جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير الميزان ـ ج2 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


كان فرض لها شيئا و إن لم يكن فرض لها فليمتعها على نحو ما يمتع مثلها من النساء.

أقول: و فيه تفسير المتاع بالمعروف.



و في الكافي، و التهذيب، و تفسير العياشي، و غيرها عن الباقر و الصادق (عليهما السلام): في قوله تعالى: الذي بيده عقدة النكاح، قالا: هو الولي.

أقول: و الروايات فيه كثيرة، و قد ورد في بعض الروايات من طرق أهل السنة و الجماعة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و علي (عليه السلام): أن الذي بيده عقدة النكاح الزوج.

في الكافي، و الفقيه، و تفسير العياشي، و القمي،: في قوله تعالى: حافظوا على الصلوات و الصلوة الوسطى الآية بطرق كثيرة عن الباقر و الصادق (عليهما السلام): أن الصلاة الوسطى هي الظهر.

أقول: هذا هو المأثور عن أئمة أهل البيت في الروايات المروية عنهم لسانا واحدا.

نعم في بعضها أنها الجمعة إلا أن المستفاد منها أنهم أخذوا الظهر و الجمعة نوعا واحدا لا نوعين اثنين كما رواه في الكافي، و تفسير العياشي، عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) و اللفظ لما في الكافي: قال الله تعالى: حافظوا على الصلوات و الصلوة الوسطى، و هي صلاة الظهر أول صلاة صلاها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، و هي وسط النهار، و وسط صلاتين بالنهار صلاة الغداة و صلاة العصر، قال: و نزلت هذه الآية و رسول الله في سفره فقنت فيها رسول الله و تركها على حالها في السفر و الحضر و أضاف للمقيم ركعتين، و إنما وضعت الركعتان اللتان أضافهما النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الجمعة للمقيم لمكان الخطبتين مع الإمام فمن صلى يوم الجمعة في غير جماعة فليصلها أربع ركعات كصلاة الظهر في سائر الأيام، الحديث، و الرواية كما ترى تعد الظهر و الجمعة صلاة واحدة و تحكم بأنها هي الصلاة الوسطى و لكن معظم الروايات مقطوعة، و ما كان منها مسندا فمتنه لا يخلو عن تشويش كرواية الكافي، و هي مع ذلك غير واضحة الانطباق على الآية، و الله العالم.

و في الدر المنثور،: أخرج أحمد و ابن المنيع و النسائي و ابن جرير و الشاشي و الضياء من طريق الزبرقان: أن رهطا من قريش مر بهم زيد بن ثابت و هم مجتمعون فأرسلوا إليه غلامين لهم يسألانه عن الصلاة الوسطى فقال: هي الظهر، ثم انصرفا إلى أسامة بن زيد فسألاه فقال: هي الظهر، إن رسول الله كان يصلي الظهر بالهجير فلا يكون وراءه إلا الصف و الصفان، و الناس في قائلتهم و تجارتهم فأنزل الله: حافظوا على الصلوات و الصلاة الوسطى و قوموا لله قانتين، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لينتهين رجال أو لأحرقن بيوتهن.

أقول: و روي هذا السبب عن زيد بن ثابت و غيره بطرق أخرى.

و اعلم: أن الأقوال في تفسير الصلاة الوسطى مختلفة معظمها ناش من اختلاف روايات القوم: فقيل إنها صلاة الصبح و رووه عن علي (عليه السلام) و بعض الصحابة، و قيل: إنها صلاة الظهر و رووه عن النبي و عدة من الصحابة، و قيل: إنها صلاة العصر و رووه عن النبي و عدة من الصحابة، و قد روى السيوطي في الدر المنثور، فيه بضعا و خمسين رواية، و قيل: إنها صلاة المغرب، و قيل إنها مخفية بين الصلوات كليلة القدر بين الليالي، و روي فيهما روايات عن الصحابة، و قيل: إنها صلاة العشاء و قيل: إنها الجمعة.

و في المجمع،: في قوله تعالى: و قوموا لله قانتين، قال: هو الدعاء في الصلاة حال القيام،: و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام).

أقول: و روي ذلك عن بعض الصحابة.

و في تفسير العياشي، عن الصادق (عليه السلام): في الآية: إقبال الرجل على صلاته و محافظته على وقتها حتى لا يلهيه عنها و لا يشغله شيء.

أقول: و لا منافاة بين الروايتين و هو ظاهر.



في الكافي، عن الصادق: في قوله تعالى: فإن خفتم فرجالا أو ركبانا الآية، إذا خاف من سبع أو لص يكبر و يومىء إيماء.

و في الفقيه، عنه (عليه السلام): في صلاة الزحف، قال: تكبير و تهليل ثم تلا الآية.

و فيه، عنه (عليه السلام): إن كنت في أرض مخوفة فخشيت لصا أو سبعا فصل الفريضة و أنت على دابتك.

و فيه، عن الباقر (عليه السلام): الذي يخاف اللصوص يصلي إيماء على دابته.

