جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج3 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


مجمع البيان جلد 3

مجمع البيان ج : 3 ص : 3

( 4 ) سورة النساء مدنية و آياتها ست و سبعون و مائة ( 176 )
هي مدنية كلها و قيل أنها مدنية إلا قوله « إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها » الآية و قوله « و يستفتونك في النساء قل الله يفتيكم في الكلالة » إلى آخرها فإن الآيتين نزلتا بمكة

عدد آيها

مائة و سبع و سبعون آية شامي و ست كوفي و خمس في الباقين
خلافها آيتان
« أن تضلوا السبيل » كوفي شامي « فيعذبهم عذابا أليما » شامي .

فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من قرأها فكأنما تصدق على كل مؤمن ورث ميراثا و أعطي من الأجر كمن اشترى محررا و بريء من الشرك و كان في مشيئة الله من الذين يتجاوز عنهم و روي عن عمر بن الخطاب أنه قال تعلموا سورة البقرة و سورة المائدة و سورة الحج و سورة النور فإن فيهن الفرائض و روى العياشي بإسناده عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال من قرأ سورة النساء في كل جمعة أومن من ضغطة القبر إذا أدخل في قبره .

تفسيرها

لما ختم الله السورة التي ذكر فيها آل عمران بالأمر بالتقوى افتتح أيضا هذه السورة به إلا أن هناك خص به المؤمنين و عم به هاهنا سائر المكلفين فقال .
سورة النساء
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَأَيهَا النَّاس اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكم مِّن نَّفْس وَحِدَة وَ خَلَقَ مِنهَا زَوْجَهَا وَ بَث مِنهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَ نِساءً وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِى تَساءَلُونَ بِهِ وَ الأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً(1)

مجمع البيان ج : 3 ص : 4

القراءة

قرأ أهل الكوفة تسئلون بتخفيف السين و الباقون بتشديدها و قرأ حمزة و الأرحام بالجر و الباقون بالنصب و قرىء في الشواذ و الأرحام بالرفع .

الحجة

من خفف تسئلون أراد تتساءلون فحذف التاء من تتفاعلون لاجتماع حروف متقاربة و من شدد فقال « تساءلون » فإنه أدغم التاء في السين و حسن ذلك لاجتماعهما في أنهما من حروف طرف اللسان و أصول الثنايا و اجتماعهما في الهمس فخفف هنا بالإدغام كما خفف هناك بالحذف قال أبو علي من نصب « الأرحام » احتمل انتصابه وجهين ( أحدهما ) أن يكون معطوفا على موضع الجار و المجرور ( و الآخر ) أن يكون معطوفا على « اتقوا » و تقديره و اتقوا الله و اتقوا الأرحام فصلوها و لا تقطعوها و أما من جر فإنه عطف على الضمير المجرور بالباء و هذا ضعيف في القياس و قليل في الاستعمال و ما كان كذلك فترك الأخذ به أحسن و إنما ضعف في القياس لأن الضمير قد صار عوضا مما كان متصلا بالاسم من التنوين فقبح أن يعطف عليه كما لا يعطف الظاهر على التنوين و يدلك على أنه أجري عندهم مجرى التنوين حذفهم الياء من المنادى المضاف إليها كحذفهم التنوين و ذلك قولهم يا غلام و هو الأكثر من غيره و وجه الشبه بينهما أنه على حرف كما أن التنوين كذلك و اجتماعهما في السكون و لأنه لا يوقف على الاسم منفصلا منه كما أن التنوين كذلك و المضمر أذهب في مشابهة التنوين من المظهر لأنه قد يفصل بين المضاف و المضاف إليه إذا كان ظاهرا بالظروف و بغيرها نحو قول الشاعر :
كان أصوات من إيغالهن بنا
أواخر الميس أصوات الفراريج و قول الآخر :
من قرع القسي الكنائن ) و ليس المضمر في هذا كالظاهر فلما كان كذلك لم يستجيزوا عطف الظاهر عليه لأن المعطوف ينبغي أن يكون مشاكلا للمعطوف عليه و قد جاء ذلك في ضرورة الشعر أنشد سيبويه :
فاليوم قربت تهجونا و تشتمنا
فاذهب فما بك و الأيام من عجب فعطف الأيام على موضع الكاف و قال آخر :
نعلق في مثل السواري سيوفنا
و ما بينها و الكعب غوط نفانف
مجمع البيان ج : 3 ص : 5
فعطف الكعب على الهاء و الألف في بينها و مثل ذلك لا يجوز في القرآن و الكلام الفصيح قال المازني و ذلك لأن الثاني في العطف شريك للأول فإن كان الأول يصلح أن يكون شريكا للثاني و إلا لم يصلح أن يكون الثاني شريكا فكما لا تقول مررت بزيد و ك كذلك لا تقول مررت بك و زيد و أما القراءة الشاذة في رفع « الأرحام » فالوجه في رفعه على الابتداء أي و الأرحام مما يجب أن تتقوه و حذف الخبر للعلم به .

اللغة

البث النشر يقال بث الله الخلق و منه قوله كالفراش المبثوث و بعضهم يقول أبث بمعناه بثثتك سري و أبثثتك سري لغتان و أصل الرقيب من الترقيب و هو الانتظار و منه الرقبى لأن كل واحد منهما ينتظر موت صاحبه يقال رقب يرقب رقوبا و رقبة و رقبا فعلى هذا يكون الرقيب فعيلا بمعنى الفاعل و هو الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء .

المعنى

ابتدأ الله سبحانه هذه السورة بالموعظة و الأمر بالتقوى فقال « يا أيها الناس » و هو خطاب للمكلفين من جميع البشر و قيل النداء إنما كان سائر كتب الله السالفة بيا أيها المساكين و أما في القرآن فما نزل بمكة فالنداء بيا أيها الناس و ما نزل بالمدينة فمرة بيا أيها الذين آمنوا و مرة بيا أيها الناس « اتقوا ربكم » معناه اتقوا معصية ربكم أو مخالفة ربكم بترك ما أمر به و ارتكاب ما نهى عنه و قيل معناه اتقوا حقه أن تضيعوه و قيل اتقوا عقابه فكأنه قال يحق عليكم أن تتقوا عقاب من أنعم عليكم بأعظم النعم و هي أن خلقكم من نفس واحدة و أوجدكم و من عظمت عنده النعمي فهو بالتقوى أولى و قيل إن المراد به بيان كمال قدرته فكأنه قال الذي قدر على أن خلقكم من نفس واحدة فهو على عقابكم أقدر فيحق عليكم أن تتركوا مخالفته و تتقوا عقوبته و قوله « الذي خلقكم من نفس واحدة » المراد بالنفس هنا آدم عند جميع المفسرين و إنما لم يقل نفس واحد بالتذكير و إن كان المراد آدم لأن لفظ النفس مؤنث بالصيغة فهو كقول الشاعر :
أبوك خليفة ولدته أخرى
و أنت خليفة ذاك الكمال فأنث على اللفظ و لو قال من نفس واحد لجاز « و خلق منها زوجها » يعني حواء (عليهاالسلام) ذهب أكثر المفسرين إلى أنها خلقت من ضلع من أضلاع آدم (عليه السلام) و رووا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال خلقت المرأة من ضلع آدم (عليه السلام) إن أقمتها كسرتها و إن تركتها و فيها عوج استمتعت بها و روي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أن الله تعالى خلق حواء من فضل الطينة التي
مجمع البيان ج : 3 ص : 6
خلق منها آدم و في تفسير علي بن إبراهيم من أسفل أضلاعه « و بث منهما رجالا كثيرا » أي نشر و فرق من هاتين النفسين على وجه التناسل رجالا « و نساء » و إنما من علينا تعالى بأن خلقنا من نفس واحدة لأنه أقرب إلى أن يعطف بعضنا على بعض و يرحم بعضنا بعضا لرجوعنا إلى أصل واحد و لأن ذلك أبلغ في القدرة و أدل على العلم و الحكمة و قوله « و اتقوا الله الذي تساءلون به » قيل في معناه قولان أحدهما أنه من قولهم أسألك بالله أن تفعل كذا و أنشدك بالله و بالرحم و نشدتك الله و الرحم و كذا كانت العرب تقول عن الحسن و إبراهيم و على هذا يكون قوله « و الأرحام » عطفا على موضع قوله به و المعنى إنكم كما تعظمون الله بأقوالكم فعظموه بطاعتكم إياه و الآخر أن معنى « تساءلون به » تطلبون حقوقكم و حوائجكم فيما بينكم به « و الأرحام » معناه و اتقوا الأرحام أن تقطعوها عن ابن عباس و قتادة و مجاهد و الضحاك و الربيع و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) فعلى هذا يكون منصوبا عطفا على اسم الله تعالى و هذا يدل على وجوب صلة الرحم و يؤيده ما رواه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال قال الله تعالى أنا الرحمن خلقت الرحم و شققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته و من قطعها بتته و في أمثال هذا الخبر كثرة و صلة الرحم قد تكون بقبول النسب و قد تكون بالإنفاق على ذي الرحم و ما يجري مجراه و روى الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال أن أحدكم ليغضب فما يرضى حتى يدخل به النار فأيما رجل منكم غضب على ذي رحمة فليمسه فإن الرحم إذا مستها الرحم استقرت و إنها متعلقة بالعرش تقول و تنادي اللهم صل من وصلني و اقطع من قطعني « إن الله كان عليكم رقيبا » أي حافظا عن مجاهد و قيل الرقيب العالم عن ابن زيد و المعنى متقارب و إنما أتى بلفظة كان المفيدة للماضي لأنه أراد أنه كان حفيظا على من تقدم زمانه من عهد آدم و ولده إلى زمان المخاطبين و عالما بما صدر منهم لم يعزب عنه من ذلك شيء .
وَ ءَاتُوا الْيَتَمَى أَمْوَلهَُمْ وَ لا تَتَبَدَّلُوا الخَْبِيث بِالطيِّبِ وَ لا تَأْكلُوا أَمْوَلَهُمْ إِلى أَمْوَلِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً(2)

