جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج8 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


مجمع البيان ج : 8 ص : 545
« و إذ يقول المنافقون و الذين في قلوبهم مرض » أي شك عن الحسن و قيل ضعف في الإيمان « ما وعدنا الله و رسوله إلا غرورا » قال ابن عباس إن المنافقين قالوا يعدنا محمد أن يفتح مدائن كسرى و قيصر و نحن لا نأمن أن نذهب إلى الخلاء هذا و الله الغرور « و إذ قالت طائفة منهم » يعني عبد الله بن أبي و أصحابه عن السدي و قيل هم بنو سالم من المنافقين عن مقاتل و قيل إن القائل لذلك أوس بن قبطي و من وافقه على رأيه عن يزيد بن رومان « يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا » أي لا إقامة لكم هاهنا أو لا مكان لكم تقومون فيه للقتال إذا فتح الميم فارجعوا إلى منازلكم بالمدينة و أرادوا الهرب من عسكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) « و يستأذن فريق منهم النبي » في الرجوع إلى المدينة و هم بنو حارثة و بنو سلمة « يقولون إن بيوتنا عورة » ليست بحريزة ، مكشوفة ليست بحصينة عن ابن عباس و مجاهد و قيل معناه بيوتنا خالية من الرجال نخشى عليها السراق عن الحسن و قيل قالوا بيوتنا مما يلي العدو و لا نأمن على أهلينا عن قتادة فكذبهم الله تعالى فقال « و ما هي بعورة » بل هي رفيعة السمك حصينة عن الصادق (عليه السلام) « إن يريدون » أي ما يريدون « إلا فرارا » و هربا من القتال و نصرة المؤمنين « و لو دخلت » أي و لو دخلت البيوت أو دخلت المدينة « عليهم » أي و لو دخل هؤلاء الذين يريدون القتال و هم الأحزاب على الذين يقولون إن بيوتنا عورة و هم المنافقون « من أقطارها » أي من نواحي المدينة أو البيوت « ثم سئلوا الفتنة لأتوها » أي ثم دعوا هؤلاء إلى الشرك لأشركوا فالمراد بالفتنة الشرك عن ابن عباس « و ما تلبثوا بها إلا يسيرا » أي و ما احتبسوا عن الإجابة إلى الكفر إلا قليلا عن قتادة و قيل معناه و ما أقاموا بالمدينة بعد إعطائهم الكفر إلا قليلا حتى يعاجلهم الله بالعذاب عن الحسن و الفراء ثم ذكرهم الله سبحانه عهدهم مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالثبات في المواطن فقال « و لقد كانوا عاهدوا الله من قبل » أي من قبل الخندق « لا يولون الأدبار » أي بايعوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و حلفوا له أنهم ينصرونه و يدفعون عنه كما يدفعون عن نفوسهم و لا يرجعون عن مقاتلة العدو و لا ينهزمون قال مقاتل يريد ليلة العقبة « و كان عهد الله مسئولا » يسألون عنهم في الآخرة و إنما جاء بلفظ الماضي تأكيدا ثم قال سبحانه « قل » يا محمد للذين استأذنوك في الرجوع و اعتلوا بأن بيوتهم يخاف عليها « لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل » إن كان حضرت آجالكم فإنه لا بد من واحد منهما و إن هربتم فالهرب لا يزيد في آجالكم « و إذا لا تمتعون إلا قليلا » معناه و إن لم تحضر آجالكم و سلمتم من الموت أو القتل في هذه الوقعة لم تمتعوا في الدنيا إلا أياما قلائل و إنما فرق بين الموت و القتل لأن القتل غير الموت فإن الموت ضد الحياة عند من أثبته معنى و انتفاء الحياة عند من لم يثبته معنى و القتل هو نقض البنية الحيوانية فالقتل يقدر عليه غير
مجمع البيان ج : 8 ص : 546

الله تعالى و الموت لا يقدر عليه غيره « قل » يا محمد « من ذا الذي يعصمكم من الله » أي يدفع عنكم قضاء الله و يمنعكم من الله « إن أراد بكم سوءا » أي عذابا و عقوبة « أو أراد بكم رحمة » أي نصرا و عزا فإن أحدا لا يقدر على ذلك « و لا يجدون لهم من دون الله وليا » يلي أمورهم « و لا نصيرا » ينصرهم و يدفع عنهم ثم قال سبحانه « قد يعلم الله المعوقين منكم » و هم الذين يعوقون غيرهم عن الجهاد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و يثبطونهم و يشغلونهم لينصرفوا عنه و ذلك بأنهم قالوا لهم ما محمد و أصحابه إلا أكلة رأس و لو كانوا لحما لالتهمهم أبو سفيان و هؤلاء الأحزاب « و القائلين لإخوانهم » يعني اليهود قالوا لإخوانهم المنافقين « هلم إلينا » أي تعالوا و أقبلوا إلينا و دعوا محمدا و قيل القائلون هم المنافقون قالوا لإخوانهم من ضعفة المسلمين لا تحاربوا و خلوا محمدا فإنا نخاف عليكم الهلاك « و لا يأتون البأس » أي و لا يحضرون القتال في سبيل الله « إلا قليلا » يخرجون رياء و سمعة قدر ما يوهمون أنهم معكم يعلم الله سبحانه أحوالهم لا يخفى عليه شيء منها عن السدي و قيل معناه و لا يحضرون القتال إلا كارهين تكون قلوبهم مع المشركين عن قتادة « أشحة عليكم » أي لا يأتون الناس أشحة عليكم أي بخلاء بالقتال معكم و قيل بخلاء بالنفقة في سبيل الله و النصرة عن قتادة و مجاهد و معناه لا ينصرونكم ثم أخبر عن جبنهم فقال « فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى » أي كعين الذي يغشى « عليه من الموت » و هو الذي قرب من حال الموت و غشيته أسبابه فيذهل و يذهب عقله و يشخص بصره فلا يطرف كذلك هؤلاء تشخص أبصارهم و تحار أعينهم من شدة خوفهم « فإذا ذهب الخوف » و الفزع و جاء الأمن و الغنيمة « سلقوكم بألسنة حداد » أي آذوكم بالكلام و خاصموكم بألسنة سليطة ذربة عن الفراء و قيل معناه بسطوا ألسنتهم فيكم وقت قسمة الغنيمة يقولون أعطونا أعطونا فلستم بأحق بها منا عن قتادة قال فأما عند البأس فأجبن قوم و أخذلهم للحق و أما عند الغنيمة فأشح قوم و هو قوله « أشحة على الخير » أي بخلاء بالغنيمة يشاحون المؤمنين عند القسمة و قيل معناه بخلاء بأن يتكلموا بكلام فيه خير عن الجبائي « أولئك » يعني من تقدم وصفهم « لم يؤمنوا » كما آمن غيرهم و إلا لما فعلوا ذلك « فأحبط الله أعمالهم » لأنها لم تقع على الوجوه التي يستحق عليها الثواب إذ لم يقصدوا بها وجه الله تعالى و في هذا دلالة على صحة مذهبنا في الإحباط لأن المنافقين ليس لهم ثواب فيحبط فليس إلا أن
مجمع البيان ج : 8 ص : 547
جهادهم الذي لم يقارنه إيمان لم يستحقوا عليه ثوابا « و كان ذلك » الإحباط أو كان نفاقهم « على الله يسيرا » أي هينا ثم وصف سبحانه هؤلاء المنافقين فقال « يحسبون الأحزاب لم يذهبوا » أي يظنون أن الجماعات من قريش و غطفان و أسد و اليهود الذين تحزبوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لم ينصرفوا و قد انصرفوا و إنما ظنوا ذلك لجبنهم و فرط حبهم قهر المسلمين « و إن يأت الأحزاب » أي و إن يرجع الأحزاب إليهم ثانية للقتال « يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسئلون عن أنبائكم » أي يود هؤلاء المنافقون أن يكونوا في البادية مع الأعراب يسألون عن أخباركم و لا يكونوا معكم حذرا من القتل و تربصا للدوائر « و لو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا » أي و لو كان هؤلاء المنافقون معكم و فيكم لم يقاتلوا معكم إلا قدرا يسيرا ليوهموا أنهم في جملتكم لا لينصروكم و يجاهدوا معكم و قيل معناه قتالا قليلا رياء و سمعة من غير احتساب و لو كان هؤلاء المنافقون معكم و فيكم لم يقاتلوا معكم إلا قدرا يسيرا ليوهموا أنهم في جملتكم لا لينصروكم و يجاهدوا معكم و قيل معناه قتالا قليلا رياء و سمعة من غير احتساب و لو كان لله تعالى لم يكن قليلا عن الجبائي و مقاتل .
لَّقَدْ كانَ لَكُمْ فى رَسولِ اللَّهِ أُسوَةٌ حَسنَةٌ لِّمَن كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَ الْيَوْمَ الاَخِرَ وَ ذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً(21) وَ لَمَّا رَءَا الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَاب قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسولُهُ وَ صدَقَ اللَّهُ وَ رَسولُهُ وَ مَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَناً وَ تَسلِيماً(22) مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صدَقُوا مَا عَهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضى نحْبَهُ وَ مِنهُم مَّن يَنتَظِرُ وَ مَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً(23) لِّيَجْزِى اللَّهُ الصدِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَ يُعَذِّب الْمُنَفِقِينَ إِن شاءَ أَوْ يَتُوب عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَّحِيماً(24) وَ رَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيراً وَ كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَ كانَ اللَّهُ قَوِياًّ عَزِيزاً(25)

مجمع البيان ج : 8 ص : 548

القراءة


قرأ عاصم « أسوة » بضم الألف حيث كان في جميع القرآن و الباقون بكسر الألف و هما لغتان و معناهما قدوة .