أقول: و الروايات في هذه المعاني كثيرة.

و في تفسير العياشي، عن أبي بصير قال: سألته عن قول الله: و الذين يتوفون منكم و يذرون أزواجا - وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج، قال (عليه السلام): هي منسوخة، قلت: و كيف كانت؟ قال: كان الرجل إذا مات أنفق على امرأته من صلب المال حولا ثم أخرجت بلا ميراث ثم نسختها آية الربع و الثمن، فالمرأة ينفق عليها من نصيبها.

و فيه، عن معاوية بن عمار قال: سألته عن قول الله: و الذين يتوفون "إلخ"، قال: منسوخة نسختها آية يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر و عشرا، و نسختها آية الميراث.

و في الكافي، و تفسير العياشي،: سئل الصادق (عليه السلام) عن الرجل يطلق امرأته يمتعها؟ قال: نعم، أ ما يحب أن يكون من المحسنين أ ما يحب أن يكون من المتقين؟

بحث علمي

من المعلوم أن الإسلام - و الذي شرعه هو الله عز اسمه - لم يبن شرائعه على أصل التجارب كما بنيت عليه سائر القوانين لكنا في قضاء العقل في شرائعه ربما احتجنا إلى التأمل في الأحكام و القوانين و الرسوم الدائرة بين الأمم الحاضرة و القرون الخالية، ثم البحث عن السعادة الإنسانية و تطبيق النتيجة على المحصل من مذاهبهم و مسالكهم حتى نزن به مكانته و مكانتها، و نميز به روحه الحية الشاعرة من أرواحها، و هذا هو الموجب للرجوع إلى تواريخ الملل و سيرها، و استحضار ما عند الموجودين منهم من الخصائل و المذاهب في الحياة.

و لذلك فإنا نحتاج في البحث عما يراه الإسلام و يعتقده في.

1 - هوية المرأة و المقايسة بينها و بين هوية الرجل.

2 - وزنها في الاجتماع حتى يعلم مقدار تأثيرها في حياة العالم الإنساني.

3 - حقوقها و الأحكام التي شرعت لأجلها.

4 - الأساس الذي بنيت عليه الأحكام المربوطة بها.

إلى استحضار ما جرى عليه التاريخ في حياتها قبل طلوع الإسلام و ما كانت الأمم غير المسلمة يعاملها عليه حتى اليوم من المتمدنة و غيرها، و الاستقصاء في ذلك و إن كان خارجا عن طوق الكتاب، لكنا نذكر طرفا منه:

حياة المرأة في الأمم غير المتمدنة

كانت حياة النساء في الأمم و القبائل الوحشية كالأمم القاطنين بإفريقيا و أستراليا و الجزائر المسكونة بالأوقيانوسية و أمريكا القديمة و غيرها بالنسبة إلى حياة الرجال كحياة الحيوانات الأهلية من الأنعام و غيرها بالنسبة إلى حياة الإنسان.

فكما أن الإنسان لوجود قريحة الاستخدام فيه يرى لنفسه حقا أن يمتلك الأنعام و سائر الحيوانات الأهلية و يتصرف فيها كيفما شاء و في أي حاجة من حوائجه شاء، يستفيد من شعرها و وبرها و لحمها و عظمها و دمها و جلدها و حليبها و حفظها و حراستها و سفادها و نتاجها و نمائها، و في حمل الأثقال، و في الحرث، و في الصيد، إلى غير ذلك من الأغراض التي لا تحصى كثرة.

و ليس لهؤلاء العجم من الحيوانات من مبتغيات الحياة و آمال القلوب في المأكل و المشرب و المسكن و السفاد و الراحة إلا ما رضي به الإنسان الذي امتلكها و لن يرض إلا بما لا ينافي أغراضه في تسخيرها و له فيه نفع في الحياة، و ربما أدى ذلك إلى تهكمات عجيبة و مجازفات غريبة في نظر الحيوان المستخدم لو كان هو الناظر في أمر نفسه: فمن مظلوم من غير أي جرم كان أجرمه، و مستغيث و ليس له أي مغيث يغيثه، و من ظالم من غير مانع يمنعه، و من سعيد من غير استحقاق كفحل الضراب يعيش في أنعم عيش و ألذه عنده، و من شقي من غير استحقاق كحمار الحمل و فرس الطاحونة.

و ليس لها من حقوق الحياة إلا ما رآه الإنسان المالك لها حقا لنفسه فمن تعدى إليها لا يؤاخذ إلا لأنه تعدى إلى مالكها في ملكه، لا إلى الحيوان في نفسه، كل ذلك لأن الإنسان يرى وجودها تبعا لوجود نفسه و حياتها فرعا لحياته و مكانتها مكانة الطفيلي.

كذلك كانت حياة النساء عند الرجال في هذه الأمم و القبائل حياة تبعية، و كانت النساء مخلوقة عندهم "لأجل الرجال" بقول مطلق: كانت النساء تابعة الوجود و الحياة لهم من غير استقلال في حياة، و لا في حق فكان آباؤهن ما لم ينكحن، و بعولتهن بعد النكاح أولياء لهن على الإطلاق.