اللغة

الحوب الإثم يقال حاب يحوب حوبا و حيابة و الاسم الحوب و روي عن الحسن أنه قرأ حوبا ذهب إلى المصدر و تحوب فلان من كذا إذا تحرج منه و نزلنا بحوبة من الأرض أي بموضع سوء و الحوبة الحزن و التحوب التحزن و الحوباء الروح .

مجمع البيان ج : 3 ص : 7

المعنى

لما أمر الله سبحانه بالتقوى و صلة الأرحام عقبه بباب آخر من التقوى و هو توفير حقوق اليتامى فقال « و آتوا اليتامى أموالهم » و هذا خطاب لأوصياء اليتامى أي أعطوهم أموالهم بالإنفاق عليهم في حالة الصغر و بالتسليم إليهم عند البلوغ إذا أونس منهم الرشد و سماهم يتامى بعد البلوغ مجازا لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لا يتم بعد احتلام كما قالوا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يتيم أبي طالب بعد كبره يعنون أنه رباه و كقوله سبحانه و ألقي السحرة ساجدين أي الذين كانوا سحرة « و لا تتبدلوا الخبيث بالطيب » معناه لا تستبدلوا ما حرمه الله تعالى عليكم من أموال اليتامى بما أحله الله لكم من أموالكم و اختلف في صفة التبديل فقيل كان أوصياء اليتامى يأخذون الجيد من مال اليتيم و الرفيع منه و يجعلون مكانه الخسيس و الرديء عن إبراهيم النخعي و السدي و سعيد بن المسيب و الزهري و الربيع و الضحاك و قيل معناه لا تتبدلوا الخبيث بالطيب بأن تتعجلوا الحرام قبل أن يأتيكم الرزق الحلال الذي قدر لكم عن أبي صالح و مجاهد و قيل معناه ما كان أهل الجاهلية يفعلونه من أنهم لم يكونوا يورثون النساء و لا الصغار بل يأخذه الكبار عن ابن زيد و أقوى الوجوه الأول لأنه إنما ذكر عقيب أموال اليتامى فيكون معناه لا تأخذوا السمين و الجيد من أموالهم و تضعوا مكانهما المهزول و الرديء فتحفظون عليهم عدد أموالهم و مقاديرها و تجحفون بهم في صفاتها و معانيها و قوله « و لا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم » أي مع أموالكم و معناه و لا تضيفوا أموالهم إلى أموالكم فتأكلوهما جميعا و يحتمل أن يكون معناه و لا تخلطوا الجيد من أموالهم بالرديء من أموالكم فتأكلوها فإن في ذلك إجحافا و إضرارا بهم فأما إذا لم يكن في ذلك أضرار و لا ظلم فلا بأس بخلط مال اليتيم بماله فقد روي أنه لما نزلت هذه الآية كرهوا مخالطة اليتامى فشق ذلك عليهم فشكوا ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فأنزل الله سبحانه و يسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير و إن تخالطوهم فإخوانكم في الدين الآية عن الحسن و هو المروي عن السيدين الباقر (عليه السلام) و الصادق (عليه السلام) « إنه كان حوبا كبيرا » أي إثما عظيما .

مجمع البيان ج : 3 ص : 8
وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطوا فى الْيَتَمَى فَانكِحُوا مَا طاب لَكُم مِّنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلَث وَ رُبَعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَت أَيْمَنُكُمْ ذَلِك أَدْنى أَلا تَعُولُوا(3) وَ ءَاتُوا النِّساءَ صدُقَتهِنَّ نحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شىْء مِّنْهُ نَفْساً فَكلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً(4)
عد « ألا تعولوا » آية بالاتفاق و هذا مما يشكل و يعسر .

القراءة

قرأ أبو جعفر فواحدة بالرفع و الباقون بالنصب .

الحجة

القراءة بالنصب على أنه مفعول به و تقديره فانكحوا واحدة و من رفع فعلى أنه فواحدة كافية أو فواحدة مجزية كقوله فإن لم يكونا رجلين فرجل و امرأتان .

اللغة

الأقساط العدل و الإنصاف و القسط الجور و يقال ثناء و مثنى و ثلاث و مثلث و رباع و مربع و لم يسمع فيما زاد عليه مثل خماس و مخمس الأعشار في بيت الكميت و هو قوله :
و لم يستريثوك حتى رميت
فوق الرجال خصالا عشارا و قال صخر الغي :
و لقد قتلتكم ثناء و موحدا
و تركت مرة مثل أمس الدابر و عال الرجل يعول عولا و عيالة أي مال و جار و منه عول الفرائض لأن سهامها إذا زادت دخلها النقص قال أبو طالب :
بميزان قسط وزنه غير عائل ) و عال يعيل عيلة إذا احتاج قال الشاعر :
فما يدري الفقير متى غناه
و ما يدري الغني متى يعيل أي يفتقر فمن قال معنى قوله « ألا تعولوا » ألا تفتقروا فقد أخطأ لأنه من باب الياء كما ترى و من قال إن معناه لا تكثر عيالكم فقد أخطأ أيضا لأن ذلك يكون من الإعالة يقال أعال الرجل يعيل فهو معيل إذا كثر عياله و عال العيال إذا مانهم ( من المئونة ) و منه قوله ابدأ بمن تعول و قد حكى الكسائي عال الرجل يعول إذا كثر عياله و الصداق و الصداق و الصدقة و الصدقة المهر و النحلة عطية تكون على غير جهة المثامنة يقال نحلت الرجل إذا وهبت له نحلة و نحلا و سمي النحل نحلا لأن الله نحل منها الناس العسل الذي في بطونها و « هنيئا » مأخوذ من هنأت
مجمع البيان ج : 3 ص : 9
البعير بالقطران فالهنى شفاء من المرض كما أن الهناء الذي هو القطران شفاء من الجرب قال :
ما إن رأيت و لا سمعت به
كاليوم هاني أينق جرب
متبذلا تبدو محاسنه
يضع الهناء مواضع النقب يقال منه هنأني الطعام و مرأني أي صار لي دواء و علاجا شافيا و هنأني و مرأني بالكسر و هي قليلة و تقول في المستقبل يهناني و يمراني و يهنئني و يمرأني و إذا أفردوا قالوا أمرأني و لا يقولون أهنأني و قد مرؤ هذا الطعام مراءة و يقال هنأت القوم إذا علتهم و هنأت فلانا المال إذا وهبته له أهنأه هنأ و منه المثل إنما سميت هانئا لتهنىء أي لتعطي .