اللغة

النحب النذر قال بشر بن أبي حازم :
و إني و الهجاء لآل لام
كذات النحب توفي بالنذور و النحب الموت قال ذو الرمة :
عشية مر الحارثيون بعد ما
قضى نحبه في ملتقى الخيل هوبر و هوبر اسم رجل و النحب الخطر قال جرير :
بطخفة جالدنا الملوك و خيلنا
عشية بسطام جرين على نحب أي على خطر و النحب المد في السير يوما و ليلة .

المعنى

ثم حث سبحانه على الجهاد و الصبر عليه فقال « لقد كان لكم » معاشر المكلفين « في رسول الله أسوة حسنة » أي قدوة صالحة يقال لي في فلان أسوة أي لي به اقتداء و الأسوة من الاتساء كما أن القدرة من الاقتداء اسم وضع موضع المصدر و المعنى كان لكم برسول الله اقتداء لو اقتديتم به في نصرته و الصبر معه في مواطن القتال كما فعل هو يوم أحد إذ انكسرت رباعيته و شج حاجبه و قتل عمه فواساكم مع ذلك بنفسه فهلا فعلتم مثل ما فعله هو و قوله « لمن كان يرجوا الله » بدل من قوله « لكم » و هو تخصيص بعد العموم للمؤمنين يعني أن الأسوة برسول الله إنما تكون « لمن كان يرجوا الله » أي يرجو ما عند الله من الثواب و النعيم عن ابن عباس و قيل معناه يخشى الله و يخشى البعث الذي فيه جزاء الأعمال و هو قوله « و اليوم الآخر » عن مقاتل « و ذكر الله كثيرا » أي ذكرا كثيرا و ذلك أن ذاكر الله متبع لأوامره بخلاف الغافل عن ذكره ثم عاد سبحانه إلى ذكر الأحزاب فقال « و لما رءا المؤمنون
مجمع البيان ج : 8 ص : 549

الأحزاب » أي و لما عاين المصدقون بالله و رسوله الجماعة التي تحزبت على قتال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) مع كثرتهم « قالوا هذا ما وعدنا الله و رسوله و صدق الله و رسوله » اختلف في معناه على قولين ( أحدهما ) أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان قد أخبرهم أنه يتظاهر عليهم الأحزاب و يقاتلونهم و وعدهم الظفر بهم فلما رأوهم تبين لهم مصداق قوله و كان ذلك معجزا له « و ما زادهم » مشاهدة عدوهم « إلا إيمانا » أي تصديقا بالله و رسوله « و تسليما » لأمره عن الجبائي ( و الآخر ) أن الله تعالى وعدهم في سورة البقرة بقوله « أم حسبتم أن تدخلوا الجنة و لما يأتكم مثل الذين خلوا » إلى قوله « إن نصر الله قريب » ما سيكون من الشدة التي تلحقهم من عدوهم فلما رأوا الأحزاب يوم الخندق قالوا هذه المقالة علما منهم أنه لا يصيبهم إلا ما أصاب الأنبياء و المؤمنين قبلهم و زادهم كثرة المشركين تصديقا و يقينا و ثباتا في الحرب عن قتادة و غيره « من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه » أي بايعوا أن لا يفروا فصدقوا في لقائهم العدو « فمنهم من قضى نحبه » أي مات أو قتل في سبيل الله فأدرك ما تمنى فذلك قضاء النحب و قيل قضى نحبه معناه فرغ من عمله و رجع إلى ربه يعني من استشهد يوم أحد عن محمد بن إسحاق و قيل معناه قضى أجله على الوفاء و الصدق عن الحسن و قال ابن قتيبة أصل النحب النذر و كأن قوما نذروا إن يلقوا العدو أن يقاتلوا حتى يقتلوا أو يفتح الله فقتلوا فقيل فلان قضى نحبه إذا قتل و روي عن أنس بن مالك أن عمه غاب عن قتال بدر فقال غبت عن أول قتال قاتله رسول الله مع المشركين لئن أراني الله قتالا للمشركين ليرين الله ما أصنع فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون فقال اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني المسلمين و أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء يعني المشركين ثم تقدم فلقيه سعد دون أحد فقال أنا معك قال سعد فلم أستطع أن أصنع ما صنع فوجد فيه بضع و ثمانون ما بين ضربة بسيف و طعنة برمح و رمية بسهم كنا نقول فيه و في أصحابه نزلت « فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر » رواه البخاري في الصحيح عن محمد بن سعيد الخزامي عن عبد الأعلى عن حميد بن أنس و قال ابن إسحاق « فمنهم من قضى نحبه » من استشهد يوم بدر و أحد « و منهم من ينتظر » ما وعد الله من نصرة أو شهادة على ما مضى عليه أصحابه « و ما بدلوا تبديلا » أي ما غيروا العهد الذي عاهدوا ربهم كما غير المنافقون قال ابن عباس « من قضى نحبه » حمزة بن عبد المطلب و من قتل معه و أنس بن النضر و أصحابه و قال الكلبي ما بدلوا العهد بالصبر و لا نكثوه بالفرار و روي الحاكم أبو القاسم الحسكاني بالإسناد عن عمرو بن ثابت عن أبي إسحاق عن علي (عليه السلام) قال فينا نزلت « رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه » فأنا و الله المنتظر و ما بدلت تبديلا « ليجزي الله الصادقين بصدقهم » أي صدق المؤمنون في عهودهم ليجزيهم الله بصدقهم « و يعذب
مجمع البيان ج : 8 ص : 550
المنافقين » بنقض العهد « إن شاء أو يتوب عليهم » إن تابوا و يكون معناه أنه سبحانه إن شاء قبل توبتهم و أسقط عقابهم و إن شاء لم يقبل توبتهم و عذبهم فإن إسقاط العذاب على المذهب الصحيح بالتوبة تفضل من الله تعالى لا يجب عقلا و إنما علمنا ذلك بالسمع و الإجماع على أن الله سبحانه يفعل ذلك فالآية قاضية بما يقتضيه العقل من الحكم و يؤكد ذلك قوله « إن الله كان غفورا رحيما » لأن المدح إنما يحصل إذا رحم سبحانه من يستحق العقاب و يغفر ما جاز له المؤاخذة به و لا مدح في مغفرة و رحمة من يجب عليه غفرانه و رحمته و قيل معناه و يعذب المنافقين بعذاب عاجل في الدنيا إن شاء أو يتوبوا عن الجبائي ثم عاد سبحانه إلى تعداد نعمه فقال « و رد الله الذين كفروا » يعني الأحزاب أبا سفيان و جنوده و غطفان و من معهم من قبائل العرب « بغيظهم » أي بغمهم الذي جاءوا به و حنقهم لم يشفوا بنيل ما أرادوا و « لم ينالوا خيرا » أملوه و أرادوه من الظفر بالنبي و المؤمنين و إنما سماه خيرا لأن ذلك كان خيرا عندهم و قيل أراد بالخير المال كما في قوله و إنه لحب الخير لشديد « و كفى الله المؤمنين القتال » أي مباشرة القتال بما أنزل الله على المشركين من الريح الشديدة الباردة التي أزعجتهم عن أماكنهم و بما أرسل من الملائكة و بما قذف في قلوبهم من الرعب و قيل بعلي بن أبي طالب (عليه السلام) و قتله عمرو بن عبد ود و كان ذلك سبب هزيمة القوم عن عبد الله بن مسعود و هو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) « و كان الله قويا » أي قادرا على ما يشاء « عزيزا » لا يمتنع عليه شيء من الأشياء و قيل قويا في ملكه و سلطانه عزيزا في قهره و انتقاله .
وَ أَنزَلَ الَّذِينَ ظهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَبِ مِن صيَاصِيهِمْ وَ قَذَف فى قُلُوبِهِمُ الرُّعْب فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَ تَأْسِرُونَ فَرِيقاً(26) وَ أَوْرَثَكُمْ أَرْضهُمْ وَ دِيَرَهُمْ وَ أَمْوَلهَُمْ وَ أَرْضاً لَّمْ تَطئُوهَا وَ كانَ اللَّهُ عَلى كلِّ شىْء قَدِيراً(27)

اللغة


المظاهرة المعاونة و هي زيادة القوة بأن يكون المعاون ظهيرا لصاحبه في الدفع عنه و الظهير المعين و الصياصي الحصون التي يمتنع بها واحدتها صيصية يقال جذ الله صيصية فلان أي حصنه الذي يمتنع به و كل ما امتنع به فهو صيصية و منه يقال لقرون البقر
مجمع البيان ج : 8 ص : 551
و الظباء صياصي و يقال أيضا لشوكة الديك و شوكة الحايك صيصية قال :
كوقع الصياصي في النسيج الممدد .


