جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج3 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


مجمع البيان ج : 3 ص : 106

اللغة

شجر الأمر شجرا و شجورا إذ اختلط و شاجره في الأمر إذا نازعة و تشاجروا فيه و كل ذلك لتداخل كلام بعضهم في بعض كتداخل الشجر بالتفافة و أصل الحرج الضيق و في الحديث حدثوا عن بني إسرائيل و لا حرج أي لا ضيق و قيل لا إثم .

الإعراب

لا دخلت في أول الكلام لأنها رد لكلام فكأنه قيل فليس الأمر كما يزعمون أنهم آمنوا و هم يخالفون حكمك ثم استأنف القسم فقال « و ربك لا يؤمنون » و قيل إن لا هاهنا توطئة للنفي الذي يأتي فيما بعد لأن ذكر النفي في أول الكلام و آخره أوكد فإن النفي يقتضي أن يكون له صدر الكلام و قد اقتضى القسم أن يكون النفي في الجواب و تسليما مصدر مؤكد و المصادر المؤكدة بمنزلة ذكرك للفعل ثانيا و من حق التوكيد أن يكون محققا لما تذكره في صدر كلامك فإذا قلت ضربت ضربا فمعناه أحدثت ضربا أحقه حقا .

النزول

قيل نزلت في الزبير و رجل من الأنصار خاصمه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في شراج من الحرة كانا يسقيان بها النخل كلاهما فقال النبي للزبير اسق ثم أرسل إلى جارك فغضب الأنصاري و قال يا رسول الله لئن كان ابن عمتك فتلون وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ثم قال للزبير اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر و استوف حقك ثم أرسل إلى جارك و كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أشار إلى الزبير برأي فيه السعة له و لخصمه فلما أحفظ رسول الله استوعب للزبير حقه في صريح الحكم و يقال إن الرجل كان حاطب بن أبي بلتعة قال الراوي ثم خرجا فمرا على المقداد فقال لمن كان القضاء يا أبا بلتعة قال قضى لابن عمته و لوى شدقه ففطن لذلك يهودي كان مع المقداد فقال قاتل الله هؤلاء يزعمون أنه رسول الله ثم يتهمونه في قضاء يقضي بينهم و أيم الله لقد أذنبنا مرة واحدة في حياة موسى فدعانا موسى إلى التوبة فقال اقتلوا أنفسكم ففعلنا فبلغ قتلانا سبعين ألفا في طاعة ربنا حتى رضي عنا فقال ثابت بن قيس بن شماس أما و الله إن الله ليعلم مني الصدق و لو أمرني محمد أن أقتل نفسي لفعلت فأنزل الله في شأن حاطب بن أبي بلتعة و ليه شدقه هذه الآية و قال الشعبي نزلت في قصة بشر المنافق و اليهودي اللذين اختصما إلى عمر و قد مضى ذكرهما .

المعنى

ثم بين الله إن الإيمان إنما هو بالتزام حكم رسول الله و الرضاء به فقال « فلا » أي ليس كما تزعمون أنهم يؤمنون مع محاكمتهم إلى الطاغوت « و ربك لا
مجمع البيان ج : 3 ص : 107
يؤمنون » أقسم الله إن هؤلاء المنافقين لا يكونون مؤمنين و لا يدخلون في الإيمان « حتى يحكموك » أي حتى يجعلوك حكما أو حاكما « فيما شجر بينهم » أي فيما وقع بينهم من الخصومة و التبس عليهم من أحكام الشريعة « ثم لا يجدوا في أنفسهم » أي في قلوبهم « حرجا » أي شكا في أن ما قتله حق عن مجاهد و قيل إثما أي لا يأثمون بإنكار ذلك عن الضحاك و قيل ضيقا بشك أو إثم عن أبي علي الجبائي و هو الوجه « مما قضيت » أي حكمت « و يسلموا تسليما » أي ينقادوا لحكمك إذعانا لك و خضوعا لأمرك و روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال لو أن قوما عبدوا الله و أقاموا الصلاة و آتوا الزكاة و صاموا شهر رمضان و حجوا البيت ثم قالوا لشيء صنعه رسول الله إلا صنع خلاف ما صنع أو وجدوا من ذلك حرجا في أنفسهم لكانوا مشركين ثم تلا هذه الآية .
وَ لَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَرِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِّنهُمْ وَ لَوْ أَنهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظونَ بِهِ لَكانَ خَيراً لهَُّمْ وَ أَشدَّ تَثْبِيتاً(66) وَ إِذاً لاَتَيْنَهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيماً(67) وَ لَهَدَيْنَهُمْ صرَطاً مُّستَقِيماً(68)

القراءة

قرأ ابن كثير و نافع و ابن عامر و الكسائي أن اقتلوا بضم النون أو أخرجوا بضم الواو و قرأ عاصم و حمزة بكسرهما و قرأ أبو عمرو بكسر النون و ضم الواو و قرأ ابن عامر وحده إلا قليلا بالنصب و هو كذلك في مصاحف أهل الشام و قرأ الباقون بالرفع .

الحجة

قال أبو علي أما فصل أبي عمرو بين الواو و النون فلأن الضم بالواو أحسن لأنها تشبه واو الضمير و الجمهور في واو الضمير على الضم نحو لا تنسوا الفضل بينكم و قال و إنما ضمت النون لأنها مكان الهمزة التي ضمت لضم الحرف الثالث فجعلت بمنزلتها و إن كانت منفصلة و في الواو هذا المعنى و المعنى الذي أشرنا إليه من مشابهته واو الضمير و الضمة في سائر هذه أحسن لأنها في موضع الهمزة قال أبو الحسن و هي لغة حسنة و هي أكثر في الكلام و أقيس و وجه قول من كسر أن هذه الحروف منفصلة من الفعل المضموم الثالث
مجمع البيان ج : 3 ص : 108
و الهمزة متصلة بها فلم يجروا المنفصل مجرى المتصل قال و الوجه في قوله « إلا » قليل الرفع على البدل فكأنه قال ما فعله إلا قليل فإن معنى ما أتاني أحد إلا زيد و ما أتاني إلا زيد واحد و من نصبه فإنه جعل النفي بمنزلة الإيجاب فإن قولك ما أتاني أحد كلام تام كما أن جاءني القوم كذلك فنصب مع النفي كما نصب مع الإيجاب .

الإعراب

لو يمتنع بها الشيء لامتناع غيره تقول لو أتاني زيد لأكرمته فالمعنى إن إكرامي امتنع لامتناع إتيان زيد فحقها أن يليها الفعل فالتقدير هنا لو وقع كتبنا عليهم و يجوز أن يكون أن الشديدة كما نابت عن الاسم و الخبر في قولك حسبت أن زيدا عالم نابت هنا عن الفعل و الاسم فيكون المعنى في قوله « و لو أنا كتبنا عليهم » كالمعنى في لو كتبنا عليهم .
و إذن دخلت هنا لتدل على معنى الجزاء و معنى إذن جواب و جزاء و هي تقع متقدمة و متوسطة و متأخرة و إنما تعمل متقدمة خاصة إلا أن يكون الفعل بعدها للحال نحو إذن أظنك خارجا و اللام في قوله « لآتيناهم » و « لهديناهم » اللام التي تقع في جواب لو كما تقع في جواب القسم في قول امرؤ القيس :
حلفت لها بالله حلفة فاجر
لناموا فما إن من حديث و لا صال و الفرق بين لام الجواب و لام الابتداء إن لام الابتداء لا تدخل إلا على الاسم المبتدأ إلا في باب إن خاصة فإنها تدخل على يفعل لمضارعته الاسم و تقول علمت إن زيدا ليقوم و علمت أن زيدا ليقومن فتكسر إن الأولى لأن علمت صارت متعلقة باللام في ليقوم فإنها لام الابتداء أخرت إلى الخبر لئلا يجتمع حرفان متفقان في المعنى و تفتح أن الثانية لأنها لام الجواب فاعرفه فإنه من دقائق النحو و أسراره صراطا مفعول ثان لهديناهم .