الإعراب

قوله « ما طاب » ما هاهنا مصدرية عن الفراء أي فانكحوا الحلال و يروي عن مجاهد أيضا فانكحوا النساء نكاحا طيبا قال المبرد ما هاهنا للجنس كقولك ما عندك فالجواب رجل أو امرأة و قيل لما كان المكان مكان إبهام جاءت ما لما فيها من الإبهام كقول العرب خذ من عندي ما شئت و قوله « مثنى و ثلاث و رباع » بدل مما طاب و موضعه النصب و تقديره اثنتين اثنتين و ثلاثا ثلاثا و أربعا أربعا إلا أنه لا ينصرف لعلتين العدل و الصفة قال الزجاج أنه لا ينصرف لجهتين و لا أعلم أحدا من النحويين ذكرهما غير ما أنه معدول عن اثنتين اثنتين و ثلاث ثلاث و أنه عدل عن تأنيث و خطأه أبو علي الفارسي في ذلك و أورد عليه كلاما كثيرا يطول بذكره الكتاب ثم قال لو جاز أن يقول قائل إن مثنى و بابه معدول عن مؤنث لما جرى على النساء و واحدتهن مؤنثة لجاز لآخر أن يقول إن مثنى و بابه معدول عن مذكر لأنه أجري صفة على أجنحة و واحدها مذكر و إنما جرى على النساء من حيث كان تأنيثها و تأنيث الجمع و هذا الضرب من التأنيث ليس بحقيقي و إنما هو من أجل اللفظ فهو مثل النار و الدار و ما أشبه ذلك و قد جرت هذه الأسماء على المذكر الحقيقي قال صخر الغي :
منيت بأن تلاقيني المنايا
أحاد أحاد في شهر حلال
و لكنما أهلي بواد أنيسة
ذئاب تبغي الناس مثنى و موحد جرى فيه مثنى و موحد على ذئاب و هو جمع مذكر و قال تميم بن أبي مقبل :
مجمع البيان ج : 3 ص : 10

ترى النعرات الزرق تحت لبانه

أحاد و مثنى أصعقتها صواهله فأحدا و مثنى هنا حال من النعرات و قال أبو علي في القصريات إن مثنى و ثلاث و رباع حال من قوله « ما طاب لكم من النساء » فهو كقولك جئتك ماشيا و راكبا و منحدرا و صاعدا تريد أنك جئته في كل حال من هذه الأحوال و لست تريد أنك جئته و هذه الأحوال لك في وقت واحد و من قدرها على البدل من ما قال إنما جاءت الواو هنا و لم تأت أو لأنه على طريق البدل كأنه قال و ثلاث بدلا من مثنى و رباع بدلا من ثلاث و لو جاء بأو لكان لا يجوز لصاحب المثنى ثلاث و لا لصاحب الثلاث رباع و قوله « نحلة » نصب على المصدر و قوله « نفسا » نصب على التمييز كما يقال ضقت بهذا الأمر ذرعا و قررت به عينا و المعنى ضاق به ذرعي و قرت به عيني و لذلك وحد النفس لما كانت مفسرة و النفس المراد به الجنس يقع على الواحد و الجمع كقول الشاعر :
بها جيف الحسرى فأما عظامها
فبيض و أما جلدها فصليب و لم يقل جلودها و لو قال فإن طبن لكم أنفسا لجاز قوله « بالأخسرين أعمالا » إنما جمع لئلا يتوهم أنه عمل يضاف إلى الجميع كما يضاف القتل إلى جماعة إذا رضوا به و من في قوله « عن شيء منه » لتبيين الجنس لا للتبعيض لأنها لو وهبت المهر كله لجاز بلا خلاف و « هنيئا مريئا » نصب على الحال .

النزول و النظم

اختلف في سبب نزوله و كيفية نظم محصوله و اتصال فصوله على أقوال ( أحدها ) أنها نزلت في اليتيمة تكون في حجر وليها فيرغب في مالها و جمالها و يريد أن ينكحها بدون صداق مثلها فنهوا أن ينكحوهن إلا أن تقسطوا لهن في إكمال مهور أمثالهن و أمروا أن ينكحوا ما سواهن من النساء إلى أربع عن عائشة و روي ذلك في تفسير أصحابنا و قالوا أنها متصلة بقوله و يستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن و ما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن كما كتب لهن و ترغبون أن تنكحوهن فإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا الآية و به قال الحسن و الجبائي و المبرد ( و ثانيها ) أنها نزلت في الرجل منهم كان يتزوج الأربع و الخمس و الست و العشر و يقول ما يمنعني أن أتزوج كما يتزوج فلان فإذا
مجمع البيان ج : 3 ص : 11
فني ماله مال على مال اليتيم الذي في حجره فأنفقه فنهاهم الله عن أن يتجاوزوا الأربع لئلا يحتاجوا إلى أخذ مال اليتيم و إن خافوا ذلك مع الأربع أيضا اقتصروا على واحدة عن ابن عباس و عكرمة ( و ثالثها ) أنهم كانوا يشددون في أموال اليتامى و لا يشددون في النساء ينكح أحدهم النسوة فلا يعدل بينهن فقال تعالى كما تخافون ألا تعدلوا في اليتامى فخافوا في النساء فانكحوا واحدة إلى أربع عن سعيد بن جبير و السدي و قتادة و الربيع و الضحاك و في إحدى الروايتين عن ابن عباس ( و رابعها ) أنهم كانوا يتحرجون من ولاية اليتامى و أكل أموالهم إيمانا و تصديقا فقال سبحانه إن تحرجتم من ذلك فكذلك تحرجوا من الزنا و انكحوا النكاح المباح من واحدة إلى أربع عن مجاهد ( و خامسها ) ما قالها الحسن إن خفتم ألا تقسطوا في اليتيمة المرباة في حجركم فانكحوا ما طاب لكم من النساء مما أحل لكم من يتامى قربانكم مثنى و ثلاث و رباع و به قال الجبائي و قال الخطاب متوجه إلى ولي اليتيمة إذا أراد أن يتزوجها ( و سادسها ) ما قاله الفراء إن كنتم تتحرجون عن مؤاكلة اليتامى فتحرجوا من الجمع بين النساء و أن لا تعدلوا بين النساء و لا تتزوجوا منهن إلا من تأمنون معه الجور قال القاضي أبو عاصم القول الأول أولى و أقرب إلى نظم الآية و لفظها .