كان للرجل أن يبيع المرأة ممن شاء و كان له أن يهبها لغيره، و كان له أن يقرضها لمن استقرضها للفراش أو الاستيلاد أو الخدمة أو غير ذلك، و كان له أن يسوسها حتى بالقتل، و كان له أن يخلي عنها، ماتت أو عاشت، و كان له أن يقتلها و يرتزق بلحمها كالبهيمة و خاصة في المجاعة و في المآدب، و كان له ما للمرأة من المال و الحق و خاصة من حيث إيقاع المعاملات من بيع و شرى و أخذ و رد.

و كان على المرأة أن تطيع الرجل، أباها أو زوجها، في ما يأمر به طوعا أو كرها، و كان عليها أن لا تستقل عنه في أمر يرجع إليه أو إليها، و كان عليها أن تلي أمور البيت و الأولاد و جميع ما يحتاج إليه حياة الرجل فيه، و كان عليها أن تتحمل من الأشغال أشقها كحمل الأثقال و عمل الطين و ما يجري مجراهما و من الحرف و الصناعات أرداها و سفسافها، و قد بلغ عجيب الأمر إلى حيث إن المرأة الحامل في بعض القبائل إذا وضعت حملها قامت من فورها إلى حوائج البيت، و نام الرجل على فراشها أياما يتمرض و يداوي نفسه، هذه كليات ما له و عليها، و لكل جيل من هذه الأجيال الوحشية خصائل و خصائص من السنن و الآداب القومية باختلاف عاداتها الموروثة مناطق حياتها و الأجواء المحيطة بها يطلع عليه من راجع الكتب المؤلفة في هذه الشئون.

حياة المرأة في الأمم المتمدنة قبل الإسلام

نعني بهم الأمم التي كانت تعيش تحت الرسوم الملية المحفوظة بالعادات الموروثة من غير استناد إلى كتاب أو قانون كالصين و الهند و مصر القديم و إيران و نحوها. تشترك جميع هؤلاء الأمم: في أن المرأة عندهم ما كانت ذات استقلال و حرية، لا في إرادتها و لا في أعمالها، بل كانت تحت الولاية و القيمومة، لا تنجز شيئا من قبل نفسها و لا كان لها حق المداخلة في الشئون الاجتماعية من حكومة أو قضاء أو غيرهما.

و كان عليها: أن تشارك الرجل في جميع أعمال الحياة من كسب و غير ذلك.

و كان عليها: أن تختص بأمور البيت و الأولاد، و كان عليها أن تطيع الرجل في جميع ما يأمرها و يريد منها.

و كانت المرأة عند هؤلاء أرفه حالا بالنسبة إليها في الأمم غير المتمدنة، فلم تكن تقتل و تؤكل لحمها، و لم تحرم من تملك المال بالكلية بل كانت تتملك في الجملة من إرث أو ازدواج أو غير ذلك و إن لم تكن لها أن تتصرف فيها بالاستقلال، و كان للرجل أن يتخذ زوجات متعددة من غير تحديد و كان لها تطليق من شاء منهن، و كان للزوج أن يتزوج بعد موت الزوجة و لا عكس غالبا و كانت ممنوعة عن معاشرة خارج البيت غالبا.

و لكل أمة من هذه الأمم مختصات بحسب اقتضاء المناطق و الأوضاع: كما أن تمايز الطبقات في إيران ربما أوجب تميزا لنساء الطبقات العالية من المداخلة في الملك و الحكومة أو نيل السلطنة و نحو ذلك أو الازدواج بالمحارم من أم أو بنت أو أخت أو غيرها.

و كما أنه كان بالصين الازدواج بالمرأة نوعا من اشتراء نفسها و مملوكيتها، و كانت هي ممنوعة من الإرث و من أن تشارك الرجال حتى أبنائها في التغذي، و كان للرجال أن يتشارك أكثر من واحد منهم في الازدواج بمرأة واحدة يشتركون في التمتع بها، و الانتفاع من أعمالها، و يلحق الأولاد بأقوى الأزواج غالبا.

و كما أن النساء كانت بالهند من تبعات أزواجهن لا يحل لهن الازدواج بعد توفي أزواجهن أبدا، بل إما أن يحرقن بالنار مع جسد أزواجهن أو يعشن مذللات، و هن في أيام الحيض أنجاس خبيثات لازمة الاجتناب و كذا ثيابها و كل ما لامستها بالبشرة.

و يمكن أن يلخص شأنها في هذه الأمم: أنها كالبرزخ بين الحيوان و الإنسان يستفاد منها استفادة الإنسان المتوسط الضعيف الذي لا يحق له إلا أن يمد الإنسان المتوسط في أمور حياته كالولد الصغير بالنسبة إلى وليه غير أنها تحت الولاية و القيمومة دائما.

