جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج3 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


مجمع البيان ج : 3 ص : 206
و أنه لا جريمة تضيق عنها رحمته و لا خيانة تقصر عنها مغفرته « و آتينا موسى » أي أعطيناه « سلطانا مبينا » أي حجة ظاهرة تبين عن صدقه و صحة نبوته « و رفعنا فوقهم الطور » أي الجبل لما امتنعوا من العمل بما في التوراة و قبول ما جاءهم به موسى « بميثاقهم » أي بما أعطوا الله سبحانه من العهد ليعملن بما في التوراة و قيل معناه و رفعنا الجبل فوقهم بنقضهم ميثاقهم الذي أخذ عليهم بأن يعملوا بما في التوراة و إنما نقضوه بعبادة العجل و غيرها عن أبي علي الجبائي و قال أبو مسلم إنما رفع الله الجبل فوقهم إظلالا لهم من الشمس بميثاقهم أي بعهدهم جزاء لهم على ذلك و هذا القول يخالف أقوال المفسرين « و قلنا لهم ادخلوا الباب سجدا » يعني باب حطة و قد مر بيانه هناك « و قلنا لهم لا تعدوا في السبت » أي لا تتجاوزوا في يوم السبت ما أبيح لكم إلى ما حرم عليكم عن قتادة قال أمرهم الله أن لا يأكلوا الحيتان يوم السبت و أجاز لهم ما عداه « و أخذنا منهم ميثاقا غليظا » أي عهدا وثيقا وكيدا بأن يأتمروا بأوامره و ينتهوا عن مناهيه و زواجره .
فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَقَهُمْ وَ كُفْرِهِم بِئَايَتِ اللَّهِ وَ قَتْلِهِمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيرِ حَقّ وَ قَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْف بَلْ طبَعَ اللَّهُ عَلَيهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلاً(155) وَ بِكُفْرِهِمْ وَ قَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بهْتَناً عَظِيماً(156) وَ قَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المَْسِيحَ عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ رَسولَ اللَّهِ وَ مَا قَتَلُوهُ وَ مَا صلَبُوهُ وَ لَكِن شبِّهَ لهَُمْ وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِى شك مِّنْهُ مَا لهَُم بِهِ مِنْ عِلْم إِلا اتِّبَاعَ الظنِّ وَ مَا قَتَلُوهُ يَقِينَا(157) بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَ كانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً(158)

اللغة

البهتان الكذب الذي يتحير فيه من شدته و عظمته و قد مر معنى المسيح في سورة آل عمران يقال قتلت الشيء خبرا و علما أي علمته علما تاما و ذلك لأن القتل هو
مجمع البيان ج : 3 ص : 207
التذليل و يكون كالدرس أنه من التذليل و منه الرسم الدارس لذلته فقولك درست العلم بمعنى ذللته و يقال في المثل قتل أرضا عالمها و قتلت أرض جاهلها قال الأصمعي معناه ضبط الأمر من يعلمه و أقول معناه أن العالم يغلب أهل أرضه و الجاهل مغلوب مقهور كما أن الجاهل بالطريق لا يهتدي فيتردد فيه .

الإعراب

ما في قوله « فبما نقضهم » لغو أي فبنقضهم و معناه التوكيد أي فبنقضهم ميثاقهم حقا و الجالب للباء في فبنقضهم و العامل فيه قيل أنه محذوف أي لعناهم و قيل العامل فيه قوله « حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم » و قوله « فبظلم من الذين » بدل من قوله ( فبنقضهم ) عن الزجاج و على هذا فقوله « بل طبع الله عليها بكفرهم » إلى آخر الآية اعتراض و كذلك قوله « و ما قتلوه و ما صلبوه » إلى قوله « شهيدا » و قوله « عيسى بن مريم » عطف بيان ركب مع ابن و جعل كاسم واحد لوقوع ابن بين علمين مع كونه صفة و الصفة ربما ركبت مع الموصوف فجعلا كاسم واحد نحو لا رجل ظريف في الدار و رسول الله صفة للمسيح أو بدل منه و « اتباع الظن » منصوب على الاستثناء و هو استثناء منقطع و ليس من الأول فالمعنى ما لهم به من علم لكنهم يتبعون الظن .