المعنى

« و إن خفتم ألا تقسطوا » أي لا تنصفوا و لا تعدلوا يا معاشر أولياء اليتامى « في اليتامى » و ذكرنا معناه و الاختلاف فيه في النزول « فانكحوا ما طاب لكم » أي ما حل لكم و لم يقل من طاب لكم لأن معناه فانكحوا الطيب « من النساء » أي الحلال منهن أي من اللاتي يحل نكاحهن دون المحرمات اللاتي ذكرن في قوله حرمت عليكم أمهاتكم الآية و يكون تقديره على القول الأول إن خفتم أن لا تعدلوا في نكاح اليتامى إن نكحتموهن فانكحوا البوالغ من النساء و ذلك أنه إن وقع حيف في حق البوالغ أمكن طلب المخلص منهن بتطييب نفوسهن و التماس تحليلهن لأنهن من أهل التحليل و إسقاط الحقوق بخلاف اليتامى فإنه إن وقع حيف في حقهن لم يمكن المخلص منه لأنهن لسن من أهل التحليل و لا من أهل إسقاط الحقوق و قوله « مثنى و ثلاث و رباع » معناها اثنتين اثنتين و ثلاثا ثلاثا و أربعا أربعا فلا يقال أن هذا يؤدي إلى جواز نكاح التسع فإن اثنتين و ثلاثة و أربعة تسعة لما ذكرناه فإن من قال دخل القوم البلد مثنى و ثلاث و رباع لا يقتضي اجتماع الأعداد في الدخول و لأن لهذا العدد لفظا موضوعا و هو تسع فالعدول عنه إلى مثنى و ثلاث و رباع نوع من العي جل كلامه عن ذلك و تقدس و قال الصادق (عليه السلام) لا يحل لماء الرجل أن يجري في أكثر من أربعة أرحام من الحرائر « فإن خفتم ألا تعدلوا » بين الأربع أو الثلاث في القسم أو
مجمع البيان ج : 3 ص : 12
النفقة و سائر وجوه التسوية « فواحدة » أي فتزوجوا واحدة « أو ما ملكت أيمانكم » أي و اقتصروا على الإماء حتى لا تحتاجوا إلى القسم بينهن لأنهن لا حق لهن في القسم « ذلك » إشارة إلى العقد على الواحدة مع الخوف من الجور فيما زاد عليها « أدنى ألا تعولوا » أي أقرب أن لا تميلوا و تجوروا عن ابن عباس و الحسن و قتادة و من قال معناه أدنى أن لا تكثر عيالكم فإنه مع ضعفه في اللغة في الآية ما يبطله و هو قوله « أو ما ملكت أيمانكم » و معلوم أن ما يحتاج إليه من النفقة عند كثرة الحرائر من النساء مثل ما يحتاج إليه عند كثرة الإماء و قيل كان الرجل قبل نزول هذه الآية يتزوج بما شاء من النساء و قوله « و آتوا النساء صدقاتهن نحلة » معناه و أعطوا النساء مهورهن عطية من الله و ذلك أن الله تعالى جعل الاستمتاع مشتركا بين الزوجين ثم أوجب لها بإزاء الاستمتاع مهرا على زوجها فذلك عطية من الله للنساء و قيل أراد بنحلة فريضة مسماة عن قتادة و ابن جريج و قيل أراد بالنحلة الدين كما يقال فلان ينتحل كذا أي يدين به ذكره الزجاج و ابن خالويه و اختلف فيمن خوطب بقوله « و آتوا النساء صدقاتهن نحلة » فقيل هم الأزواج أمرهم الله بإعطاء المهر للمدخول بها كملا و لغير المدخول بها على النصف على ما مر شرحه من غير مطالبة منهن و لا مخاصمة لأن ما يؤخذ بالمحاكمة لا يقال له نحلة و هو قول ابن عباس و قتادة و ابن جريج و اختاره الطبري و الجبائي و الرماني و الزجاج و قيل هم الأولياء لأن الرجل منهم كان إذا تزوج أيمة أخذ صداقها دونها فنهاهم الله عن ذلك عن أبي صالح و هو المروي عن الباقر (عليه السلام) رواه أبو الجارود عنه و الأول أشبه بالظاهر « فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا » خطاب للأزواج معناه فإن طابت نفوسهن بهبة شيء من الصداق « فكلوه » أي كلوا الموهوب لكم « هنيئا مريئا » فالهنىء الطيب المساغ الذي لا ينقصه شيء و المريء المحمود العاقبة التام الهضم الذي لا يضر و لا يؤذي و في كتاب العياشي مرفوعا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه جاءه رجل فقال يا أمير المؤمنين إني يوجع بطني فقال أ لك زوجة فقال نعم قال استوهب منها شيئا طيبة به نفسها من مالها ثم اشتر به عسلا ثم اسكب عليه من ماء السماء ثم اشربه فإني سمعت الله تعالى يقول في كتابه و نزلنا من السماء ماء مباركا و قال يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس و قال « فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا » فإذا اجتمعت البركة و الشفاء و الهنيء المريء شفيت إن شاء الله قال ففعل ذلك فشفي و قد استدل بعض الناس على وجوب التزويج بقوله « فانكحوا » من حيث إن ظاهر الأمر يقتضي الوجوب و هذا خطأ لأنه يجوز العدول عن الظاهر بدليل و قد قام الدليل على أن التزويج غير واجب .

مجمع البيان ج : 3 ص : 13
وَ لا تُؤْتُوا السفَهَاءَ أَمْوَلَكُمُ الَّتى جَعَلَ اللَّهُ لَكمْ قِيَماً وَ ارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَ اكْسوهُمْ وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً(5)

القراءة

قرأ نافع و ابن عامر قيما بغير ألف و الباقون « قياما » بالألف .

الحجة

قال أبو الحسن في قيام ثلاث لغات قيام و قيم و قوام و هو الذي يقيمك قال لبيد :
أ قتلك أم وحشية مسبوعة
خذلت و هادية الصوار قوامها قال أبو علي ليس قول من قال إن القيم جمع قيمة بشيء إنما القيم بمعنى القيام و هو مصدر يدل عليه قوله دينا قيما فالقيمة التي هي معادلة الشيء و مقاومته لا مذهب له هاهنا إنما المعنى دينا دائما ثابتا لا ينسخ كما نسخت الشرائع التي قبله فيكون مصدر وصف الدين به و لا وجه للجمع هاهنا و لا للصفة لقلة مجيء هذا البناء في الصفة أ لا ترى أنه إنما جاء في قولهم قوم عدى و مكان سوى و فعل في المصادر كالشبع و الرضا و نحوهما أوسع في الوصف فإذا كان كذلك حمل على الأكثر .