المعنى

ثم ذكر سبحانه ما فعل باليهود من بني قريظة فقال « و أنزل الذي ظاهروهم » أي عاونوا المشركين من الأحزاب و نقضوا العهد الذي بينهم و بين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن لا ينصروا عليه عدوا « من أهل الكتاب » يعني من اليهود و اتفق المفسرون على أنهم بنو قريظة إلا الحسن فإنه قال هم بنو النضير و الأول أصح و أليق بسياق الآيات لأن بني النضير لم يكن لهم في قتال أهل الأحزاب شيء و كانوا قد انجلوا قبل ذلك « من صياصيهم » أي من حصونهم « و قذف في قلوبهم الرعب » أي ألقى في قلوبهم الخوف من النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و أصحابه المؤمنين « فريقا تقتلون » منهم يعني الرجال « و تأسرون فريقا » يعني الذراري و النساء « و أورثكم أرضهم » أي و أعطاكم أرضهم « و ديارهم و أموالهم و أرضا لم تطئوها » أي و أورثكم أرضا لم تطئوها بأقدامكم بعد و سيفتحها الله عليكم و هي خيبر فتحها الله عليهم بعد بني قريظة عن ابن زيد و يزيد بن رومان و مقاتل و قيل هي مكة عن قتادة و قيل هي الروم و فارس عن الحسن و قيل هي كل أرض تفتح إلى يوم القيامة عن عكرمة و قيل هي ما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب عن أبي مسلم « و كان الله على كل شيء قديرا » ظاهر المعنى .

] القصة [
روي الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه قال لما انصرف النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) مع المسلمين عن الخندق و وضع عنه اللأمة و اغتسل و استحم تبدي له جبرائيل (عليه السلام) فقال عذيرك من محارب أ لا أراك قد وضعت عنك اللأمة و ما وضعناها بعد فوثب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فزعا فعزم على الناس أن لا يصلوا صلاة العصر حتى يأتوا قريظة فلبس الناس السلاح فلم يأتوا بنو قريظة حتى غربت الشمس و اختصم الناس فقال بعضهم إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عزم علينا أن لا نصلي حتى نأتي قريظة فإنما نحن في عزمة رسول الله فليس علينا إثم و صلى طائفة من الناس احتسابا و تركت طائفة منهم الصلاة حتى غربت الشمس فصلوها حين جاءوا بني قريظة احتسابا فلم يعنف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) واحدا من الفريقين
مجمع البيان ج : 8 ص : 552
و ذكر عروة أنه بعث علي بن أبي طالب (عليه السلام) على المقدم و دفع إليه اللواء و أمره أن ينطلق حتى يقف بهم على حصن بني قريظة ففعل و خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) على آثارهم فمر على مجلس من الأنصار في بني غنم ينتظرون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فزعموا أنه قال مر بكم الفارس آنفا فقالوا مر بنا دحية الكلبي على بغلة شهباء تحته قطيفة ديباج فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليس ذلك بدحية و لكنه جبرائيل (عليه السلام) أرسل إلى بني قريظة ليزلزلهم و يقذف في قلوبهم الرعب قالوا و سار علي (عليه السلام) حتى إذا دنا من الحصن سمع منهم مقالة قبيحة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فرجع حتى لقي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالطريق فقال يا رسول الله لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الأخابث قال أظنك سمعت لي منهم أذى فقال نعم يا رسول الله فقال لو قد رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا فلما دنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من حصونهم قال يا إخوة القردة و الخنازير هل أخزاكم الله و أنزل بكم نقمته فقالوا يا أبا القاسم ما كنت جهولا و حاصرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) خمسا و عشرين ليلة حتى أجهدهم الحصار و قذف الله في قلوبهم الرعب و كان حيي بن أخطب دخل مع بني قريظة في حصنهم حين رجعت قريش و غطفان فلما أيقنوا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) غير منصرف عنهم حتى يناجزهم قال كعب بن أسد يا معشر يهود قد نزل بكم من الأمر ما ترون و أني عارض عليكم خلالا ثلاثا فخذوا أيها شئتم قالوا ما هن قال نبايع هذا الرجل و نصدقه فو الله لقد تبين لكم أنه نبي مرسل و أنه الذي تجدونه في كتابكم فتأمنوا على دمائكم و أموالكم و نسائكم فقالوا لا نفارق حكم التوراة أبدا و لا نستبدل به غيره قال فإذا أبيتم علي هذا فهلموا فلنقتل أبناءنا و نساءنا ثم نخرج إلى محمد رجالا مصلتين بالسيوف و لم نترك وراءنا ثقلا يهمنا حتى يحكم الله بيننا و بين محمد فإن نهلك نهلك و لم نترك وراءنا نسلا يهمنا و إن نظهر لنجدن النساء و الأبناء فقالوا نقتل هؤلاء المساكين فما خير في العيش بعدهم قال فإذا أبيتم علي هذه فإن الليلة ليلة السبت و عسى أن يكون محمد و أصحابه قد أمنوا فيها فانزلوا فعلنا نصيب منهم غرة فقالوا نفسد سبتنا و نحدث فيها ما أحدث من كان قبلنا فأصابهم ما قد علمت من المسخ فقال ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما قال الزهري و قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) حين سألوه أن يحكم فيهم رجلا اختاروا من شئتم من أصحابي فاختاروا سعد بن معاذ فرضي بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فنزلوا على حكم سعد بن معاذ فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بسلاحهم فجعل في قبته و أمر بهم فكتفوا و أوثقوا و جعلوا في دار أسامة و بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى سعد بن معاذ فجيء به فحكم فيهم بأن يقتل مقاتليهم و تسبى ذراريهم و نساؤهم و تغنم أموالهم و أن عقارهم للمهاجرين دون الأنصار و قال للأنصار إنكم ذوو عقار و ليس للمهاجرين عقار فكبر رسول الله و قال لسعد لقد حكمت فيهم بحكم الله عز و جل و في بعض الروايات لقد حكمت فيهم
مجمع البيان ج : 8 ص : 553
بحكم الله من فوق سبعة أرقعة و أرقعة جمع رقيع اسم سماء الدنيا فقتل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) مقاتليهم و كانوا فيما زعموا ست مائة مقاتل و قيل قتل منهم أربع مائة و خمسين رجلا و سبى سبعمائة و خمسين و روي أنهم قالوا لكعب بن أسد و هم يذهب بهم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إرسالا يا كعب ما ترى يصنع بنا فقال كعب أ في كل موطن تقولون أ لا ترون أن الداعي لا ينزع و من يذهب منكم لا يرجع هو و الله القتل و أتي بحيي بن أخطب عدو الله عليه حلة فاختية قد شقها عليه من كل ناحية كموضع الأنملة لئلا يسلبها مجموعة يداه إلى عنقه بحبل فلما بصر برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال أما و الله ما لمت نفسي على عداوتك و لكنه من يخذل الله يخذل ثم قال أيها الناس إنه لا بأس بأمر الله كتاب الله و قدرة ملحمة كتبت على بني إسرائيل ثم جلس فضرب عنقه ثم قسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) نساءهم و أبناءهم و أموالهم على المسلمين و بعث بسبايا منهم إلى نجد مع سعد بن زيد الأنصاري فابتاع بهم خيلا و سلاحا قالوا فلما انقضى شأن بني قريظة انفجر جرح سعد بن معاذ فرجعه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى خيمته التي ضربت عليه في المسجد و روي عن جابر بن عبد الله قال جاء جبرائيل (عليه السلام) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال من هذا العبد الصالح الذي مات فتحت له أبواب السماء و تحرك له العرش فخرج رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فإذا سعد بن معاذ قد قبض .
يَأَيهَا النَّبىُّ قُل لأَزْوَجِك إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا وَ زِينَتَهَا فَتَعَالَينَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسرِّحْكُنَّ سرَاحاً جَمِيلاً(28) وَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَ رَسولَهُ وَ الدَّارَ الاَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً(29) يَنِساءَ النَّبىِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَحِشة مُّبَيِّنَة يُضعَف لَهَا الْعَذَاب ضِعْفَينِ وَ كانَ ذَلِك عَلى اللَّهِ يَسِيراً(30) * وَ مَن يَقْنُت مِنكُنَّ للَّهِ وَ رَسولِهِ وَ تَعْمَلْ صلِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَينِ وَ أَعْتَدْنَا لهََا رِزْقاً كرِيماً(31)

القراءة


قرأ ابن كثير و ابن عامر نضعف بالنون و التشديد العذاب بالنصب و قرأ أبو
مجمع البيان ج : 8 ص : 554
جعفر و أهل البصرة يضعف بالياء و التشديد « العذاب » بالرفع و الباقون « يضاعف » بالياء و الألف و فتح العين و قرأ أهل الكوفة غير عاصم « و من يقنت » و يعمل صالحا يؤتها الجميع بالياء و قرأ روح و زيد من تأت و من تقنت و « تعمل » كلها بالتاء « نؤتها » بالنون و الباقون « من يأت » و « من يقنت » بالياء و « تعمل » بالتاء و « نؤتها » بالنون .


الحجة

قال أبو علي ضاعف و ضعف بمعنى فمن لم يسم الفاعل أسند الفعل إلى العذاب و من قرأ بكسر العين فالفعل مسند إلى ضمير اسم الله تعالى و معنى « يضاعف لها العذاب ضعفين » أنها لما تشاهد من الزواجر الرادعة عن مواقعة الذنوب ينبغي أن يمتنع منها أكثر مما يمتنع من لا يشاهد ذلك و قال « يضاعف لها العذاب » فعاد الضمير إلى معنى من دون لفظه و لو عاد على لفظه لذكره و من قرأ « يقنت » بالياء فلان الفعل مسند إلى ضمير من و لم يتبين فاعل الفعل بعد فلما ذكر ما دل على أن الفعل لمؤنث حمل على المعنى فأنث و كذلك قوله من آمن بالله ثم قال و لا خوف عليهم و من قرأ كل ذلك بالياء فإنه حمل على اللفظ دون المعنى و من قرأ من تأت بالتاء حمل على المعنى فكأنه قال أية امرأة منكن أتت بفاحشة أو تأت بفاحشة و مثله في الكلام كثير للبيان كقوله سبحانه و منهم من يستمعون إليك و قول الفرزدق :
تعش فإن عاهدتني لا تخونني
نكن مثل من يا ذئب يصطحبان أي مثل اللذين يصطحبان قال ابن جني أن تكون من هنا على الصلة أولى من أن تكون على الصفة .

