القميص و الخمار و ما تستتر به المرأة عن الجبائي و أبي مسلم « ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين » أي ذلك أقرب إلى أن يعرفن بزيهن أنهن حرائر و لسن بإماء فلا يؤذيهن أهل الريبة فإنهم كانوا يمازحون الإماء و ربما كان يتجاوز المنافقون إلى ممازحة الحرائر فإذا قيل لهم في ذلك قالوا حسبناهن إماء فقطع الله عذرهم و قيل معناه ذلك أقرب إلى أن يعرفن بالستر و الصلاح فلا يتعرض لهن لأن الفاسق إذا عرف امرأة بالستر و الصلاح لم يتعرض لها عن الجبائي « و كان الله غفورا » أي ستارا لذنوب عباده « رحيما » بهم ثم أوعد سبحانه هؤلاء الفساق فقال « لئن لم ينته المنافقون » أي لئن لم يمتنع المنافقون « و الذين في قلوبهم مرض » أي فجور و ضعف في الإيمان و هم الذين لا دين لهم عما ذكرناه من مراودة النساء و إيذائهن « و المرجفون في المدينة » و هم المنافقون أيضا الذين كانوا يرجفون في المدينة بالأخبار الكاذبة المضعفة لقلوب المسلمين بأن يقولوا اجتمع المشركون في موضع كذا قاصدين لحرب المسلمين و نحو ذلك و يقولوا لسرايا المسلمين إنهم قتلوا و هزموا و في الكلام حذف و تقديره لئن لم ينته هؤلاء عن أذى المسلمين و عن الإرجاف بما يشغل قلوبهم « لنغرينك بهم » أي لنسلطنك
مجمع البيان ج : 8 ص : 581
عليهم يا محمد عن ابن عباس و المعنى أمرناك بقتلهم حتى تقتلهم و تخلي عنهم المدينة و قد حصل الإغراء بهم بقوله جاهد الكفار و المنافقين عن أبي مسلم و قيل لم يحصل الإغراء بهم لأنهم انتهوا عن الجبائي قال و لو حصل الإغراء لقتلوا و شردوا و أخرجوا عن المدينة « ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا » أي ثم لا يساكنونك في المدينة إلا يسيرا و هو ما بين الأمر بالقتل و ما بين قتلهم « ملعونين » أي مطرودين منفيين عن المدينة مبعدين عن الرحمة و قيل ملعونين على السنة المؤمنين « أينما ثقفوا أخذوا و قتلوا تقتيلا » أي أينما وجدوا و ظفر بهم أخذوا و قتلوا أبلغ القتل « سنة الله في الذين خلوا من قبل » و السنة الطريقة في تدبير الحكم و سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) طريقته التي أجراها بأمر الله تعالى فأضيفت إليه و لا يقال سنته إذا فعلها مرة أو مرتين لأن السنة الطريقة الجارية و المعنى سن الله في الذين ينافقون الأنبياء و يرجفون بهم أن يقتلوا حيثما ثقفوا عن الزجاج « و لن تجد لسنة الله تبديلا » أي تحويلا و تغييرا أي لا يتهيأ لأحد تغييرها و لا قلبها من جهتها لأنه سبحانه القادر الذي لا يتهيأ لأحد منعه مما أراد فعله .
يَسئَلُك النَّاس عَنِ الساعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَ مَا يُدْرِيك لَعَلَّ الساعَةَ تَكُونُ قَرِيباً(63) إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَفِرِينَ وَ أَعَدَّ لهَُمْ سعِيراً(64) خَلِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يجِدُونَ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً(65) يَوْمَ تُقَلَّب وُجُوهُهُمْ فى النَّارِ يَقُولُونَ يَلَيْتَنَا أَطعْنَا اللَّهَ وَ أَطعْنَا الرَّسولا(66) وَ قَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطعْنَا سادَتَنَا وَ كُبرَاءَنَا فَأَضلُّونَا السبِيلا(67) رَبَّنَا ءَاتهِمْ ضِعْفَينِ مِنَ الْعَذَابِ وَ الْعَنهُمْ لَعْناً كَبِيراً(68) يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَكُونُوا كالَّذِينَ ءَاذَوْا مُوسى فَبرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَ كانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً(69)

مجمع البيان ج : 8 ص : 582

القراءة


قرأ ابن عامر و يعقوب و سهل ساداتنا بالألف و كسر التاء و الباقون « سادتنا » بغير ألف و قرأ عاصم « كبيرا » بالباء و الباقون كثيرا بالثاء و في الشواذ قراءة عيسى بن عمر يوم تقلب وجوههم و قراءة ابن مسعود و الأعمش و كان عبدا لله وجيها .