المعنى

لما أمر تعالى فيما تقدم بدفع مال الأيتام إليهم عقبه بذكر من لا يجوز الدفع إليه منهم و قال « و لا تؤتوا السفهاء » أي لا تعطوا السفهاء « أموالكم » اختلف في المعني بالسفهاء على أقوال ( أحدها ) أنهم النساء و الصبيان عن ابن عباس و سعيد بن جبير و الحسن و الضحاك و أبي مالك و قتادة و رواه أبو الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) قال ابن عباس إذا علم الرجل أن امرأته سفيهة مفسدة للمال و علم أن ولده سفيه يفسد المال لم ينبغ له أن يسلطهما على ماله ( و ثانيها ) أن المراد به النساء خاصة عن مجاهد و ابن عمر و روي عن أنس ابن مالك قال جاءت امرأة سوداء جرية المنطق ذات ملح إلى رسول الله فقالت بأبي أنت و أمي يا رسول الله قل فينا خيرا مرة واحدة فإنه بلغني أنك تقول فينا كل شر قال أي شيء قلت لكن قالت سميتنا السفهاء قال الله سماكن السفهاء في كتابه قالت و سميتنا النواقص فقال و كفى نقصانا أن تدعن من كل شهر خمسة أيام لا تصلين فيها ثم قال أ ما يكفي إحداكن أنها
مجمع البيان ج : 3 ص : 14
إذا حملت كان لها كأجر المرابط في سبيل الله فإذا وضعت كانت كالمتشحط بدمه في سبيل الله فإذا أرضعت كان لها بكل جرعة كعتق رقبة من ولد إسماعيل فإذا سهرت كان لها بكل سهرة تسهرها كعتق رقبة من ولد إسماعيل و ذلك للمؤمنات الخاشعات الصابرات اللاتي لا يكفرن العشير ( لا يكلفن العسير نسخة ) قال قالت السوداء يا له فضلا لو لا ما يتبعه من الشرط ( و ثالثها ) أنها عام في كل سفيه من صبي أو مجنون أو محجور عليه للتبذير و قريب منه ما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال إن السفيه شارب الخمر و من جرى مجراه و هذا القول أولى لعمومه و قوله « التي جعل الله لكم قياما » أي أموالكم التي جعلها الله قواما لمعاشكم و معادكم تقيمكم فتقومون بها قياما و قيل معناه ما تعطي ولدك السفيه من مالك الذي جعله الله قواما لعيشك فيفسده عليك و تضطر إليه فيصير ربا عليك ينفق مالك عليك « و ارزقوهم فيها و اكسوهم » اختلف في معناه فقيل يريد لا تؤتوهم أموالكم التي تملكونها و لكن ارزقوهم منها إن كانوا ممن يلزمكم نفقته و اكسوهم الآية عن ابن عباس و الحسن و قتادة و مجاهد و قيل يريد لا تعط امرأتك و ولدك مالك فيكونوا هم الذين ينفقون عليك و أطعمهم من مالك و اكسهم عن السدي و ابن زيد و هذا أمر بإحراز المال و حسن سياسته كقوله و لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل و يلتفت إليه قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) نعم المال الصالح للرجل الصالح و قيل عنى بقوله أموالكم أموالهم كما قال و لا تقتلوا أنفسكم أي لا تؤتوا اليتامى أموالهم و ارزقوهم منها و اكسوهم عن سعيد بن جبير و الأولى حمل الآية على العموم فلا يجوز أن تعطي المال السفيه الذي يفسده و لا اليتيم الذي لا يبلغ و لا الذي بلغ و لم يؤنس منه الرشد و إنما تكون إضافة مال اليتيم إلى من له القيام بأمرهم ضربا من المجاز أو يكون التقدير لا تؤتوا السفهاء أموالكم التي بعضها لكم و بعضها لهم فيضيعوها و قد روي أنه سئل الصادق (عليه السلام) عن هذا فقيل كيف يكون أموالهم أموالنا فقال إذا كنت أنت الوارث له « و قولوا لهم قولا معروفا » أي تلطفوا لهم في القول و لا تخاشنوهم و قولوا لهم ما ينبههم على الرشد و الصلاح في أمور المعاش و المعاد حتى إذا بلغوا كانوا على بصيرة من ذلك و في هذه الآية دلالة على جواز الحجر على اليتيم إذا بلغ و لم يؤنس منه الرشد لأن الله منع من دفع المال إلى السفهاء و فيها أيضا دلالة على وجوب الوصية إذا كانت الورثة سفهاء لأن ترك الوصية و الحال هذه بمنزلة إعطاء المال أهل السفه و إنما سمي الناقص العقل سفيها لأن السفه خفة الحلم و لذلك سمي الفاسق أيضا سفيها لأنه لا وزن له عند أهل الدين .

مجمع البيان ج : 3 ص : 15
وَ ابْتَلُوا الْيَتَمَى حَتى إِذَا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ ءَانَستُم مِّنهُمْ رُشداً فَادْفَعُوا إِلَيهِمْ أَمْوَلَهُمْ وَ لا تَأْكلُوهَا إِسرَافاً وَ بِدَاراً أَن يَكْبرُوا وَ مَن كانَ غَنِيًّا فَلْيَستَعْفِف وَ مَن كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيهِمْ أَمْوَلَهُمْ فَأَشهِدُوا عَلَيهِمْ وَ كَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً(6)

اللغة

الإيناس الإبصار من قوله آنس من جانب الطور نارا أخذ من إنسان العين و هو حدقتها التي تبصر بها و أنست به أنسا ألفته و في قراءة عبد الله أحستم أي أحسستم بمعنى وجدتم فحذف إحدى السينين نحو قوله « فظلتم تفكهون » و أصل الإسراف تجاوز الحد المباح إلى ما لم يبح و ربما كان ذلك في الإفراط و ربما كان في التقصير غير أنه إذا كان في الإفراط يقال منه أسرف يسرف إسرافا و إذا كان في التقصير يقال سرف يسرف سرفا و يقال مررت بكم فسرفتكم يراد به سهوت عنكم و أخطأتكم قال الشاعر :
أعطوا هنيدة تحذوها ثمانية
ما في عطائهم من و لا سرف يريد أنهم يصيبون مواضع الإعطاء فلا يخطئونها و البدار المبادرة و أصل ذلك الامتلاء و منه البدر القمر لامتلائه نورا و البدرة لامتلائها بالمال و البيدر لامتلائه بالطعام و عين حدرة بدرة مكتنزة و الحسيب الكافي من قولهم أحسبني الشيء إذا كفاني و الحسيب من الرجال المرتفع النسب و قيل الحسيب بمعنى المحاسب .

الإعراب

« إسرافا » مصدر وضع موضع الحال و كذلك قوله « بدارا » و موضع « أن يكبروا » نصب بالمبادرة أي لا تأكلوا مسرفين و مبادرين كبرهم و قوله « بالمعروف » الجار و المجرور في موضع نصب على الحال و « كفى بالله » الباء مزيدة و الجار و المجرور هنا في موضع رفع بأنه فاعل كفى و « حسيبا » منصوب على الحال أو التمييز و التقدير كفى الله في حال الحساب .