اللغة

الضعف مثل الشيء الذي يضم إليه يقال ضاعفته أي زدت عليه مثله و منه الضعف و هو نقصان القوة بأن يذهب أحد ضعفيها فهو ذهاب ضعف القوة .

النزول

قال المفسرون إن أزواج النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) سألنه شيئا من عرض الدنيا و طلبن منه زيادة في النفقة و آذينه لغيرة بعضهن على بعض ف آلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) منهن شهرا فنزلت آية التخيير و هو قوله « قل لأزواجك » و كن يومئذ تسعا عائشة و حفصة و أم حبيبة بنت أبي سفيان و سودة بنت زمعة و أم سلمة بنت أبي أمية فهؤلاء من قريش و صفية بنت حيي الخيبرية و ميمونة بنت
مجمع البيان ج : 8 ص : 555
الحارث الهلالية و زينب بنت جحش الأسدية و جويرية بنت الحارث المصطلقية و روى الواحدي بالإسناد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) جالسا مع حفصة فتشاجرا بينهما فقال لها هل لك أن أجعل بيني و بينك رجلا قالت نعم فأرسل إلى عمر فلما أن دخل عليهما قال لها تكلمي فقالت يا رسول الله تكلم و لا تقل إلا حقا فرفع عمر يده فوجأ وجهها ثم رفع يده فوجأ وجهها فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كف فقال عمر يا عدوة الله النبي لا يقول إلا حقا و الذي بعثه بالحق لو لا مجلسه ما رفعت يدي حتى تموتي فقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فصعد إلى غرفة فمكث فيها شهرا لا يقرب شيئا من نسائه يتغدى و يتعشى فيها فأنزل الله تعالى هذه الآيات .


المعنى


ثم عاد سبحانه إلى ذكر نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال مخاطبا لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) آمرا له أن يخير أزواجه فقال « يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا و زينتها » ) أي سعة العيش في الدنيا و كثرة المال « فتعالين أمتعكن » أي أعطكن متعة الطلاق و قد مر بيانها في سورة البقرة و قيل أمتعكن بتوفير المهر « و أسرحكن » أي أطلقكن « سراحا جميلا » و السراح الجميل الطلاق من غير خصومة و لا مشاجرة بين الزوجين « و إن كنتن تردن الله و رسوله و الدار الآخرة » أي و إن أردتن طاعة الله و طاعة رسوله و الصبر على ضيق العيش و الجنة « فإن الله أعد للمحسنات » أي العارفات المريدات الإحسان المطيعات له « منكن أجرا عظيما » و اختلف في هذا التخيير فقيل إنه خيرهن بين الدنيا و الآخرة فإن هن اخترن الدنيا و محبتها استأنف حينئذ طلاقهن بقوله « أمتعكن و أسرحكن سراحا جميلا » عن الحسن و قيل خيرهن بين الطلاق و المقام معه عن مجاهد و الشعبي و جماعة من المفسرين و اختلف العلماء في حكم التخيير على أقوال ( أحدها ) أن الرجل إذا خير امرأته فاختارت زوجها فلا شيء و إن اختارت نفسها تقع تطليقة واحدة و هو قول عمر بن الخطاب و ابن مسعود و إليه ذهب أبو حنيفة و أصحابه ( و ثانيها ) أنه إذا اختارت نفسها تقع ثلاث تطليقات و إن اختارت زوجها تقع واحدة و هو قول زيد بن ثابت و إليه ذهب مالك ( و ثالثها ) أنه إن نوى الطلاق كان طلاقا و إلا فلا و هو مذهب الشافعي ( و رابعها ) أنه لا يقع بالتخيير طلاق و إنما كان ذلك للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) خاصة و لو اخترن أنفسهن لما خيرهن لبن منه فأما غيره فلا يجوز له ذلك و هو المروي عن أئمتنا (عليهم السلام) ثم خاطب سبحانه نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة » أي بمعصية ظاهرة « يضاعف لها العذاب » في الآخرة « ضعفين » أي مثلي ما يكون على غيرهن و ذلك لأن نعم الله سبحانه عليهن أكثر لمكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) منهن و لنزول الوحي في بيوتهن فإذا كانت النعمة عليهن أعظم و أوفر كانت المعصية منهن أفحش و العقوبة بها أعظم و أكثر و قال أبو عبيدة الضعفان أن يجعل الواحد ثلاثة فيكون عليهن ثلاثة حدود لأن ضعف
مجمع البيان ج : 8 ص : 556
الواحد مثله و ضعفي الشيء مثلاه و قال غيره المراد بالضعف المثل فالمعنى أنها يزاد في عذابها ضعف كما زيد في ثوابها ضعف في قوله « نؤتها أجرها مرتين » « و كان ذلك على الله يسيرا » أي كان عذابها على الله هينا عن مقاتل « و من يقنت منكن لله و رسوله » أي و من يطع الله و رسوله و القنوت الطاعة و قيل معناه من يواظب منكن على الطاعة لله و لرسوله و منه القنوت في الصلاة و هو المداومة على الدعاء المعروف « و تعمل صالحا » فيما بينها و بين ربها « نؤتها أجرها مرتين » أي نؤتها ثوابها مثلي ثواب غيرها و روى أبو حمزة الثمالي عن زيد بن علي ( ع ) أنه قال إني لأرجو للمحسن منا أجرين و أخاف على المسيء منا أن يضاعف له العذاب ضعفين كما وعد أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و روى محمد بن أبي عمير عن إبراهيم ابن عبد الحميد عن علي بن عبد الله بن الحسين عن أبيه عن علي بن الحسين زين العابدين أنه قال له رجل إنكم أهل بيت مغفور لكم قال فغضب و قال نحن أحرى أن يجري فينا ما أجرى الله في أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من أن نكون كما تقول إنا نرى لمحسننا ضعفين من الأجر و لمسيئنا ضعفين من العذاب ثم قرأ الآيتين « و أعتدنا لها رزقا كريما » أي عظيم القدر رفيع الخيار و قيل إن الرزق الكريم ما سلم من كل آفة و قيل هو الثواب الذي لا يحسن الابتداء بمثله .
يَنِساءَ النَّبىِّ لَستنَّ كَأَحَد مِّنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتنَّ فَلا تخْضعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطمَعَ الَّذِى فى قَلْبِهِ مَرَضٌ وَ قُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً(32) وَ قَرْنَ فى بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبرَّجْنَ تَبرُّجَ الْجَهِلِيَّةِ الأُولى وَ أَقِمْنَ الصلَوةَ وَ ءَاتِينَ الزَّكوةَ وَ أَطِعْنَ اللَّهَ وَ رَسولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِب عَنكمُ الرِّجْس أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطهِّرَكمْ تَطهِيراً(33) وَ اذْكرْنَ مَا يُتْلى فى بُيُوتِكنَّ مِنْ ءَايَتِ اللَّهِ وَ الحِْكمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً(34) إِنَّ الْمُسلِمِينَ وَ الْمُسلِمَتِ وَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَتِ وَ الْقَنِتِينَ وَ الْقَنِتَتِ وَ الصدِقِينَ وَ الصدِقَتِ وَ الصبرِينَ وَ الصبرَتِ وَ الْخَشِعِينَ وَ الْخَشِعَتِ وَ الْمُتَصدِّقِينَ وَ الْمُتَصدِّقَتِ وَ الصئمِينَ وَ الصئمَتِ وَ الحَْفِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَ الْحَفِظتِ وَ الذَّكرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَ الذَّكرَتِ أَعَدَّ اللَّهُ لهَُم مَّغْفِرَةً وَ أَجْراً عظِيماً(35)

مجمع البيان ج : 8 ص : 557

القراءة


قرأ أهل المدينة و عاصم « و قرن » بفتح القاف و قرأ الباقون و هبيرة عن حفص عن عاصم و قرن بكسر القاف و في الشواذ قراءة الأعرج و أبان بن عثمان فيطمع الذي بكسر العين .

الحجة

قال أبو علي قوله و قرن لا يخلو إما أن يكون من القرار أو من الوقار فإن كان من الوقار فهو مثل عدن و كلن مما يحذف فيه الفاء و هي واو فيبقى من الكلمة علن و إن كان من القرار فيكون الأمر اقررن فيبدل من العين الياء كراهة التضعيف كما أبدل في قيراط و دينار فيصير لها حركة الحرف المبدل منه ثم تلقى الحركة على الفاء فتسقط همزة الوصل لتحرك ما بعدها فتقول قرن لأن حركة الراء كانت كسرة في تقر أ لا ترى أن القاف متحرك بها و أما من فتح فقال قرن فمن لم يجز قررت بالمكان أقر و إنما يقول قررت أقر فإن فتح الفاء عنده لا يجوز و من أجاز ذلك جاز على قوله « قرن » كما جاز قرن و هي لغة حكاها الكسائي و قال أبو عثمان يقال قررت به عينا أقر و لا يقال قررت في هذا المعنى و قررت في المكان فأنا أقر فيه يقال قررت في هذا المعنى و من قرأ فيطمع الذي بالكسر فهو معطوف على « فلا تخضعن » أي فلا يطمع الذي في قلبه مرض فكلاهما منهي عنه إلا أن النصب أقوى لأنه يكون بمعنى أن طمعه مسبب عن خضوعهن بالقول و إذا كان عطفا كان نهيا لهن و له و ليس فيه دليل على أن الطمع واقع من أجلهن .