الحجة


قال أبو علي سادة فعلة مثل كتبة و فجرة قال :
سليل قروم سادة مثل ذادة
يبذون أهل الجمع يوم المحصب و وجه الجمع بالألف و التاء أنهم قد قالوا الطرقات و المعنات في المعن جمع معين قال الأعشى :
جندك التالد الطريف من السادات
أهل القباب و الآكال قال أبو الحسن هي غريبة و الكبر مثل العظم و الكثرة أشبه بالموضع لأنهم يلعنون مرة بعد مرة و قد جاء يلعنهم الله و يلعنهم اللاعنون فالكثرة أشبه بالمرار المتكررة من الكبر و قوله « يوم تقلب وجوههم » تقديره يوم تقلب السعير وجوههم نسب الفعل إلى النار لما كان التقليب فيها كما قال مكر الليل و النهار لوقوع المكر فيهما و عليه قول رؤبة :
فنام ليلي و تجلى همي و قوله عبدا لله وجيها لا يهم منه وجاهته عند الله فقراءة الناس المشهورة أقوى منه لإسناده وجاهته إلى الله سبحانه .

المعنى

ثم قال سبحانه « يسئلك » يا محمد « الناس عن الساعة » يعني القيامة « قل إنما علمها عند الله » لا يعلمها غيره « و ما يدريك » يا محمد أي أي شيء يعلمك من أمر الساعة و متى يكون قيامها أي أنت لا تعرفه ثم قال « لعل الساعة تكون قريبا » أي قريبا مجيئها و يجوز أن يكون أمره أن يجيب كل من يسأله عن الساعة بهذا فيقول لعل ما تستبطئه قريب و ما تنكره كائن و يجوز أن يكون تسلية له (صلى الله عليه وآله وسلّم) أي فاعلم أنه قريب فلا يضيقن صدرك باستهزائهم بإخفائها « إن الله لعن الكافرين و أعد لهم سعيرا » أي نارا تستعر و تلتهب « خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا و لا نصيرا » أي وليا ينصرهم يدفع عنهم « يوم تقلب
مجمع البيان ج : 8 ص : 583
وجوههم في النار » العامل في « يوم تقلب » قوله « و أعد لهم سعيرا » و التقليب تصريف الشيء في الجهات و معناه تقلب وجوه هؤلاء السائلين عن الساعة و أشباههم من الكفار فتسود و تصفر و تصير كالحة بعد أن لم تكن و قيل معناه تنقل وجوههم من جهة إلى جهة في النار فيكون أبلغ فيما يصل إليها من العذاب « يقولون » متمنين متأسفين « يا ليتنا أطعنا الله » فيما أمرنا به و نهانا عنه « و أطعنا الرسولا » فيما دعانا إليه « و قالوا ربنا إنا أطعنا » فيما فعلناه « سادتنا و كبرائنا » و السيد المالك المعظم الذي يملك تدبير السواد الأعظم و هو الجمع الأكثر قال مقاتل هم المطعمون في غزوة بدر و قال طاووس هم العلماء و الوجه أن المراد جميع قادة الكفر و أئمة الضلال « فأضلونا السبيلا » أي أضلنا هؤلاء عن سبيل الحق و طريق الرشاد « ربنا آتهم ضعفين من العذاب » بضلالهم في نفوسهم و إضلالهم إيانا أي عذبهم مثلي ما تعذب غيرهم « و العنهم لعنا كبيرا » مرة بعد أخرى و زدهم غضبا إلى غضبك و سخطا إلى سخطك ثم خاطب سبحانه المظهرين للإيمان فقال « يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا » أي لا تؤذوا محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) كما آذى بنو إسرائيل موسى فإن حق النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يعظم و يبجل لا أن يؤذي و اختلفوا فيما أوذي به موسى على أقوال ( أحدها ) أن موسى و هارون صعدا الجبل فمات هارون فقالت بنو إسرائيل أنت قتلته فأمر الله الملائكة فحملته حتى مروا به على بني إسرائيل و تكلمت الملائكة بموته حتى عرفوا أنه قد مات و برأه الله من ذلك عن علي (عليه السلام) و ابن عباس و اختاره الجبائي ( و ثانيها ) أن موسى كان حييا ستيرا يغتسل وحده فقالوا ما يستتر منا إلا لعيب بجلده إما برص و إما أدرة فذهب مرة يغتسل فوضع ثوبه على حجر فمر الحجر بثوبه فطلبه موسى فرآه بنو إسرائيل عريانا كأحسن الرجال خلقا فبرأه الله مما قالوا رواه أبو هريرة مرفوعا و قال قوم إن ذلك لا يجوز لأن فيه إشهار النبي و إبداء سوأته على رءوس الأشهاد و ذلك ينفر عنه ( و ثالثها ) أن قارون استأجر مومسة لتقذف موسى بنفسها على رأس الملأ فعصمه الله تعالى من ذلك على ما مر ذكره عن أبي العالية ( و رابعها ) أنهم آذوه من حيث أنهم نسبوه إلى السحر و الجنون و الكذب بعد ما رأوا الآيات عن أبي مسلم « و كان عند الله وجيها » أي عظيم القدر رفيع المنزلة يقال وجه وجاهة فهو وجيه إذا كان ذا جاه و قدر قال ابن عباس كان عند الله خطيرا لا يسأله شيئا إلا أعطاه .