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن سرائر القوم فقال « و لو أنا كتبنا » أي أوجبنا « عليهم » أي على هؤلاء الذين تقدم ذكرهم « إن اقتلوا أنفسكم أو أخرجوا من دياركم » كما أوجبنا على قوم موسى و ألزمناهم ذلك فقتلوا أنفسهم و خرجوا إلى التيه « ما فعلوه » أي ما فعله هؤلاء للمشقة التي لا يتحملها إلا المخلصون « إلا قليل منهم » قيل إن القليل الذي استثنى الله هو ثابت بن قيس بن شماس و قيل هو جماعة من أصحاب رسول الله قالوا و الله لو أمرنا لفعلنا فالحمد لله الذي عافانا و منهم عبد الله بن مسعود و عمار بن ياسر فقال
مجمع البيان ج : 3 ص : 109
النبي إن من أمتي لرجالا الإيمان في قلوبهم أثبت من الجبال الرواسي « و لو أنهم فعلوا ما يوعظون به » أي ما يؤمرون به « لكان » ذلك « خيرا لهم و أشد تثبيتا » أي بصيرة في أمر الدين كنى عن البصيرة بهذا اللفظ لأن من كان على بصيرة من أمر دينه كان ذلك أدعى له إلى الثبات عليه و كان هو أقوى في اعتقاد الحق و أدوم عليه ممن لم يكن على بصيرة منه و قيل معناه أن قبولهم وعظ الله و وعظ رسوله في أمور الدين و الدنيا أشد تثبيتا لهم على الحق و الصواب و أمنع لهم من الضلال و أبعد من الشبهات كما قال « و الذين اهتدوا زادهم هدى » و قيل إن معناه و أكثر انتفاعا بالحق لأن الانتفاع بالحق يدوم و لا يبطل لأنه يتصل بثواب الآخرة و الانتفاع بالباطل يبطل و يضمحل و يتصل بعقاب الآخرة قال البلخي معنى الآية لو فرض عليهم القتل أو الخروج من الديار لم يفعلوا فإذا لم يفرض عليهم ذلك فليفعلوا ما أمروا به مما هو أسهل عليهم منه فإن ذلك خير لهم و أشد تثبيتا لهم على الإيمان و في الدعاء اللهم ثبتنا على دينك و معناه الطف لنا ما نثبت معه عليه « و إذا لآتيناهم » هذا متصل بما قبله أي و لو أنهم فعلوا ذلك لآتيناهم أي لأعطيناهم « من لدنا » أي من عندنا « أجرا عظيما » لا يبلغ أحد كنهه و لا يعرف منتهاه و لا يدرك قصواه و إنما ذكر من لدنا تأكيدا بأنه لا يقدر عليه غيره و ليدل على الاختصاص فإن الأجر يجوز أن يصل إلى المثاب على يد بعض العباد فإذا وصل الثواب إليه بنفسه كان أشرف للعبد و أبلغ في النعمة « و لهديناهم صراطا مستقيما » أي و لثبتناهم مع ذلك على الطريق المستقيم و قيل معناه بما نفعله من الألطاف التي يثبتون معها على الطاعة و يلزمون الاستقامة و تقديره و وفقناهم للثبات على الصراط المستقيم و قيل معناه و لهديناهم في الآخرة إلى طريق الجنة عن أبي علي الجبائي قال و لا يجوز أن تكون الهداية هنا الإرشاد إلى الدين لأنه سبحانه وعد بها المؤمن المطيع و لا يكون كذلك إلا و قد اهتدى .
وَ مَن يُطِع اللَّهَ وَ الرَّسولَ فَأُولَئك مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَ الصدِّيقِينَ وَ الشهَدَاءِ وَ الصلِحِينَ وَ حَسنَ أُولَئك رَفِيقاً(69) ذَلِك الْفَضلُ مِنَ اللَّهِ وَ كَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً(70)

مجمع البيان ج : 3 ص : 110

اللغة

الصديق المداوم على التصديق بما يوجبه الحق و قيل الصديق الذي عادته الصدق و هذا البناء يكون لمن غلب على عادته فعل يقال لملازم السكر سكير و لملازم الشرب شريب و الشهداء جمع شهيد و هو المقتول في سبيل الله و ليست الشهادة في القتل الذي هو معصية لكنها حال المقتول في إخلاص القيام بالحق لله مقرا و داعيا إليه و هي من أسماء المدح و يجوز للمرء أن يتمناها و لا يجوز أن يتمنى قتل الكافر إياه لأنه معصية و قيل الشهادة هي الصبر على ما أمر الله به من قتال عدوه فأما الصبر على الألم بترك الأنين فليس بواجب و ليس الأنين بممنوع عنه بل هو مباح إذا لم يقل ما يكرهه الله تعالى و الصالح من استقامت نفسه بحسن عمله و الرفيق الصاحب و هو مشتق من الرفق في العمل و هو الارتفاق فيه و منه المرافقة و المرفق و المرفق من اليد بكسر الميم لأنه يرتفق به و قوله و يهيىء لكم من أمركم مرفقا أي رفقا يصلح به أمركم و الفضل في أصل اللغة هو الزيادة على المقدار و قد استعمل في النفع أيضا و أفعال الله تعالى كلها فضل و تفضل و إفضال لأنه لا يقتصر بالعبد على مقدار ما يستحق بمثل عمله فيما بين الناس بل هو يزيد عليه زيادات كثيرة و لا يجري ذلك على طريق المساواة .

الإعراب

رفيقا نصب على التمييز و لذلك لم يجمع فكأنه قال حسن أولئك رفيقا و قيل أنه لم يجمع لأن المعنى حسن كل أحد منهم رفيقا كقوله سبحانه ثم نخرجكم طفلا و قال الشاعر :
نصبن الهوى ثم ارتمين قلوبنا
بأعين أعداء و هن صديق و قيل أنه نصب على الحال فإنه قد يدخل من في مثله فإذا أسقطت من فالحال هو الاختيار لأنه من الصفات الداخلة في أسماء الأجناس و يكون للتوحيد لما دخله من بمعنى حسن كل واحد منهم مرافقا و نظيره لله دره فارسا أي في حال الفروسية .

النزول

قيل نزلت في ثوبان مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و كان شديد الحب لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قليل الصبر عنه فأتاه ذات يوم و قد تغير لونه و نحل جسمه فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) يا ثوبان ما غير لونك فقال يا رسول الله ما بي من مرض و لا وجع غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك حتى ألقاك ثم ذكرت الآخر فأخاف أني لا أراك هناك لأني عرفت أنك ترفع مع النبيين و إني إن أدخلت الجنة كنت
مجمع البيان ج : 3 ص : 111
في منزلة أدنى من منزلتك و إن لم أدخل الجنة فذاك حتى لا أراك أبدا فنزلت الآية ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) و الذي نفسي بيده لا يؤمنن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه و أبويه و أهله و ولده و الناس أجمعين و قيل إن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قالوا ما ينبغي لنا أن نفارقك فإنا لا نراك إلا في الدنيا و أما في الآخرة فإنك ترفع فوقنا بفضلك فلا نراك فنزلت الآية عن قتادة و مسروق بن الأجدع .

المعنى

ثم بين سبحانه حال المطيعين فقال « و من يطع الله » بالانقياد لأمره و نهيه « و الرسول » باتباع شريعته و الرضا بحكمه « فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم » في الجنة ثم بين المنعم عليهم فقال « من النبيين و الصديقين » يريد أنه يستمتع برؤية النبيين و الصديقين و زيارتهم و الحضور معهم فلا ينبغي أن يتوهم من أجل أنهم في أعلى عليين أنه لا يراهم و قيل في معنى الصديق أنه المصدق بكل ما أمر الله به و بأنبيائه لا يدخله في ذلك شك و يؤيده قوله و الذين آمنوا بالله و رسله أولئك هم الصديقون « و الشهداء » يعني المقتولين في الجهاد و إنما سمي الشهيد شهيدا لقيامه بشهادة الحق على جهة الإخلاص و إقراره به و دعائه إليه حتى قتل و قيل إنما سمي شهيدا لأنه من شهداء الآخرة على الناس و إنما يستشهدهم الله بفضلهم و شرفهم فهم عدول الآخرة عن الجبائي و قال الشيخ أبو جعفر ( رض ) هذا لا يصح على مذهبه فعنده لا يجوز أن يدخل الجنة إلا من هو عدل و الله سبحانه و تقدس وعد من يطيعه بأنه يحشره مع هؤلاء و ينبغي أن يكون الموعود له غير الموعود بالكون معه إلا فيصير التقدير أنهم مع نفوسهم « و الصالحين » معناه صلحاء المؤمنين الذين لم تبلغ درجتهم درجة النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالح الفاعل للصلاح الملازم له المتمسك به و يقال هو الذي صلحت حاله و استقامت طريقته و المصلح الفاعل لما فيه إصلاح و لذلك يجوز المصلح في صفات الله تعالى و لا يجوز الصالح و إنما يقال رجل صالح أو مصلح لأنه يصلح نفسه و عمله « و حسن أولئك رفيقا » معناه من يكون هؤلاء رفقاء له فأحسن بهم من رفيق أو فما أحسنهم من رفيق و قد مر معناه و إعرابه و روى أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه ثم تلا هذه الآية و قال فالنبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و نحن الصديقون و الشهداء و أنتم الصالحون فتسموا بالصلاح كما سماكم الله تعالى « ذلك » إشارة إلى أن الكون مع النبيين و الصديقين « الفضل من الله » تفضل به على من أطاعه « و كفى بالله عليما » بالعصاة و المطيعين و المنافقين و المخلصين و من يصلح لمرافقة
مجمع البيان ج : 3 ص : 112
هؤلاء و من لا يصلح لأنه يعلم خائنة الأعين و قيل معناه حسبك به علما بكيفية جزاء المطيعين على حقه و توفير الحظ فيه .
يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا خُذُوا حِذْرَكمْ فَانفِرُوا ثُبَات أَوِ انفِرُوا جَمِيعاً(71)

اللغة

الحذر و الحذر لغتان مثل الأذن و الأذن و المثل و المثل و النفر الخروج إلى الغزو و أصله الفزع نفر ينفر نفورا فزع و نفر إليه فزع من أمر إليه و النفر جماعة تفزع إلى مثلها و المنافرة المحاكمة للفزع إليها فيما تختلف فيه و قيل إنما سميت بذلك لأنهم يسألون الحاكم عند التنافر أينا أعز نفرا و الثبات جماعات في تفرقة واحدتها ثبة قال أبو ذؤيب :
فلما اجتلاها بالأيام تحيرت
ثبات عليها ذلها و اكتئابها و الأيام الدخان يصف العاسل و تدخينه على النحل و قد يجتمع الثبة ثبون و إنما جمع على الواو و إن كان هذا الجمع مختصا بما يعقل للتعويض عن النقص الذي لحقه لأن أصله ثبوه و مثله عضون و سنون و عزون فإن صغرت قلت ثبيات و سنيات لأن النقص قد زال .