اللغة


التبرج إظهار المرأة محاسنها مأخوذ من البرج و هو السعة في العين و طعنة برجاء واسعة و في أسنانه برج إذا تفرق ما بينها .

الإعراب

قوله « ليذهب » اللام يتعلق بمحذوف تقديره و إرادته ليذهب و يجوز أن يتعلق بيريد .
« أهل البيت » منصوب على المدح تقديره أعني أهل البيت و يجوز أن يكون منادى مضافا و يجوز في العربية جر اللام و رفعها فالجر على أن يكون بدلا من كم و الرفع
مجمع البيان ج : 8 ص : 558
على المدح .

المعنى

ثم أظهر سبحانه فضيلتهن على سائر النسوان بقوله « يا نساء النبي لستن كأحد من النساء » قال الزجاج لم يقل كواحدة من النساء لأن أحدا للنفي العام و قال ابن عباس معناه ليس قدركن عندي كقدر غيركن من النساء الصالحات أنتن أكرم علي فأنا بكن أرحم و ثوابكن أعظم لمكانكن من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) « إن اتقيتن » الله شرط عليهن التقوى ليبين سبحانه أن فضيلتهن بالتقوى لا باتصالهن بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) « فلا تخضعن بالقول » أي لا ترققن القول و لا تلن الكلام للرجال و لا تخاطبن الأجانب مخاطبة تؤدي إلى طمعهم فتكن كما تفعل المرأة التي تظهر الرغبة في الرجال « فيطمع الذي في قلبه مرض » أي نفاق و فجور عن قتادة و قيل من في قلبه شهوة للزنا عن عكرمة و قيل أن المرأة مندوبة إذا خاطبت الأجانب إلى الغلظة في المقالة لأن ذلك أبعد من الطمع في الريبة « و قلن قولا معروفا » أي مستقيما جميلا بريئا من التهمة بعيدا من الريبة موافقا للدين و الإسلام « و قرن في بيوتكن » أمرهن بالاستقرار في بيوتهن و المعنى اثبتن في منازلكن و الزمنها و إن كان من وقر يقر فمعناه كن أهل وقار و سكينة « و لا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى » أي لا تخرجن على عادة النساء اللاتي في الجاهلية و لا تظهرن زينتكن كما كن يظهرن ذلك و قيل التبرج التبختر و التكبر في المشي عن قتادة و مجاهد و قيل هو أن تلقي الخمار على رأسها و لا تشده فتواري قلائدها و قرطيها فيبدو ذلك منها عن مقاتل و المراد بالجاهلية الأولى ما كان قبل الإسلام عن قتادة و قيل ما كان بين آدم (عليه السلام) و نوح (عليه السلام) ثمان مائة سنة عن الحكم و قيل ما بين عيسى و محمد عن الشعبي قال و هذا لا يقتضي أن يكون بعدها جاهلية في الإسلام لأن الأول اسم للسابق تأخر عنه غيره أو لم يتأخر و قيل أن معنى « تبرج الجاهلية الأولى » أنهم كانوا يجوزون أن تجمع امرأة واحدة زوجا و خلا فتجعل لزوجها نصفها الأسفل و لخلها نصفها الأعلى يقبلها و يعانقها ثم قال « و أقمن الصلاة » أي أدينها في أوقاتها بشرائطها « و آتين الزكاة » المفروضة في أموالكن « و أطعن الله و رسوله » فيما يأمرانكن به و ينهانكن عنه ثم قال عز و جل « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا » قال ابن عباس الرجس عمل الشيطان و ما ليس لله فيه رضى و البيت التعريف فيه للعهد و المراد به بيت النبوة و الرسالة و العرب تسمي ما يلتجأ إليه بيتا و لهذا سموا الأنساب بيوتا و قالوا بيوتات العرب يريدون النسب قال :
ألا يا بيت بالعلياء بيت
و لو لا حب أهلك ما أتيت

مجمع البيان ج : 8 ص : 559

ألا يا بيت أهلك أوعدوني
كأني كل ذنبهم جنيت يريد بيت النسب و بيت النبوة و الرسالة كبيت النسب قال الفرزدق :
بيت زرارة محتب بفنائه
و مجاشع و أبو الفوارس نهشل
لا يحتبي بفناء بيتك مثلهم
أبدا إذا عد الأكمل .
و قيل البيت بيت الحرام و أهله هم المتقون على الإطلاق لقوله إن أولياؤه إلا المتقون و قيل البيت مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و أهله من مكنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فيه و لم يخرجه و لم يسد بابه و قد اتفقت الأمة بأجمعها على أن المراد بأهل البيت في الآية أهل بيت نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) ثم اختلفوا فقال عكرمة أراد أزواج النبي لأن أول الآية متوجه إليهن و قال أبو سعيد الخدري و أنس بن مالك و واثلة بن الأسقع و عائشة و أم سلمة أن الآية مختصة برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و علي و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهماالسلام) ذكر أبو حمزة الثمالي في تفسيره حدثني شهر بن حوشب عن أم سلمة قالت جاءت فاطمة (عليهاالسلام) إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) تحمل حريرة لها فقال ادعي زوجك و ابنيك فجاءت بهم فطعموا ثم ألقى عليهم كساء له خيبريا فقال اللهم هؤلاء أهل بيتي و عترتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا فقلت يا رسول الله و أنا معهم قال أنت إلى خير و روى الثعلبي في تفسيره أيضا بالإسناد عن أم سلمة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان في بيتها فأتته فاطمة (عليهاالسلام) ببرمة فيها حريرة فقال لها ادعي زوجك و ابنيك فذكرت الحديث نحو ذلك ثم قالت فأنزل الله تعالى « إنما يريد الله » الآية قالت فأخذ فضل الكساء فغشاهم به ثم أخرج يده فألوى يده بها إلى السماء ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي و حامتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا فأدخلت رأسي البيت و قلت و أنا معكم يا رسول الله قال إنك إلى خير أنك إلى خير و بإسناده قال مجمع دخلت مع أمي على عائشة فسألتها أمي أ رأيت خروجك يوم الجمل قالت أنه كان قدرا من الله فسألتها عن علي (عليه السلام) فقالت تسأليني عن أحب الناس كان إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و زوج أحب الناس كان إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لقد رأيت عليا و فاطمة و حسنا و حسينا (عليهماالسلام) و جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بثوب عليهم ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي و حامتي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا قالت فقلت يا رسول الله أنا من أهلك قال تنحي فإنك إلي خير و بإسناده عن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قال نزلت هذه الآية في خمسة في و في علي و حسن و حسين و فاطمة (عليهماالسلام) و أخبرنا السيد أبو الحمد قال حدثنا الحاكم أبو القاسم الحسكاني قال حدثونا عن أبي
مجمع البيان ج : 8 ص : 560
بكر السبيعي قال حدثنا أبو عروة الحراني قال حدثنا ابن مصغي قال حدثنا عبد الرحيم بن واقد عن أيوب بن سيار عن محمد بن المنكدر عن جابر قال نزلت هذه الآية على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و ليست في البيت إلا فاطمة و الحسن و الحسين (عليهماالسلام) و علي (عليه السلام) « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت » فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) اللهم هؤلاء أهلي و حدثنا السيد أبو الحمد قال حدثنا الحاكم أبو القاسم بإسناده عن زاذان عن الحسن بن علي (عليهماالسلام) قال لما نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و إياه في كساء لأم سلمة خيبري ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي و عترتي و الروايات في هذا كثيرة من طريق العامة و الخاصة لو قصدنا إلى إيرادها لطال الكتاب و فيما أوردناه كفاية و استدلت الشيعة على اختصاص الآية بهؤلاء الخمسة (عليهم السلام) بأن قالوا إن لفظة إنما محققة لما أثبت بعدها ، نافية لما لم يثبت فإن قول القائل إنما لك عندي درهم و إنما في الدار زيد يقتضي أنه ليس عنده سوى الدرهم و ليس في الدار سوى زيد و إذا تقرر هذا فلا تخلو الإرادة في الآية أن تكون هي الإرادة المحضة أو الإرادة التي يتبعها التطهير و إذهاب الرجس و لا يجوز الوجه الأول لأن الله تعالى قد أراد من كل مكلف هذه الإرادة المطلقة فلا اختصاص لها بأهل البيت دون سائر الخلق و لأن هذا القول يقتضي المدح و التعظيم لهم بغير شك و شبهة و لا مدح في الإرادة المجردة فثبت الوجه الثاني و في ثبوته ثبوت عصمة المعنيين بالآية من جميع القبائح و قد علمنا أن من عدا من ذكرناه من أهل البيت غير مقطوع على عصمته فثبت أن الآية مختصة بهم لبطلان تعلقها بغيرهم و متى قيل أن صدر الآية و ما بعدها في الأزواج فالقول فيه أن هذا لا ينكره من عرف عادة الفصحاء في كلامهم فإنهم يذهبون من خطاب إلى غيره و يعودون إليه و القرآن من ذلك مملوء و كذلك كلام العرب و أشعارهم ثم عاد سبحانه إلى ذكر الأزواج فقال « و اذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله و الحكمة » معناه و اشكرن الله تعالى إذ صيركن في بيوت يتلى فيها القرآن و السنة عن قتادة و قيل اذكرن أي احفظن ذلك و ليكن منكن على بال أبدا لتعملن بموجبه و هذا حث لهن على حفظ القرآن و الأخبار و مذاكرتهن بهما و الخطاب و إن اختص بهن فغيرهن يشاركهن فيه لأن بناء الشريعة على القرآن و السنة « إن الله كان لطيفا » بأوليائه « خبيرا » بجميع خلقه و قيل لطيفا في تدبير خلقه و إيصال المنافع إليهم خبيرا بما يكون منهم و مصالحهم و مفاسدهم فيأمرهم بفعل ما فيه صلاحهم و اجتناب ما فيه فسادهم قال مقاتل بن حيان لما رجعت أسماء بنت عميس من الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) دخلت على نساء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقالت هل نزل فينا شيء من القرآن قلن لا فأتت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقالت يا رسول الله إن النساء لفي خيبة و خسار فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) و مم ذلك قالت لأنهن لا يذكرن بخير كما يذكر الرجال فأنزل الله تعالى هذه
مجمع البيان ج : 8 ص : 561
الآية « إن المسلمين و المسلمات » أي المخلصين الطاعة لله و المخلصات من قوله و رجلا سلما لرجل أي خالصا و قيل معناه إن الداخلين في الإسلام من الرجال و النساء و قيل يعني المستسلمين لأوامر الله و المنقادين له من الرجال و النساء « و المؤمنين و المؤمنات » أي و المصدقين بالتوحيد و المصدقات و الإسلام و الإيمان واحد عند أكثر المفسرين و إنما كرر لاختلاف اللفظين و قيل إنهما مختلفان فالإسلام الإقرار باللسان و الإيمان التصديق بالقلب و يعضده قوله قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا و لكن قولوا أسلمنا و قيل الإسلام هو اسم الدين و الإيمان التصديق به قال البلخي فسر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) المسلم و المؤمن بقوله المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده و المؤمن من أمن جاره بوائقه و ما آمن بي من بات شبعان و جاره طاو « و القانتين و القانتات » يعني الدائمين على الأعمال الصالحات و الدائمات و قيل يعني الداعين و الداعيات « و الصادقين » في إيمانهم و فيما ساءهم و سرهم « و الصادقات و الصابرين » على طاعة الله و على ما ابتلاهم الله به « و الصابرات و الخاشعين » أي المتواضعين الخاضعين لله تعالى « و الخاشعات » و قيل معناه و الخائفين و الخائفات « و المتصدقين » أي المخرجين الصدقات و الزكوات « و المتصدقات و الصائمين » لله تعالى بنية صادقة « و الصائمات و الحافظين فروجهم » من الزنا و ارتكاب الفجور « و الحافظات » فروجهن فحذف لدلالة الكلام عليه « و الذاكرين الله كثيرا و الذاكرات » الله كثيرا و حذف أيضا للدلالة عليه « أعد الله لهم » أي لهؤلاء الموصوفين بهذه الصفات و الخصال « مغفرة » لذنوبهم « و أجرا عظيما » في الآخرة و روى أبو سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فتوضئا و صليا كتبا من الذاكرين الله كثيرا و الذاكرات و قال مجاهد لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيرا حتى يذكر الله قائما و قاعدا و مضطجعا و روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال من بات على تسبيح فاطمة (عليهاالسلام) كان من الذاكرين الله كثيرا و الذاكرات .
وَ مَا كانَ لِمُؤْمِن وَ لا مُؤْمِنَة إِذَا قَضى اللَّهُ وَ رَسولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لهَُمُ الخِْيرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَن يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسولَهُ فَقَدْ ضلَّ ضلَلاً مُّبِيناً(36) وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِى أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ أَنْعَمْت عَلَيْهِ أَمْسِك عَلَيْك زَوْجَك وَ اتَّقِ اللَّهَ وَ تخْفِى فى نَفْسِك مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَ تخْشى النَّاس وَ اللَّهُ أَحَقُّ أَن تخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِّنهَا وَطراً زَوَّجْنَكَهَا لِكَىْ لا يَكُونَ عَلى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فى أَزْوَج أَدْعِيَائهِمْ إِذَا قَضوْا مِنهُنَّ وَطراً وَ كانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً(37) مَّا كانَ عَلى النَّبىِّ مِنْ حَرَج فِيمَا فَرَض اللَّهُ لَهُ سنَّةَ اللَّهِ فى الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَ كانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً(38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسلَتِ اللَّهِ وَ يخْشوْنَهُ وَ لا يخْشوْنَ أَحَداً إِلا اللَّهَ وَ كَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً(39) مَّا كانَ محَمَّدٌ أَبَا أَحَد مِّن رِّجَالِكُمْ وَ لَكِن رَّسولَ اللَّهِ وَ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَ كانَ اللَّهُ بِكلِّ شىْء 40) يماً(40)