مجمع البيان ج : 8 ص : 584
يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ قُولُوا قَوْلاً سدِيداً(70) يُصلِحْ لَكُمْ أَعْمَلَكمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ مَن يُطِع اللَّهَ وَ رَسولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً(71) إِنَّا عَرَضنَا الأَمَانَةَ عَلى السمَوَتِ وَ الأَرْضِ وَ الْجِبَالِ فَأَبَينَ أَن يحْمِلْنهَا وَ أَشفَقْنَ مِنهَا وَ حَمَلَهَا الانسنُ إِنَّهُ كانَ ظلُوماً جَهُولاً(72) لِّيُعَذِّب اللَّهُ الْمُنَفِقِينَ وَ الْمُنَفِقَتِ وَ الْمُشرِكينَ وَ الْمُشرِكَتِ وَ يَتُوب اللَّهُ عَلى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَتِ وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيمَا(73)

المعنى

ثم أمر الله سبحانه أهل الإيمان و التوحيد بالتقوى و القول السديد فقال « يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله » أي اتقوا عقاب الله باجتناب معاصيه و فعل واجباته « و قولوا قولا سديدا » أي صوابا بريئا من الفساد خالصا من شائقة الكذب و اللغو موافق للظاهر و للباطن و قال الحسن و عكرمة صادقا يعني كلمة التوحيد لا إله إلا الله و قال مقاتل هذا يتصل بالنهي عن الإيذاء أي قولوا قولا صوابا و لا تنسبوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى ما لا يجمل و لا يليق به « يصلح لكم أعمالكم » معناه إن فعلتم ذلك يصلح لكم أعمالكم بأن يلطف لكم فيها حتى تستقيموا على الطريقة المستقيمة السليمة من الفساد و يوفقكم لما فيه الصلاح و الرشاد و قيل معناه يزكي أعمالكم و يتقبل حسناتكم عن ابن عباس و مقاتل « و يغفر لكم ذنوبكم » باستقامتكم في الأقوال و الأفعال « و من يطع الله و رسوله » في الأوامر و النواهي « فقد فاز فوزا عظيما » أي فقد أفلح إفلاحا عظيما و قيل فقد ظفر برضوان الله و كرامته « إنا عرضنا الأمانة على السموات و الأرض و الجبال » اختلف في معنى الأمانة فقيل هي ما أمر الله به من طاعته و نهى عنه من معصيته عن أبي العالية و قيل هي الأحكام و الفرائض التي أوجبها الله تعالى على العباد عن ابن عباس و مجاهد و هذان القولان متقاربان و قيل هي أمانات الناس و الوفاء بالعهود فأولها ائتمان آدم ابنه قابيل على أهله و ولده حين أراد التوجه إلى مكة عن أمر ربه فخان قابيل
مجمع البيان ج : 8 ص : 585
إذ قتل هابيل عن السدي و الضحاك و اختلف في معنى عرض الأمانة على هذه الأشياء و قيل فيه أقوال ( أحدها ) أن المراد العرض على أهلها فحذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه و عرضها عليهم هو تعريفه إياهم أن في تضييع الأمانة الإثم العظيم و كذلك في ترك أوامر الله تعالى و أحكامه فبين سبحانه جرأة الإنسان على المعاصي و إشفاق الملائكة من ذلك فيكون المعنى عرضنا الأمانة على أهل السماوات و الأرض و الجبال من الملائكة و الجن و الإنس « فأبين أن يحملنها » أي فأبى أهلهن أن يحملوا تركها و عقابها و المأثم فيها « و أشفقن منها » أي و أشفقن أهلهن من حملها « و حملها الإنسان إنه كان ظلوما » لنفسه بارتكاب المعاصي « جهولا » بموضع الأمانة في استحقاق العقاب على الخيانة فيها عن أبي علي الجبائي و قال إذا لم يصح حمله على نفس السماوات و الأرض و الجبال فلا بد أن يكون المراد به أهلها لأنه يجب أن يكون المراد به المكلفين دون غيرهم لأن ذلك لا يصح إلا فيهم و لا بد من أن يكون المراد بحمل الأمانة تضييعها لأن نفس الأمانة قد حملتها الملائكة و قامت بها قال الزجاج كل من خان الأمانة فقد حملها و من لم يحمل الأمانة فقد أداها و كذلك كل من أثم فقد احتمل الإثم قال الله سبحانه و ليحملن أثقالهم و أثقالا مع أثقالهم فقد أعلم الله سبحانه أن من باء بالإثم يسمى حاملا للإثم و هو قول الحسن لأنه قال الكافر و المنافق حملا الأمانة أي خانا و لم يطيعا و أنشد بعضهم في حمل الأمانة بمعنى الخيانة قول الشاعر :
إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة
و تحمل أخرى أفرحتك الودائع و أقول أن الظاهر لا يدل على ذلك لأنه لا يجوز أن يكون المراد بالحمل هنا قبول الأمانة لأن الشاعر جعله في مقابلة الأداء فكأنه قال إذا كنت لا تزال تقبل أمانة و تؤدي أخرى شغلت نفسك بقبول الودائع و أدائها فأثقلتك ( و ثانيها ) أن معنى عرضنا عارضنا و قابلنا فإن عرض الشيء على الشيء و معارضته به سواء و الأمانة ما عهد الله سبحانه إلى عباده من أمره و نهيه و أنزل فيه الكتب و أرسل الرسل و أخذ عليه الميثاق و المعنى أن هذه الأمانة في جلالة موقعها و عظم شأنها لو قيست بالسماوات و الأرض و الجبال و عورضت بها لكانت هذه الأمانة أرجح و أثقل وزنا و معنى قوله « فأبين أن يحملنها » ضعفن عن حملها كذلك « و أشفقن منها » لأن الشفقة ضعف القلب و لذلك صار كناية عن الخوف الذي يضعف عنده القلب ثم قال إن هذه الأمانة التي من صفتها أنها أعظم من هذه الأشياء العظيمة تقلدها الإنسان فلم يحفظها بل
مجمع البيان ج : 8 ص : 586
حملها و ضيعها لظلمه على نفسه و لجهله بمبلغ الثواب و العقاب عن أبي مسلم ( و ثالثها ) أنه على وجه التقدير إلا أنه أجري عليه لفظ الواقع لأن الواقع أبلغ من المقدر .
معناه لو كانت السماوات و الأرض و الجبال عاقلة ثم عرضت عليها الأمانة و هي وظائف الدين أصولا و فروعا و ما ذكرناه من الأقاويل فيها بما فيها من الوعد و الوعيد عرض تخيير لاستثقلت ذلك مع كبر أجسامها و شدتها و قوتها و لامتنعت من حملها خوفا من القصور عن أداء حقها ثم حملها الإنسان مع ضعف جسمه و لم يخف الوعيد لظلمه و جهله و على هذا يحمل ما روي عن ابن عباس أنها عرضت على نفس السماوات و الأرض فامتنعت من حملها ( و رابعها ) أن معنى العرض و الإباء ليس هو ما يفهم بظاهر الكلام بل المراد تعظيم شأن الأمانة لا مخاطبة الجماد و العرب تقول سألت الربع و خاطبت الدار فامتنعت عن الجواب و إنما هو إخبار عن الحال عبر عنه بذكر الجواب و السؤال و تقول أتى فلان بكذب لا تحمله الجبال و قال سبحانه فقال لها و للأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين و خطاب من لا يفهم لا يصح و قال الشاعر :
فأجهشت للبوباة حين رأيته
و كبر للرحمن حين رآني
فقلت له أين الذين عهدتهم
بجنبك في خفض و طيب زمان
فقال مضوا و استودعوني بلادهم
و من ذا الذي يبقى على الحدثان و قال آخر :
فقال لي البحر إذ جئته
و كيف يجيب ضرير ضريرا فالأمانة على هذا ما أودع الله السماوات و الأرض و الجبال من الدلائل على وحدانيته و ربوبيته فأظهرتها و الإنسان الكافر كتمها و جحدها لظلمه و جهله و بالله التوفيق و لم يرد بقوله الإنسان جميع الناس بل هو مثل قوله « إن الإنسان لفي خسر و إن الإنسان لربه لكنود » و أما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه و الأنبياء و الأولياء و المؤمنون عن عموم هذه الآية خارجون و لا يجوز أن يكون الإنسان محمولا على آدم (عليه السلام) لقوله « إن الله اصطفى آدم » و كيف يكون من اصطفاه الله من بين خلقه موصوفا بالظلم و الجهل ثم بين سبحانه الغرض الصحيح و الحكمة
مجمع البيان ج : 8 ص : 587
البالغة في عرضه هذه الأمانة فقال « ليعذب الله المنافقين و المنافقات و المشركين و المشركات » يعني بتضييع الأمانة قال الحسن هما اللذان حملاهما ظلما و جهلا « و يتوب الله على المؤمنين و المؤمنات » بحفظهم الأمانة و وفائهم و هذا هو الغرض بالتكليف عند من عرف المكلف و المكلف فالمعنى أنا عرضنا ذلك ليظهر نفاق المنافق و شرك المشرك فيعذبهم الله و يظهر إيمان المؤمن فيتوب الله عليه إن حصل منه تقصير في بعض الطاعات « و كان الله غفورا » أي ستارا لذنوب المؤمنين « رحيما » بهم .

مجمع البيان ج : 8 ص : 588
( 34 ) سورة سبإ مكية و آياتها أربع و خمسون ( 54 )

عدد آيها

خمس و خمسون آية شامي أربع في الباقون .