المعنى

ثم ذكر سبحانه أفعالهم القبيحة و مجازاته إياهم بها فقال « فبما نقضهم » أي فبنقض هؤلاء الذين تقدم ذكرهم و وصفهم « ميثاقهم » أي عهودهم التي عاهدوا الله عليها أن يعملوا بها في التوراة « و كفرهم ب آيات الله » أي جحودهم بأعلام الله و حججه و أدلته التي احتج بها عليهم في صدق أنبيائه و رسله « و قتلهم الأنبياء » بعد قيام الحجة عليهم بصدقهم « بغير حق » أي بغير استحقاق منهم لذلك بكبيرة أتوها أو خطيئة استوجبوا بها القتل و قد قدمنا القول في أمثال هذا و إنه إنما يذكر على سبيل التوكيد فإن قتل الأنبياء لا يمكن إلا أن يكون بغير حق و هو مثل قوله و من يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به و المعنى أن ذلك لا يكون البتة عليه برهان « و قولهم قلوبنا غلف » مضى تفسيره في سورة البقرة « بل طبع الله عليها بكفرهم » قد شرحنا معنى الختم و الطبع عند قوله « ختم الله على قلوبهم » « فلا يؤمنون إلا قليلا » أي لا يصدقون قوله إلا تصديقا قليلا و إنما وصفه بالقلة لأنهم لم يصدقوا بجميع ما كان يجب عليهم التصديق به و يجوز أن يكون الاستثناء من الذين نفي عنهم الإيمان فيكون المعنى إلا جمعا قليلا فكأنه سبحانه علم أنه يؤمن من جملتهم جماعة قليلة فيما بعد فاستثناهم من جملة من أخبر عنهم أنهم لا يؤمنون و به قال جماعة من المفسرين
مجمع البيان ج : 3 ص : 208
مثل قتادة و غيره و ذكر بعضهم أن الباء في قوله « فبما نقضهم » يتصل بما قبله و المعنى فأخذتهم الصاعقة بظلمهم و بنقضهم ميثاقهم و بكفرهم و بكذا و بكذا فتبع الكلام بعضه بعضا و قال الطبري أن معناه منفصل مما قبله يعني فبهذه الأشياء لعناهم و غضبنا عليهم فترك ذكر ذلك لدلالة قوله « بل طبع الله عليها بكفرهم » على معنى ذلك لأن من طبع على قلبه فقد لعن و سخط عليه قال و إنما قال ذلك لأن الذين أخذتهم الصاعقة كانوا على عهد موسى و الذين قتلوا الأنبياء و الذين رموا مريم بالبهتان العظيم و قالوا قتلنا عيسى كانوا بعد موسى بزمان طويل و معلوم أن الذين أخذتهم الصاعقة لم يكن ذلك عقوبة على رميهم مريم بالبهتان و لا على قولهم « إنا قتلنا المسيح » فبان بذلك أن الذين قالوا هذه المقالة غير الذين عوقبوا بالصاعقة و هذا الكلام إنما يتجه على قول من قال أنه يتصل بما قبله و لا يتجه على قول الزجاج و هذا أقوى لأنه إذا أمكن إجراء الكلام على ظاهره من غير تقدير حذف فالأولى أن يحمل عليه و قوله « و بكفرهم » أي بجحود هؤلاء لعيسى « و قولهم على مريم بهتانا عظيما » أي أعظم كذب و أشنعه و هو رميهم إياها بالفاحشة عن ابن عباس و السدي قال الكلبي مر عيسى برهط فقال بعضهم لبعض قد جاءكم الساحر ابن الساحرة و الفاعل ابن الفاعلة فقذفوه بأمه فسمع ذلك عيسى فقال اللهم أنت ربي خلقتني و لم آتهم من تلقاء نفسي اللهم العن من سبني و سب والدتي فاستجاب الله دعوته فمسخهم خنازير « و قولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله » يعني قول اليهود أنا قتلنا عيسى بن مريم رسول الله حكاه الله تعالى عنهم أي رسول الله في زعمه و قيل أنه من قول الله سبحانه لا على وجه الحكاية عنهم و تقديره الذي هو رسولي « و ما قتلوه و ما صلبوه و لكن شبه لهم » و اختلفوا في كيفية التشبيه فروي عن ابن عباس أنه قال لما مسخ الله تعالى الذين سبوا عيسى و أمه بدعائه بلغ ذلك يهوذا و هو رأس اليهود فخاف أن يدعو عليه فجمع اليهود فاتفقوا على قتله فبعث الله تعالى جبرائيل يمنعه منهم و يعينه عليهم و ذلك معنى قوله « و أيدناه بروح القدس » فاجتمع اليهود حول عيسى فجعلوا يسألونه فيقول لهم يا معشر اليهود إن الله تعالى يبغضكم فساروا إليه ليقتلوه فأدخله جبرائيل في خوخة البيت الداخل لها روزنة في سقفها فرفعه جبرائيل إلى السماء فبعث يهوذا رأس اليهود رجلا من أصحابه اسمه طيطانوس ليدخل عليه الخوخة فيقتله فدخل فلم يره فأبطأ عليهم فظنوا أنه يقاتله في الخوخة فألقى الله عليه شبه عيسى فلما خرج على أصحابه قتلوه و صلبوه و قيل ألقى عليه شبه وجه عيسى و لم يلق عليه شبه جسده فقال بعض القوم أن الوجه وجه عيسى و الجسد جسد طيطانوس و قال بعضهم إن كان هذا
مجمع البيان ج : 3 ص : 209
طيطانوس فأين عيسى و إن كان هذا عيسى فأين طيطانوس فاشتبه الأمر عليهم و قال وهب بن منبه أتى عيسى و معه سبعة من الحواريين في بيت فأحاطوا بهم فلما دخلوا عليهم صيرهم الله كلهم على صورة عيسى فقالوا لهم سحرتمونا ليبرزن لنا عيسى أو لنقتلنكم جميعا فقال عيسى لأصحابه من يشري نفسه منكم اليوم بالجنة فقال رجل منهم اسمه سرجس أنا فخرج إليهم فقال أنا عيسى فأخذوه و قتلوه و صلبوه و رفع الله عيسى من يومه ذلك و به قال قتادة و مجاهد و ابن إسحاق و إن اختلفوا في عدد الحواريين و لم يذكر أحد غير وهب أن شبهه ألقي على جميعهم بل قالوا ألقي شبهه على واحد و رفع عيسى من بينهم قال الطبري و قول وهب أقوى لأنه لو ألقي الشبه على واحد منهم مع قول عيسى أيكم يلقى شبهي فله الجنة ثم رأوا عيسى رفع من بينهم قال الطبري لما اشتبه عليهم و لما اختلفوا فيه و إن جاز أن يشتبه على أعدائهم من اليهود الذين ما عرفوه لكن ألقى الشبه على جميعهم و كانوا يرون كل واحد منهم بصورة عيسى فلما قتل أحدهم اشتبه الحال عليهم و قال أبو علي الجبائي إن رؤساء اليهود أخذوا إنسانا فقتلوه و صلبوه على موضع عال و لم يمكنوا أحدا من الدنو إليه فتغيرت حليته و قالوا قد قتلنا عيسى ليوهموا بذلك على عوامهم لأنهم كانوا أحاطوا بالبيت الذي فيه عيسى فلما دخلوه كان عيسى قد رفع من بينهم فخافوا أن يكون ذلك سببا لإيمان اليهود به ففعلوا ذلك و الذين اختلفوا فيه هم غير الذين صلبوه و إنما باقي اليهود و قيل إن الذي دلهم عليه و قال هذا عيسى أحد الحواريين أخذ على ذلك ثلاثين درهما و كان منافقا ثم أنه ندم على ذلك و اختنق حتى قتل نفسه و كان اسمه بودس زكريا بوطا و هو ملعون في النصارى و بعض النصارى يقول أن بودس زكريا بوطا هو الذي شبه لهم فصلبوه و هو يقول لست بصاحبكم أنا الذي دللتكم عليه و قيل أنهم حبسوا المسيح مع عشرة من أصحابه في بيت فدخل عليهم رجل من اليهود فألقى الله تعالى عليه شبه عيسى و رفع عيسى فقتلوا الرجل عن السدي « و إن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه » قيل يعني بذلك عامتهم لأن علماءهم علموا أنه غير مقتول عن الجبائي و قيل أراد بذلك جماعة اختلفوا فقال بعضهم قتلناه و قال بعضهم لم نقتله « ما لهم به من علم إلا اتباع الظن » أي لم يكن لهم بمن قتلوه علم لكنهم اتبعوا ظنهم فقتلوه ظنا منهم أنه عيسى و لم يكن به و إنما شكوا في ذلك لأنهم عرفوا عدة من في البيت فلما دخلوا عليهم و فقدوا واحدا منهم التبس عليهم أمر عيسى و قتلوا من قتلوه على شك منهم في أمر عيسى هذا على قول من قال لم يتفرق أصحابه حتى دخل عليهم اليهود و أما من قال تفرق أصحابه عنه فإنه يقول كان اختلافهم في أن عيسى هل كان فيمن بقي أو كان فيمن
مجمع البيان ج : 3 ص : 210
خرج اشتبه الأمر عليهم و قال الحسن معناه فاختلفوا في عيسى فقالوا مرة هو عبد الله و مرة هو ابن الله و مرة هو الله و قال الزجاج معنى اختلاف النصارى فيه أن منهم من ادعى أنه إله لم يقتل و منهم من قال قتل « و ما قتلوه يقينا » اختلف في الهاء في « قتلوه » فقيل أنه يعود إلى الظن أي ما قتلوا ظنهم يقينا كما يقال ما قتله علما عن ابن عباس و جويبر و معناه ما قتلوا ظنهم الذي اتبعوه في المقتول الذي قتلوه و هم يحسبونه عيسى يقينا أنه عيسى و لا أنه غيره لكنهم كانوا منه على شبهة و قيل إن الهاء عائد إلى عيسى يعني ما قتلوه يقينا أي حقا فهو من باب تأكيد الخبر عن الحسن أراد أن الله تعالى نفى عن عيسى القتل على وجه التحقيق و اليقين « بل رفعه الله إليه » يعني بل رفع الله عيسى إليه و لم يصلبوه و لم يقتلوه و قد مر تفسيره في سورة آل عمران عند قوله إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك و رافعك إلي « و كان الله عزيزا حكيما » معناه لم يزل الله سبحانه منتقما من أعدائه حكيما في أفعاله و تقديراته فاحذروا أيها السائلون محمدا أن ينزل عليكم كتابا من السماء حلول عقوبة بكم كما حل بأوائلكم في تكذيبهم رسله عن ابن عباس و ما مر في تفسير هذه الآية من أن الله ألقى شبه عيسى على غيره فإن ذلك من مقدور الله بلا خلاف بين المسلمين فيه و يجوز أن يفعله الله سبحانه على وجه التغليظ للمحنة و التشديد في التكليف و إن كان ذلك خارقا للعادة فإنه يكون معجزا للمسيح كما روي أن جبرائيل كان يأتي نبينا في صورة دحية الكلبي و مما يسأل عن هذه الآية أن يقال قد تواترت اليهود و النصارى مع كثرتهم و أجمعت على أن المسيح قد قتل و صلب فكيف يجوز عليهم أن يخبروا عن الشيء بخلاف ما هو به و لو جاز ذلك فكيف يوثق بشيء من الأخبار و الجواب أن هؤلاء دخلت عليهم الشبهة كما أخبر الله سبحانه عنهم بذلك فلم يكن اليهود يعرفون عيسى بعينه و إنما أخبروا أنهم قتلوا رجلا قيل لهم أنه عيسى فهم في خبرهم صادقون و إن لم يكن المقتول عيسى و إنما اشتبه الأمر على النصارى لأن شبه عيسى ألقي على غيره فرأوا من هو على صورته مقتولا مصلوبا فلم يخبر أحد من الفريقين إلا عما رآه و ظن أن الأمر على ما أخبر به فلا يؤدي ذلك إلى بطلان الأخبار بحال .
وَ إِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَبِ إِلا لَيُؤْمِننَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَ يَوْمَ الْقِيَمَةِ يَكُونُ عَلَيهِمْ شهِيداً(159)

مجمع البيان ج : 3 ص : 211

الإعراب

إن في قوله « و إن من أهل الكتاب » نافية و أكثر ما تأتي مع إلا و قد تأتي من غير إلا نحو قوله و لقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه أي في الذي ما مكناكم فيه قال الزجاج المعنى و ما منهم أحد إلا ليؤمنن به و كذلك قوله و إن منكم إلا واردها معناه و ما منكم أحد إلا واردها و كذلك و ما منا إلا له مقام معلوم أي و منا أحد إلا له مقام و مثله قول الشاعر :
لو قلت ما في قومها لم تيثم
يفضلها في حسب و ميسم أي ما في قومها أحد يفضلها و ذهب الكوفيون إلى أن المعنى و ما من أهل الكتاب إلا من ليؤمنن به و ما منكم إلا من هو واردها و ما منا إلا من له مقام و أهل البصرة لا يجيزون حذف الموصول و تبقية الصلة .