المعنى

لما أمر الله بإيتاء الأيتام أموالهم و منع من دفع المال إلى السفهاء بين هنا
مجمع البيان ج : 3 ص : 16
الحد الفاصل بين ما يحل من ذلك للولي و ما لا يحل فقال « و ابتلوا اليتامى » هذا خطاب لأولياء اليتامى أمرهم الله أن يختبروا عقول اليتامى في أفهامهم و صلاحهم في أديانهم و إصلاحهم في أموالهم و هو قول قتادة و الحسن و السدي و مجاهد و ابن عباس « حتى إذا بلغوا النكاح » معناه حتى يبلغوا الحد الذي يقدرون معه على المواقعة و ينزلون و ليس المراد بالبلوغ الاحتلام لأن في الناس من لا يحتلم أو يتأخر احتلامه و هو قول أكثر المفسرين فمنهم من قال إذا كمل عقله و أونس منه الرشد سلم إليه ماله و هو الأولى و منهم من قال لا يسلم إليه ماله و إن كان عاقلا حتى يبلغ خمس عشرة سنة قال أصحابنا حد البلوغ أما كمال خمس عشرة سنة أو بلوغ النكاح أو الإنبات و قوله « فإن آنستم منهم رشدا » معناه فإن وجدتم منهم رشدا أو عرفتموه و اختلف في معنى قوله « رشدا » فقيل عقلا و دينا و صلاحا عن قتادة و السدي و قيل صلاحا في الدين و إصلاحا في المال عن الحسن و ابن عباس و قيل عقلا عن مجاهد و الشعبي قالا لا يدفع إلى اليتيم ماله و إن أخذ بلحيته و إن كان شيخا حتى يؤنس منه رشد العقل و الأقوى أن يحمل على أن المراد به العقل و إصلاح المال على ما قاله ابن عباس و الحسن و هو المروي عن الباقر للإجماع على أن يكون كذلك لا يجوز عليه الحجر في ماله و إن كان فاجرا في دينه فكذلك إذا بلغ و هو بهذه الصفة وجب تسليم ماله إليه و فيه أيضا دلالة على جواز الحجر على العاقل إذا كان مفسدا لماله من حيث أنه إذا جاز أن يمنع المال عند البلوغ إذا كان مفسدا له فكذلك يجوز الحجر عليه إذا كان مفسدا له بعد البلوغ و هو المشهور في أخبارنا و قوله « فادفعوا إليهم أموالهم » خطاب لأولياء اليتيم و هو تعليق لجواز الدفع بالشرطين البلوغ و إيناس الرشد فلا يجوز الدفع قبلهما « و لا تأكلوها إسرافا » أي بغير ما أباحه الله لكم و قيل معناه لا تأكلوا من مال اليتيم فوق ما تحتاجون إليه فإن لولي اليتيم أن يتناول من ماله قدر القوت إذا كان محتاجا على وجه الأجرة على عمله في مال اليتيم و قيل أن كل شيء من مال اليتيم فهو الأكل على وجه الإسراف و الأول أليق بمذهبنا فقد روى محمد بن مسلم عن أحدهما قال سألته عن رجل بيده ماشية لابن أخ له يتيم في حجره أ يخلط أمرها بأمر ماشيته قال إن كان يليط حياضها و يقوم على مهنتها و يرد نادتها فليشرب من ألبانها غير منهك للحلبات و لا مضر بالولد و قوله « و بدارا أن يكبروا » أي و مبادرة لكبرهم معناه لا
مجمع البيان ج : 3 ص : 17
تبادروا بأكل مالهم كبرهم و رشدهم حذرا أن يبلغوا فيلزمكم تسليم المال إليهم « و من كان غنيا فليستعفف » أي من كان غنيا من الأولياء فليستعفف بماله عن أكل مال اليتيم و لا يأخذ لنفسه منه لا قليلا و لا كثيرا يقال استعف عن الشيء و عف عنه إذا امتنع منه و تركه « و من كان فقيرا فليأكل بالمعروف » و معناه من كان فقيرا فليأخذ من مال اليتيم قدر الحاجة و الكفاية على جهة القرض ثم يرد عليه ما أخذ منه إذا وجد عن سعيد بن جبير و مجاهد و أبي العالية و الزهري و عبيدة السلماني و هو مروي عن الباقر (عليه السلام) و قيل معناه يأخذ قدر ما يسد به جوعته و يستر عورته لا على جهة القرض عن عطاء بن أبي رباح و قتادة و جماعة و لم يوجبوا أجرة المثل لأن أجرة المثل ربما كانت أكثر من قدر الحاجة و الظاهر في روايات أصحابنا له أجرة المثل سواء كان قدر كفايته أو لم يكن و سئل ابن عباس عن ولي يتيم له إبل هل له أن يصيب من ألبانها فقال إن كنت تلوط حوضها و تهنأ جرباها أصبت من رسلها غير مضر بنسل و لا ناهك في الحلب و الرسل اللبن و النهك المبالغة في الحلب « فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم » و هذا خطاب أيضا لأولياء اليتيم أي إذا دفعتم إلى اليتامى أموالهم بعد البلوغ فاحتاطوا لأنفسكم بالإشهاد عليهم كي لا يقع منهم جحود و تكونوا أبعد من التهمة فانظر إلى حسن نظر الله لليتامى و للأوصياء و كمال لطفه بهم و رحمته لهم و إنعامه عليهم و كذلك نظره و لطفه بجميع عباده في أمور معاشهم و معادهم « و كفى بالله حسيبا » أي شاهدا على دفع المال إليهم و كفى بعلمه وثيقة و قيل محاسبا فاحذروا محاسبته في الآخرة كما تحذرون محاسبة اليتيم بعد البلوغ .
لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَك الْوَلِدَانِ وَ الأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَك الْوَلِدَانِ وَ الأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً(7)

اللغة

الفرق بين الفرض و الوجوب أن الفرض يقتضي فارضا و ليس كذلك الوجوب لأنه قد يجب الشيء في نفسه من غير إيجاب موجب و لذلك صح وجوب الثواب و العوض عليه تعالى و لم يجز أن يقال لذلك فرض و مفروض و أصل الفرض الثبوت فالفرض الحز في سية القوس حيث يثبت الوتر و الفرض ما أثبته على نفسك من هبة أو صلة و الفرض ما أعطيت
مجمع البيان ج : 3 ص : 18
من غير قرض لثبوت تمليكه و أصل الوجوب الوقوع يقال وجب الحائط وجوبا إذا وقع و سمعت وجبة أي وقعة كالهدة و وجب الحق وجوبا إذا وقع سببه و وجب القلب وجيبا إذا خفق من فزع وقعة .

الإعراب


« نصيبا مفروضا » نصب على الحال لأن المعنى فرض للرجال نصيب ثم قال « نصيبا مفروضا » حالا مؤكدا و قيل هو اسم في موضع المصدر كقولك قسما واجبا و فرضا لازما و لو كان اسما لا شائبة للمصدرية فيه لم يجز نحو قولك عندي حق درهما و يجوز لك عندي درهم هبة مقبوضة .

النزول


قيل كانت العرب في الجاهلية يورثون الذكور دون الإناث فنزلت الآية ردا لقولهم عن قتادة و ابن جريج و ابن زيد و قيل كانوا لا يورثون إلا من طاعن بالرماح و ذاد عن الحريم و المال فقال تعالى مبينا حكم أموال الناس بعد موتهم بعد أن بين حكمها في حال حياتهم .

المعنى


« للرجال نصيب » أي حظ و سهم « مما ترك الوالدان و الأقربون » أي من تركة الوالدين و الأقربين « و للنساء نصيب مما ترك الوالدان و الأقربون » أي و للنساء من قرابة الميت حصة و سهم من تركته « مما قل منه أو كثر » أي من قليل التركة و كثيرها « نصيبا مفروضا » أي حظا فرض الله تسليمه إلى مستوجبيه و مستحقيه لا محالة و هذه الآية تدل على بطلان القول بالعصبة لأن الله تعالى فرض الميراث للرجال و للنساء فلو جاز منع النساء من الميراث في موضع لجاز أن يجري الرجال مجراهن في المنع من الميراث و تدل أيضا على أن ذوي الأرحام يرثون لأنهم من جملة النساء و الرجال الذين مات عنهم الأقربون على ما ذهبنا إليه و هو مذهب أبي حنيفة أيضا و يدخل في عموم اللفظ أيضا الأنبياء و غير الأنبياء فدل على أن الأنبياء يورثون كغيرهم على ما ذهبت إليه الفرقة المحقة .
وَ إِذَا حَضرَ الْقِسمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَ الْيَتَمَى وَ الْمَسكينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً(8)

مجمع البيان ج : 3 ص : 19

المعنى


لما بين سبحانه فيما تقدم حال من يرث بين هنا حال من لا يرث و اختلف الناس في هذه الآية على قولين ( أحدهما ) أنها محكمة غير منسوخة عن ابن عباس و سعيد بن جبير و الحسن و إبراهيم و مجاهد و الشعبي و الزهري و السدي و هو المروي عن الباقر و اختاره البلخي و الجبائي و الزجاج و أكثر المفسرين و الفقهاء ( و الآخر ) أنها منسوخة بأي المواريث عن سعيد بن المسيب و أبي مالك و الضحاك و اختلف من قال أنها محكمة على قولين ( أحدهما ) أن الأمر فيها على الوجوب و اللزوم عن مجاهد و قال هو ما طابت به نفس الورثة و قال الآخرون أن الأمر فيها على الندب و قوله « و إذا حضر القسمة » معناه إذا شهد قسمة الميراث « أولوا القربى » أي فقراء قرابة الميت « و اليتامى و المساكين » أي و يتاماهم و مساكينهم يرجون أن تعودوا عليهم « فارزقوهم منه » أي أعطوهم من التركة قبل القسمة شيئا و اختلف في المخاطبين بقوله « فارزقوهم » على قولين ( أحدهما ) أن المخاطب بذلك الورثة أمروا بأن يرزقوا المذكورين إذا كانوا لا سهم لهم في الميراث عن ابن عباس و ابن الزبير و الحسن و سعيد بن جبير و أكثر المفسرين و الآخر أن المخاطب بذلك من حضرته الوفاة و أراد الوصية فقد أمر بأن يوصي لمن لا يرثه من المذكورين بشيء من ماله عن ابن عباس و سعيد بن المسيب و اختاره الطبري « و قولوا لهم قولا معروفا » أي حسنا غير خشن و اختلف فيه أيضا فقال سعيد بن جبير أمر الله الولي أن يقول للذي لا يرث من المذكورين قولا معروفا إذا كانت الورثة صغارا يقول إن هذا ليتامى صغار و ليس لكم فيه حق و لسنا نملك أن نعطيكم منه و قيل المأمور بذلك الرجل الذي يوصي في ماله و القول المعروف أن يدعو لهم بالرزق و الغنى و ما أشبه ذلك و قيل الآية في الوصية على أن يوصوا للقرابة و يقولوا لغيرهم قولا معروفا عن ابن عباس و سعيد بن المسيب و قد دلت الآية على أن الإنسان قد يرزق غيره على معنى التمليك فهو حجة على المجبرة .
وَ لْيَخْش الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَفاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَ لْيَقُولُوا قَوْلاً سدِيداً(9) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكلُونَ أَمْوَلَ الْيَتَمَى ظلْماً إِنَّمَا يَأْكلُونَ فى بُطونِهِمْ نَاراً وَ سيَصلَوْنَ سعِيراً(10)