اختلافها

آية عن يمين و شمال .



فضلها


أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من قرأ سورة سبإ لم يبق نبي و لا رسول إلا كان له يوم القيامة رفيقا و مصافحا و روى ابن أذينة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من قرأ الحمدين جميعا سبأ و فاطر في ليلة لم يزل ليلته في حفظ الله تعالى و كلائه فإن قرأهما في نهاره لم يصبه في نهاره مكروه و أعطي من خير الدنيا و خير الآخرة ما لم يخطر على قلبه و لم يبلغ مناه .


تفسيرها

لما ختم الله سبحانه سورة الأحزاب ببيان الغرض في التكليف و أنه سبحانه يجزي المحسن بإحسانه و المسيء بإساءته افتتح هذه السورة بالحمد له على نعمته و كمال قدرته فقال : .
سورة سبإ
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحَْمْدُ للَّهِ الَّذِى لَهُ مَا فى السمَوَتِ وَ مَا فى الأَرْضِ وَ لَهُ الحَْمْدُ فى الاَخِرَةِ وَ هُوَ الحَْكِيمُ الْخَبِيرُ(1) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فى الأَرْضِ وَ مَا يخْرُجُ مِنهَا وَ مَا يَنزِلُ مِنَ السمَاءِ وَ مَا يَعْرُجُ فِيهَا وَ هُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ(2) وَ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا الساعَةُ قُلْ بَلى وَ رَبى لَتَأْتِيَنَّكمْ عَلِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُب عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّة فى السمَوَتِ وَ لا فى الأَرْضِ وَ لا أَصغَرُ مِن ذَلِك وَ لا أَكبرُ إِلا فى كتَب مُّبِين(3) لِّيَجْزِى الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ أُولَئك لهَُم مَّغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كرِيمٌ(4) وَ الَّذِينَ سعَوْ فى ءَايَتِنَا مُعَجِزِينَ أُولَئك لهَُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْز أَلِيمٌ(5)

مجمع البيان ج : 8 ص : 589

القراءة


قرأ أهل المدينة و الشام عالم الغيب بالرفع و قرأ حمزة و الكسائي علام الغيب بالجر و اللام قبل الألف و الباقون « عالم الغيب » بالجر و قرأ ابن كثير و حفص و يعقوب من رجز أليم هنا و في الجاثية أيضا بالرفع و الباقون بالجر .

الحجة

قال أبو علي الجر على قوله الحمد لله عالم الغيب و قال غيره عالم الغيب بالجر صفة لقوله « و ربي » أو بدل منه فأما الرفع فيجوز أن يكون خبر مبتدإ محذوف تقديره هو عالم الغيب و أن يكون ابتداء و خبره لا يعزب و علام أبلغ من عالم و الرجز العذاب بدلالة قوله لئن كشفت عنا الرجز و أنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء فإذا كان العذاب يوصف باليم كما أنه نفس العذاب جاز أن يوصف به و الجر في أليم أبين لأنه إذا كان عذاب من عذاب أليم كان العذاب الأول أليما و إذا جرى الأليم على العذاب كان المعنى عذاب أليم من عذاب و الأول أكثر فائدة .

اللغة


الحمد هو الوصف بالجميل على جهة التعظيم و نقيضه الذم و هو الوصف بالقبيح على جهة التحقير ثم ينقسم فمنه ما هو أعلى و منه ما هو أدنى و الأعلى ما يقع على وجه العبادة و لا يستحقها إلا الله سبحانه لأن إحسان الله عز اسمه لا يوازيه إحسان أحد من المخلوقين و يستحق الحمد على الإحسان و الإنعام فلا يستحق أحد من المخلوقين مثل ما يستحقه سبحانه و الولوج الدخول و العروج الصعود و المعارج الدرج من هذا و عزب عنه يعزب و يعزب إذا بعد و في الحديث من قرأ القرآن في أربعين ليلة فقد عزب أي بعد عهده بما ابتدأ منه و أبطأ في تلاوته .

مجمع البيان ج : 8 ص : 590

الإعراب

« ليجزي الذين آمنوا » يتعلق بقوله « لا يعزب » .