و هاهنا أمم أخرى

كانت الأمم المذكورة آنفا أمما تجري معظم آدابهم و رسومهم الخاصة على أساس اقتضاء المناطق و العادات الموروثة و نحوها من غير أن تعتمد على كتاب أو قانون ظاهرا لكن هناك أمم أخرى كانت تعيش تحت سيطرة القانون أو الكتاب، مثل الكلدة و الروم و اليونان.

أما الكلدة و الآشور فقد حكم فيهم شرع "حامورابي" بتبعية المرأة لزوجها و سقوط استقلالها في الإرادة و العمل، حتى أن الزوجة لو لم تطع زوجها في شيء من أمور المعاشرة أو استقل بشيء فيها كان له أن يخرجها من بيته، أو يتزوج عليها و يعامل معها بعد ذلك معاملة ملك اليمين محضا، و لو أخطأت في تدبير البيت بإسراف أو تبذير كان له أن يرفع أمرها إلى القاضي ثم يغرقها في الماء بعد إثبات الجرم.
و أما الروم فهي أيضا من أقدم الأمم وضعا للقوانين المدنية، وضع القانون فيها أول ما وضع في حدود سنة أربعمائة قبل الميلاد ثم أخذوا في تكميله تدريجا، و هو يعطي للبيت نوع استقلال في إجراء الأوامر المختصة به، و لرب البيت و هو زوج المرأة و أبو أولادها نوع ربوبية كان يعبده لذلك أهل البيت كما كان يعبد هو من تقدمه من آبائه السابقين عليه في تأسيس البيت، و كان له الاختيار التام و المشية النافذة في جميع ما يريده و يأمر به على أهل البيت من زوجة و أولاد حتى القتل لو رأى أن الصلاح فيه، و لا يعارضه في ذلك معارض، و كانت النساء نساء البيت كالزوجة و البنت و الأخت أردأ حالا من الرجال حتى الأبناء التابعين محضا لرب البيت، فإنهن لم يكن أجزاء للاجتماع المدني فلا تسمع لهن شكاية، و لا ينفذ منهن معاملة، و لا تصح منهن في الأمور الاجتماعية مداخلة لكن الرجال أعني الإخوة و الذكور من الأولاد حتى الأدعياء فإن التبني و إلحاق الولد بغير أبيه كان معمولا شائعا عندهم و كذا في يونان و إيران و العرب كان من الجائز أن يأذن لهم رب البيت في الاستقلال بأمور الحياة مطلقا لأنفسهم.

و لم يكن أجزاء أصيلة في البيت بل كان أهل البيت هم الرجال، و أما النساء فتبع، فكانت القرابة الاجتماعية الرسمية المؤثرة في التوارث و نحوها مختصة بما بين الرجال، و أما النساء فلا قرابة بينهن أنفسهن كالأم مع البنت و الأخت مع الأخت، و لا بينهن و بين الرجال كالزوجين أو الأم مع الابن أو الأخت مع الأخ أو البنت مع الأب و لا توارث فيما لا قرابة رسمية، نعم القرابة الطبيعية و هي التي يوجبها الاتصال في الولادة كانت موجودة بينهم، و ربما يظهر أثرها في نحو الازدواج بالمحارم، و ولاية رئيس البيت و ربه لها.

و بالجملة كانت المرأة عندهم طفيلية الوجود تابعة الحياة في المجتمع المجتمع المدني و البيتي زمام حياتها و إرادتها بيد رب البيت من أبيها إن كانت في بيت الأب أو زوجها إن كانت في بيت الزوج أو غيرهما، يفعل بها ربها ما يشاء و يحكم فيها ما يريد، فربما باعها، و ربما وهبها، و ربما أقرضها للتمتع، و ربما أعطاها في حق يراد استيفاؤه منه كدين و خراج و نحوهما، و ربما ساسها بقتل أو ضرب أو غيرهما، و بيده تدبير مالها إن ملكت شيئا بالازدواج أو الكسب مع إذن وليها لا بالإرث لأنها كانت محرومة منه، و بيد أبيها أو واحد من سراة قومها تزويجها و بيد زوجها تطليقها.

و أما اليونان فالأمر عندهم في تكون البيوت و ربوبية أربابها فيها كان قريب الوضع من وضع الروم.

فقد كان الاجتماع المدني و كذا الاجتماع البيتي عندهم متقوما بالرجال، و النساء تبع لهم، و لذا لم يكن لها استقلال في إرادة و لا فعل إلا تحت ولاية الرجال، لكنهم.

جميعا ناقضوا أنفسهم بحسب الحقيقة في ذلك، فإن قوانينهم الموضوعة كانت تحكم عليهن بالاستقلال و لا تحكم لهن إلا بالتبع إذا وافق نفع الرجال، فكانت المرأة عندهم تعاقب بجميع جرائمها بالاستقلال، و لا تثاب لحسناتها و لا تراعى جانبها إلا بالتبع و تحت ولاية الرجل.