مجمع البيان ج : 8 ص : 562

القراءة


قرأ أهل الكوفة و هشام « أن يكون » بالياء و الباقون بالتاء و قرأ عاصم وحده « و خاتم النبيين » بفتح التاء و الباقون بكسرها .

الحجة

قال أبو علي التذكير و التأنيث حسنان و هذه الآية تدل على أن ما في قوله يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة نفي و ليست بموصولة و من كسر التاء من خاتم فإنه ختمهم فهو خاتمهم و من فتح التاء فمعناه آخر النبيين لا نبي بعده قال الحسن خاتم الذي ختم به قال المبرد خاتم فعل ماض على فاعل و هو في معنى ختم النبيين و نصب النبيين على هذا الوجه بأنه مفعول به و في حرف عبد الله و لكن نبيا و ختم النبيين .

اللغة

قال الزجاج الخيرة التخيير و قال علي بن عيسى الخيرة إرادة اختيار الشيء على غيره و الوطر الإرب و الحاجة و قضاء الشهوة قال :
و كيف ثوائي في المدينة بعد ما
قضى وطرا منها جميل بن معمر
مجمع البيان ج : 8 ص : 563
قال الخليل الوطر كل حاجة يكون لك فيها همة فإذا بلغها البالغ قيل قد قضى وطره و أربه .

الإعراب


« سنة الله » منصوب على المصدر تقديره سن الله له سنة .
« الذين يبلغون » يجوز أن يكون رفعا على المدح تقديره هم الذين يبلغون رسالات الله و يجوز أن يكون نصبا على أعني الذين .
« و لكن رسول الله » تقديره و لكن كان رسول الله و كان خاتم النبيين و لو قرىء رسول الله و خاتم النبيين بالرفع لجاز أي و لكن هو رسول الله و خاتم النبيين .

النزول

نزلت في زينب بنت جحش الأسدية و كانت بنت أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فخطبها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) على مولاه زيد بن حارثة و رأت أنه يخطبها على نفسه فلما علمت أنه يخطبها على زيد أبت و أنكرت و قالت أنا ابنة عمتك فلم أكن لأفعل و كذلك قال أخوها عبد الله بن جحش فنزل « و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة » الآية يعني عبد الله بن جحش و أخته زينب فلما نزلت الآية قالت رضيت يا رسول الله و جعلت أمرها بيد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و كذلك أخوها فأنكحها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) زيدا فدخل بها و ساق إليها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عشرة دنانير و ستين درهما مهرا و خمارا و ملحفة و درعا و إزارا و خمسين مدا من طعام و ثلاثين صاعا من تمر عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و قالت زينب خطبني عدة من قريش فبعثت أختي حمنة بنت جحش إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أستشيره فأشار بزيد فغضبت أختي و قالت تزوج بنت عمتك مولاك ثم أعلمتني فغضبت أشد من غضبها فنزلت الآية فأرسلت إلى رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و قلت زوجني ممن شئت فزوجني من زيد و قيل نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط و كانت وهبت نفسها للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال قد قبلت و زوجها زيد بن حارثة فسخطت هي و أخوها و قالا إنما أردنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فزوجنا عبده فنزلت الآية عن ابن زيد و ذكر علي بن إبراهيم في تفسيره أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان شديد الحب لزيد و كان إذا أبطأ عليه زيد أتى منزله فيسأل عنه فأبطأ عليه يوما فأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) منزله فإذا زينب جالسة وسط حجرتها تسحق طيبا بفهر لها قال فدفع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) الباب فلما نظر إليها قال سبحان الله خالق النور تبارك الله أحسن الخالقين و رجع فجاء زيد و أخبرته زينب بما كان فقال لها لعلك وقعت في قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فهل لك أن أطلقك حتى يتزوجك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقالت أخشى إن تطلقني و لا يتزوجني فجاء زيد إلى رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) تمام القصة فنزلت الآية « و إذ تقول للذي أنعم الله عليه و أنعمت عليه » الآية .