المعنى

« الحمد لله » معناه قولوا الحمد لله و هو تعريف لوجوب الشكر على نعم الله سبحانه و تعليم لكيفية الشكر « الذي له ما في السموات و ما في الأرض » أي الذي يملك التصرف في جميع ما في السماوات و جميع ما في الأرض ليس لأحد الاعتراض عليه و لا منعه « و له الحمد في الآخرة » أي هو المستحق للحمد على أفعاله الحسنى في الدارين لكونه منعما فيهما و الآخرة و إن كانت ليست بدار تكليف فلا يسقط فيها الحمد و الاعتراف بنعم الله تعالى بل العباد ملجئون إلى ذلك لمعرفتهم الضروري بنعم الله عليهم من الثواب و العوض و ضروب التفضل و من حمد أهل الجنة قولهم الحمد لله الذي هدانا لهذا و الحمد لله الذي صدقنا وعده و قيل إنما يحمده أهل الجنة لا على جهة التعبد لكن على جهة السرور و التلذذ بالحمد و لا يكون بالحمد عليهم فيه تعب و لا مشقة و قيل يحمده أهل الجنة على نعمه و فضله و يحمده أهل النار على عدله « و هو الحكيم » في جميع أفعاله لأنها كلها واقعة على وجه الحكمة « الخبير » بجميع المعلومات « يعلم ما يلج في الأرض » أي ما يدخل فيها من مطر و كنز أو ميت « و ما يخرج منها » من زرع و نبات أو جواهر أو حيوان « و ما ينزل من السماء » من مطر أو رزق أو ملك « و ما يعرج » أي يصعد « فيها » من الملائكة و أعمال العباد فهو يجري جميع ذلك على تقدير تقتضيه الحكمة و تدبير توجبه المصلحة « و هو الرحيم » بعباده مع علمه بما يعملون من المعاصي فلا يعاجلهم بالعقوبة و يمهلهم للتوبة « الغفور » أي الساتر عليهم ذنوبهم في الدنيا المتجاوز عنها في العقبي كما قال و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء « و قال الذين كفروا » يعني منكري البعث و النشور « لا تأتينا الساعة » يعني القيامة « قل » لهم يا محمد « بلى و ربي » أي و حق الله ربي الذي خلقني و أوجدني « لتأتينكم » القيامة « عالم الغيب » يعمل كل شيء يغيب عن العباد علمه « لا يعزب عنه » أي لا يفوته « مثقال ذرة في السموات و لا في الأرض » بل هو عالم بجميع ذلك « و لا أصغر من ذلك و لا أكبر إلا في كتاب مبين » يعني اللوح المحفوظ و قد مضى هذا مفسرا في سورة يونس كذب الله سبحانه في هذه الآية الكفار الجاحدة للبعث و بين أن القيامة آتية كائنة لا محالة و أمر رسوله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بأن يحلف على ذلك تأكيدا له ثم مدح نفسه بأنه يعلم ما غاب عن العباد علمه مما هو كائن أو سيكون و لم يوجد بعد ثم قال « ليجزي الذين آمنوا و عملوا الصالحات » أي إنما أثبت ذلك في الكتاب المبين ليكافئهم بما يستحقونه من الثواب على صالح أعمالهم « أولئك لهم مغفرة » لذنوبهم و ستر لها و لهم مع ذلك « رزق كريم » أي هنيء لا تنغيص فيه و لا تكدير و قيل هو الجنة عن قتادة « و الذين سعوا في آياتنا معاجزين » أي و الذين
مجمع البيان ج : 8 ص : 591
عملوا بجهدهم و جدهم في إبطال حججنا و في تزهيد الناس عن قبولها مقدرين إعجاز ربهم و ظانين أنهم يفوتونه و قيل معاجزين مسابقين و معجزين و مثبطين و قد مضى تفسير هذه الآية في سورة الحج « أولئك لهم عذاب من رجز » أي سيء العذاب عن قتادة « أليم » أي مؤلم .


النظم


وجه اتصال قوله « عالم الغيب » بما قبله أنه سبحانه لما حكى عن المشركين ما يضاد الإقرار له بالربوبية و الاعتراف بالنعمة من إنكار القيامة ذكر بعده أن من يعلم أفعال العباد و ما يستحقونه من الجزاء لو لم يجعل دارا أخرى يجازي فيها المحسن على إحسانه و المسيء على إساءته و ينتصف للمظلوم من الظالم كان ذلك خروجا عن موجب الحكمة .
وَ يَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِى أُنزِلَ إِلَيْك مِن رَّبِّك هُوَ الْحَقَّ وَ يَهْدِى إِلى صِرَطِ الْعَزِيزِ الحَْمِيدِ(6) وَ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكمْ عَلى رَجُل يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كلَّ مُمَزَّق إِنَّكُمْ لَفِى خَلْق جَدِيد(7) أَفْترَى عَلى اللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةُ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالاَخِرَةِ فى الْعَذَابِ وَ الضلَلِ الْبَعِيدِ(8) أَ فَلَمْ يَرَوْا إِلى مَا بَينَ أَيْدِيهِمْ وَ مَا خَلْفَهُم مِّنَ السمَاءِ وَ الأَرْضِ إِن نَّشأْ نخْسِف بِهِمُ الأَرْض أَوْ نُسقِط عَلَيهِمْ كِسفاً مِّنَ السمَاءِ إِنَّ فى ذَلِك لاَيَةً لِّكلِّ عَبْد مُّنِيب(9)

القراءة


قرأ حمزة و الكسائي و خلف إن يشأ يخسف بهم الأرض أو يسقط بالياء في الجميع و الباقون كل ذلك بالنون و أدغم الكسائي وحده الفاء في الباء في يخسف بهم .