الإعراب

ثبات منصوبة على الحال من انفروا و ذو الحال الواو و جميعا أيضا منصوب على الحال .

المعنى

ثم أمر الله سبحانه المؤمنين بمجاهدة الكافر و التأهب لقتالهم فقال « يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم » قيل فيه قولان ( أحدهما ) أن معناه احذروا عدوكم بأخذ السلاح كما يقال للإنسان خذ حذرك أي احذر ( و الثاني ) أن معناه خذوا أسلحتكم سمي الأسلحة حذرا لأنها الآلة التي بها يتقى الحذر و هو المروي عن أبي جعفر و غيره و أقول إن هذا القول أصح لأنه أوفق بمقايس كلام العرب و يكون من باب حذف المضاف و تقديره خذوا آلات حذركم و أهب حذركم فحذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه فصار خذوا حذركم « فانفروا » إلى قتال عدوكم أي أخرجوا إلى الجهاد « ثبات » أي جماعات في تفرقة و معناه أخرجوا فرقة بعد فرقة فرقة في جهة و فرقة أخرى في جهة أخرى « أو انفروا جميعا » أي مجتمعين في جهة واحدة إذا أوجب الرأي ذلك و روي عن أبي جعفر (عليه السلام) أن المراد
مجمع البيان ج : 3 ص : 113
بالثبات السرايا و بالجميع العسكر .
وَ إِنَّ مِنكمْ لَمَن لَّيُبَطئنَّ فَإِنْ أَصبَتْكم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلىَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شهِيداً(72) وَ لَئنْ أَصبَكُمْ فَضلٌ مِّنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَلَيْتَنى كُنت مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً(73)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير حفص و نافع و أبو عمرو و ابن عامر غير هشام كأن لم يكن بالياء و الباقون « كأن لم تكن » بالتاء و روي في الشواذ بالياء عن الحسن ليقولن بضم اللام و روي عن يزيد النحوي و الحسن فأفوز بالرفع .

الحجة

من قرأ بالياء فلأن التأنيث غير حقيقي و حسن التذكير للفصل الواقع بين الفاعل و الفعل و مثل التذكير و أخذ الذين ظلموا الصيحة فمن جاءه موعظة من ربه و في موضع آخر قد جاءتكم موعظة من ربكم فكلا الأمرين قد جاء التنزيل به و من قرأ ليقولن بالضم فإنه أعاد الضمير إلى معنى من مثل قوله و منهم من يستمعون إليك فإن قوله « لمن ليبطئن » لا يعني به رجل واحد و إنما معناه أن هناك جماعة هذه صفتهم و أما من قرأ فأفوز فإنه على أن يتمنى الفوز فكأنه قال يا ليتني أفوز و لو جعله جوابا لنصبه أي إن أكن معهم أفز .

اللغة

التبطئة التأخر عن الأمر يقال ما بطأ بك عنا أي ما أخرك عنا و مثله الإبطاء و هو إطالة مدة العمل لقلة الانبعاث و ضده الإسراع و هو قصر مدة العمل للتدبير فيه و يقال بطأ في مشيه يبطأ بطأ إذا ثقل .

الإعراب

اللام الأولى التي في قوله « لمن » لام إن التي هي لام الابتداء بدلالة دخولها على الاسم و الثانية التي في « ليبطئن » لام القسم بدلالة دخولها على الفعل مع نون التأكيد و من موصولة بالجالب للقسم و تقديره و إن منكم لمن حلف بالله ليبطئن و إنما جاز صلة من بالقسم و لم يجز بالأمر و النهي لأن القسم خبر يوضح الموصول كما يوضح الموصوف في قولك مررت برجل لتكرمنه لأنك خصصته بوقوع الإكرام به في المستقبل من كل رجل غيره
مجمع البيان ج : 3 ص : 114
و ليس كذلك في قولك مررت برجل أضربه لأنه لا يتخصص بالضرب في الأمر كما يتخصص بالخبر كان خففت النون لأنك أردت كأنه فحذفت الهاء و صارت لم عوضا مما حذفت منه قوله « و كأن لم تكن بينكم و بينه مودة » جملة اعترضت بين المفعول و فعله فإن قوله « يا ليتني كنت معهم » في موضع نصب بكونه مفعول يقولن كما أن قوله « قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا » في موضع نصب بكونه مفعول قال و قوله « فأفوز » منصوب على جواب التمني بالفاء و انتصابه بإضمار أن فيكون عطف اسم على اسم و تقديره يا ليتني كان لي حضور معهم ففوز و لو كان العطف على ظاهره لكان يا ليتني معهم ففزت .

النزول

قيل أنها نزلت في المؤمنين لأنه خاطبهم بقوله « و إن منكم » و قد فرق بين المؤمنين و المنافقين بقوله ما هم منكم و لا منهم و قال أكثر المفسرين نزلت في المنافقين و إنما جمع بينهم في الخطاب من جهة الجنس و النسب لا من جهة الإيمان و هو اختيار الجبائي .

المعنى

لما حث الله على الجهاد بين حال المتخلفين عنه فقال « و إن منكم » خاطب المؤمنين ثم أضاف المنافقين إليهم فقال « لمن ليبطئن » أي هم منكم في الحال الظاهرة أو في حكم الشريعة من حقن الدم و المناكحة و الموارثة و قيل منكم أي من عدادكم و دخلائكم و يبطيء و يبطيء بالتشديد و التخفيف معناهما واحد أي من يتأخر عن الخروج مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) « فإن أصابتكم مصيبة » فيه من قتل أو هزيمة قال قول الشامت المسرور بتخلفه « قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا » أي شاهدا حاضرا في القتال فكان يصيبني ما أصابهم و قال الصادق لو إن أهل السماء و الأرض قالوا قد أنعم الله علينا إذ لم نكن مع رسول الله لكانوا بذلك مشركين « و لئن أصابكم فضل من الله » أي فتح أو غنيمة « ليقولن » يتحسر و يقول يا ليتني كنت معهم و قوله « كأن لم تكن بينكم و بينه مودة » اعتراض يتصل بما تقدمه قال و تقديره قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا كأن لم تكن بينكم و بينه مودة أي لا يعاضدكم على قتال عدوكم و لا يراعي الذمام الذي بينكم عن أبي علي الفارسي و قيل أنه اعتراض بين القول و التمني و تقديره ليقولن « يا ليتني كنت معهم فأفوز » من الغنيمة « فوزا عظيما » كأنه ليس بينكم و بينه مودة أي يتمنى الحضور لا لنصرتكم و إنما يتمنى النفع لنفسه
مجمع البيان ج : 3 ص : 115
و قيل إن الكلام في موضعه من غير تقديم و تأخير و معناه و لئن أصابكم فضل من الله ليقولن هذا المبطىء قول من لا تكون بينه و بين المسلمين مودة أي كأنه لم يعاقدكم على الإيمان و لم يظهر لكم مودة على حال يا ليتني كنت معهم أي يتمنى الغنيمة دون شهود الحرب و ليس هذا من قول المخلصين فقد عدوا التخلف في إحدى الحالتين نقمة من الله و تمنوا الخروج معهم في إحدى الحالتين لأجل الغنيمة و ليس ذلك من أمارات المودة و على هذا فيكون قوله « كأن لم تكن بينكم و بينه مودة » في موضع النصب على الحال و قال أبو علي الجبائي أنه حكاية عن المنافقين قالوا للذين أقعدوهم عن الجهاد « كأن لم تكن بينكم و بينه مودة » أي بين محمد مودة فتخرجوا معه لتأخذوا معه من الغنيمة و إنما قالوا ذلك ليبغضوا إليهم رسول الله « يا ليتني كنت معهم » و هذا التمني من قول المبطئين القاعدين تمنوا أن يكونوا معهم في تلك الغزوة « فأفوز فوزا عظيما » أي أصيب غنيمة عظيمة و آخذ حظا وافرا منها .
* فَلْيُقَتِلْ فى سبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشرُونَ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا بِالاَخِرَةِ وَ مَن يُقَتِلْ فى سبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِب فَسوْف نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً(74)

اللغة

يقال شريت بمعنى بعت و اشتريت بمعنى ابتعت و يشرون يبيعون و قال يزيد ابن مفرغ :
و شريت بردا ليتني
من بعد برد كنت هامة و برد اسم غلامه .