مجمع البيان ج : 8 ص : 564

المعنى

لما تقدم ذكر نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عقبه سبحانه بذكر زيد و زوجته فقال « و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة إذا قضى الله و رسوله » أي إذا أوجب الله و رسوله « أمرا » و ألزماه و حكما به « أن يكون لهم الخيرة » أي الاختيار « من أمرهم » على اختيار الله تعالى و المعنى أن كل شيء أمر الله تعالى به أو حكم به فليس لأحد مخالفته و ترك ما أمر به إلى غيره « و من يعص الله و رسوله » فيما يختاران له « فقد ضل ضلالا مبينا » أي ذهب عن الحق ذهابا ظاهرا ثم خاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « و إذ تقول » أي و اذكر يا محمد حين تقول « للذي أنعم الله عليه » بالهداية إلى الإيمان « و أنعمت عليه » بالعتق و قيل أنعم الله عليه بمحبة رسوله و أنعم الرسول عليه بالتبني عن السدي و الثوري و هو زيد بن حارثة « أمسك عليك زوجك » يعني زوجك زينب تقول احبسها و لا تطلقها و هذا الكلام يقتضي مشاجرة جرت بينهما حتى وعظه الرسول و قال له أمسكها « و اتق الله » في مفارقتها و مضارتها « و تخفي في نفسك ما الله مبديه و تخشى الناس و الله أحق أن تخشيه » و الذي أخفاه في نفسه هو أنه أن طلقها زيد تزوجها و خشي لائمة الناس أن يقولوا أمره بطلاقها ثم تزوجها و قيل أن الذي أخفاه في نفسه هو أن الله سبحانه أعلمه أنها ستكون من أزواجه و أن زيدا سيطلقها فلما جاء زيد و قال له أريد أن أطلق زينب قال له أمسك عليك زوجك فقال سبحانه لم قلت أمسك عليك زوجك و قد أعلمتك أنها ستكون من أزواجك روي ذلك عن علي بن الحسين (عليهماالسلام) و هذا التأويل مطابق لتلاوة الآية و ذلك أنه سبحانه أعلم أنه يبدي ما أخفاه و لم يظهر غير التزويج قال « زوجناكها » فلو كان الذي أضمره محبتها أو إرادة طلاقها لأظهر الله تعالى ذلك مع وعده بأنه يبديه فدل ذلك على أنه إنما عوتب على قوله « أمسك عليك زوجك » مع علمه بأنها ستكون زوجته و كتمانه ما أعلمه الله به حيث استحيا أن يقول لزيد أن التي تحتك ستكون امرأتي قال البلخي و يجوز أن يكون أيضا على ما يقولونه أن النبي استحسنها فتمنى أن يفارقها زيد فيتزوجها و كتم ذلك لأن هذا التمني قد طبع عليه البشر و لا حرج على أحد في أن يتمنى شيئا استحسنه و قيل أنه إنما أضمر أن يتزوجها إن طلقها زيد من حيث أنها كانت ابنة عمته فأراد ضمها إلى نفسه لئلا يصيبها ضيعة كما يفعل الرجل بأقاربه عن الجبائي قال فأخبر الله سبحانه الناس بما كان يضمره من إيثار ضمها إلى نفسه ليكون ظاهره مطابقا لباطنه و لهذا المعنى قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأصحابه يوم فتح مكة و قد جاءه عثمان بعبد الله بن سعد بن أبي سرح يستأمنه منه و كان (صلى الله عليه وآله وسلّم) قبل ذلك قد أهدر دمه و أمر بقتله فلما رأى عثمان استحيا من رده و سكت طويلا ليقتله بعض المؤمنين ثم آمنه بعد تردد المسألة من عثمان و قال أ ما كان منكم رجل رشيد يقوم إلى هذا فيقتله فقال له عباد بن بشر يا رسول الله إن عيني ما زالت في عينك انتظار
مجمع البيان ج : 8 ص : 565
أن تؤمي إلي فأقتله فقال أن الأنبياء لا تكون لهم خائنة أعين فلم يستحب الإشارة إلى قتل كافر و إن كان مباحا و قيل كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يريد أن يتزوج بها إذا فارقها و لكنه عزم أن لا يتزوجها مخافة أن يطعنوا عليه فأنزل الله هذه الآية كيلا يمتنع عن فعل المباح خشية الناس و لم يرد بقوله « و الله أحق أن تخشاه » خشية التقوى لأنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان يتقي الله حق تقاته و يخشاه فيما يجب أن يخشى فيه و لكنه أراد خشية الاستحياء لأن الحياء كان غالبا على شيمته الكريمة (صلى الله عليه وآله وسلّم) كما قال سبحانه « إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم » و قيل أن زينب كانت شريفة فزوجها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من زيد مولاه و لحقها بذلك بعض العار فأراد (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يزيدها شرفا بأن يتزوجها لأنه كان السبب في تزويجها من زيد فعزم أن يتزوج بها إذا فارقها و قيل أن العرب كانوا ينزلون الأدعياء منزلة الأبناء في الحكم فأراد (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يبطل ذلك بالكلية و ينسخ سنة الجاهلية فكان يخفي في نفسه تزويجها لهذا الغرض كيلا يقول الناس أنه تزوج بامرأة ابنه و يقرفونه بما هو منزه عنه و لهذا قال « أمسك عليك زوجك » عن أبي مسلم و يشهد لهذا التأويل قوله فيما بعد « فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهم وطرا » و معناه فلما قضى زيد حاجته من نكاحها فطلقها و انقضت عدتها و لم يكن في قلبه ميل إليها و لا وحشة من فراقها فإن معنى القضاء هو الفراغ من الشيء على التام « زوجناكها » أي أذنا لك في تزويجها و إنما فعلنا ذلك توسعة على المؤمنين حتى لا يكون عليهم إثم في أن يتزوجوا أزواج أدعيائهم الذين تبنوهم إذا قضى الأدعياء منهن حاجتهم و فارقوهن فبين سبحانه أن الغرض في ذلك أن لا يجري المتبني في تحريم امرأته إذا طلقها على المتبني مجرى الابن من النسب و الرضاع في تحريم امرأته إذا طلقها على الأب « و كان أمر الله مفعولا » أي كائنا لا محالة و في الحديث أن زينب كانت تفتخر على سائر نساء النبي و تقول زوجني الله من النبي و أنتن إنما زوجكن أولياؤكن و روى ثابت عن أنس بن مالك قال لما انقضت عدة زينب قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لزيد اذهب فاذكرها علي قال زيد فانطلقت فقلت يا زينب أبشري قد أرسلني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يذكرك و نزل القرآن و جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فدخل عليها بغير إذن لقوله تعالى « زوجناكها » و في رواية أخرى قال زيد فانطلقت فإذا هي تخمر عجينها فلما رأيتها عظمت في نفسي حتى ما أستطيع أن أنظر إليها حين علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ذكرها فوليتها ظهري و قلت يا زينب أبشري أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يخطبك ففرحت بذلك و قالت ما أنا بصانعة شيئا حتى أوامر ربي فقامت إلى مسجدها و نزل « زوجناكها » فتزوجها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و دخل بها و ما أولم على امرأة من نسائه ما أولم عليها ذبح شاة و أطعم الناس الخبز و اللحم حتى امتد النهار و عن الشعبي قال كانت زينب تقول
مجمع البيان ج : 8 ص : 566
للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إني لأدل عليك بثلاث ما من نسائك امرأة تدل بهن جدي و جدك واحد و إني أنكحنيك الله في السماء و أن السفير لي جبرائيل (عليه السلام) ثم قال سبحانه « ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له » أي ما كان على النبي من إثم و ضيق فيما أحل الله له من التزويج بامرأة الابن المتبني و قيل فيما فرض و أوجب عليه من التزويج بها ليبطل حكم الجاهلية في الأدعياء « سنة الله في الذين خلوا من قبل » أي كسنة الله في الأنبياء الماضين و طريقته و شريعته فيهم في زوال الحرج عنهم و عن أممهم بما أحل سبحانه لهم من ملاذهم و قيل في كثرة الأزواج كما فعله داود و سليمان (عليهماالسلام) و كان لداود مائة امرأة و لسليمان ثلاثمائة امرأة و سبعمائة سرية و قيل أشار بالسنة إلى أن النكاح من سنة الأنبياء كما قال النكاح من سنتي فمن رغب عنه فقد رغب عن سنتي « و كان أمر الله قدرا مقدورا » أي كان ما ينزله الله على أنبيائه من الأمر الذي يريده قضاء مقضيا و قيل معناه جاريا على مقدار لا يكون فيه تفاوت من جهة الحكمة و قيل أن القدر المقدر هو ما كان على مقدار ما تقدم من غير زيادة و لا نقصان و عليه قول الشاعر :
و أعلم بأن ذا الجلال قد قدر
في الصحف الألى التي كان سطر ثم وصف سبحانه الأنبياء الماضين و أثنى عليهم فقال « الذين يبلغون رسالات الله » أي يؤدونها إلى من بعثوا إليهم و لا يكتمونها « و يخشونه » أي و يخافون الله مع ذلك في ترك ما أوجبه عليهم « و لا يخشون أحدا إلا الله » و لا يخافون من سوى الله فيما يتعلق بالأداء و التبليغ و في هذا دلالة على أن الأنبياء لا يجوز عليهم التقية في تبليغ الرسالة و متى قيل فكيف ما قال لنبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) و تخشى الناس فالقول إنه لم يكن ذلك فيما يتعلق بالتبليغ و إنما خشي المقالة القبيحة فيه و العاقل كما يتحرز عن المضار يتحرز من إساءة الظنون به و القول السيىء فيه و لا يتعلق شيء من ذلك بالتكليف « و كفى بالله حسيبا » أي حافظا لأعمال خلقه و محاسبا مجازيا عليها و لما تزوج زينب بنت جحش قال الناس إن محمدا تزوج امرأة ابنه فقال سبحانه « ما كان محمد أبا أحد من رجالكم » الذين لم يلدهم و في هذا بيان أنه ليس باب لزيد فتحرم عليه زوجته فإن تحريم زوجة الابن معلق بثبوت النسب فمن لا نسب له لا حرمة لامرأته و لهذا أشار إليهم فقال « من رجالكم » و قد ولد له (صلى الله عليه وآله وسلّم) أولاد ذكور إبراهيم و القاسم و الطيب و المطهر فكان أباهم و قد صح أنه قال للحسن إن ابني هذا سيد و قال أيضا للحسن و الحسين ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا و قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) إن كل بني بنت ينتسبون إلى أبيهم إلا أولاد فاطمة فإني أنا أبوهم و قيل أراد بقوله « رجالكم » البالغين من رجال ذلك الوقت و لم يكن
مجمع البيان ج : 8 ص : 567
أحد من أبنائه رجلا في ذلك الوقت « و لكن رسول الله » أي و لكن كان رسول الله لا يترك ما أباحه الله تعالى بقول الجهال و قيل إن الوجه في اتصاله بما قبله أنه أراد سبحانه ليس يلزم طاعته و تعظيمه لمكان النسب بينه و بينكم و لمكان الأبوة بل إنما يجب ذلك عليكم لمكان النبوة ، « و خاتم النبيين » أي و آخر النبيين ختمت النبوة به فشريعته باقية إلى يوم الدين و هذا فضيلة له صلوات الله عليه و آله اختص بها من بين سائر المرسلين فإن قيل إن اليهود يدعون في موسى مثل ذلك فالجواب أن بعض اليهود يدعون أن شريعته لا تنسخ و هم مع ذلك يجوزون أن يكون بعده أنبياء و نحن إذا أثبتنا نبوة نبينا (صلى الله عليهوآلهوسلّم) بالمعجزات القاهرة وجب نسخ شريعته بذلك « و كان الله بكل شيء عليما » لا يخفى عليه شيء من مصالح العباد و صح الحديث عن جابر بن عبد الله عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال إنما مثلي في الأنبياء كمثل رجل بني دارا فأكملها و حسنها موضع لبنة فكان من دخل فيها فنظر إليها قال ما أحسنها إلا موضع هذه اللبنة قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) فأنا موضع اللبنة ختم بي الأنبياء أورده البخاري و مسلم في صحيحيهما .
يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً(41) وَ سبِّحُوهُ بُكْرَةً وَ أَصِيلاً(42) هُوَ الَّذِى يُصلى عَلَيْكُمْ وَ مَلَئكَتُهُ لِيُخْرِجَكم مِّنَ الظلُمَتِ إِلى النُّورِ وَ كانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً(43) تحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سلَمٌ وَ أَعَدَّ لهَُمْ أَجْراً كَرِيماً(44) يَأَيهَا النَّبىُّ إِنَّا أَرْسلْنَك شهِداً وَ مُبَشراً وَ نَذِيراً(45) وَ دَاعِياً إِلى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِرَاجاً مُّنِيراً(46) وَ بَشرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لهَُم مِّنَ اللَّهِ فَضلاً كَبِيراً(47) وَ لا تُطِع الْكَفِرِينَ وَ الْمُنَفِقِينَ وَ دَعْ أَذَاهُمْ وَ تَوَكلْ عَلى اللَّهِ وَ كَفَى بِاللَّهِ وَكيلاً(48)