و هذا بعينه من الشواهد الدالة على أن جميع هذه القوانين ما كانت تراها جزءا ضعيفا من المجتمع الإنساني ذات شخصية تبعية، بل كانت تقدر أنها كالجراثيم المضرة مفسدة لمزاج الاجتماع مضرة بصحتها غير أن للمجتمع حاجة ضرورية إليها من حيث بقاء النسل، فيجب أن يعتنى بشأنها، و تذاق وبال أمرها إذا جنت أو أجرمت، و يحتلب الرجال درها إذا أحسنت أو نفعت، و لا تترك على حيال إرادتها صونا من شرها كالعدو القوي الذي يغلب فيؤخذ أسيرا مسترقا يعيش طول حياته تحت القهر، أن جاء بالسيئة يؤاخذ بها و إن جاء بالحسنة لم يشكر لها.

و هذا الذي سمعته: أن الاجتماع كان متقوما عندهم بالرجال هو الذي ألزمهم أن يعتقدوا أن الأولاد بالحقيقة هم الذكور، و أن بقاء النسل ببقائهم، و هذا هو منشأ ظهور عمل التبني و الإلحاق بينهم، فإن البيت الذي ليس لربه ولد ذكر كان محكوما بالخراب، و النسل مكتوبا عليه الفناء و الانقراض، فاضطر هؤلاء إلى اتخاذ أبناء صونا عن الانقراض و موت الذكر، فدعوا غير أبنائهم لأصلابهم أبناء لأنفسهم فكانوا أبناء رسما يرثون و يورثون و يرتب عليهم آثار الأبناء الصلبيين، و كان الرجل منهم إذا زعم أنه عاقر لا يولد منه ولد عمد إلى بعض أقاربه كأخيه و ابن أخيه فأورده فراش أهله لتعلق منه فتلد ولدا يدعوه لنفسه، و يقوم بقاء بيته.

و كان الأمر في التزويج و التطليق في اليونان قريبا منهما في الروم، و كان من الجائز عندهم تعدد الزوجات غير أن الزوجة إذا زادت على الواحدة كانت واحدة منهن زوجة رسمية و الباقية غير رسمية.

حال المرأة عند العرب و محيط حياتهم محيط نزول القرآن

و قد كانت العرب قاطنين في شبه الجزيرة و هي منطقة حارة جدبة الأرض، و المعظم من أمتهم قبائل بدوية بعيدة عن الحضارة و المدنية، يعيشون بشن الغارات، و هم متصلون بإيران من جانب و بالروم من جانب و ببلاد الحبشة و السودان من آخر.

و لذلك كانت العمدة من رسومهم رسوم التوحش، و ربما وجد خلالها شيء من عادات الروم و إيران، و من عادات الهند و مصر القديم أحيانا.

كانت العرب لا ترى للمرأة استقلالا في الحياة و لا حرمة و لا شرافة إلا حرمة البيت و شرافته، و كانت لا تورث النساء، و كانت تجوز تعدد الزوجات من غير تحديد بعدد معين كاليهود، و كذا في الطلاق، و كانت تئد البنات، ابتدأ بذلك بنو تميم لوقعة كانت لهم مع النعمان بن المنذر، أسرت فيه عدة من بناتهم، و القصة معروفة فأغضبهم ذلك فابتدروا به، ثم سرت السجية في غيرهم، و كانت العرب تتشأم إذا ولدت للرجل منهم بنت يعدها عارا لنفسه، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به، لكن يسره الابن مهما كثر و لو بالدعاء و الإلحاق حتى أنهم كانوا يتبنون الولد لزنا محصنة ارتكبوه، و ربما نازع رجال من صناديدهم و أولي الطول منهم في ولد ادعاه كل لنفسه.

و ربما لاح في بعض البيوت استقلال لنسائهم و خاصة للبنات في أمر الازدواج فكان يراعي فيه رضى المرأة و انتخابها، فيشبه ذلك منهم دأب الأشراف بإيران الجاري على تمايز الطبقات.

و كيف كان فمعاملتهم مع النساء كانت معاملة مركبة من معاملة أهل المدنية من الروم و إيران كتحريم الاستقلال في الحقوق، و الشركة في الأمور العامة الاجتماعية كالحكم و الحرب و أمر الازدواج إلا استثناء، و من معاملة أهل التوحش و البربرية، فلم يكن حرمانهن مستندا إلى تقديس رؤساء البيوت و عبادتهم، بل من باب غلبة القوي و استخدامه للضعيف.

و أما العبادة فكانوا يعبدون جميعا رجالا و نساء أصناما يشبه أمرها أمر الأصنام عند الصابئين أصحاب الكواكب و أرباب الأنواع، و تتميز أصنامهم بحسب تميز القبائل و أهوائها المختلفة، فيعبدون الكواكب و الملائكة و هم بنات الله سبحانه بزعمهم و يتخذونها على صور صورتها لهم أوهامهم، و من أشياء مختلفة كالحجارة و الخشب، و قد بلغ هواهم في ذلك إلى مثل ما نقل عن بني حنيفة أنهم اتخذوا لهم صنما من الحيس فعبدوه دهرا طويلا ثم أصابتهم مجاعة فأكلوه فقيل فيهم: أكلت حنيفة ربها.