الإعراب

« فيقتل أو يغلب » عطف على « يقاتل » و جواب الشرط « فسوف نؤتيه » .

المعنى

لما أخبر الله سبحانه في الآية الأولى إن قوما يتأخرون عن القتال أو يبطؤن المؤمنين عنه حث في هذه الآية على القتال فقال « فليقاتل في سبيل الله » هذا أمر من الله و ظاهر أمره يقتضي الوجوب أي فليجاهد في سبيل الله أي في طريق دين الله « الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة » أي الذين يبيعون الحياة الفانية بالحياة الباقية و يجوز يبيعون الحياة
مجمع البيان ج : 3 ص : 116
الدنيا بنعيم الآخرة أي يبذلون أنفسهم و أموالهم في سبيل الله بتوطين أنفسهم على الجهاد في طاعة الله و بيعهم إياها بالآخرة هو استبدالهم إياها بالآخرة « و من يقاتل في سبيل الله » أي يجاهد في طريق دين الله و قيل في طاعة ربه بأن يبذل ماله و نفسه ابتغاء مرضاته « فيقتل » أي يستشهد « أو يغلب » أي يظفر بالعدو و فيه حث على الجهاد فكأنه قال هو فائز بإحدى الحسنيين إن غلب أو غلب « فسوف نؤتيه أجرا عظيما » أي نعطيه أعلى أثمان العمل و قيل ثوابا دائما لا تنغيص فيه .
وَ مَا لَكمْ لا تُقَتِلُونَ فى سبِيلِ اللَّهِ وَ الْمُستَضعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدَنِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظالِمِ أَهْلُهَا وَ اجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنك وَلِيًّا وَ اجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنك نَصِيراً(75)

اللغة

الولدان جمع ولد و ولد و ولدان مثل خرب و خربان و برق و برقان و ورل و ورلان و الأغلب على بابه فعال نحو جبال و جمال و قد ذكرنا القرية في سورة البقرة .

الإعراب

ما للاستفهام في موضع رفع بالابتداء و لا تقاتلون في موضع نصب على الحال و تقديره أي شيء لكم تاركين للقتال و المستضعفين جر بالعطف على ما عملت فيه ( في ) أي و في المستضعفين و قال المبرد هو عطف على اسم الله و إنما جاز أن يجري الظالم صفة على القرية و هو في المعنى للأهل لأنها قوية على العمل لقربها من الفعل و تمكنها في الوصفية بأنها تؤنث و تذكر و تثنى و تجمع بخلاف باب أفعل منك فلذلك جاز مررت برجل الظالم أبوه و لم يجز مررت برجل خير منه أبوه بل يقال مررت برجل منه خير منه أبوه لتكون الجملة في موضع الجر .

المعنى

ثم حث سبحانه على تخليص المستضعفين فقال « و ما لكم » أيها المؤمنون « لا تقاتلون » أي أي عذر لكم في ترك القتال مع اجتماع الأسباب الموجبة للقتال « في سبيل الله » أي في طاعة الله و يقال في دين الله و يقال في نصرة دين الله و يقال في إعزاز دين الله و إعلاء كلمته « و المستضعفين » أي و في المستضعفين أو في سبيل
مجمع البيان ج : 3 ص : 117
المستضعفين أي نصرة المستضعفين و قيل في إعزاز المستضعفين و في الذب عن المستضعفين « من الرجال و النساء و الولدان » قيل يريد بذلك قوما من المسلمين بقوا بمكة و لم يستطيعوا الهجرة منهم سلمة بن هشام و الوليد بن الوليد و عياش بن أبي ربيعة و أبو جندل ابن سهيل جماعة كانوا يدعون الله إن يخلصهم من أيدي المشركين و يخرجهم من مكة و هم « الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها » أي يقولون في دعائهم ربنا سهل لنا الخروج من هذه القرية يعني مكة عن ابن عباس و الحسن و السدي و غيرهم « الظالم أهلها » أي التي ظلم أهلها بافتتان المؤمنين عن دينهم و منعهم عن الهجرة « و اجعل لنا » بألطافك و تأييدك « من لدنك » أي من عندك « وليا » يلي أمرنا بالكفاية حتى ينقذنا من أيدي الظلمة « و اجعل لنا من لدنك نصيرا » ينصرنا على من ظلمنا فاستجاب الله تعالى دعاءهم فلما فتح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) مكة جعل الله نبيه لهم وليا فاستعمل على مكة عتاب بن أسيد فجعله الله لهم نصيرا فكان ينصف الضعيف من الشديد فأغاثهم الله فكانوا أعز بها من الظلمة قبل ذلك و في هذه الآية دلالة على عظم موقع الدعاء من الله إبطال قول من يزعم أن العبد لا يستفيد بالدعاء شيئا لأن الله حكى عنهم أنهم دعوا و أجابهم الله و آتاهم سؤلهم و لو لا أنه استجاب دعاءهم لما كان لذكر دعائهم معنى .
الَّذِينَ ءَامَنُوا يُقَتِلُونَ فى سبِيلِ اللَّهِ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا يُقَتِلُونَ فى سبِيلِ الطغُوتِ فَقَتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشيْطنِ إِنَّ كَيْدَ الشيْطنِ كانَ ضعِيفاً(76)

اللغة

الطاغوت قد مر ذكره و الكيد السعي في فساد الحال على وجه الاحتيال تقول كاد يكيد كيدا فهو كائد إذا عمل في إيقاع الضرر به على وجه الحيلة فيه .

المعنى

ثم شجع المجاهدين و رغبهم في الجهاد بقوله « الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله » أي في طاعة الله و في نصرة دينه و إعلاء كلمته و ابتغاء مرضاته بلا عجب و لا صلف و لا طمع في غنيمة « و الذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت » و طاعته « فقاتلوا
مجمع البيان ج : 3 ص : 118
أولياء الشيطان » يعني جميع الكفار و هذا يقوي قول من قال إن الطاغوت الشيطان « إن كيد الشيطان كان ضعيفا » دخلت كان هاهنا مؤكدة لتدل على أن الضعف لكيد الشيطان لازم في جميع الأحوال و الأوقات ما مضى منها و ما يستقبل و ليس هو عارضا في حال دون حال و إنما وصف سبحانه كيد الشيطان بالضعف بالإضافة إلى نصرة الله المؤمنين عن الجبائي و قيل لأنه أخبر بأنه سيظهر عليهم المؤمنين عن الحسن و قيل لضعف دواعي أولياء الشيطان إلى القتال إذ لا بصيرة لهم و إنما يقاتلون بما تدعو إليه الشبهة و المؤمنون يقاتلون بما تدعو إليه الحجة .
أَ لَمْ تَرَ إِلى الَّذِينَ قِيلَ لهَُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَ أَقِيمُوا الصلَوةَ وَ ءَاتُوا الزَّكَوةَ فَلَمَّا كُتِب عَلَيهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنهُمْ يخْشوْنَ النَّاس كَخَشيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشدَّ خَشيَةً وَ قَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْت عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنَا إِلى أَجَل قَرِيب قُلْ مَتَعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَ الاَخِرَةُ خَيرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَ لا تُظلَمُونَ فَتِيلاً(77)

القراءة

لا يظلمون بالياء مكي كوفي غير عاصم و الباقون بالتاء .

الحجة

من قرأ بالياء فلما تقدم من ذكر الغيبة من قوله « أ لم تر إلى الذين قيل لهم » و من قرأ بالتاء فلأنه ضم إليهم في الخطاب المسلمين فغلب الخطاب على الغيبة .

الإعراب

« إذا فريق منهم » إذا هذه ظرف مكان و هي بمنزلة الفاء في تعليقة الجملة بالشرط و تسمى ظرف المكان كما في قول الشاعر :
و كنت أرى زيدا كما قيل سيدا
إذا إنه عبد القفا و اللهازم فهي في محل النصب بيخشون و الكاف في خشية الله في محل النصب للمصدر و أشد معطوف عليه و خشية منصوب على التمييز و هو مما انتصب بعد تمام الاسم للمصدر و لو لا
مجمع البيان ج : 3 ص : 119
معناه التحضيض و لا تدخل إلا على الفعل .