المعنى


ثم خاطب سبحانه المؤمنين فقال « يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا » روى ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من عجز عن الليل أن يكابده و جبن عن العدو أن
مجمع البيان ج : 8 ص : 568
يجاهده و بخل بالمال أن ينفقه فليكثر ذكر الله عز و جل ثم اختلف في معنى الذكر الكثير فقيل هو أن لا ينساه أبدا عن مجاهد و قيل هو أن يذكره سبحانه بصفاته العلى و أسمائه الحسنى و ينزهه عما لا يليق به و قيل هو أن يقول سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر على كل حال عن مقاتل و قد ورد عن أئمتنا (عليهم السلام) أنهم قالوا من قالها ثلاثين مرة فقد ذكر الله ذكرا كثيرا .
و عن زرارة و حمران ابني أعين عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من سبح تسبيح فاطمة الزهراء (عليهاالسلام) فقد ذكر الله ذكرا كثيرا و روى الواحدي بإسناده عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس قال جاء جبرائيل (عليه السلام) إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال يا محمد قل سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر و لا حول و لا قوة إلا بالله عدد ما علم و زنة ما علم و ملء ما علم فإن من قالها كتب الله له بها ست خصال كتب من الذاكرين الله كثيرا و كان أفضل من ذكره بالليل و النهار و كن له غرسا في الجنة و تحاتت عنه خطاياه كما تحات ورق الشجرة اليابسة و ينظر الله إليه و من نظر الله إليه لم يعذبه « و سبحوه بكرة و أصيلا » أي و نزهوه سبحانه عن جميع ما لا يليق به بالغداة و العشي و الأصيل العشي و قيل يعني به صلاة الصبح و صلاة العصر عن قتادة و صلاة الصبح و صلاة العشاء الآخرة خصهما بالذكر لأن لهما مزية على غيرهما من حيث أن ملائكة الليل و النهار يجتمعون فيهما و قال الكلبي أما بكرة فصلاة الفجر و أما أصيلا فصلاة الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة و سمي الصلاة تسبيحا لما فيها من التسبيح و التنزيه « و هو الذي يصلي عليكم و ملائكته » الصلاة من الله تعالى المغفرة و الرحمة عن سعيد بن جبير و الحسن و قيل الثناء عن أبي العالية و قيل هي الكرامة عن سفيان و أما صلاة الملائكة فهي دعاؤهم عن ابن عباس و أبي العالية و قيل طلبهم إنزال الرحمة من الله تعالى « ليخرجكم من الظلمات إلى النور » أي من الجهل بالله سبحانه إلى معرفته فشبه الجهل بالظلمات و شبه المعرفة بالنور لأن هذا يقود إلى الجنة و ذلك يقود إلى النار و قيل من الضلالة إلى الهدى بألطافه و هدايته و قيل من ظلمات النار إلى نور الجنة « و كان بالمؤمنين رحيما » خص المؤمنين بالرحمة دون غيرهم لأنه سبحانه جعل الإيمان بمنزلة العلة في إيجاب الرحمة و النعمة العظيمة التي هو الثواب « تحيتهم يوم يلقونه سلام » أي يحيي بعضهم بعضا يوم يلقون ثواب الله بأن يقولوا السلامة لكم من جميع الآفات و لقاء الله سبحانه معناه لقاء ثوابه كما سبق القول فيه و روي عن البراء بن عازب أنه قال يوم يلقون ملك الموت لا يقبض روح مؤمن إلا سلم عليه فعلى هذا يكون المعنى تحية المؤمنين من ملك الموت يوم يلقونه أن يسلم عليهم و ملك الموت
مجمع البيان ج : 8 ص : 569
مذكور في الملائكة « و أعد لهم أجرا كريما » أي ثوابا جزيلا ثم خاطب نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا » على أمتك فيما يفعلونه من طاعة أو معصية و إيمان أو كفر لتشهد لهم و عليهم يوم القيامة و نجازيهم بحسبه « و مبشرا » أي و مبشرا لمن أطاعني و أطاعك بالجنة « و نذيرا » لمن عصاني و عصاك بالنار « و داعيا » أي و بعثناك داعيا « إلى الله » و الإقرار بوحدانيته و امتثال أوامره و نواهيه « بإذنه » أي بعلمه و أمره « و سراجا منيرا » يهتدي بك في الدين كما يهتدي بالسراج و المنير الذي يصدر النور من جهته إما بفعله و إما لأنه سبب له فالقمر منير و السراج منير بهذا المعنى و الله منير السماوات و الأرض و قيل عنى بالسراج المنير القرآن و التقدير و بعثناك ذا سراج منير فحذف المضاف عن الزجاج « و بشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا » زيادة على ما يستحقونه من الثواب « و لا تطع الكافرين و المنافقين » هو مفسر في أول السورة « و دع أذيهم » أي و أعرض عن أذاهم فإني سأكفيك أمرهم إذا توكلت علي و عملت بطاعتي فإن جميعهم في سلطاني بمنزلة ما هو في قبضة عبدي و قيل معناه كف عن أذاهم و قتالهم و ذلك قبل أن يؤثر بالقتال عن الكلبي « و توكل على الله » أي و أسند أمرك إلى الله ينصرك عليهم « و كفى بالله وكيلا » أي كافيا و متكفلا بما يسند إليه .


النظم

إنما اتصلت الآية بما تقدمها من قوله و لكن رسول الله فإنه من عليهم به ثم أمرهم بأن يشكروه على ذلك و قوله هو الذي يصلي عليكم يتصل بما قبله من الأمر بالذكر و التقدير إن الله عز اسمه مع غناه عنكم يذكركم فأنتم أولى بأن تذكروه و تقبلوا عليه مع احتياجكم إليه و قيل إنه سبحانه عدد نعمه على المؤمنين و عدد من جملتها صلاته عليهم ثم بين إرساله النبي إليهم مع جلالة قدره و علو أمره .
يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَتِ ثُمَّ طلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّة تَعْتَدُّونهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَ سرِّحُوهُنَّ سرَاحاً جَمِيلاً(49) يَأَيُّهَا النَّبىُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَجَك الَّتى ءَاتَيْت أُجُورَهُنَّ وَ مَا مَلَكَت يَمِينُك مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْك وَ بَنَاتِ عَمِّك وَ بَنَاتِ عَمَّتِك وَ بَنَاتِ خَالِك وَ بَنَاتِ خَلَتِك الَّتى هَاجَرْنَ مَعَك وَ امْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَت نَفْسهَا لِلنَّبىِّ إِنْ أَرَادَ النَّبىُّ أَن يَستَنكِحَهَا خَالِصةً لَّك مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضنَا عَلَيْهِمْ فى أَزْوَجِهِمْ وَ مَا مَلَكت أَيْمَنُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْك حَرَجٌ وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً(50)
 

Back Index Next