زمن التقحم و المجاعة.

لم يحذروا من ربهم.

سوء العواقب و التباعة.

و ربما عبدوا حجرا حتى إذا وجدوا حجرا أحسن منه طرحوا الأول و أخذوا بالثاني، و إذا لم يجدوا شيئا جمعوا حفنة من تراب ثم جاءوا بغنم فحلبوه عليها ثم طافوا بها يعبدونها.

و قد أودعت هذا الحرمان و الشقاء في نفوس النساء ضعفا في الفكرة يصور لها أوهاما و خرافات عجيبة في الحوادث و الوقائع المختلفة ضبطتها كتب السير و التاريخ.

فهذه جمل من أحوال المرأة في المجتمع الإنساني من أدواره المختلفة قبل الإسلام و زمن ظهوره، آثرنا فيها الاختصار التام، و يستنتج من جميع ذلك: أولا: أنهم كانوا يرونها إنسانا في أفق الحيوان العجم، أو إنسانا ضعيف الإنسانية منحطا لا يؤمن شره و فساده لو أطلق من قيد التبعية، و اكتسب الحرية في حياته، و النظر الأول أنسب لسيرة الأمم الوحشية و الثاني لغيرهم، و ثانيا: أنهم كانوا يرون في وزنها الاجتماعي أنها خارجة من هيكل المجتمع المركب غير داخلة فيه، و إنما هي من شرائطه التي لا غناء عنها كالمسكن لا غناء عن الالتجاء إليه، أو أنها كالأسير المسترق الذي هي من توابع المجتمع الغالب، ينتفع من عمله و لا يؤمن كيده على اختلاف المسلكين، و ثالثا: أنهم كانوا يرون حرمانها في عامة الحقوق التي أمكن انتفاعها منها إلا بمقدار يرجع انتفاعها إلى انتفاع الرجال القيمين بأمرها، و رابعا: أن أساس معاملتهم معها فيما عاملوا هو غلبة القوي على الضعيف و بعبارة أخرى قريحة الاستخدام، هذا في الأمم غير المتمدنة، و أما الأمم المتمدنة فيضاف عندهم إلى ذلك ما كانوا يعتقدونه في أمرها: أنها إنسان ضعيف الخلقة لا تقدر على الاستقلال بأمرها، و لا يؤمن شرها، و ربما اختلط الأمر اختلاطا باختلاف الأمم و الأجيال.

ما ذا أبدعه الإسلام في أمرها

لا زالت بأجمعها ترى في أمر المرأة ما قصصناه عليك، و تحبسها في سجن الذلة و الهوان حتى صار الضعف و الصغار طبيعة ثانية لها، عليها نبتت لحمها و عظمها و عليها كانت تحيا و تموت، و عادت ألفاظ المرأة و الضعف و الهوان كاللغات المترادفة بعد ما وضعت متباينة، لا عند الرجال فقط بل و عند النساء - و من العجب ذلك - و لا ترى أمة من الأمم وحشيها و مدنيها إلا و عندهم أمثال سائرة في ضعفها و هوان أمرها، و في لغاتهم على اختلاف أصولها و سياقاتها و ألحانها أنواع من الاستعارة و الكناية و التشبيه مربوطة بهذه اللفظة المرأة يقرع بها الجبان، و يؤنب بها الضعيف، و يلام بها المخذول المستهان و المستذل المنظلم، و يوجد من نحو قول القائل: و ما أدري و ليت أخال أدري.

أ قوم آل حصن أم نساء.

مئات و ألوف من النظم و النثر في كل لغة.

و هذا في نفسه كاف في أن يحصل للباحث ما كانت تعتقده الجامعة الإنسانية في أمر المرأة و إن لم يكن هناك ما جمعته كتب السير و التواريخ من مذاهب الأمم و الملل في أمرها، فإن الخصائل الروحية و الجهات الوجودية في كل أمة تتجلى في لغتها و آدابها.

و لم يورث من السابقين ما يعتني بشأنها و يهم بأمرها إلا بعض ما في التوراة و ما وصى به عيسى بن مريم (عليهما السلام) من لزوم التسهيل عليها و الإرفاق بها.

و أما الإسلام أعني الدين الحنيف النازل به القرآن فإنه أبدع في حقها أمرا ما كانت تعرفه الدنيا منذ قطن بها قاطنوها، و خالفهم جميعا في بناء بنية فطرية عليها كانت الدنيا هدمتها من أول يوم و أعفت آثارها، و ألغى ما كانت تعتقده الدنيا في هويتها اعتقادا و ما كانت تسير فيها سيرتها عملا.