النزول

قال الكلبي نزلت في عبد الرحمن بن عوف الزهري و المقداد بن الأسود الكندي و قدامة بن مظعون الجمحي و سعد بن أبي وقاص كانوا يلقون من المشركين أذى شديدا و هم بمكة قبل أن يهاجروا إلى المدينة فيشكون إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و يقولون يا رسول الله ائذن لنا في قتال هؤلاء فإنهم قد آذونا فلما أمروا بالقتال و بالمسير إلى بدر شق على بعضهم فنزلت هذه الآية .

المعنى

ثم عاد سبحانه إلى ذكر القتال و من كرهه فقال « أ لم تر إلى الذين قيل لهم » و هم بمكة « كفوا أيديكم » أي أمسكوا عن قتال الكفار فإني لم أومر بقتالهم « و أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة فلما كتب » أي فرض « عليهم القتال » و هم بالمدينة « إذا فريق منهم » أي جماعة منهم « يخشون الناس كخشية الله » أي يخافون القتل من الناس كما يخافون الموت من الله و قيل يخافون الناس أن يقتلوهم كما يخافون الله أن يتوفاهم و قيل يخافون عقوبة الناس بالقتل كما يخافون عقوبة الله « أو أشد خشية » قيل إن أو هنا بمعنى الواو أي أشد خشية و قيل إن أو هنا لإيهام الأمر على المخاطب و قد ذكرنا الوجوه في مثل هذا عند ذكر قوله سبحانه أو أشد قسوة في سورة البقرة « و قالوا ربنا لم كتبت علينا القتال » قال الحسن لم يقولوا ذلك كراهية لأمر الله و لكن لدخول الخوف عليهم بذلك على ما يكون من طبع البشر و يحتمل أن يكونوا قالوا ذلك استفهاما لا إنكارا و قال إنما قالوا ذلك لأنهم ركنوا إلى الدنيا و آثروا نعيمها و على الأقوال كلها فلو لم يقولوا ذلك لكان خيرا لهم « لو لا أخرتنا » أي هلا أخرتنا « إلى أجل قريب » و هو إلى أن نموت و على ألا نموت ب آجالنا ثم أعلم الله تعالى أن الدنيا بما فيها من وجوه المنافع قليل فقال « قل » يا محمد لهؤلاء « متاع الدنيا » أي ما يستمتع به من منافع الدنيا « قليل » لا يبقى « و الآخرة خير لمن اتقى و لا تظلمون فتيلا » أي و لا تبخسون هذا القدر فكيف ما زاد عليه و الفتيل ما تفتله بيدك من الوسخ ثم تلقيه عن ابن عباس و قيل و ما في شق النواة لأنه كالخيط المفتول .

مجمع البيان ج : 3 ص : 120
أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْت وَ لَوْ كُنتُمْ فى بُرُوج مُّشيَّدَة وَ إِن تُصِبْهُمْ حَسنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَ إِن تُصِبْهُمْ سيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِندِك قُلْ كلُّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ فَمَا لِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً(78)

القراءة

روي في الشواذ أن طلحة بن سليمان قرأ يدرككم الموت برفع الكاف .

الحجة

هذه القراءة ضعيفة على أن لها وجها و هو أن يكون على حذف الفاء فكأنه قال فيدرككم الموت و مثله بيت الكتاب :
من يفعل الحسنات الله يشكرها
و الشر بالشر عند الله مثلان أي فالله يشكرها .

اللغة

البروج جمع برج و أصله من الظهور يقال تبرجت المرأة إذا أظهرت محاسنها و البرج اتساع في العين لظهور العين بالاتساع و المشيدة المزينة بالشيد و هو الجص و الشيد رفع البناء يقال شاد بناءه يشيده إذا رفعه و إنما قيل للجص شيد لأنه مما يرتفع به البناء و يجوز أشاد الرجل بناءه إذا رفعه فأما في الذكر فإنه أشاد بذكره لا غير و الفقه الفهم يقال فقه الرجل يفقه فقها و الاسم الفقيه و صار بعرف الاستعمال علما على علم الفقهاء من علوم الدين و فقه الرجل يفقه فقاهة إذا صار فقيها و التفقه تعلم الفقه .

الإعراب

أين من الظروف التي يجازى بها بتضمنها معنى إن و لا يلزمه ما تقول أين تكن أكن و أينما تكن أكن و هي تستغرق الأمكنة كما أن متى تستغرق الأزمنة و كتبت أينما هنا موصولة و في قوله أين ما كنتم تدعون مفصولة لأن ما هاهنا مزيدة و هنالك بمعنى الذي فوصلت هذه كما توصل الحروف و فصلت تيك كما تفصل الأسماء و « ما لهؤلاء » كثرت في الكلام حتى توهموا أن اللام متصلة بها و إنهما حرف واحد ففصلوا اللام مما بعده في بعض المواضع و وصلوها في بعضها و لا يجوز الوقف على اللام لأنها اللام الجارة .

المعنى

ثم خاطبهم تعالى فقال « أينما تكونوا يدرككم الموت » أينما كنتم من المواضع و الأماكن ينزل بكم الموت و يلحقكم « و لو كنتم في بروج مشيدة » قيل يعني بالبروج القصور عن مجاهد و قتادة و ابن جريج و قيل قصور في السماء بأعيانها عن السدي و الربيع و قيل المراد به بروج السماء و قيل البيوت التي فوق الحصون عن الجبائي و قيل الحصون و القلاع عن ابن عباس فهذه خمسة أقوال و المشيدة المجصصة عن عكرمة و قيل المزينة عن
مجمع البيان ج : 3 ص : 121
أبي عبيدة و قيل المطولة في ارتفاع عن الزجاج و غيره « و إن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله » اختلف في من حكى عنهم هذه المقالة فقيل هم اليهود قالوا ما زلنا نعرف النقص في أثمارنا و مزارعنا منذ قدم علينا هذا الرجل عن الزجاج و الفراء فعلى هذا يكون معناه و إن أصابهم خصب و مطر قالوا هذا من عند الله و إن أصابهم قحط و جدب قالوا هذا من شؤم محمد كما حكى عن قوم موسى و إن تصبهم سيئة يطيروا بموسى و من معه ذكره البلخي و الجبائي و هو المروي عن الحسن و ابن زيد و قيل هم المنافقون عبد الله بن أبي و أصحابه الذين تخلفوا عن القتال يوم أحد و قالوا للذين قتلوا في الجهاد لو كانوا عندنا ما ماتوا و ما قتلوا فعلى هذا يكون معناه إن يصبهم ظفر و غنيمة قالوا هذا من عند الله و إن يصبهم مكروه و هزيمة قالوا هذه من عندك يا محمد بسوء تدبيرك و هو المروي عن ابن عباس و قتادة و قيل هو عام في اليهود و المنافقين و هو الأصح و قيل هو حكاية عمن سبق ذكره قبل الآية و هم الذين يقولون ربنا لم كتبت علينا القتال و تقديره و إن تصب هؤلاء حسنة يقولوا هذه من عند الله « و إن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك » قال ابن عباس و قتادة الحسنة و السيئة السراء و الضراء و البؤس و الرخاء و النعم و المصيبة و الخصب و الجدب و قال الحسن و ابن زيد هو القتل و الهزيمة و الظفر و الغنيمة « قل » يا محمد « كل من عند الله » أي جميع ما مضى ذكره من الموت و الحياة و الخصب و الجدب من عند الله و بقضائه و قدره و لا يقدر أحد على رده و دفعه ابتلى بذلك عباده ليعرضهم لثوابه بالشكر عند العطية و الصبر على البلية « فما لهؤلاء القوم » أي ما شأن هؤلاء المنافقين « لا يكادون يفقهون حديثا » أي لا يقربون فقه معنى الحديث الذي هو القرآن لأنهم يبعدون منه بإعراضهم عنه و كفرهم به و قيل معناه لا يفقهون حديثا أي لا يعلمون حقيقة ما يخبرهم به أنه من عند الله من السراء و الضراء على ما وصفناه .
مَا أَصابَك مِنْ حَسنَة فَمِنَ اللَّهِ وَ مَا أَصابَك مِن سيِّئَة فَمِن نَّفْسِك وَ أَرْسلْنَك لِلنَّاسِ رَسولاً وَ كَفَى بِاللَّهِ شهِيداً(79)

الإعراب

رسولا منصوب بأرسلناك و إنما ذكره تأكيدا لأن أرسلناك دل على أنه رسول و شهيدا نصب على التمييز و معنى من في قوله « من حسنة » و « من سيئة » التبيين و لو قال إن أصابك من حسنة كانت من زائدة لا معنى لها .