الحجة

قال أبو علي حجة النون قوله و لقد آتينا داود فالنون أشبه ب آتينا و حجة الياء قوله « افترى على الله كذبا » فحمل على اسم الله تعالى قال و إدغام الفاء في الباء لا يجوز لأن الفاء من باطن الشفة السفلى و أطراف الثنايا العليا و انحدر الصوت به إلى الفم حتى اتصل
مجمع البيان ج : 8 ص : 592
بمخرج الثاء حتى جاء مثل الجدث و الجدف و المغاثير و المغافير فتعاقبا للمقاربة بينهما فلما اتصلت بمخرج الثاء صارت بمنزلة حرف من تلك الحروف فلم يجز إدغامها في الباء لأنه إذا اتصل بما ذكرنا صار كحرف من ذلك الموضع فكما أن ذلك الحرف الذي اتصل بالفاء لا يدغم في الباء كذلك الفاء لا يدغم في الباء و كذلك لا يجوز أن يدغم الفاء في الباء لزيادة صوتها المتصل بحرف من حروف الفم .

الإعراب

« و يرى » يحتمل أن يكون منصوبا عطفا على ليجزي و يحتمل أن يكون مرفوعا على الاستئناف و « الذي أنزل إليك » في موضع نصب لأنه مفعول يرى و هو فصل و الحق مفعول ثان ليرى و قوله « إذا مزقتم » قال الزجاج إذا في موضع نصب بمزقتم و لا يجوز أن يعمل فيها جديد لأن ما بعد أن لا يعمل فيما قبلها و التأويل هل ندلكم على رجل يقول لكم إذا مزقتم تبعثون و يكون إذا بمنزلة إن الجزاء يعمل فيها الذي يليها قال قيس بن الخطيم :
إذا قصرت أسيافنا كان وصلها
خطانا إلى أعدائنا فنضارب و المعنى يكن وصلها و الدليل عليه جزم فنضارب و يجوز أن يكون العامل في إذا مضمرا يدل عليه « إنكم لفي خلق جديد » و يكون المعنى هل ندلكم على رجل يقول لكم إذا مزقتم بعثتم قال أبو علي إن جعل موضع إذا نصبا بمزقتم لزم أن يحكم على موضعه بالجزم لأن إذا هذه لا يجوز أن ينتصب به حتى يقدر جزم الفعل الذي هو الشرط بها و الجزم بها لا يسوغ أن يحمل عليه الكتاب لأن ذلك إنما يكون في ضرورة الشعر فإن حمل موضع إذا على أنه نصب و الفعل غير مقدر في موضعه الجزم لم يجز لأنه إذا لم يجاز بها أضيفت إلى الفعل و المضاف إليه لا يعمل في المضاف و لا فيما قبله و موضع الفعل الواقع بعد إذا خفض فلما لم يجز زيدا غلام ضارب عندك تريد غلام ضارب زيدا عندك فكذلك لا يجوز أن يكون موضع إذا نصبا بمزقتم فالتقدير ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق بعثتم أو نشرتم أو ما أشبه ذلك من الأفعال التي يكون قوله « إنكم لفي خلق جديد » دالا عليه و مفسرا له و إن قدر هذا الفعل قبل إذا كان سائغا فيكون التقدير ينبئكم فيقول لكم تبعثون إذا مزقتم كل ممزق و يكون جواب إذا على هذا التقدير مضمرا كأنه تبعثون إذا مزقتم كل ممزق بعثتم فيستغني إذا عن إظهار الجواب إذا تقدمها ما يدل عليه نحو أنت ظالم إن فعلت و كذلك يحذف الشرط لدلالة الجزاء عليه إذا وقع بعد كلام غير واجب نحو الأمر و الاستفهام و ما أشبه ذلك فافهم ذلك فإنه فصل جليل
مجمع البيان ج : 8 ص : 593
الموقع في النحو استخرجته من كلام أبي علي .
« افترى » أصله أ فترى دخلت همزة الاستفهام على همزة الوصل فأسقطتها .