أما هويتها: فإنه بين أن المرأة كالرجل إنسان و أن كل إنسان ذكرا أو أنثى فإنه إنسان يشترك في مادته و عنصره إنسانان ذكر و أنثى و لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، قال تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم:" الحجرات - 13، فجعل تعالى كل إنسان مأخوذا مؤلفا من إنسانين ذكر و أنثى هما معا و بنسبة واحدة مادة كونه و وجوده، و هو سواء كان ذكرا أو أنثى مجموع المادة المأخوذة منهما، و لم يقل تعالى: مثل ما قاله القائل.

و إنما أمهات الناس أوعية.

و لا قال مثل ما قاله الآخر: بنونا بنو أبنائنا و بناتنا.

بنوهن أبناء الرجال الأباعد.

بل جعل تعالى كلا مخلوقا مؤلفا من كل.

فعاد الكل أمثالا، و لا بيان أتم و لا أبلغ من هذا البيان، ثم جعل الفضل في التقوى.

و قال تعالى: "أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض:" آل عمران - 195، فصرح أن السعي غير خائب و العمل غير مضيع عند الله و علل ذلك بقوله: بعضكم من بعض فعبر صريحا بما هو نتيجة قوله في الآية السابقة: إنا خلقناكم من ذكر و أنثى، و هو أن الرجل و المرأة جميعا من نوع واحد من غير فرق في الأصل و السنخ.

ثم بين بذلك أن عمل كل واحد من هذين الصنفين غير مضيع عند الله لا يبطل في نفسه، و لا يعدوه إلى غيره، كل نفس بما كسبت رهينة، لا كما كان يقوله الناس: إن عليهن سيئاتهن، و للرجال حسناتهن من منافع وجودهن، و سيجيء لهذا الكلام مزيد توضيح.

و إذا كان لكل منهما ما عمل و لا كرامة إلا بالتقوى، و من التقوى الأخلاق الفاضلة كالإيمان بدرجاته، و العلم النافع، و العقل الرزين، و الخلق الحسن، و الصبر، و الحلم فالمرأة المؤمنة بدرجات الإيمان، أو المليئة علما، أو الرزينة عقلا، أو الحسنة خلقا أكرم ذاتا و أسمى درجة ممن لا يعادلها في ذلك من الرجال في الإسلام، كان من كان، فلا كرامة إلا للتقوى و الفضيلة.

و في معنى الآية السابقة و أوضح منها قوله تعالى: "من عمل صالحا من ذكر أو أنثى و هو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة و لنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون": النحل - 97، و قوله تعالى: "و من عمل صالحا من ذكر أو أنثى و هو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب:" المؤمن - 40، و قوله تعالى: "و من يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى و هو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة و لا يظلمون نقيرا": النساء - 124.

و قد ذم الله سبحانه الاستهانة بأمر البنات بمثل قوله و هو من أبلغ الذم: "و إذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا و هو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أ يمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون": النحل - 59، و لم يكن تواريهم إلا لعدهم ولادتها عارا على المولود له، و عمدة ذلك أنهم كانوا يتصورون أنها ستكبر فتصير لعبة لغيرها يتمتع بها، و ذلك نوع غلبة من الزوج عليها في أمر مستهجن، فيعود عاره إلى بيتها و أبيها، و لذلك كانوا يئدون البنات و قد سمعت السبب الأول فيه فيما مر و قد بالغ الله سبحانه في التشديد عليه حيث قال: "و إذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت": التكوير - 9.



و قد بقي من هذه الخرافات بقايا عند المسلمين ورثوها من أسلافهم، و لم يغسل رينها من قلوبهم المربون، فتراهم يعدون الزنا عارا لازما على المرأة و بيتها و إن تابت دون الزاني و إن أصر، مع أن الإسلام قد جمع العار و القبح كله في المعصية، و الزاني و الزانية سواء فيها.

و أما وزنها الاجتماعي: فإن الإسلام ساوى بينها و بين الرجل من حيث تدبير شئون الحياة بالإرادة و العمل فإنهما متساويان من حيث تعلق الإرادة بما تحتاج إليه البنية الإنسانية في الأكل و الشرب و غيرهما من لوازم البقاء، و قد قال تعالى: "بعضكم من بعض:" آل عمران - 195، فلها أن تستقل بالإرادة و لها أن تستقل بالعمل و تمتلك نتاجهما كما للرجل ذلك من غير فرق، "لها ما كسبت و عليها ما اكتسبت".

فهما سواء فيما يراه الإسلام و يحقه القرآن و الله يحق الحق بكلماته غير أنه قرر فيها خصلتين ميزها بهما الصنع الإلهي: إحداهما: أنها بمنزلة الحرث في تكون النوع و نمائه فعليها يعتمد النوع في بقائه فتختص من الأحكام بمثل ما يختص به الحرث، و تمتاز بذلك من الرجل.

و الثانية أن وجودها مبني على لطافة البنية و رقة الشعور، و لذلك أيضا تأثير في أحوالها و الوظائف الاجتماعية المحولة إليها.