مجمع البيان ج : 3 ص : 122

المعنى

« ما أصابك من حسنة فمن الله » قيل هذا خطاب للنبي و المراد به الأمة عن الزجاج و قيل خطاب للإنسان أي ما أصابك أيها الإنسان عن قتادة و الجبائي قال و عنى بقوله « من حسنة » من نعمة في الدين و الدنيا فإنها من الله « و ما أصابك من سيئة » أي من المعاصي « فمن نفسك » و قيل عنى بالحسنة ما أصابهم يوم بدر من الغنيمة و بالسيئة ما أصابهم يوم أحد من الهزيمة عن ابن عباس قال أبو مسلم معناه لما جدوا في القتال يوم بدر و أطاعوا الله آتاهم النصر و لما خالفوا يوم أحد خلى بينهم فهزموا و قيل الحسنة الطاعة و السيئة المعصية عن أبي العالية قال أبو القسم و هذا كقوله و جزاء سيئة سيئة مثلها و قيل الحسنة النعمة و الرخاء و السيئة القحط و المرض و البلاء و المكاره و اللأواء و الشدائد التي تصيبهم في الدنيا بسبب المعاصي التي يفعلونها و ربما يكون لطفا و ربما يكون على سبيل العقوبة و إنما سماها « سيئة » مجازا لأن الطبع ينفر عنها و إن كانت أفعالا حسنة غير قبيحة فيكون المعنى على هذا ما أصابك من الصحة و السلامة و سعة الرزق و جميع نعم الدين و الدنيا فمن الله و ما أصابك من المحن و الشدائد و الآلام و المصائب فبسبب ما تكسبه من الذنوب كما قال و ما أصابكم من مصيبة فيما كسبت أيديكم و قوله « فمن نفسك » معناه فبذنبك عن الحسن و جماعة من المفسرين و فسره أبو القسم البلخي فقال ما أصاب المكلف من مصيبة فهي كفارة ذنب صغير أو عقوبة ذنب كبير أو تأديب وقع لأجل تفريط و قد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ما من خدش بعود و لا اختلاج عرق و لا عثرة قدم إلا بذنب و ما يعفو الله عنه أكثر و قيل « فمن نفسك » أي من فعلك و قال علي بن عيسى و في الآية دلالة على أن الله لا يفعل الألم إلا على وجه اللطف أو العقاب دون مجرد العوض لأن المصائب إذا كانت كلها من قبل ذنب العبد فهي إما أن تكون عقوبة و إما أن تكون من قبل تأديب للمصلحة و قوله « و أرسلناك للناس رسولا » معناه و من الحسنة إرسالك يا محمد و من السيئة خلافك يا محمد « و كفى بالله شهيدا » لك و عليك و قيل في معنى اتصاله بما قبلها أن ما أصابهم فبشؤم ذنوبهم و إنما أنت رسول طاعتك طاعة الله و معصيتك معصية الله لا يطير بك بل الخير كله فيك « و كفى بالله شهيدا » أي كفى الله و معناه حسبك الله شاهدا لك على رسالتك و قيل معناه كفى بالله شهيدا على عباده بما يعملون من خير و شر فعلى هذا يكون متضمنا للترغيب في الخير و التحذير عن الشر .

مجمع البيان ج : 3 ص : 123
مَّن يُطِع الرَّسولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَ مَن تَوَلى فَمَا أَرْسلْنَك عَلَيْهِمْ حَفِيظاً(80) وَ يَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِندِك بَيَّت طائفَةٌ مِّنهُمْ غَيرَ الَّذِى تَقُولُ وَ اللَّهُ يَكْتُب مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِض عَنهُمْ وَ تَوَكلْ عَلى اللَّهِ وَ كَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً(81)

القراءة

قرأ أبو عمرو بإدغام التاء في الطاء من بيت طائفة و به قرأ حمزة و الباقون بالإظهار .

الحجة

إنما حسن إدغام التاء في الطاء للتقارب الذي بينهما بأنهما من حيز واحد و لم يحسن إدغام الطاء في التاء لأن الطاء تزيد على التاء بالإطباق فحسن إدغام الأنقص صوتا من الحروف في الأزيد صوتا بحسب قبح إدغام الأزيد في الأنقص و من بين و لم يدغم فلانفصال الحرفين و اختلاف المخرجين .

اللغة

قال المبرد التبييت كل شيء دبر ليلا قال عبيدة بن هشام :
أتوني فلم أرض ما بيتوا
و كانوا أتوني لأمر نكر و البيوت الأمر يبيت عليه صاحبه مهتما به و البيات و التبييت أن يأتي العدو ليلا فأصل التبييت إحكام الأمر ليلا و أصل الوكيل القائم بما فوض إليه التدبير .

الإعراب

جواب الجزاء في قوله « فما أرسلناك عليهم حفيظا » تقديره و من تولى فليس عليك بأس لأنك لم ترسل حفيظا عليهم و طاعة مبتدأ أي عندنا طاعة أو خبر مبتدإ محذوف أي أمرنا طاعة و لو نصبت على تطيع طاعة جاز .

المعنى

ثم رغب تعالى في طاعة الرسول فقال « من يطع الرسول فقد أطاع الله » بين أن طاعته طاعة الله و إنما كانت كذلك لأنها و إن كانت طاعة للنبي من حيث وافقت إرادته المستدعية للفعل فإنها طاعة الله أيضا على الحقيقة إذ كانت بأمره و إرادته فأما الأمر الواحد فلا يكون على الحقيقة من أمرين كما أن الفعل الواحد لا يكون من فاعلين « و من تولى » أي و من أعرض و لم يطع « فما أرسلناك عليهم حفيظا » أي حافظا لهم من التولي حتى يسلموا عن ابن زيد قال فكان هذا أول ما بعث كما قال في موضع آخر إن عليك إلا البلاغ ثم أمر فيما بعد بالجهاد و قيل معناه ما أرسلناك حافظا لأعمالهم التي يقع الجزاء عليها فتخاف أن لا
مجمع البيان ج : 3 ص : 124
تقوم بها لأنا نحن نجازيهم عليها و قيل حافظا لهم من المعاصي حتى لا تقع عن الجبائي و في هذه الآية تسلية للنبي في تولي الناس عنه مع ما فيه من تعظيم شأنه بكون طاعته طاعة الله ثم بين أن المنافقين أظهروا طاعته و أضمروا خلافه بقوله « و يقولون طاعة » يعني به المنافقين عن الحسن و السدي و الضحاك و قيل المراد به المسلمون الذين حكى عنهم أنهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية يقولون أمرك طاعة كأنهم قالوا قابلنا أمرك بالطاعة « فإذا برزوا » أي خرجوا « من عندك بيت طائفة منهم » أي قدر جماعة منهم ليلا « غير الذي تقول » أي غير ما تقولون على جهة التكذيب عن الحسن و قتادة و قيل معناه غيروا بالليل و بدلوا ما قالوه بأن أضمروا الخلاف عليك فيما أمرتهم به و نهيتهم عنه عن ابن عباس و قتادة و السدي و قيل دبروا ليلا غير ما أعطوك نهارا عن أبي عبيدة و القتيبي « و الله يكتب ما يبيتون » في اللوح المحفوظ ليجازيهم به و قيل يكتبه بأن ينزله إليك في الكتاب عن الزجاج « فأعرض عنهم » أمر الله نبيه بالإعراض عنهم .
و أن لا يسميهم بأعيانهم إبقاء عليهم و سترا لأمورهم إلى أن يستقر أمر الإسلام « و توكل على الله » أي فوض أمرك إليه وثق به « و كفى بالله وكيلا » أي حفيظا لما تفوضه إليه من التدبير .
أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ وَ لَوْ كانَ مِنْ عِندِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَفاً كثِيراً(82) وَ إِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلى الرَّسولِ وَ إِلى أُولى الأَمْرِ مِنهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَستَنبِطونَهُ مِنهُمْ وَ لَوْ لا فَضلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشيْطنَ إِلا قَلِيلاً(83)

اللغة

التدبر النظر في عواقب الأمور و التدابر التقاطع لأن كل واحد يولي الآخر دبره بعداوته له و دبر القوم يدبرون دبارا هلكوا لأنهم يذهبون في جهة الإدبار عن الغرض و الفرق بين التدبر و التفكر أن التدبر تصرف القلب بالنظر في العواقب و التفكر تصرف القلب بالنظر في الدلائل و الاختلاف هو امتناع أحد الشيئين أن يسد مسد الآخر فيما يرجع إلى ذاته كالسواد الذي لا يسد مسد البياض و كذلك الذهاب في الجهات المختلفة و أصل الإذاعة
مجمع البيان ج : 3 ص : 125
التفريق قال تبع لما ورد المدينة :
و لقد شربت على براجم شربة
كادت بباقية الحياة تذيع أي تفرق و براجم ماء بالمدينة كان يشرب منه فتشبثت بحلقة علقة و ذاع الخبر ذيعا و رجل مذياع لا يستطيع كتمان خبر و أذاع الناس بما في الحوض إذا شربوه و أذاعوا بالمتاع ذهبوا به و الإذاعة و الإشاعة و الإفشاء و الإعلان و الإظهار نظائر و ضده الكتمان و الإسرار و الإخفاء و أصل الاستنباط الاستخراج يقال لكل ما استخرج حتى يقع عليه رؤية العين أو معرفة القلب قد استنبط و النبط الماء الذي يخرج من البئر أول ما تحفر و أنبط فلان أي استنبط الماء من طين حر و منه اشتقاق النبط لاستنباطهم العيون .