المعنى

ثم أخبر تعالى أنه لا يبقى أحد منهم إلا و يؤمن به فقال « و إن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته » اختلف فيه على أقوال ( أحدها ) أن كلا الضميرين يعودان إلى المسيح أي ليس يبقى أحد من أهل الكتاب من اليهود و النصارى إلا و يؤمنن بالمسيح قبل موت المسيح إذا أنزله الله إلى الأرض وقت خروج المهدي في آخر الزمان لقتل الدجال فتصير الملل كلها ملة واحدة و هي ملة الإسلام الحنيفية دين إبراهيم عن ابن عباس و أبي مالك و الحسن و قتادة و ابن زيد و ذلك حين لا ينفعهم الإيمان و اختاره الطبري قال و الآية خاصة لمن يكون منهم في ذلك الزمان و ذكر علي بن إبراهيم في تفسيره أن أباه حدثه عن سليمان بن داود المنقري عن أبي حمزة الثمالي عن شهر بن حوشب قال قال الحجاج بن يوسف آية من كتاب الله قد أعيتني قوله « و إن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته » الآية و الله إني لأمر باليهودي و النصراني فيضرب عنقه ثم أرمقه بعيني فما أراه يحرك شفتيه حتى يحمل فقلت أصلح الله الأمير ليس على ما أولت قال فكيف هو قلت إن عيسى بن مريم ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا و لا يبقى أهل ملة يهودي أو نصراني أو غيره إلا و آمن به قبل موت عيسى و يصلي خلف المهدي قال ويحك أنى لك هذا و من أين جئت به قال قلت حدثني به الباقر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال جئت و الله بها
مجمع البيان ج : 3 ص : 212
من عين صافية فقيل لشهر ما أردت بذلك قال أردت أن أغيظه و ذكر أبو القاسم البلخي مثل ذلك و ضعف الزجاج هذا الوجه قال إن الذين يبقون إلى زمن عيسى من أهل الكتاب قليل و الآية تقتضي عموم إيمان أهل الكتاب إلا أن جميعهم يقولون أن عيسى الذي ينزل في آخر الزمان نحن نؤمن به ( و ثانيها ) أن الضمير في به يعود إلى المسيح و الضمير في موته يعود إلى الكتابي و معناه لا يكون أحد من أهل الكتاب يخرج من دار الدنيا إلا و يؤمن بعيسى قبل موته إذا زال تكليفه و تحقق الموت و لكن لا ينفعه الإيمان حينئذ و إنما ذكر اليهود و النصارى لأن جميعهم مبطلون .
اليهود بالكفر به و النصارى بالغلو في أمره و ذهب إليه ابن عباس في رواية أخرى و مجاهد و الضحاك و ابن سيرين و جويبر قالوا و لو ضربت رقبته لم تخرج نفسه حتى يؤمن ( و ثالثها ) أن يكون المعنى ليؤمنن بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) قبل موت الكتابي عن عكرمة و رواه أيضا أصحابنا و ضعف الطبري هذا الوجه بأن قال لو كان ذلك صحيحا لما جاز إجراء أحكام الكفار عليهم إذا ماتوا و هذا لا يصح لأن إيمانهم بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) إنما يكون في حال زوال التكليف فلا يعتد به و إنما ضعف هذا القول من حيث لم يجر ذكر لنبينا (صلى الله عليهوآلهوسلّم) هاهنا و لا ضرورة توجب رد الكناية إليه و قد جرى ذكر عيسى فالأولى أن يصرف ذلك إليه « و يوم القيامة يكون عليهم شهيدا » يعني عيسى يشهد عليهم بأنه قد بلغ رسالات ربه و أقر على نفسه بالعبودية و أنه لم يدعهم إلى أن يتخذوه إلها عن قتادة و ابن جريج و قيل يشهد عليهم بتصديق من صدقه و تكذيب من كذبه عن أبي علي الجبائي و في هذه الآية دلالة على أن كل كافر يؤمن عند المعاينة و على أن إيمانه ذلك غير مقبول كما لم يقبل إيمان فرعون في حال اليأس عند زوال التكليف و يقرب من هذا ما رواه الإمامية أن المحتضرين من جميع الأديان يرون رسول الله و خلفاءه عند الموت و يروون في ذلك عن علي (عليه السلام) أنه قال للحارث الهمداني :
يا حار همدان من يمت يرني
من مؤمن أو منافق قبلا
يعرفني طرفه و أعرفه
بعينه و اسمه و ما فعلا فإن صحت هذه الرواية فالمراد برؤيتهم في تلك الحال العلم بثمرة ولايتهم و عداوتهم على اليقين بعلامات يجدونها من نفوسهم و مشاهدة أحوال يدركونها كما قد روي أن الإنسان إذا عاين الموت أري في تلك الحالة ما يدله على أنه من أهل الجنة أو من أهل النار .

مجمع البيان ج : 3 ص : 213
فَبِظلْم مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيهِمْ طيِّبَت أُحِلَّت لهَُمْ وَ بِصدِّهِمْ عَن سبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً(160) وَ أَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَ قَدْ نهُوا عَنْهُ وَ أَكلِهِمْ أَمْوَلَ النَّاسِ بِالْبَطِلِ وَ أَعْتَدْنَا لِلْكَفِرِينَ مِنهُمْ عَذَاباً أَلِيماً(161)

المعنى

ثم عطف سبحانه على ما تقدم بقوله « فبظلم من الذين هادوا » أي من اليهود معناه فبما ظلموا أنفسهم بارتكاب المعاصي التي تقدم ذكرها و قد مضى فيما تقدم عن الزجاج أنه قال « فبظلم من الذين هادوا » بدل من قوله فبنقضهم ميثاقهم و ما بعده و العامل في الباء قوله « حرمنا عليهم طيبات » و لكنه لما طال الكلام أجمل في قوله « فبظلم » ما ذكره قبل و أخبر أنه حرم على اليهود الذين نقضوا ميثاقهم الذي واثقوا الله عليه و كفروا ب آياته و قتلوا أنبياءه و قالوا على مريم بهتانا عظيما و فعلوا ما وصفه الله طيبات من المأكل و غيرها « أحلت لهم » أي كانت حلالا لهم قبل ذلك فلما فعلوا ما فعلوا اقتضت المصلحة تحريم هذه الأشياء عليهم عن مجاهد و أكثر المفسرين و قال أبو علي الجبائي حرم الله سبحانه هذه الطيبات على الظالمين منهم عقوبة لهم على ظلمهم و هي ما بين في قوله تعالى « و على الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر و من البقر و الغنم » الآية « و بصدهم عن سبيل الله كثيرا » أي و بمنعهم عباد الله عن دينه و سبيله التي شرعها لعباده صدا كثيرا و كان صدهم عن سبيل الله تقولهم على الله الباطل و ادعائهم أن ذلك عن الله و تبديلهم كتاب الله و تحريفهم معانيه عن وجوهه و أعظم من ذلك كله جحدهم نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و تركهم بيان ما علموه من أمره لمن جهله من الناس عن مجاهد و غيره « و أخذهم الربوا » أي ما فضل على رءوس أموالهم بتأخيرهم له عن محله إلى أجل آخر « و قد نهوا عنه » أي عن الربا « و أكلهم أموال الناس بالباطل » أي بغير استحقاق و لا استيجاب و هو ما كانوا يأخذونه من الرشى في الأحكام كقوله و أكلهم السحت و ما كانوا يأخذونه من أثمان الكتب التي كانوا يكتبونها بأيديهم و يقولون هذا من عند الله و ما أشبه ذلك من المأكل الخبيثة عاقبهم الله تعالى على جميع ذلك بتحريم ما حرم عليهم من الطيبات « و أعتدنا للكافرين منهم » أي هيأنا يوم القيامة لمن جحد الله أو الرسل من هؤلاء اليهود « عذابا أليما » أي مؤلما موجعا و اختلف في أن التحريم هل كان
مجمع البيان ج : 3 ص : 214
على وجه العقوبة أم لا فقال جماعة من المفسرين أن ذلك كان عقوبة و إذا جاز التحريم ابتداء على جهة المصلحة جاز أيضا عند ارتكاب المعصية على جهة العقوبة و قال أبو علي كان تحريمه عقوبة فيمن تعاطى ذلك الظلم و مصلحة في غيرهم و قال أبو هاشم إن التحريم لا يكون إلا للمصلحة و لما صار التحريم مصلحة عند إقدامهم على هذا الظلم جاز أن يقال حرم عليهم بظلمهم قال لأن التحريم تكليف يستحق الثواب بفعله و يجب الصبر على أدائه فهو معدود في النعم بخلاف العقوبات .
لَّكِنِ الرَّسِخُونَ فى الْعِلْمِ مِنهُمْ وَ المُْؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بمَا أُنزِلَ إِلَيْك وَ مَا أُنزِلَ مِن قَبْلِك وَ المُْقِيمِينَ الصلَوةَ وَ الْمُؤْتُونَ الزَّكوةَ وَ المُْؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الاَخِرِ أُولَئك سنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً(162)

القراءة

قرأ حمزة وحده سيؤتيهم بالياء و الباقون بالنون .

الحجة

ذكرنا الوجه في ما قيل عند قوله « أولئك سوف نؤتيهم أجورهم » .