مجمع البيان ج : 3 ص : 20

القراءة


قرأ ابن عامر و أبو بكر عن عاصم سيصلون بضم الياء و الباقون بفتحها .

الحجة


قال أبو علي حجة من فتح الياء قوله اصلوها فاصبروا و جهنم يصلونها و إلا من هو صال الجحيم و حجة من ضم الياء أنه من أصلاه الله النار كقوله فسوف نصليه نارا .

اللغة


ضعاف جمع ضعيف و ضعيفة و السديد السليم من خلل الفساد و أصله من سد الخلل تقول سددته أسده سدا و السداد الصواب و فيهم سداد من عوز بالكسر و سدد السهم إذا قومه و السد الردم و صلي الرجل النار يصليها صلي و صلاء و صليا أي لزمها و أصلاه الله إصلاء و هو صال النار من قوم صلي و صالين و يقال صلي الأمر إذا قاسى حره و شدته قال العجاج :
و صاليات للصلي صلي ) و قال الفرزدق :
و قاتل كلب الحي عن نار أهله
ليربض فيها و الصلا متكنف و شاة مصلية أي مشوية و سعير بمعنى مسعورة مثل كف خضيب و السعر اشتعال النار و استعرت النار في الحطب و منه سعر السوق لاستعارها به في النفاق .

الإعراب


« ظلما » نصبه على المصدر لأن معنى قوله « يأكلون أموال اليتامى » يظلمونهم و يجوز أن يكون في موضع الحال كقولهم جاءني فلان ركضا أي يركض .

المعنى


لما أمر الله تعالى بالقول المعروف و نهاهم عن خلافه أمر بالأقوال السديدة و الأفعال الحميدة فقال « و ليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا » فيه أقوال ( أحدها ) أنه كان الرجل إذا حضرته الوفاة قعد عنده أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقالوا أنظر لنفسك فإن ولدك لا يغنون عنك من الله شيئا فيقدم جل ماله فقال و ليخش الذين لو تركوا من بعدهم أولادا صغارا « خافوا عليهم » الفقر و هذا نهي عن الوصية بما يجحف بالورثة و أمر لمن حضر الميت عند الوصية أن يأمره بأن يبقي لورثته و لا يزيد وصيته على الثلث كما أن هذا القائل لو كان هو الموصي لأحب أن يحثه من حضره على حفظ ماله لورثته و لا يدعهم عالة أي كما تحبون ورثتكم فأحبوا ورثة غيركم و هذا معنى قول ابن عباس و سعيد بن جبير
مجمع البيان ج : 3 ص : 21

و الحسن و قتادة و مجاهد و الضحاك ( و ثانيها ) إن الأمر في الآية لولي مال اليتيم يأمره بأداء الأمانة فيه و القيام بحفظه كما لو خاف على مخلفيه إذا كانوا ضعافا و أحب أن يفعل بهم عن ابن عباس أيضا فيكون معناه من كان في حجره يتيم فليفعل به ما يحب أن يفعل بذريته من بعده و إلى هذا المعنى يؤول ما روي عن موسى بن جعفر قال أن الله أوعد في مال اليتيم عقوبتين ثنتين أما ( إحداهما ) فعقوبة الدنيا قوله « و ليخش الذين لو تركوا » الآية قال يعني بذلك ليخش أن أخلفه في ذريته كما صنع بهؤلاء اليتامى ( و ثالثها ) أنها وردت في حرمان ذوي القربى أن يوصي لهم بأن يقول الحاضر لا توص لأقاربك و وفر على ورثتك و قوله « خافوا عليهم » معناه خافوا من جفاء يلحقهم أو ظلم يصيبهم أو غضاضة أو ضعة « فليتقوا الله » أي فليتق كل واحد من هؤلاء في يتامى غيره أن يجفوهم و يظلمهم و ليعاملهم بما يحب أن يعامل به يتاماه بعد موته و قيل فليتقوا الله في الإضرار بالمؤمنين « و ليقولوا قولا سديدا » أي مصيبا عدلا موافقا للشرع و الحق و قيل أنه يريد قولا لا خلل فيه و قيل معناه فليخاطبوا اليتامى بخطاب حسن و قول جميل و في معنى الآية ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال من سره أن يزحزح عن النار و يدخل الجنة فليأته منيته و هو يشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و يحب أن يأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه و نهى رسول الله أن يوصي بأكثر من الثلث و قال و الثلث كثير و قال لسعد لأن تدع ورثتك أغنياء أحب إلي من أن تدعهم عالة يتكففون الناس ثم أوعد الله آكلي مال اليتيم نار جهنم و قال « إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما » أي ينتفعون بأموال اليتامى و يأخذونها ظلما بغير حق و لم يرد به قصر الحكم على الأكل الذي هو عبارة عن المضغ و الابتلاع و فائدة تخصيص الأكل بالذكر أنه معظم منافع المال المقصودة فذكره الله تنبيها على ما في معناه من وجوه الانتفاع و كذلك معنى قوله و لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل و لا تأكلوا الربوا و إنما علق الوعيد بكونه ظلما لأنه قد يأكله الإنسان على وجه الاستحقاق بأن يأخذ منه أجرة المثل أو يأكل منه بالمعروف أو يأخذه قرضا على نفسه على ما تقدم القول في ذلك فلا يكون ظلما فإن قيل إذا أخذه قرضا أو أجرة المثل فإنما أكل مال نفسه و لم يأكل مال اليتيم فجوابه لا بل يكون آكلا مال اليتيم لكن لا على وجه يكون ظلما بأن ألزم عوضه على نفسه أو استحقه بالعمل و لو سلمنا ذلك لجاز أن يكون إنما ذكر كونه ظلما لضرب من التأكيد و البيان لأن أكل مال اليتيم لا يكون إلا ظلما و سئل الرضا كم أدنى ما يدخل به آكل مال اليتيم تحت الوعيد في هذه الآية فقال قليله و كثيره واحد إذا كان من نيته أن لا يرده إليهم و قوله « إنما يأكلون في بطونهم نارا » قيل فيه وجهان
مجمع البيان ج : 3 ص : 22