المعنى

ثم ذكر سبحانه المؤمنين و اعترافهم بما جحده من تقدم ذكرهم من الكافرين فقال « و يرى الذين أوتوا العلم » أي و يعلم الذين أعطوا المعرفة بوحدانية الله تعالى و هم أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن قتادة و قيل هم المؤمنون من أهل الكتاب عن الضحاك و قيل هم كل من أوتي العلم بالدين و هذا أولى لعمومه « الذي أنزل إليك من ربك » يعني القرآن « هو الحق » أي يعلمونه الحق لأنهم يتدبرونه و يتفكرون فيه فيعلمون بالنظر و الاستدلال أنه ليس من قبل البشر فهؤلاء لطف الله سبحانه لهم بما أداهم إلى العلم فكأنه سبحانه قد أتاهم العلم و قوله « و يهدي » أي و يعلمون أنه يهدي إلى القرآن و يرشد « إلى صراط العزيز الحميد » أي دين القادر الذي لا يغالب المحمود على جميع أفعاله و هو الله تعالى و في هذه الآية دلالة على فضيلة العلم و شرف العلماء و عظم أقدارهم ثم عاد سبحانه إلى الحكاية عن الكفار فقال « و قال الذين كفروا » أي بعضهم لبعض أو القادة للأتباع على وجه الاستبعاد و التعجب « هل ندلكم على رجل » يعنون محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) « ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد » أي يزعم أنكم تبعثون بعد أن تكونوا عظاما و رفاتا و ترابا و هو قوله « إذا مزقتم كل ممزق » أي فرقتم كل تفريق و قطعتم كل تقطيع و أكلتكم الأرض و السباع و الطيور و الجديد المستأنف المعاد و المعنى إنكم يجدد خلقكم بأن تنشروا و تبعثوا « أفترى على الله كذبا » معناه هل كذب على الله متعمدا حين زعم أنا نبعث بعد الموت و هو استفهام تعجب و إنكار « أم به جنة » أي جنون فهو يتكلم بما لا يعلم ثم رد سبحانه عليهم قولهم فقال « بل » ليس الأمر على ما قالوا من الافتراء و الجنون « الذين لا يؤمنون بالآخرة » أي هؤلاء الذين لا يصدقون بالبعث و الجزاء و الثواب و العقاب « في العذاب » في الآخرة « و الضلال البعيد » من الحق في الدنيا ثم وعظهم سبحانه ليعتبروا فقال « أ فلم يروا » أي أ فلم ينظر هؤلاء الكفار « إلى ما بين أيديهم و ما خلفهم من السماء و الأرض » كيف أحاطت بهم و ذلك أن الإنسان حيث ما نظر رأى السماء و الأرض قدامه و خلفه و عن يمينه و عن شماله فلا يقدر على الخروج منها و قيل معناه أ فلم يتدبروا و يتفكروا في السماء و الأرض فيستدلوا بذلك على قدرة الله تعالى ثم ذكر سبحانه قدرته على إهلاكهم فقال « إن نشأ نخسف بهم الأرض » كما خسفنا بقارون « أو نسقط عليهم كسفا من السماء » أي قطعة من السماء تغطيهم و تهلكهم « إن في ذلك لآية » معناه إن فيما ترون من السماء و الأرض لدلالة على قدرة الله على البعث
مجمع البيان ج : 8 ص : 594
و على ما يشاء من الخسف بهم « لكل عبد منيب » أناب إلى الله و رجع إلى طاعته أ فلا يرتدع هؤلاء عن التكذيب ب آيات الله و الإنكار لقدرته على البعث .
* وَ لَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضلاً يَجِبَالُ أَوِّبى مَعَهُ وَ الطيرَ وَ أَلَنَّا لَهُ الحَْدِيدَ(10) أَنِ اعْمَلْ سبِغَت وَ قَدِّرْ فى السرْدِ وَ اعْمَلُوا صلِحاً إِنى بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(11) وَ لِسلَيْمَنَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شهْرٌ وَ رَوَاحُهَا شهْرٌ وَ أَسلْنَا لَهُ عَينَ الْقِطرِ وَ مِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَينَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ مَن يَزِغْ مِنهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السعِيرِ(12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشاءُ مِن محَرِيب وَ تَمَثِيلَ وَ جِفَان كالجَْوَابِ وَ قُدُور رَّاسِيَت اعْمَلُوا ءَالَ دَاوُدَ شكْراً وَ قَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِى الشكُورُ(13) فَلَمَّا قَضيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْت مَا دَلهَُّمْ عَلى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكلُ مِنسأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الجِْنُّ أَن لَّوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْب مَا لَبِثُوا فى الْعَذَابِ الْمُهِينِ(14)

القراءة


قرأ يعقوب و عبيد بن عمير و الأعرج و الطير بالرفع و قرأ سائر القراء « و الطير » بالنصب و قرأ أبو بكر و لسليمان الريح بالرفع و الباقون بالنصب و قرأ ابن كثير و أبو عمرو كالجوابي بالياء في الوصل إلا ابن كثير وقف بياء و أبو عمرو بغير ياء و الباقون بغير ياء في الوصل و الوقف و قرأ أهل المدينة و أبو عمرو و ابن فليح و زيد عن يعقوب منسأته بغير همز و قرأ ابن عامر منسأته بهمزة ساكنة و الباقون بهمزة مفتوحة و قرأ يعقوب تبينت الجن بضم التاء و الباء و كسر الياء و الباقون « تبينت » بفتح الجميع و في الشواذ قراءة ابن عباس و الضحاك تبينت الإنس
 

Back Index Next