الإعراب

اختلف في نصب المقيمين فذهب سيبويه و البصريون إلى أنه نصب على المدح على تقدير أعني المقيمين الصلاة قالوا إذا قلت مررت بزيد الكريم و أنت تريد أن تعرف زيدا الكريم من زيد غير الكريم فالوجه الجر و إذا أردت المدح و الثناء فإن شئت نصبت و قلت مررت بزيد الكريم كأنك قلت اذكر الكريم و إن شئت رفعت فقلت الكريم على تقدير هو الكريم و قال الكسائي موضع المقيمين جر و هو معطوف على ما من قوله « بما أنزل إليك » أي و بالمقيمين الصلاة و قال قوم أنه معطوف على الهاء و الميم من قوله « منهم » على معنى « لكن الراسخون في العلم منهم » و من المقيمين الصلاة و قال آخرون أنه معطوف على الكاف من قبلك أي بما أنزل من قبلك و من قبل المقيمين الصلاة و قيل أنه معطوف على الكاف في إليك أو الكاف في قبلك و هذه الأقوال الأخيرة لا تجوز عند البصريين لأنه لا يعطف بالظاهر على الضمير المجرور من غير إعادة الجار و قد شرحنا هذا في مبتدإ السورة عند قوله « و الأرحام » و أما ما روي عن عروة عن عائشة قال سألتها عن قوله « و المقيمين الصلاة » و عن قوله « و الصابئون » و عن قوله « إن هذان » فقالت يا ابن أختي هذا عمل
مجمع البيان ج : 3 ص : 215
الكتاب أخطأوا في الكتاب و ما روي عن بعضهم أن في كتاب الله أشياء ستصلحها العرب بالسنتها قالوا و في مصحف ابن مسعود و المقيمون الصلاة فمما لا يلتفت إليه لأنه لو كان كذلك لم يكن لتعلمه الصحابة الناس على الغلط و هم القدوة و الذين أخذوه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) .

المعنى

ثم ذكر سبحانه مؤمني أهل التوراة فقال « لكن الراسخون في العلم » و الدين و ذلك أن عبد الله بن سلام و أصحابه قالوا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إن اليهود لتعلم أن الذي جئت به حق و إنك لعندهم مكتوب في التوراة فقالت اليهود ليس كما يقولون أنهم لا يعلمون شيئا و أنهم يغرونك و يحدثونك بالباطل فقال الله تعالى « لكن الراسخون » الثابتون المبالغون « في العلم » المدارسون بالتوراة « منهم » أي من اليهود يعني ابن سلام و أصحابه من علماء اليهود « و المؤمنون » يعني أصحاب النبي من غير أهل الكتاب « يؤمنون بما أنزل إليك » يا محمد من القرآن و الشرائع أنه حق « و ما أنزل من قبلك » من الكتب على الأنبياء و الرسل و قيل إنما استثنى الله تعالى من وصفهم ممن هداه الله لدينه و وفقه لرشده من اليهود الذين ذكرهم فيما مضى من قوله « يسألك أهل الكتاب » إلى هاهنا فقال لكنهم لا يسألونك ما يسأل هؤلاء الجهال من إنزال الكتاب من السماء لأنهم قد علموا مصداق قولك بما قرءوا في الكتب المنزلة على الأنبياء و وجوب اتباعك عليهم فلا حاجة إلى أن يسألوك معجزة أخرى و لا دلالة غير ما علموا من أمرك بالعلم الراسخ في قلوبهم عن قتادة و غيره « و المقيمين الصلاة » إذا كان نصبا على الثناء و المدح على تقدير و اذكر المقيمين الصلاة و هم المؤتون الزكاة و يكون على هذا عطفا على قوله « و الراسخون في العلم منهم و المؤمنون » و المعنى و الذين يؤدون الصلاة بشرائطها و إذا كان جرا عطفا على ما أنزل أي يؤمنون بما أنزل إليك و ما أنزل من قبلك و المقيمين الصلاة فقيل إن المراد بهم الأنبياء أي و يؤمنون بالأنبياء المقيمين للصلاة و قيل المراد بهم الملائكة و إقامتهم للصلاة تسبيحهم ربهم و استغفارهم لمن في الأرض أي و بالملائكة و اختاره الطبري قال لأنه في قراءة أبي كذلك و كذلك هو في مصحفه و قيل المراد بهم الأئمة المعصومون « و المؤتون الزكاة » أي و المعطون زكاة أموالهم « و المؤمنون بالله » بأنه واحد لا شريك له « و اليوم الآخر » و بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال « أولئك » أي هؤلاء الذين وصفهم الله « سنؤتيهم » أي سنعطيهم « أجرا » أي ثوابا و جزاء على ما كان منهم من طاعة الله و اتباع أمره « عظيما » أي جزيلا و هو الخلود في الجنة .

مجمع البيان ج : 3 ص : 216
* إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْك كَمَا أَوْحَيْنَا إِلى نُوح وَ النَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَ أَوْحَيْنَا إِلى إِبْرَهِيمَ وَ إِسمَعِيلَ وَ إِسحَقَ وَ يَعْقُوب وَ الأَسبَاطِ وَ عِيسى وَ أَيُّوب وَ يُونُس وَ هَرُونَ وَ سلَيْمَنَ وَ ءَاتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً(163)

القراءة

قرأ حمزة و خلف زبورا بضم الزاي حيث وقعت و الباقون « زبورا » بفتحها .

الحجة

زبورا يجوز أن يكون جمع زبور بحذف الزيادة و مثله تخوم و تخوم و عذوب و عذوب و لا نظير لهذه الثلاثة و يجوز أن يكون جمع زبر بمعنى المزبور كقولهم ضرب الأمير و فسخ اليمين .

اللغة

و الزبر أحكام العمل في البئر خاصة يقال بئر مزبور أي مطوية بالحجارة و يقال ما لفلان زبر أي عقل و زبرة من الحديد قطعة منه و جمعه زبر و زبرت الكتاب أزبره زبرا و زبرته أزبره زبرا أي كتبته .

المعنى

ثم خاطب سبحانه نبيه بقوله « إنا أوحينا إليك » يا محمد قدمه في الذكر و إن تأخرت نبوته لتقدمه في الفضل « كما أوحينا إلى نوح » و قدم نوحا لأنه أبو البشر كما قال و جعلنا ذريته هم الباقين و قيل لأنه كان أطول الأنبياء عمرا و كانت معجزته في نفسه لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما لم يسقط له سن و لم تنقص قوته و لم يشب شعره و قيل لأنه لم يبالغ أحد منهم في الدعوة مثل ما بالغ فيها و لم يقاس أحد من قومه ما قاساه و هو أول من عذبت أمته بسبب أن ردت دعوته « و النبيين من بعده » أي و أوحينا إلى النبيين من بعد نوح « و أوحينا إلى إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب » أعاد ذكر هؤلاء بعد ذكر النبيين تعظيما لأمرهم و تفخيما لشأنهم « و الأسباط » و هم أولاد يعقوب و قيل أن الأسباط في ولد إسحاق كالقبائل في ولد إسماعيل و قد بعث منهم عدة رسل كيوسف و داود و سليمان و موسى و عيسى فيجوز أن يكون أراد بالوحي إليهم الوحي إلى الأنبياء منهم كما تقول أرسلت إلى بني تميم إذا أرسلت إلى وجوههم و لم يصح أن الأسباط الذين هم إخوة يوسف كانوا أنبياء « و عيسى و أيوب و يونس و هارون و سليمان » و قدم عيسى على أنبياء كانوا قبله لشدة العناية
مجمع البيان ج : 3 ص : 217
بأمره لغلو اليهود في الطعن فيه و الواو لا يوجب الترتيب « و آتينا داود زبورا » أي كتابا يسمى زبورا و اشتهر به كما اشتهر كتاب موسى بالتوراة و كتاب عيسى بالإنجيل .

النظم

هذه الآية تتصل بما قبلها من قوله « يسئلك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء » و هذا يدل على أنهم قد سألوه ما يدل على نبوته فأخبر سبحانه أنه أرسله كما أرسل من تقدمه من الأنبياء و أظهر على يده المعجزات كما أظهرها على أيديهم و قيل أن اليهود لما تلا النبي عليهم تلك الآيات قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء بعد موسى فكذبهم الله بهذه الآيات إذ أخبر أنه قد أنزل على من بعد موسى من الذين سماهم و ممن لم يسمهم عن ابن عباس .
وَ رُسلاً قَدْ قَصصنَهُمْ عَلَيْك مِن قَبْلُ وَ رُسلاً لَّمْ نَقْصصهُمْ عَلَيْك وَ كلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكلِيماً(164) رُّسلاً مُّبَشرِينَ وَ مُنذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلى اللَّهِ حُجَّةُ بَعْدَ الرُّسلِ وَ كانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً(165)

الإعراب

« و رسلا » منصوب من وجهين ( أحدهما ) أن يكون منصوبا بفعل مضمر يفسره الذي ظهر أي و قصصنا رسلا قد قصصناهم عليك كما تقول رأيت زيدا و عمرا أكرمته أي و أكرمت عمرا أكرمته و يجوز أن ينصب رسلا على معنى أوحينا لأن معنى أوحينا إليك أنا أرسلناك موحين إليك و أرسلنا رسلا قد قصصناهم عليك هذا قول الزجاج و قال الفراء أنه على تقدير إنا أوحينا إليك و إلى رسل قد قصصناهم عليك و رسلا لم نقصصهم فلما حذف إلى نصب الفعل ، « رسلا مبشرين » منصوب على الحال و يجوز أن يكون منصوبا على المدح على تقدير أعني رسلا مبشرين .