( أحدهما ) إن النار ستلتهب من أفواههم و أسماعهم و آنافهم يوم القيامة ليعلم أهل الموقف أنهم آكلة أموال اليتامى عن السدي و روي عن الباقر أنه قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يبعث ناس من قبورهم يوم القيامة تأجج أفواههم نارا فقيل له يا رسول الله من هؤلاء فقرأ هذه الآية ( و الآخر ) أنه ذكر ذلك على وجه المثل من حيث أن من فعل ذلك يصير إلى جهنم فتمتلىء بالنار أجوافهم عقابا على أكلهم مال اليتيم كما قال الشاعر :
و إن الذي أصبحتم تحلبونه
دم غير أن اللون ليس بأحمرا يصف أقواما أخذوا الإبل في الدية يقول إنما تحلبون دم القتيل منها لا الألبان « و سيصلون سعيرا » أي سيلزمون النار المسعرة للإحراق و إنما ذكر البطون تأكيدا كما يقال نظرت بعيني و قلت بلساني و أخذت بيدي و مشيت برجلي و روى الحلبي عن الصادق (عليه السلام) قال إن في كتاب علي بن أبي طالب أن من أكل مال اليتيم ظلما سيدركه وبال ذلك في عقبه من بعده و يلحقه وبال ذلك في الآخرة أما في الدنيا فإن الله يقول « و ليخش الذين لو تركوا » الآية و أما في الآخرة فإن الله يقول « إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما » الآية .
يُوصِيكمُ اللَّهُ فى أَوْلَدِكمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظ الأُنثَيَينِ فَإِن كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَينِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَك وَ إِن كانَت وَحِدَةً فَلَهَا النِّصف وَ لأَبَوَيْهِ لِكلِّ وَحِد مِّنهُمَا السدُس مِمَّا تَرَك إِن كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُث فَإِن كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السدُس مِن بَعْدِ وَصِيَّة يُوصى بهَا أَوْ دَيْن ءَابَاؤُكُمْ وَ أَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَب لَكمْ نَفْعاً فَرِيضةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً(11)

مجمع البيان ج : 3 ص : 23

القراءة


قرأ أهل المدينة و إن كانت واحدة بالرفع و الباقون بالنصب و قرأ حمزة و الكسائي فلأمه و في إمها و نحوه بكسر الهمزة و الميم و حمزة بطون إمهاتكم و بيوت إمهاتكم بكسرهما و الكسائي بكسر الهمزة و فتح الميم و الباقون بضم الهمزة في الجميع و قرأ ابن عامر و ابن كثير و أبو بكر عن عاصم يوصى بفتح الصاد في الموضعين و قرأ حفص الأولى بكسر الصاد و الثانية بالفتح و الباقون بكسرهما .

الحجة


الاختيار في « واحدة » النصب لأن التي قبلها لها خبر منصوب و هو قوله « فإن كن نساء » أي و إن كانت الورثة واحدة و وجه الرفع إن وقعت واحدة أوجدت واحدة أي إن حدث حكم واحدة لأن المراد حكمها لا ذاتها و وجه قراءة حمزة و الكسائي فلإمه بكسر الهمزة إن الهمزة حرف مستثقل بدلالة تخفيفهم لها فأتبعوها ما قبلها من الكسرة و الياء ليكون العمل فيها من وجه واحد و يقوي ذلك أنها تقارب الهاء و قد فعلوا ذلك بالهاء في نحو عليه و به و من قرأ « يوصي » فلأن ذكر الميت قد تقدم في قوله « فإن كان له إخوة فلأمه السدس » و من قرأ يوصى فإنما يحسنه أنه ليس بميت معين إنما هو شائع في الجميع فهو في المعنى يؤول إلى « يوصي » .

الإعراب


« للذكر مثل حظ الأنثيين » جملة من مبتدإ و خبر تفسير لقوله « يوصيكم الله » و إنما لم يقل للذكر مثل حظ الأنثيين بنصب لام مثل فيعدي قوله « يوصيكم » إليه لأنه في تقرير القول في حكاية الجملة بعده فكأنه قال قال الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين و قوله الثلث و السدس و الربع و نحوها يجوز فيها التخفيف لثقل الضم فيقال ثلث و سدس و ربع و ثمن قال الزجاج و من زعم أن الأصل التخفيف فيها فثقل فخطا لأن الكلام موضوع على الإيجاز لا على التثقيل و إنما قيل للأب و الأم أبوان تغليبا للفظ الأب و لا يلزم أن يقال في ابن و ابنة ابنان لأنه يوهم فإن لم يوهم جاز ذلك ذكره الزجاج و « فريضة » منصوب على التأكيد و الحال من قوله « لأبويه » و لهؤلاء الورثة ما ذكرنا مفروضا ففريضة مؤكدة لقوله « يوصيكم الله » و يجوز أن يكون نصبا على المصدر من « يوصيكم الله » لأن معناه يفرض عليكم فريضة .

النزول


روى محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أنه قال مرضت فعادني رسول الله و أبو بكر و هما يمشيان فأغمي علي فدعا بماء فتوضأ ثم صبه علي فأفقت فقلت يا رسول الله كيف أصنع في مالي فسكت رسول الله فنزلت آية المواريث في و قيل نزلت في
مجمع البيان ج : 3 ص : 24

عبد الرحمن أخي حسان الشاعر و ذلك أنه مات و ترك امرأة و خمسة إخوان فجاءت الورثة فأخذوا ماله و لم يعطوا امرأته شيئا فشكت ذلك إلى رسول الله فأنزل الله آية المواريث عن السدي و قيل كانت المواريث للأولاد و كانت الوصية للوالدين و الأقربين فنسخ الله ذلك و أنزل آية المواريث فقال رسول الله إن الله لم يرض بملك مقرب و لا نبي مرسل حتى تولى قسم التركات و أعطى كل ذي حق حقه عن ابن عباس .

المعنى


ثم بين تعالى ما أجمله فيما قبل من قوله للرجال نصيب مما ترك الوالدان و الأقربون الآية بما فصله في هذه الآية فقال « يوصيكم الله » أي يأمركم و يفرض عليكم لأن الوصية منه تعالى أمر و فرض يدل على ذلك قوله و لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به و هذا من الفرض المحكم علينا « في أولادكم » أي في ميراث أولادكم أو في توريث أولادكم و قيل في أمور أولادكم إذا متم ثم بين ما أوصي به فقال « للذكر مثل حظ الأنثيين » أي للابن من الميراث مثل نصيب البنتين ثم ذكر نصيب الإناث من الأولاد فقال « فإن كن نساء فوق اثنتين » أي فإن كانت المتروكات أو الأولاد نساء فوق اثنتين « فلهن ثلثا ما ترك » من الميراث ظاهر هذا الكلام يقتضي أن البنتين لا يستحقان الثلثين لكن الأمة أجمعت على أن حكم البنتين حكم من زاد عليهما من البنات و ذكر في الظاهر وجوه ( أحدها ) إن في الآية بيان حكم البنتين فما فوقهما لأن معناه فإن كن اثنتين فما فوقهما فلهن ثلثا ما ترك إلا أنه قدم ذكر الفوق على الاثنتين كما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال لا تسافر المرأة سفرا فوق ثلاثة أيام إلا و معها زوجها أو ذو محرم لها و معناه لا تسافر سفرا ثلاثة أيام فما فوقها ( و ثانيها ) ما قاله أبو العباس المبرد إن في الآية دليلا على أن للبنتين الثلثين لأنه إذا قال « للذكر مثل حظ الأنثيين » و كان أول العدد ذكرا و أنثى و للذكر الثلثان و للأنثى الثلث علم من ذلك أن للبنتين الثلثين ثم أعلم الله بأن ما فوق البنتين لهن الثلثان ( و ثالثها ) أن البنتين أعطيتا الثلثين بدليل لا يفرض لهما مسمى و الدليل قوله تعالى و يستفتونك في النساء قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد و له أخت فلها نصف ما ترك فقد صار للأخت النصف كما أن للبنت النصف فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان و أعطيت الابنتان الثلثين كما أعطيت الأختان الثلثين و أعطيت جملة الأخوات الثلثين كما أعطيت البنات الثلثين و يدل عليه أيضا الإجماع على أن حكم البنتين حكم البنات في استحقاق الثلثين إلا ما روي عن ابن عباس إن للبنتين النصف و إن الثلثين فرض الثلث من
 

 
<<        الفهرس        >>