المعنى

« أ فلا يتدبرون القرآن » أي أ فلا يتفكر اليهود و المنافقون في القرآن إذ ليس فيه خلل و لا تناقض ليعلموا أنه حجة و قيل ليعلموا أنهم لا يقدرون على مثله فيعرفوا أنه ليس بكلام أحد من الخلق و قيل ليعرفوا اتساق معانيه و ائتلاف أحكامه و شهادة بعضه لبعض و حسن عباراته و قيل ليعلموا كيف اشتمل على أنواع الحكم من أمر بحسن و نهي عن قبيح و خبر عن مخبر صدق و دعاء إلى مكارم الأخلاق و حث على الخير و الزهد مع فصاحة اللفظ و جودة النظم و صحة المعنى فيعرفوا أنه خلاف كلام البشر و الأولى أن تحمل على الجميع لأن من تدبر فيه علم جميع ذلك « و لو كان من عند غير الله » أي كلام غير الله أي لو كان من عند النبي أو كان يعلمه بشر كما زعموا « لوجدوا فيه اختلافا كثيرا » قيل فيه أقوال ( أحدها ) أن معناه لوجدوا فيه اختلاف تناقض من جهة حق و باطل عن قتادة و ابن عباس ( و الثاني ) اختلافا في الإخبار عما يسرون عن الزجاج ( و الثالث ) من جهة بليغ و مرذول عن أبي علي ( و الرابع ) تناقضا كثيرا عن ابن عباس و ذلك كلام البشر إذا طال و تضمن من المعاني ما تضمنه القرآن لم يخل من التناقض في المعاني و الاختلاف في اللفظ و كل هذه المعاني منفي عن كلام الله كما قال لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه و هذه الآية تضمنت الدلالة على معان كثيرة منها بطلان التقليد و صحة الاستدلال في أصول الدين لأنه دعا إلى التفكر و التدبر و حث على ذلك و منها فساد قول من زعم أن القرآن لا يفهم معناه إلا بتفسير الرسول من الحشوية و غيرهم لأنه حث على تدبره ليعرفوه و يتبينوه و منها أنه لو كان من عند غيره لكان على وزان كلام عباده و لوجدوا الاختلاف فيه و منها أن المتناقض من الكلام لا يكون من فعل الله لأنه لو كان من فعله لكان من عنده لا من عند غيره و الاختلاف في الكلام يكون على
مجمع البيان ج : 3 ص : 126
ثلاثة أضرب اختلاف تناقض و اختلاف تفاوت و اختلاف تلاوة و اختلاف التفاوت يكون في الحسن و القبح و الخطإ و الصواب و نحو ذلك مما تدعو إليه الحكمة و تصرف عنه و هذا الجنس من الاختلاف لا يوجد في القرآن البتة كما لا يوجد اختلاف التناقض و أما اختلاف التلاوة فهو ما يتلاوم في الجنس كاختلاف وجوه القرآن و اختلاف مقادير الآيات و السور و اختلاف الأحكام في الناسخ و المنسوخ فذلك موجود في القرآن و كله حق و كله صواب و استدل بعضهم بانتفاء التناقض عن القرآن على أنه من فعل الله بأن قال لو لم يكن ذلك دلالة لما أخبرنا الله به و لو لم يخبر بذلك لكان لقائل أن يقول أنه يمكن أن يتحفظ في الكلام و يهذب تهذيبا لا يوجد لذلك فيه شيء من التناقض و على هذا فلا يمكن أن يجعل انتفاء التناقض جهة إعجاز القرآن إلا بعد معرفة صحة السمع و صدق النبي ثم عاد تعالى إلى ذكر حالتهم فقال « و إذا جاءهم » يعني هؤلاء الذين سبق ذكرهم من المنافقين و قيل هم الذين ذكرهم من ضعفة المسلمين « أمر من الأمن أو الخوف » يريد ما كان يرجف به من الأخبار في المدينة أما من قبل عدو يقصدهم و هو الخوف أو من ظهور المؤمنين على عدوهم و هو الأمن « أذاعوا به » أي تحدثوا به و أفشوه من غير أن يعلموا صحته كره الله ذلك لأن من فعل هذا فلا يخلو كلامه من كذب و لما يدخل على المؤمنين به من الخوف ثم قال « و لو ردوه إلى الرسول » المعنى و لو سكتوا إلى أن يظهره الرسول « و إلى أولي الأمر منهم » قال أبو جعفر (عليه السلام) هم الأئمة المعصومون و قال السدي و ابن زيد و أبو علي و الجبائي هم أمراء السرايا و الولاة و قال الحسن و قتادة و غيرهم أنهم أهل العلم و الفقه الملازمون للنبي لأنهم لو سألوه عن حقيقة ما أرجفوا به لعلموه و اختاره الزجاج و أنكر أبو علي الجبائي هذا الوجه و قال إنما يطلق أولوا الأمر على من له الأمر على الناس « لعلمه الذين يستنبطونه » أي لعلم ذلك الخبر الذين يستخرجونه عن الزجاج و قيل يتحسسونه عن ابن عباس و أبي العالية و قيل يبتغونه و يطلبون علم ذلك عن الضحاك و قيل يسألون عنه عن عكرمة قال استنباطهم سؤالهم الرسول عنه و جميع هذه الأقوال متقاربة المعنى « منهم » قيل إن الضمير في « منهم » يعود إلى « أولي الأمر » و هو الأظهر و قيل يعود إلى الفرقة المذكورة من المنافقين أو الضعفة « و لو لا فضل الله عليكم و رحمته » أي لو لا إيصال مواد الألطاف من جهة الله و قيل فضل الله الإسلام و رحمته القرآن عن ابن عباس و قيل فضل الله النبي و رحمته القرآن عن الضحاك و السدي و هو اختيار الجبائي و روي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) فضل الله و رحمته النبي و علي « لاتبعتم الشيطان إلا قليلا » قيل فيه أقوال ( أحدها ) إن في الكلام تقديما و تأخيرا و الاستثناء من قوله « أذاعوا به » عن ابن عباس
مجمع البيان ج : 3 ص : 127
فيكون معناه أذاعوا به إلا قليلا و هو اختيار المبرد و الكسائي و الفراء و البلخي و الطبري قالوا و هذا أولى لأن الإذاعة أكثر من الاستنباط ( و ثانيها ) أن الاستثناء من قوله « لعلمه الذين يستنبطونه منهم » إلا قليلا و يكون تقديره و لو ردوه إلى الرسول و إلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه إلا قليلا عن أكثر أهل اللغة ( و ثالثها ) أن المراد « و لو لا فضل الله عليكم و رحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا » منكم على الظاهر من غير تقديم و لا تأخير و هذا كما اتبع الشيطان من كان قبل بعثة النبي إلا قليلا منهم لم يتبعوه و اهتدوا بعقولهم لترك عبادة الأوثان بغير رسول و لا كتاب و آمنوا بالله و وحدوه مثل قس بن ساعدة و زيد بن عمرو بن نفيل و ورقة بن نوفل و البراء الشني و أبي ذر الغفاري و طلاب الدين و به قال الأنباري ( و رابعها ) أن معناه « و لو لا فضل الله عليكم و رحمته » بالنصرة و الفتح مرة بعد أخرى « لاتبعتم الشيطان » فيما يلقي إليكم من الوساوس و الخواطر الفاسدة المؤدية إلى الجبن و الفشل الموجبة لضعف النية و البصيرة « إلا قليلا » من أفاضل أصحاب رسول الله الذين هم أهل البصائر النافذة و العزائم الثابتة و النيات الخالصة لا ييأسون من رحمة الله و لا يشكون في نصرته و إنجاز وعده و إن أبطأ بعض الإبطاء و الله أعلم .

النظم

اختلف في وجه اتصال قوله « أ فلا يتدبرون القرآن » بما قبله فقيل إنه يتصل بقوله و يقولون طاعة الآية فإن الله اطلع على سرائر المنافقين ثم بين هنا أنه من جهة علام الغيوب و لو كان من جهة غيره لكان المخبر بخلاف الخبر و قيل أنه يتصل بقوله و أرسلناك لما بين إرساله أمر بتدبر معجزة .
فَقَتِلْ فى سبِيلِ اللَّهِ لا تُكلَّف إِلا نَفْسك وَ حَرِّضِ المُْؤْمِنِينَ عَسى اللَّهُ أَن يَكُف بَأْس الَّذِينَ كَفَرُوا وَ اللَّهُ أَشدُّ بَأْساً وَ أَشدُّ تَنكِيلاً(84)

اللغة

نكل به و ندد به و شرد به نظائر و أصله النكول و هو الامتناع للخوف يقال نكل عن اليمين و غيرها و النكال ما يمتنع به من الفساد خوفا من مثله من العذاب و النكل القيد .