المعنى

ثم أجمل ذكر الرسل بعد تسمية بعضهم فقال « و رسلا » أي و رسلا آخرين « قد قصصناهم عليك » أي ما حكينا لك أخبارهم و عرفناك شأنهم و أمورهم من قبل قال بعضهم قصهم عليه بالوحي في غير القرآن « من قبل » ثم قصهم عليه من بعد في القرآن و قال بعضهم قصهم عليه من قبل هؤلاء بمكة في سورة الأنعام و في غيرها لأن هذه
مجمع البيان ج : 3 ص : 218
السورة مدنية « و رسلا لم نقصصهم عليك » هذا يدل على أن الله سبحانه أرسل رسلا كثيرة لم يذكرهم في القرآن و إنما قص بعضهم على النبي لفضيلتهم على من لم يقصهم عليه « و كلم الله موسى تكليما » فائدته أنه سبحانه كلم موسى بلا واسطة إبانة له بذلك من سائر الأنبياء لأن جميعهم كلمهم الله سبحانه بواسطة الوحي و قيل إنما قال « تكليما » ليعلم أن كلام الله عز ذكره من جنس هذا المعقول الذي يشتق من التكليم بخلاف ما قاله المبطلون و روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لما قرأ الآية التي قبل هذه على الناس قالت اليهود فيما بينهم ذكر محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) النبيين و لم يبين لنا أمر موسى فلما نزلت هذه الآية و قرأها عليهم قالوا أن محمدا قد ذكره و فضله بالكلام عليهم « رسلا مبشرين » بالجنة و الثواب لمن آمن و أطاع « و منذرين » بالنار و العقاب لمن كفر و عصى « لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل » فيقولوا لم ترسل إلينا رسولا و لو أرسلت لآمنا بك كما أخبر سبحانه في آية أخرى بقوله « لقالوا ربنا لو لا أرسلت إلينا رسولا » و في هذه الآية دلالة على فساد قول من زعم أن عند الله تعالى من اللطف ما لو فعله بالكافر لآمن لأنه لو كان كذلك لكان للكفار الحجة بذلك على الله تعالى قائمة فأما من لم يعلم من حاله أن له في إنفاذ الرسل إليه لطفا فالحجة قائمة عليه بالعقل و أدلته الدالة على توحيده و عدله و لو لم يقم الحجة إلا بإنفاذ الرسل لفسد ذلك من وجهين ( أحدهما ) أن صدق الرسول لا يمكن العلم به إلا بعد تقدم العلم بالتوحيد و العدل فإن كانت الحجة عليه غير قائمة فلا طريق له إلى معرفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و صدقه ( و الثاني ) أنه لو كانت الحجة لا تقوم إلا بالرسل لاحتاج الرسول أيضا إلى رسول آخر حتى تكون الحجة عليه قائمة و الكلام في رسوله كالكلام فيه حتى يتسلسل و ذلك فاسد فمن استدل بهذه الآية على أن التكليف لا يصح بحال إلا بعد إنفاذ الرسل فقد أبعد لما قلناه « و كان الله عزيزا » أي مقتدرا على الانتقام ممن يعصيه و يكفر به « حكيما » فيما أمر به عباده و في جميع أفعاله .
لَّكِنِ اللَّهُ يَشهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْك أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَ الْمَلَئكَةُ يَشهَدُونَ وَ كَفَى بِاللَّهِ شهِيداً(166)

مجمع البيان ج : 3 ص : 219

النزول

قيل أن جماعة من اليهود دخلوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال النبي لهم إني أعلم أنكم تعلمون أني رسول الله فقالوا لا نعلم ذلك و لا نشهد به فأنزل الله تعالى هذه الآية .

المعنى

ثم قال سبحانه بعد إنكارهم و جحودهم « لكن الله يشهد بما أنزل إليك » معناه إن لم يشهد لك هؤلاء بالنبوة فالله يشهد لك بذلك قال الزجاج و الشاهد هو المبين لما يشهد به و الله سبحانه يبين ما أنزل على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بنصب المعجزات له و يبين صدقه بما يغني عن بيان أهل الكتاب « أنزله بعلمه » معناه أنزل القرآن و هو عالم بأنك موضع لإنزاله عليك لقيامك فيه بالحق و دعائك الناس إليه و قيل معناه أنزل القرآن الذي فيه علمه عن الزجاج « و الملائكة يشهدون » بأنك رسول الله و إن القرآن نزل من عند الله « و كفى بالله شهيدا » معناه أن شهادة الله تكفي في تثبيت المشهود به و لا يحتاج معها إلى شهادة و في هذه الآية تسلية النبي على تكذيب من كذبه و لا يصح قول من استدل على أن الله سبحانه عالم بعلم بما في هذه الآية من قوله « أنزله بعلمه » لأنه لو أراد بالعلم ما ذهبوا إليه من كونه ذاتا سواه لوجب أن يكون آلة له في الإنزال كما يقال كتبت بالقلم و عمل النجار بالقدوم و لا خلاف أن العلم ليس ب آلة في الإنزال .
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صدُّوا عَن سبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضلُّوا ضلَلا بَعِيداً(167) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ظلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَ لا لِيهْدِيَهُمْ طرِيقاً(168) إِلا طرِيقَ جَهَنَّمَ خَلِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَ كانَ ذَلِك عَلى اللَّهِ يَسِيراً(169)

المعنى

« إن الذين كفروا » بأنفسهم « و صدوا » غيرهم « عن سبيل الله » عن الدين الذي بعثك الله به إلى خلقه « قد ضلوا ضلالا بعيدا » يعني جاوزوا عن قصد الطريق جوازا شديدا و زالوا عن الحجة التي هي دين الله الذي ارتضاه لعباده و بعثك به إلى خلقه
مجمع البيان ج : 3 ص : 220
زوالا بعيدا عن الرشاد « إن الذين كفروا » جحدوا رسالة محمد « و ظلموا » محمدا بتكذيبهم إياه و مقامهم على الكفر على علم منهم بظلمهم أولياء الله حسدا لهم و بغيا عليهم « لم يكن الله ليغفر لهم » أي لم يكن الله ليعفو لهم عن ذنوبهم بترك عقابهم عليها « و لا ليهديهم طريقا » أي لا يهديهم إلى طريق الجنة لأن الهداية إلى طريق الإيمان قد سبقت و عم الله بها جميع المكلفين « إلا طريق جهنم » معناه لكن يهديهم طريق جهنم جزاء لهم على ما فعلوه من الكفر و الظلم « خالدين فيها » أي مقيمين فيها « أبدا و كان ذلك » أي تخليد هؤلاء الذين وصفهم في جهنم « على الله يسيرا » لأنه إذا أراد ذلك لم يقدر على الامتناع منه أحدا .

النظم

و اتصال هذه الآيات بما قبلها اتصال النقيض على جهة المقابلة لأن ما قبلها يتضمن الشهادة له بالنبوة تسلية له عما لحقه من تكذيب الكفار و هذه الآيات تتضمن تخير الكفار بذهابهم من الرشد .
يَأَيهَا النَّاس قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَئَامِنُوا خَيراً لَّكُمْ وَ إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ للَّهِ مَا فى السمَوَتِ وَ الأَرْضِ وَ كانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً(170)

الإعراب

الباء في قوله « بالحق » للتعدية كهمزة أفعل تقول جئت لي عمرو و أجاءني زيد و جاء بي إلى عمرو و قوله « خيرا لكم » قال الزجاج اختلفوا في نصب خيرا فقال الكسائي انتصب بخروجه عن الكلام كقولهم لتقومن خيرا لك و انته خيرا لك فإذا كان الكلام ناقصا رفعوا فقالوا إن تنته خير لك قال الفراء انتصب هذا و قوله انتهوا خيرا لكم لأنه متصل بالأمر و لم يقل هو و لا الكسائي من أي المنصوبات هو و لا شرحاه و قال الخليل و جميع البصريين أن هذا محمول على معناه لأنك إذا قلت انته خيرا لك فأنت تدفعه عن أمر و تدخله في غيره كأنك قلت انته و ائت خيرا لك و أدخل فيما خير لك و أنشد سيبويه قول عمر بن أبي ربيعة :
فواعدته سرحتي مالك
أو الربى بينهما أسهلا
مجمع البيان ج : 3 ص : 221
كأنه قال أتى مكانا أسهل .