فهذا وزنها الاجتماعي، و بذلك يظهر وزن الرجل في المجتمع، و إليه تنحل جميع الأحكام المشتركة بينهما و ما يختص به أحدهما في الإسلام، قال تعالى: "و لا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا و للنساء نصيب مما اكتسبن و اسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما:" النساء - 32، يريد أن الأعمال التي يهديها كل من الفريقين إلى المجتمع هي الملاك لما اختص به من الفضل، و أن من هذا الفضل ما تعين لحوقه بالبعض دون البعض كفضل الرجل على المرأة في سهم الإرث، و فضل المرأة على الرجل في وضع النفقة عنها، فلا ينبغي أن يتمناه متمن، و منه ما لم يتعين إلا بعمل العامل كائنا من كان كفضل الإيمان و العلم و العقل و التقوى و سائر الفضائل التي يستحسنها الدين، و ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، و اسألوا الله من فضله، و الدليل على هذا الذي ذكرنا قوله تعالى بعده: الرجال قوامون، على ما سيجيء بيانه.

و أما الأحكام المشتركة و المختصة: فهي تشارك الرجل في جميع الأحكام العبادية و الحقوق الاجتماعية فلها أن تستقل فيما يستقل به الرجل من غير فرق في إرث و لا كسب و لا معاملة و لا تعليم و تعلم و لا اقتناء حق و لا دفاع عن حق و غير ذلك إلا في موارد يقتضي طباعها ذلك.

و عمدة هذه المورد: أنها لا تتولى الحكومة و القضاء، و لا تتولى القتال بمعنى المقارعة لا مطلق الحضور و الإعانة على الأمر كمداواة الجرحى مثلا، و لها نصف سهم الرجل في الإرث، و عليها: الحجاب و ستر مواضع الزينة، و عليها: أن تطيع زوجها فيما يرجع إلى التمتع منها، و تدورك ما فاتها بأن نفقتها في الحياة على الرجل: الأب أو الزوج، و أن عليه أن يحمي عنها منتهى ما يستطيعه، و أن لها حق تربية الولد و حضانته.

و قد سهل الله لها أنها محمية النفس و العرض حتى عن سوء الذكر، و أن العبادة موضوعة عنها أيام عادتها و نفاسها، و أنها لازمة الإرفاق في جميع الأحوال.

و المتحصل من جميع ذلك: أنها لا يجب عليها في جانب العلم إلا العلم بأصول المعارف و العلم بالفروع الدينية أحكام العبادات و القوانين الجارية في الاجتماع، و أما في جانب العمل فأحكام الدين و طاعة الزوج فيما يتمتع به منها، و أما تنظيم الحياة - الفردية بعمل أو كسب بحرفة أو صناعة و كذا الورود فيما يقوم به نظام البيت و كذا - المداخلة في ما يصلح المجتمع العام كتعلم العلوم و اتخاذ الصناعات و الحرف المفيدة - للعامة و النافعة في الاجتماعات مع حفظ الحدود الموضوعة فيها فلا يجب عليها شيء من ذلك، و لازمه أن يكون الورود في جميع هذه الموارد من علم أو كسب أو شغل أو تربية و نحو ذلك كلها فضلا لها تتفاضل به، و فخرا لها تتفاخر به، و قد جوز الإسلام بل ندب إلى التفاخر بينهن، مع أن الرجال نهوا عن التفاخر في غير حال الحرب.



و السنة النبوية تؤيد ما ذكرناه، و لو لا بلوغ الكلام في طوله إلى ما لا يسعه هذا المقام لذكرنا طرفا من سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع زوجته خديجة و مع بنته سيدة النساء فاطمة (عليها السلام) و مع نسائه و مع نساء قومه و ما وصى به في أمر النساء و المأثور من طريقة أئمة أهل البيت و نسائهم كزينب بنت علي و فاطمة و سكينة بنتي الحسين و غيرهن على جماعتهم السلام، و وصاياهم في أمر النساء.

و لعلنا نوفق لنقل شطر منها في الأبحاث الروائية المتعلقة بآيات النساء فليرجع المراجع إليها.

و أما الأساس الذي بنيت عليه هذه الأحكام و الحقوق فهو الفطرة، و قد علم من الكلام في وزنها الاجتماعي كيفية هذا البناء و نزيده هاهنا إيضاحا فنقول: لا ينبغي أن يرتاب الباحث عن أحكام الاجتماع و ما يتصل بها من المباحث العلمية أن الوظائف الاجتماعية و التكاليف الاعتبارية المتفرعة عليها يجب انتهاؤها بالأخرة إلى الطبيعة، فخصوصية البنية الطبيعية الإنسانية هي التي هدت الإنسان إلى هذا الاجتماع النوعي الذي لا يكاد يوجد النوع خاليا عنه في زمان، و إن أمكن أن يعرض لهذا الاجتماع المستند إلى اقتضاء الطبيعة ما يخرجه عن مجرى الصحة إلى مجرى الفساد كما يمكن أن يعرض للبدن الطبيعي ما يخرجه عن تمامه الطبيعي إلى نقص الخلقة، أو عن

<<        الفهرس        >>