مجمع البيان ج : 3 ص : 128

المعنى

ثم عاد تعالى إلى الأمر بالقتال فقال « فقاتل في سبيل الله » قيل في الفاء قولان ( أحدهما ) أنه جواب لقوله و من يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما « فقاتل في سبيل الله » فيكون المعنى إن أردت الأجر العظيم فقاتل في سبيل الله ( و الآخر ) أن يكون متصلا بقوله و ما لكم لا تقاتلون في سبيل الله « فقاتل في سبيل الله » عن الزجاج و وجهه أنه لا حظ لك في ترك القتال فتتركه و الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) خاصة أمره الله أن يقاتل في سبيل الله وحده بنفسه و قوله « لا تكلف إلا نفسك » معناه لا تكلف إلا فعل نفسك فإنه لا ضرر عليك في فعل غيرك فلا تهتم بتخلف المنافقين عن الجهاد فإن ضرر ذلك عليهم « و حرض المؤمنين » على القتال أي حثهم عليه « عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا » أي يمنع شدة الكفار قال الحسن عسى من الله واجب و وجه ذلك إن إطماع الكريم إنجاز و إنما الإطماع تقوية أحد الأمرين على الآخر دون قيام الدليل على التكافؤ في الجواز و خروج عسى في هذا من معنى الشك كخروجها في قول القائل أطع ربك في كل ما أمرك به و نهاك عنه عسى أن تفلح بطاعتك « و الله أشد بأسا » أي أشد نكاية في الأعداء منكم « و أشد تنكيلا » أي عقوبة عن الحسن و قتادة و قيل التنكيل الشهرة بالأمور الفاضحة عن أبي علي الجبائي و قيل هو ما ينالهم على أيدي المسلمين من الإذلال و السبي و القتل و تخريب الديار و قيل هو الانتقام و الإهلاك .

[القصة

[
قال الكلبي إن أبا سفيان لما رجع إلى مكة يوم أحد واعد رسول الله موسم بدر الصغرى و هو سوق تقوم في ذي القعدة فلما بلغ النبي الميعاد قال للناس أخرجوا إلى الميعاد فتثاقلوا و كرهوا ذلك كراهة شديدة أو بعضهم فأنزل الله هذه الآية فحرض النبي المؤمنين فتثاقلوا عنه و لم يخرجوا فخرج رسول الله في سبعين راكبا حتى أتى موسم بدر فكفاهم الله بأس العدو و لم يوافهم أبو سفيان و لم يكن قتال يومئذ و انصرف رسول الله بمن معه سالمين .
مَّن يَشفَعْ شفَعَةً حَسنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنهَا وَ مَن يَشفَعْ شفَعَةً سيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَ كانَ اللَّهُ عَلى كلِّ شىْء مُّقِيتاً(85)

اللغة

أصل الشفاعة من الشفع الذي هو ضد الوتر فإن الرجل إذا شفع بصاحبه فقد
مجمع البيان ج : 3 ص : 129
شفعه أي صار ثانيه و منه الشفيع في الملك لأنه يضم ملك غيره إلى ملك نفسه و اختلفت الأمة في كيفية شفاعة النبي يوم القيامة فقالت المعتزلة و من تابعهم يشفع لأهل الجنة ليزيد الله درجاتهم و قال غيرهم من فرق الأمة بل يشفع لمذنبي الأمة ممن ارتضى الله دينهم ليسقط عقابهم بشفاعته و الكفل في اللغة النصيب و أخذ من قولهم اكتفلت البعير إذا أدرت على سنامه كساء و ركبت عليه و إنما يقال ذلك لأنه لم يستعمل الظهر كله و إنما استعمل نصيب من الظهر و قال الأزهري الكفل الذي لا يحسن ركوب الفرس و أصله الكفل و هو ردف العجز و منه الكفالة بالنفس و المال و الكفل المثل و المقيت أصله من القوت فإنه يقوته قوتا إذا أعطاه ما يمسك به رمقه و المقيت المقتدر لاقتداره على ذلك و أقات يقيت إقاتة و ينشد للزبير بن عبد

المطلب :

و ذي ضغن كففت النفس عنه
و كنت على مساءته مقيتا فهذه لغة قريش .

المعنى

« من يشفع شفاعة حسنة » قيل فيه أقوال ( أحدها ) إن معناه من يصلح بين اثنين « يكن له نصيب منها » أي يكن له أجر منها « و من يشفع شفاعة سيئة » أي يمشي بالنميمة « يكن له كفل منها » أي إثم منها عن الكلبي عن ابن عباس ( و ثانيها ) إن الشفاعة الحسنة و الشفاعة السيئة شفاعة الناس بعضهم لبعض عن مجاهد و الحسن قال ما يجوز في الدين أن يشفع فيه فهو شفاعة حسنة و ما لا يجوز أن يشفع فيه فهو شفاعة سيئة قال و من يشفع شفاعة حسنة كان له فيها أجر و ثواب و إن لم يشفع لأن الله قال « و من يشفع » و لم يقل و من يشفع و يؤيد هذا قوله ( اشفعوا تؤجروا ) و قوله ( من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في ملكه و من أعان على خصومة بغير علم كان في سخط الله حتى ينزع ) ( و ثالثها ) إن المراد بالشفاعة الحسنة الدعاء للمؤمنين و بالشفاعة السيئة الدعاء عليهم عن أبي علي الجبائي قال لأن اليهود كانت تفعل ذلك فتوعدهم الله عليه ( و رابعها ) ما قاله بعضهم إن المراد بالشفاعة هنا أن يصير الإنسان شفع صاحبه في جهاد عدوه فيحصل له من هذه الشفاعة نصيب في العاجل من الغنيمة و الظفر و في الآجل من الثواب المنتظر و إن صار شفعا له في معصية أو شر حصل له نصيب من المذمة في العاجل و العقوبة في الآجل و الكفل الوزر عن الحسن و قتادة و هو النصيب و الحظ عن السدي و الربيع و جميع أهل اللغة فكأنه النصيب من الشر « و كان الله على كل شيء مقيتا » قيل في معنى المقيت أقوال ( أحدها ) أنه المقتدر عن السدي و ابن
مجمع البيان ج : 3 ص : 130
زيد ( و ثانيها ) الحفيظ الذي يعطي الشيء قدر الحاجة من الحفظ عن ابن عباس ( و ثالثها ) الشهيد عن مجاهد ( و رابعها ) الحسيب عنه أيضا ( و خامسها ) المجازي عن أبي علي الجبائي أي يجازي على كل شيء من الحسنات و السيئات .

النظم

وجه اتصال هذه الآية بما قبلها أنه سبحانه لما قال « لا تكلف إلا نفسك » عقب ذلك بأن لك مع هذا في دعاء المؤمنين إلى الحق ما للإنسان في شفاعة صاحبه لخير يصل إلى المشفوع له لئلا يتوهم أن العبد من أجل أنه لا يؤخذ بعمل غيره لا يتزيد فعله يعمل غيره عن علي بن عيسى و قيل الوجه فيه إن كل من طلب لغيره خيرا فوصل إليه حصل له نصيب منه و أنت قد طلبت لهم الخير حيث دعوتهم إلى الجهاد و حرضتهم عليه قال القاضي هذا أحسن ما قيل فيه .
وَ إِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّة فَحَيُّوا بِأَحْسنَ مِنهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كلِّ شىْء حَسِيباً(86)

اللغة

التحية السلام يقال حيى يحيي تحية إذا سلم قال الشاعر :
إنا محيوك يا سلمى فحيينا
و إن سقيت كرام الناس فأسقينا و التحية البقاء قال :
من كل ما نال الفتى
قد نلته إلا التحية يعني الملك و إنما سمي بذلك لأن الملك يحيا بالسلام و الثناء الحسن و الحسيب الحفيظ لكل شيء حتى لا يشذ منه شيء و الحسيب الفعيل من الحساب الذي هو الإحصاء يقال حاسب فلان فلانا على كذا و هو حسيبه إذا كان صاحب حسابه و من قال الحسيب الكافي فهو من قولهم أحسبني فلان الشيء إحسابا إذا كفاني و حسبي كذا أي كفاني و قال الزجاج معنى الحسيب أنه يعطى كل شيء من العلم و الحفظ و الجزاء مقدار ما يحسبه أي يكفيه و منه قوله عطاء حسابا أي كافيا .

المعنى

« و إذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها » أمر الله المسلمين برد السلام على المسلم بأحسن مما سلم إن كان مؤمنا و إلا فليقل و عليكم و لا يزيد على ذلك فقوله « بأحسن منها » للمسلمين خاصة و قوله « أو ردوها » لأهل الكتاب عن ابن عباس فإذا
 

<<        الفهرس        >>