المعنى

ثم عاد سبحانه إلى العظة و عم الخلق بذلك فقال « يا أيها الناس » خطاب لجميع المكلفين و قيل خطاب للكفار « قد جاءكم الرسول » يعني محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) « بالحق » أي بالدين الذي ارتضاه الله لعباده و قيل بولاية من أمر الله تعالى بولايته عن أبي جعفر (عليه السلام) « من ربكم » أي من عند ربكم « ف آمنوا » أي صدقوه و صدقوا ما جاءكم به من عند ربكم « خيرا لكم » أي أتوا خيرا مما أنتم عليه من الجحود و التكذيب « و إن تكفروا » أي تكذبوه فيما جاءكم به من عند الله « فإن لله ما في السماوات و الأرض » أي فإن ضرر ذلك يعود عليكم دون الله فإنه يملك ما في السماوات و الأرض لا ينقص كفركم فيما كذبتم به نبيه شيئا من ملكه و سلطانه « و كان الله عليما » بما أنتم صائرون إليه من طاعته أو معصيته « حكيما » في أمره و نهيه إياكم و تدبيره فيكم و في غيركم .
يَأَهْلَ الْكتَبِ لا تَغْلُوا فى دِينِكمْ وَ لا تَقُولُوا عَلى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ رَسولُ اللَّهِ وَ كلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلى مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِّنْهُ فَئَامِنُوا بِاللَّهِ وَ رُسلِهِ وَ لا تَقُولُوا ثَلَثَةٌ انتَهُوا خَيراً لَّكمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَحِدٌ سبْحَنَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فى السمَوَتِ وَ مَا فى الأَرْضِ وَ كَفَى بِاللَّهِ وَكيلاً(171)

اللغة

أصل الغلو مجاوزة الحد يقال غلا في الدين يغلو غلوا أو غلا بالجارية لحمها و عظمها إذا أسرعت الشباب و تجاوزت لداتها تغلو غلوا و غلاء قال الحرث بن خالد المخزومي :
خمصانة قلق موشحها
رؤد الشباب غلابها عظم
مجمع البيان ج : 3 ص : 222
و غلا بسهمه غلوا إذا رمى به أقصى الغاية و تغالى الرجلان تفاعلا من ذلك و أصل المسيح الممسوح سماه الله بذلك لتطهيره إياه من الذنوب و الأدناس التي تكون في الآدميين و قيل أنه سرياني و أصله مشيحا فعربت كما عربت أسماء الأنبياء و قيل أنه ليس مثل ذلك فإن إسحاق و يعقوب و إسماعيل و غيرها أسماء لا صفات و المسيح صفة و لا يجوز أن يخاطب الله خلقه في صفة شيء إلا بما يفهم و أما الدجال فإنه سمي المسيح لأنه ممسوح العين اليمني أو اليسرى و عيسى ممسوح البدن من الأدناس و الآثام كما روي عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) .

الإعراب

ثلاثة خبر مبتدإ محذوف دل عليه ظاهر الكلام و تقديره لا تقولوا هم ثلاثة و كذلك كل ما ورد من مرفوع بعد القول لا رافع معه ففيه إضمار اسم رافع لذلك الاسم و إنما جاز ذلك لأن القول حكاية و الحكاية تكون لكلام تام « انتهوا خيرا لكم » قد ذكرنا وجه النصب في خيرا فيما قبل و أن يكون في موضع نصب أي سبحانه من أن يكون فلما حذف حرف الجر وصل إليه الفعل فنصبه و قيل في موضع جر و قد مر نظائره .

المعنى

ثم عاد سبحانه إلى حجاج أهل الكتاب فقال « يا أهل الكتاب » قيل أنه خطاب لليهود و النصارى عن الحسن قال لأن النصارى غلت في المسيح فقالت هو ابن الله و بعضهم قال هو الله و بعضهم قال هو ثالث ثلاثة الأب و الابن و روح القدس و اليهود غلت فيه حتى قالوا ولد لغير رشدة فالغلو لازم للفريقين و قيل للنصارى خاصة عن أبي علي و أبي مسلم و جماعة من المفسرين « لا تغلوا في دينكم » أي لا تفرطوا في دينكم و لا تجاوزوا الحق فيه « و لا تقولوا على الله إلا الحق » أي قولوا إنه جل جلاله واحد لا شريك له و لا صاحبة و لا ولد و لا تقولوا في عيسى أنه ابن الله أو شبهه فإنه قول بغير الحق « إنما المسيح » و قد ذكرنا معناه و قيل سمي بذلك لأنه كان يمسح الأرض مشيا « عيسى بن مريم » هذا بيان لقوله المسيح يعني أنه ابن مريم لا ابن الله كما يزعمه النصارى و لا ابن أب كما تزعمه اليهود « رسول الله » أرسله الله إلى الخلق لا كما زعم الفرقتان المبطلتان « و كلمته » يعني أنه حصل بكلمته التي هي قوله كن عن الحسن و قتادة و قيل معناه أنه يهتدي به الخلق كما اهتدوا بكلام الله و وحيه عن أبي علي الجبائي و قيل معناه بشارة الله التي بشر بها مريم على لسان الملائكة كما قال و إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة و هو المراد بقوله « ألقاها
مجمع البيان ج : 3 ص : 223
إلى مريم » كما يقال ألقيت إليك كلمة حسنة أي قلت و قيل معنى « ألقاها إلى مريم » خلقها في رحمها عن الجبائي « و روح منه » فيه أقوال ( أحدها ) أنه إنما سماه روحا لأنه حدث عن نفخة جبرائيل في درع مريم بأمر الله تعالى و إنما نسبه إليه لأنه كان بأمره و قيل إنما أضافه إلى نفسه تفخيما لشأنه كما قال الصوم لي و أنا أجزي به و قد يسمى النفخ روحا و استشهد على ذلك ببيت ذي الرمة يصف نارا :
فقلت له ارفعها إليك و أحيها
بروحك و اقتته لها قيتة قدرا
و ظاهر لها من يابس الشخت و استعن
عليه الصبا و اجعل يديك لها سترا و معنى أحيها بروحك أي بنفخك و يقال أقتت النار إذا أطعمتها حطبا ( و الثاني ) أن المراد به يحيي به الناس في دينهم كما يحيون بالأرواح عن الجبائي فيكون المعنى أنه جعله نبيا يقتدى به و يستن بسنته و يهتدي بهداه ( و الثالث ) أن معناه إنسان أحياه الله بتكوينه بلا واسطة من جماع أو نطفة كما جرت العادة بذلك عن أبي عبيدة ( و الرابع ) إن معناه و رحمة منه كما قال في موضع آخر و أيدهم بروح منه أي برحمة منه فجعل الله عيسى رحمة على من آمن به و اتبعه لأنه هداهم إلى سبيل الرشاد ( و الخامس ) أن معناه روح من الله خلقها فصورها ثم أرسلها إلى مريم فدخلت في فيها فصيرها الله تعالى عيسى عن أبي العالية عن أبي بن كعب ( و السادس ) إن معنى الروح هاهنا جبرائيل (عليه السلام) فيكون عطفا على ما في ألقاها من ضمير ذكر الله و تقديره ألقاها الله إلى مريم و روح منه أي من الله أي جبرائيل ألقاها أيضا إليها « ف آمنوا بالله و رسله » أمرهم الله بتصديقه و الإقرار بوحدانيته و تصديق رسله فيما جاءوا به من عنده و فيما أخبروهم به من أن الله سبحانه لا شريك له و لا صاحبة و لا ولد « و لا تقولوا ثلاثة » هذا خطاب للنصارى أي لا تقولوا إلهنا ثلاثة عن الزجاج و قيل هذا لا يصح لأن النصارى لم يقولوا بثلاثة آلهة و لكنهم يقولون إله واحد ثلاثة أقانيم أب و ابن و روح القدس و معناه لا تقولوا الله ثلاثة أب و ابن و روح القدس و قد شبهوا قولهم جوهر واحد ثلاثة أقانيم بقولنا سراج واحد ثم تقول ثلاثة أشياء دهن و قطن و نار و شمس واحدة و إنما هي جسم و ضوء و شعاع و هذا غلط بعيد لأنا لا نعني بقولنا سراج واحد إنه شيء واحد بل هو أشياء على الحقيقة و كذلك الشمس كما تقول عشرة واحدة و إنسان واحد و دار واحدة و إنما هي أشياء متغايرة فإن قالوا إن الله شيء واحد و إله واحد حقيقة فقولهم ثلاثة متناقضة و إن قالوا أنه في
مجمع البيان ج : 3 ص : 224
الحقيقة أشياء مثل ما ذكرناه في الإنسان و السراج و غيرهما فقد تركوا القول بالتوحيد و التحقوا بالمشبهة و إلا فلا واسطة بين الأمرين « انتهوا » عن هذه المقالة الشنيعة أي امتنعوا عنها « خيرا لكم » أي ائتوا بالانتهاء عن قولكم خيرا لكم مما تقولون « إنما الله إله واحد » أي ليس كما تقولون أنه ثالث ثلاثة لأن من كان له ولد أو صاحبة لا يجوز أن يكون إلها معبودا و لكن الله الذي له الإلهية و تحق له العبادة إله واحد لا ولد له و لا شبه له و لا صاحبة له و لا شريك له ثم نزه سبحانه نفسه عما يقوله المبطلون فقال « سبحانه أن يكون له ولد » و لفظة « سبحانه » تفيد التنزيه عما لا يليق به أي هو منزه عن أن يكون له ولد « له ما في السماوات و ما في الأرض » ملكا و ملكا و خلقا و هو يملكها و له التصرف فيها و فيما بينهما و من جملة ذلك عيسى و أمه فكيف يكون المملوك و المخلوق ابنا للمالك و الخالق « و كفى بالله وكيلا » أي حسب ما في السماوات و ما في الأرض بالله قيما و مدبرا و رازقا و قيل معناه و كفى بالله حافظا لأعمال العباد حتى يجازيهم عليها فهو تسلية للرسول و وعيد للقائلين فيه سبحانه بما لا يليق به .
لَّن يَستَنكِف الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلَّهِ وَ لا الْمَلَئكَةُ المُْقَرَّبُونَ وَ مَن يَستَنكِف عَنْ عِبَادَتِهِ وَ يَستَكبرْ فَسيَحْشرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً(172) فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَ يَزِيدُهُم مِّن فَضلِهِ وَ أَمَّا الَّذِينَ استَنكَفُوا وَ استَكْبرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَ لا يجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً(173)

اللغة

الاستنكاف الأنفة من الشيء و أصله في اللغة من نكفت الدمع إذا نحيته بإصبعك من خدك قال الشاعر :
فبانوا فلو لا ما تذكر منهم
من الحلف لم ينكف لعينك مدمع
مجمع البيان ج : 3 ص : 225
و درهم منكوف مبهرج رديء لأنه يمتنع من أخذه لرداءته و نكفت من الأمر بكسر الكاف بمعنى استنكفت أيضا حكاها أبو عمرو فتأويل « لن يستنكف » لن ينقبض و لم يمتنع و الاستكبار طلب الكبر من غير استحقاق و التكبر قد يكون باستحقاق فلذلك جاز في صفة الله تعالى المتكبر و لا يجوز المستكبر .

النزول

روي أن وفد نجران قالوا لنبينا يا محمد لم تعيب صاحبنا قال و من صاحبكم قالوا عيسى (عليه السلام) قال و أي شيء أقول فيه قالوا تقول أنه عبد الله و رسوله فنزلت الآية .

المعنى

لما تقدم ذكر النصارى و الحكاية عنهم في أمر المسيح عقبه سبحانه بالرد عليهم فقال « لن يستنكف » أي لن يأنف و لم يمتنع « المسيح » يعني عيسى (عليه السلام) من « أن يكون عبدا لله و لا الملائكة المقربون » أي و لا الملائكة المقربون يأنفون و يستكبرون عن الإقرار بعبوديته و الإذعان له بذلك و المقربون الذين قربهم تعالى و رفع منازلهم على غيرهم من خلقه « و من يستنكف عن عبادته » أي من يأنف عن عبادته « و يستكبر » أي يتعظم بترك الإذعان لطاعته « فسيحشرهم » أي فسيبعثهم « إليه » يوم القيامة « جميعا » يجمعهم لموعدهم عنده و معنى قوله « إليه » أي إلى الموضع الذي لا يملك التصرف فيه سواه كما يقال صار أمر فلان إلى الأمير أي لا يملكه غير الأمير و لا يراد بذلك المكان الذي فيه الأمير و استدل بهذه الآية من قال بأن الملائكة أفضل من الأنبياء قالوا إن تأخير ذكر الملائكة في مثل هذا الخطاب يقتضي تفضيلهم لأن العادة لم تجر بأن يقال لن يستنكف الأمير أن يفعل كذا و لا الحارس بل يقدم الأدون و يؤخر الأعظم فيقال لن يستنكف الوزير أن يفعل كذا و لا السلطان و هذا يقتضي فضل الملائكة على الأنبياء و أجاب أصحابنا عن ذلك بأن قالوا إنما أخر ذكر الملائكة عن ذكر المسيح لأن جميع الملائكة أفضل و أكثر ثوابا من المسيح و هذا لا يقتضي أن يكون كل واحد منهم أفضل من المسيح و إنما الخلاف في ذلك و أيضا فإنا و إن ذهبنا إلى أن الأنبياء أفضل من الملائكة فإنا نقول مع قولنا بالتفاوت أنه لا تفاوت في الفضل بين الأنبياء و الملائكة و مع التقارب و التداني يحسن أن يقدم ذكر الأفضل أ لا ترى أنه يحسن أن يقال ما يستنكف الأمير فلان من كذا و لا الأمير فلان إذا كانا متساويين في المنزلة أو متقاربين و إنما لا يحسن أن يقال ما يستنكف الأمير فلان من كذا و لا الحارس لأجل التفاوت « فأما الذين آمنوا و عملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم » و يؤتيهم جزاء أعمالهم وعد الله
مجمع البيان ج : 3 ص : 226
الذين يقرون بوحدانيته و يعملون بطاعته أنه يوفيهم أجورهم و يؤتيهم جزاء أعمالهم الصالحة وافيا تاما « و يزيدهم من فضله » أي يزيدهم على ما كان وعدهم به من الجزاء على أعمالهم الحسنة و الثواب عليها من الفضل و الزيادة ما لم يعرفهم مبلغه لأنه وعد على الحسنة عشر أمثالها من الثواب إلى سبعين ضعفا و إلى سبعمائة و إلى الأضعاف الكثيرة و الزيادة على المثل تفضل من الله تعالى عليهم « و أما الذين استنكفوا » أي أنفوا عن الإقرار بوحدانيته « و استكبروا » أي تعظموا عن الإذعان له بالطاعة و العبودية « فيعذبهم عذابا أليما » أي مؤلما موجعا « و لا يجدون لهم من دون الله وليا و لا نصيرا » أي و لا يجد المستنكفون المستكبرون لأنفسهم وليا ينجيهم من عذابه و ناصرا ينقذهم من عقابه .
يَأَيهَا النَّاس قَدْ جَاءَكُم بُرْهَنٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً(174) فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَ اعْتَصمُوا بِهِ فَسيُدْخِلُهُمْ فى رَحْمَة مِّنْهُ وَ فَضل وَ يهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صرَطاً مُّستَقِيماً(175)

اللغة

البرهان الشاهد بالحق و قيل البرهان البيان يقال برهن قوله أي بينه بحجة و الاعتصام الامتناع و اعتصم فلان بالله أي امتنع من الشر به و العصمة من الله دفع الشر عن عبده و اعتصمت فلانا هيئت له ما يعتصم به و العصمة من الله تعالى على وجهين ( أحدهما ) بمعنى الحفظ و هو أن يمنع عبده كيد الكائدين كما قال سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) و الله يعصمك من الناس ( و الآخر ) أن يلطف بعبده بشيء يمتنع عنده من المعاصي .

الإعراب

« صراطا » انتصب على أنه مفعول ثان ليهديهم فهو على معنى يعرفهم صراطا و يجوز أن يكون حالا من الهاء في إليه بمعنى و يهديهم إلى الحق صراطا .

المعنى

لما فصل الله ذكر الأحكام التي يجب العمل بها ذكر البرهان بعد ذلك ليكون الإنسان على ثقة و يقين فقال « يا أيها الناس » و هو خطاب للمكلفين من سائر الملل الذين قص قصصهم في هذه السورة « قد جاءكم برهان من ربكم » أي أتاكم حجة من الله يبرهن لكم عن صحة ما أمركم به و هو محمد لما معه من المعجزات القاهرة الشاهدة بصدقة و قيل هو القرآن « و أنزلنا إليكم » معه « نورا مبينا » يبين لكم الحجة الواضحة و يهديكم إلى
مجمع البيان ج : 3 ص : 227
ما فيه النجاة لكم من عذابه و أليم عقابه و ذلك النور هو القرآن عن مجاهد و قتادة و السدي و قيل النور ولاية علي (عليه السلام) عن أبي عبد الله (عليه السلام) « فأما الذين آمنوا بالله » أي صدقوا بوحدانية الله و اعترفوا ببعث محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) « و اعتصموا به » أي تمسكوا بالنور الذي أنزله على نبيه « فسيدخلهم في رحمة منه » أي نعمة منه هي الجنة عن ابن عباس « و فضل » يعني ما يبسط لهم من الكرامة و تضعيف الحسنات و ما يزاد لهم من النعم على ما يستحقونه « و يهديهم إليه صراطا مستقيما » أي يوفقهم لإصابة فضله الذي يتفضل به على أوليائه و يسددهم لسلوك منهج من أنعم عليه من أهل طاعته و اقتفاء آثارهم و الاهتداء بهديهم و الاستنان بسنتهم و اتباع دينهم و هو الصراط المستقيم الذي ارتضاه الله منهجا لعباده .
يَستَفْتُونَك قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكمْ فى الْكَلَلَةِ إِنِ امْرُؤٌا هَلَك لَيْس لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصف مَا تَرَك وَ هُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لهََّا وَلَدٌ فَإِن كانَتَا اثْنَتَينِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ ممَّا تَرَك وَ إِن كانُوا إِخْوَةً رِّجَالاً وَ نِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظ الأُنثَيَينِ يُبَينُ اللَّهُ لَكمْ أَن تَضِلُّوا وَ اللَّهُ بِكلِّ شىْء عَلِيمُ(176)

اللغة

قد ذكرنا معنى الكلالة في أول السورة و الاستفتاء السؤال عن الحكم و هو استفعال من الفتيا و يقال أفتى في المسألة إذا بين حكمها فتوى و فتيا .

الإعراب

« يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة » يسأل عن أي الفعلين أعمل في الكلالة و الجواب أن المعمل الثاني و هو « يفتيكم » و التقدير يستفتونك في الكلالة قل الله يفتيكم في الكلالة و إعمال الفعل الثاني هو الأجود و جاء عليه القرآن نحو قوله « و إذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله » فأعمل يستغفر و لو أعمل تعالوا لقال تعالوا يستغفر لكم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و منه قول طفيل :
مجمع البيان ج : 3 ص : 228

و كمتا مدماة كان متونها
جرى فوقها و استشعرت لون مذهب فأعمل استشعرت و لو أعمل جرى لقال و استشعرته لون مذهب و مثل ذلك قول كثير :
قضى كل ذي دين فوفى غريمه
و عزة ممطول معنى غريمها فأعمل وفى و لو أعمل قضى لقال قضى كل ذي دين فوفاه غريمه و هو كثير في القرآن و الشعر و قوله « إن امرؤ هلك » ارتفع امرؤ بإضمار فعل يفسره ما بعده و تقديره إن هلك امرؤ هلك و لا يجوز إظهاره لأن الثاني يعبر عنه و قوله « فإن كانتا اثنتين » إنما ذكرت اثنتين و إن دلت الألف عليهما لأحد أمرين إما أن يكون تأكيدا للضمير كما تقول أنا فعلت أنا و إما أن يبين أن المطلوب في ذلك العدد دون غيره من الصفات من صغر أو كبر أو عقل أو عدمه بل متى حصل العدد ثبت الميراث و هذا قول أبي علي الفارسي و هو الصحيح و قوله « رجالا و نساء » بدل من قوله « إخوة » و هو خبر كان و قوله « يبين الله لكم أن تضلوا » في أن ثلاثة أقوال ( أحدها ) أن المعنى أن لا تضلوا أضمر حرف النفي و تلخيصه لئلا تضلوا عن الكسائي و أنشد القطامي :
رأينا ما يرى البصراء فيها
ف آلينا عليها أن تباعا يريد أن لا تباع ( و ثانيها ) ما قاله البصريون أن المعنى كراهة أن تضلوا فهو على هذا في موضع نصب بأنه مفعول له و مثله قول عمرو بن كلثوم :
فعجلنا القرى أن تشتمونا أي كراهة أن تشتمونا قالوا و لا يجوز أن يضمر لا لأنه حرف جاء لمعنى فلا يجوز حذفه و لكن يجوز أن تدخل لا في الكلام مؤكدة و هي لغو كقوله لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون و المعنى لأن يعلم و كقول الشاعر :
و ما ألوم البيض أن لا تسخرا
إذا رأين الشمط القفندرا و المعنى أن تسخرا ( و ثالثا ) ما قاله الأخفش و هو أن مع الفعل بتأويل المصدر و موضع أن نصب يبين و تقديره يبين الله لكم الضلال لتجتنبوه .

مجمع البيان ج : 3 ص : 229

النزول

اختلف في سبب نزول الآية فروي عن جابر بن عبد الله أنه قال اشتكيت و عندي تسع أخوات لي أو سبع فدخل علي النبي فنفخ في وجهي فأفقت فقلت يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أ لا أوصي لأخواتي بالثلثين قال أحسن قلت الشطر قال أحسن ثم خرج و تركني و رجع إلي فقال يا جابر إني لا أراك ميتا من وجعك هذا و إن الله تعالى قد أنزل في الذي لأخواتك فجعل لهن الثلثين قالوا و كان جابر يقول أنزلت هذه الآية في و عن قتادة قال إن الصحابة كان همهم شأن الكلالة فأنزل الله فيها هذه الآية و قال البراء بن عازب آخر سورة نزلت كاملة براءة و آخر آية نزلت خاتمة سورة النساء « يستفتونك » الآية أورده البخاري و مسلم في صحيحيهما و قال جابر نزلت بالمدينة و قال ابن سيرين نزلت في مسير و كان فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و أصحابه و تسمى هذه الآية آية الصيف و ذلك أن الله تعالى أنزل في الكلالة آيتين إحداهما في الشتاء و هي التي في أول هذه السورة و أخرى في الصيف و هي هذه الآية و روي عن عمر بن الخطاب أنه قال سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن الكلالة فقال يكفيك أو يجزيك آية الصيف .

المعنى

لما بين سبحانه في أول السورة بعض سهام الفرائض ختم السورة ببيان ما بقي من ذلك فقال « يستفتونك » يا محمد أي يطلبون منك الفتيا في ميراث الكلالة « قل الله يفتيكم » أي يبين لكم الحكم « في الكلالة » و هو اسم للإخوة و الأخوات عن الحسن و هو المروي عن أئمتنا (عليهم السلام) و قيل هي ما سوى الوالد و الولد عن أبي بكر و جماعة من المفسرين « إن امرؤ هلك ليس له ولد » قال السدي يعني ليس له ولد ذكر و أنثى و هو موافق لمذهب الإمامية فمعناه إن مات رجل ليس له ولد و لا والد و إنما أضمرنا فيه الوالد للإجماع و لأن لفظة الكلالة ينبىء عنه فإن الكلالة اسم للنسب المحيط بالميت دون اللصيق و الوالد لصيق الولد كما أن الولد لصيق الوالد و الأخوة و الأخوات المحيطون بالميت « و له أخت » يعني و للميت أخت لأبيه و أمه أو لأبيه لأن ذكر أولاد الأم قد سبق في أول السورة « فلها نصف ما ترك و هو يرثها إن لم يكن لها ولد » عنى به أن الأخت إذا كانت الميتة و لها أخ من أب و أم أو من أب فالمال كله له بلا خلاف إذا لم يكن هناك ولد و لا والد « فإن كانتا اثنتين » يعني إن كانت الأختان اثنتين « فلهما الثلثان مما ترك » الأخ و الأخت من التركة « و إن كانوا إخوة رجالا و نساء » أي إخوة و أخوات مجتمعين لأب و أم أو لأب « فللذكر مثل حظ الأنثيين » و في قوله سبحانه « إن امرؤ هلك ليس له ولد و له أخت فلها نصف ما ترك و هو يرثها إن لم يكن لها ولد » دلالة على أن الأخ أو الأخت لا يرثان مع البنت لأنه سبحانه شرط في ميراث الأخ و الأخت
مجمع البيان ج : 3 ص : 230
عدم الولد و الولد يقع على الابن و البنت بلا خلاف فيه بين أهل اللغة و ما روي من الخبر في أن الأخوات مع البنات عصبة خبر واحد يخالف نص القرآن و إلى هذا الذي ذكرناه ذهب ابن عباس و هو المروي عن سادة أهل البيت (عليهم السلام) « يبين الله لكم » أمور مواريثكم « أن تضلوا » معناه كراهة أن تضلوا أو لئلا تضلوا أي لئلا تخطئوا في الحكم فيها و قيل معناه يبين الله لكم جميع الأحكام لتهتدوا في دينكم عن أبي مسلم « و الله بكل شيء عليم » فائدته هنا بيان كونه سبحانه عالما بجميع ما يحتاج إليه عباده من أمر معاشهم و معادهم على ما توجبه الحكمة و قد تضمنت الآية التي أنزلها الله في أول هذه السورة بيان ميراث الولد و الوالد و الآية التي بعدها بيان ميراث الأزواج و الزوجات و الأخوة و الأخوات من قبل الأم و تضمنت هذه الآية التي ختم بها السورة بيان ميراث الأخوة و الأخوات من الأب و الأم و الأخوة و الأخوات من قبل الأب عند عدم الأخوة و الأخوات من الأب و الأم و تضمن قوله سبحانه « و أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله » أن تداني القربى سبب في استحقاق الميراث فمن كان أقرب رحما و أدنى قرابة كان أولى بالميراث من الأبعد و الخلاف بين الفقهاء في هذه المسائل و فروعها مذكور في كتب الفقه .
 

<<        الفهرس        >>